كل ما في هذه القصة القصيرة يوحي للوهلة الأولى أنها كتبت للصغار، بدءاً بموضوعها وانتهاءً بأسماء أبطالها، مروراً بأسلوبها المباشر ولغتها السهلة الأبعد ما تكون عن الصناعة..
ولكن مؤلفها الأديب والقاص السوري المعروف فاضل السباعي ضمّن عنوان هذه القصة إشارة إلى أنها للكبار والصغار.. وكأنه ينتفض بذلك على ما آلت إليه القصة القصيرة للكبار في يومنا هذا من غرقٍ في التصنّع والتعقيد الشكلي، ربما تبجحاً برفعة المكانة الأدبية، فسعى إلى تخليصها من كل هذه المعوقات علّها تستعيد مكانتها في قلوب القرّاء..
يُحكى أنه كانت هناك ضيعة تدعى “جُلّنار” فيها معلِّم مدرسة طيّب القلب جداً اسمه “طيّوب” واسم زوجته “طيّوبة”. وكان هذا المعلِّم الشاب يعتقد بأن الأحلام ما هي إلى صدى لما يكون قد مرّ بالحالم من حوادث، ولم يخطر في باله أن ما قد يراه النائم في ليلته يمكن أن يتحقق في صباح اليوم التالي!
في تلك الليلة، هبّ طيّوب من نومه عند الفجر، وهو يرتعد من شدة الخوف. ما رآه في منامه أن “هاتفاً” غير مرئي كان يهيب به:
“أحفر تحت شجرة الرمان تجد كنزاً!”
ولم يتبادر إلى ذهنه أن يسأل الهاتف أية شجرة رمان يقصد، وأرضه وأراضي إخوته مليئة بأشجار الرمان!
تابع الهاتف موضحاً:
“أحفر تحت أعلى شجرات الرمان في أرضك، ناحية شمال – شرق، على عمق ذراع، تظهر لك جرة تحتوي على ألف دينار ودينار، كلها من ذهب!”
قال طيّوب في نفسه: جاءك الغنى! لسوف يرْفُل أولادك الذين سوف تنجبهم في العزّ والنعيم.
–
”إنه كنز من أيّام العباسيين سيكون بين يديك تُسلمه فوراً إلى “الآثار”. وإذا سوّلت لك نفسك، الأمّارة بالسوء، أن تحتفظ به لنفسك، تحولت الدنانير بين يديك إلى فضة!”
تصبب طيّوب عرقاً وهو في سريره. إنها رسالة عليّ أن أؤديها!
نادى بصوت يرتعش: “طيّوبة! طيّوبة!”
ولكن زوجته لا تريد أن تستيقظ.
– في أرضنا كنز، يا طيّوبة!
– ماذا قلت؟ كنز! وأين هو؟
– تحت إحدى شجرات الرمان، يا طيّوبة.
وأسرع إلى حيث المِعْوَل والرَّفش فاختطفهما، ومضى بهما إلى الحقل، وزوجته طيّوبة تتبعه.
لم يَطُل بحث طيّوب، في هذا الفجر الوليد، عن تلك الشجرة التي عناها الهاتف: الأعلى بين الأشجار في أرضه.
– هي ذي! وهنا الشمال الشرقي!
سألته طيّوبة: “ماذا تقول، يا طيّوب؟”
– أنا أحفر، وأنت تزيحين التراب.
وأخذ يقصّ عليها، بعبارات متقطعّة، حكاية المنام العجيب.. فازدادت حماستها: فالكنز دنانير من ذهب!
–
علينا أن نُخرج الكنز قبل الضياء. فإنْ رآنا أحد إخوتي دخلنا وإيّاه في خلاف شديد.
–
ألا يطلع لي من الكنز دنانير أجعل منها عقداً أتزيّن به لك؟
ومع ظهور تباشير الصباح، سمعا رنّة صغيرة عذبة الإيقاع: لقد ارتطم المعول بالجرة. التي تبيّن أنها من نحاس! تعاونا على سحب الجرة، ممسكين بعُروتيها، مستخرجين إيّاها من قلب التراب. احتضنها طيّوب بين ذراعيه، وسار تتبعه زوجته، ناسين المعول والرفش، وكذلك الحفرة.. التي ظلّت فاغرة فاها تدلّ على ما فعلا في باكر الصباح!
وفي البيت، حطّ طيّوب الجرة في وسط الغرفة، وذهب ينفض عنه الغبار ويغتسل، وفي هذه الأثناء أسرعت طيّوبة تخفي عنه الجرة.
