حياتنا اليوم

حياتنا الإلكترونية.. فواصلها أكثر من حروفها

هل كل أصدقائك على الفيس بوك وتويتر هم أصدقاؤك فعلاً، هل أصدقاؤك المشتركون بينك وبين أصدقائك هم أصدقاؤك أيضاً!! هل كل من تضيفهم وتدخلهم بيتك على شبكات المجتمع الافتراضي أو على مسنجر ياهو أو مسنجر الهوت ميل تثق بهم!! هل يهمك العالم الافتراضي وإلى أي حد!! ماذا تشعر عند فتح جهاز الكمبيوتر وانتظار ما يمكن أن تراه في مدونتك من آراء المعجبين من هنا أو هناك.. كل هذه الأسئلة من الممكن أن تدور في رأسك، ولكن لست وأنت أمام جهازك منشد الانتباه، بل وأنت تجلس في ساعة تأمل مع فنجان قهوة في بهو فندق تتأمل وجوه من يمرون أمامك، حينئذ ستلمس ضجة الأصدقاء معاً في عالم واقعي وحقيقي!!

كل هذه الأفكار هي مفاتيح لعالم لا نعرف عنه سوى أن نضغط على زر تشغيله ونغوص في أسلاكه، حيث لا رائحة في الأماكن، لا ممرات لا أحياء تذكرنا بالشوارع القديمة العتيقة كما تغني فيروز.

إذن ما الذي يبقينا في هذه العوالم الافتراضية سوى فضاء أوجدناه، لن أقول فراغاً لأن من المحتمل أن يكون ثلاثة أرباع من يستخدمون العالم الافتراض هم الطبقة العاملة بمختلف شرائحها من رجال أعمال أو موظفين، ولا بأس أن أذكِّر هنا شريحة جديدة هم الأطفال فلكل طفل الآن إلى جانب الموبايل حساب على فيس بوك أو تويتر !!.

هنا لا أنكر عبقرية مارك جوكربيرج صاحب فكرة موقع الفيس بوك، إذ استطاع أن يدرك شغف الناس بالصداقة والتعارف وأن يكونوا في عالم خاص بهم يلتقون سريعاً ويمضون أسرع، مع أنه في البدء كان هذا الموقع مختصراً فقط على أصدقائه في الجامعة التي كان يدرس فيها، إذن السر في موقع اجتماعي كموقع الفيس بوك هو التواصل مع أناس لن تلتقي بهم في حياتك الواقعية، ولكن عليك تقبل ضريبة هذا العالم حيث لا حميمية فيه، فقط عليك الدخول بيدك اليمنى وضغط زر التشغيل!.

وما يجعلك تحب عالمك الافتراضي في بعض الأحايين هو انتماؤك إلى عالم أنت صنعته بنفسك ولم يفرض عليك، وأحياناً تتمنى لو أن هذا العالم بكل ما فيه من سهولة وقرب هو عالمك الواقعي، وربما معه تصبح الغاية تبرِّر الوسيلة، لأنه في سنوات قليلة أصبحت تلك العوالم الافتراضية أهم محرك متخصص في البحث عن الأصدقاء، معارف وأقرباء من بعيد، إضافة إلى البحث عن عمل جديد أو صديق لم تره منذ مدة وتبدأ بالبحث عنه، مع أن الأجمل من ذلك أن تقضي وقتاً في البحث عن صديق، تتبع أخباره من مكان إلى آخر، في هذه الحالة لن يكون لك إلا بطل واحد في قصتك المثيرة وهو البريد التقليدي، أما الآن بكبسة زر تجده فوراً، طبعاً، لا أخفي بأن التقنية ساعدتنا كثيراً في تسهيل حياتنا اليومية لدرجة البلادة، وبات الإيقاع السريع في حياتنا هو المقياس لكافة الأمور.

في الماضي كان تلقي رسالة ورقية لها رائحة ميناء أو طائرة اخترقت سحباً لتوصل رسائل الأصدقاء، أو عبارة نقلتها مع أغراض أناس آخرين لتصلك إلى صندوق بريدك تذهب إليه بنفسك وتخرج مفتاحه الصغير لتفتش عنها أو تعاود الانتظار مرة أخرى، كل هذه الأحاسيس أصبحت تتلاشى شيئاً فشيئاً، أما اليوم فأنت تبدأ صباحك بفتح صندوق رسائلك الإلكترونية على عجل لترى رسالة فواصلها أكثر من حروفها بالكاد تكتب على عجل مثل(أنا هنا، أو أنا اون لاين، أو اتصل بي) بدلاً من رسالة حقيقية لها معنى تتضمن السؤال عنك وعن أحوالك من دون شعورك بأنك تهدر وقت مرسلها!!

باتت حياتنا سريعة جداً لا نأبه بتفاصيلها التي تنقصها الحميمية مع مكنوناتها، ولو التفتنا قليلاً لهذه التفاصيل عندئذ نستطيع أن نلمس الأشياء ونشعر بها ونتعاطى مع كل ما يصيغ نكهة للحياة، ولكن كل هذه العوامل أصبحت من التراث القديم.

الآن بعد أن أكتب هذه المقالة سأحفظها إلكترونياً وأهرب من غضب الورق الأبيض الذي لم أخط عليه أي حرف، ولكن هذه حياتنا الإلكترونية بأيدينا ابتكرناها ومن قلوبنا ندفع ضريبتها!!

أضف تعليق

التعليقات