– علينا أن نُخفي الجرّة عن العيون، يا طيّوبة.
–
أنا أخفيها عنك، ولن أظهرها لك إلا إذا وعدتني بأن تُعطيني منها بعض الدنانير!
–
يا طيّوبة! يا طيّوبة! إن الهاتف في المنام أمرني بأن أسلّم الكنز إلى “الآثار” فوراً. وإذا سوّلت لنا نفسنا أن نحتفظ به تحوّلت الدنانير إلى فضة.
– هل هذا معقول، يا طيّوب؟!
–
عودي إلى الجرّة، وانظري إلى الدنانير ما إذا كانت قد ظلّت ذهبية؟
غابت عن عينيه لحظة.. ثم ما لبث أن ترامت إليه صرخة أليمة: “طيّوب! أرى الدنانير فضية!!”، عائدة إليه بالجرة، وهي تذرف الدموع.
صرخ بها:
– أيتها البلهاء! أرأيت إلام قادنا طمعك البغيض!
وزاد نحيبها:
–
”يا لي من امرأة شريرة، لا تستحق زوجاً طيباً مثلك، يا طيّوب!”
ولكن طيّوب، عندما عانق الجرة ومدّ بصره إلى داخلها، رأى الدنانير تلمع لمعان الذهب!
–
كُفّي عن البكاء. عادت الدنانير ذهبية. والآن خبئي الجرة في حرز حريز حتى لا تصل إليها يد ولا عين، ريثما أستريح في الفراش، قبل أن نمضي بها معاً إلى المدينة.
احتارت طيّوبة أين تخبئ الجرة. وأخيراً استقرّ رأيها على أن تدسّها طيَّ ما تطبقه في “السَّمَنْدرة” من الفُرُش واللُّحُف. وخوفاً من أن تنسى هذا المخبأ الأمين، كتبت بخطّها على ورقة كبيرة: “في قلب الفراش هنا خبّأت الكنز”! وعلّقت الورقة بدبابيس على الستارة التي تحجب الفُرُش عن العيون. ثم استلقت بجوار زوجها، يغطّان في نوم سعيد، بعد كل ما بذلاه من جهد في هذا الصباح.
غمرت شمس الصباح ينورها ضيعة “جُلَّنار”، مزارعها المحيطة بها، والبيوت المتناثرة بين أشجار الرمَّان والمشمش والجوز العتيق. تأخّر الناس في استيقاظهم، إلا من أبكر قاصداً العمل في أرضه في هذا الصباح الصيفي الجميل.
أحد الأولاد اتفق مروره، ساعة الضحى، بجوار شجرة الرمّان العالية في أرض طيّوب. فاسترعت انتباهه كومة التراب التي تنم على أنها احتفرت هذا الصباح.
–
أبي! رأيت تحت إحدى الشجرات، في أرض عمّي طيّوب، حفرة!
فلم يكن هذا الولد إلا أحد أبناء “نايف” الأخ الأكبر لطيّوب. فهرع إلى حيث الشجرة، ورأى كومة التراب، والحفرة، وإلى جوارهما أدوات الحفر!
حدّث نفسه: لا بدّ أنّ أخانا طيّوب، الذي دلّلـه أبونا ومنحه فرصة أن يتعلم حتى أصبح معلّم المدرسة الوحيد في الضيعة، قد عثر تحت هذه الشجرة على شيء ثمين يُسميه الناس كنزاً، وهو – من شدة فرحه بالكنز – نسي المعول والرفش وكذلك أن يعيد التراب إلى الحفرة! إن صحّت ظنوني، فإننا يحقّ لنا أن نكون شركاء له في الكنز. فقد ورثنا، نحن الإخوة الخمسة، الأرض عن أبينا، ولا عبرة في أن يكون الكنز قد ظهر في القسم الذي آل إليه من الأرض.
لم يفكّر نايف في الأمر طويلاً. توجه إلى بيت أخيه طيّوب. لم يقرع الباب، بل قفز من فوق الحائط القصير فأصبح في الفناء. وبسهولة استطاع أن يفتح الباب. رأى أخاه وزوجته، في غرفة المعيشة الوسيعة، ما زالا نائمين. أجل، إنهما غارقان في النوم بعد ليلة حصلا فيها على كنز ثمين. تلفّت حواليه، فرأى على ستارة السَّمنْدرة ورقة، قرأها، فأيقن أن ما جال في ذهنه من الخواطر صحيح كلّه. وسرّه أن الغفلة بلغت بهذين الزوجين أن تركا الحفرة كما هي، وأن الزوجة البلهاء أعلنت عن مخبأ الكنز!
مدّ ذراعه بين طيّات الفراش، فلامست جسماً طلباً، سحبه.. فإذا الجرّة بين يديه، وفيها الذهب يلتمع! وخرج من البيت بالكنز. وفاته من شدّة فرحة أن يردّ الباب وراءه. وفي بيته وضع الجرة أمام زوجته والأولاد.
–
قد عثرنا في أرضنا على كنز، يا أولاد! إنها دنانير، دنانير من الذهب الخالص. هي بيننا بالتساوي: نايف ونوّاف وحنّان وحنّون، وأصغرنا معلم المدرسة المدلّل طيّوب. أنا رجل يحبّ العدل!
لم تكتم زوجته فرحتها:
–
أنت لن تُمانع في أن أجعل من بعض الدنانير عقداً أضعه على صدري في الأعراس؟
–
بل وتجعلين منها ما يطوّق عنقك كله، وخصرك الجميل. إنها كثيرة كثيرة.. أنظري!
نظرت الزوجة.. وأدخلت كفّيها في الجرّة، فخرجتا بحفنةٍ من الدنانير.
– ولكنها.. قطع فضية!!
–
عجباً! لقد رأيتها هناك دنانير من ذهب! هل بات أخونا معلّم المدرسة ساحراً؟
وغادر البيت حاملاً الجرّة، وصدره يتّقد غضباً.
كان طيّوب لا يزال نائماً لحظة هزّت طيّوبة يده لتوقظه:
–
طيّوب! إنهم ينادونك. أسمع صوت أخيك نايف في الفناء.
هبّ طيّوب من رقدته، عازماً على الدفاع بكلّ قوته عن الكنز تجاه أخيه الأكبر، هذا الذي يعرف فيه شدّة الطمع وحدّة الطبع. دسّ قدميه في الخفّ على عجل قائلاً لزوجته:
“أحرسي الكنز، يا طيّوبة. إن عرف إخوتي بأمره كانت بيني وبينهم مشاحنات لا تنتهي!”.
وفوجئ بأن رأى باب بيته مفتوحاً. ثم رأى إخوته الأربعة، في فناء البيت، تحيط بهم زوجاتهم وبنوهم وبناتهم، لا ينقص منهم إلا الرضّع. ولكن ما كان أكثر مفاجأة له رؤيته الجرة مستلقية على صدر أخيه الأكبر! فصرخ غاضباً:
“كيف سمحت لنفسك أن تدخل بيتي من دون علمي!”
طيّوبة، وهي وراء زوجها، لم تصدّق أذنيها ولا عينيها، انكفأت إلى الداخل لتبحث عن الجرة، فلم تجدها.. وأدركت أنها كانت بلهاء جداً عندما كتبت تلك الورقة وعلّقتها على الستارة بدبابيس!
جاراه نايف بصراخ أشد:
–
الدنانير لنا نحن الإخوة الخمسة بالتساوي! ولكني جئت إليك لأعرف: أمن ذهبٍ هي، أم من فضة؟
أجابه طيّوب بهدوء: “هي من ذهب عندما تكون في أيدٍ أمينة، ولكنها تتحول إلى فضة إذا حازها أحد بغير حق!”.
فالتفت نايف إلى إخوته:
–
كما قلت لكم: إنّ أخانا، معلّم المدرسة، يعمل في السحر!
وتكلّم نواف:
–
نريد أن نعرف، يا معلّم المدرسة، كيف أمكن أن تتحول دنانير من ذهب إلى دنانير فضية؟
–
رُدّوا إليّ الجرة، وأنا أشرح لكم.
وانتزع الجرة، من يدي أخيه نايف، ضامّاً إيّاها بين ذراعيه، ثم أرسل نظرة إلى الدنانير.. فإذا هي تلمع لمعان الذهب!
– انظروا الآن إلى الدنانير.. فهي من ذهب!
سألته أخته حنان، كَنَّة مختار الضيعة:
–
ولكن من أين جاءتك هذه الدنانير الذهبية، يا صغيرنا طيّوب؟
–
كنز.. وجدته مطموراً تحت إحدى شجرات الرمّان في أرضي.
سأله حنّون أصغر إخوته، وهو يضاهي أخته محبة له: “ومن الذي دلّك على موضعه، يا طيّوب؟”
– “هاتف” جاءني في المنام فجر اليوم.
سخِر نايف:
– هاتف ومنام! ذهب وفضة! عشنا وسمعنا!
تساءل نوّاف مستنكراً: “وكيف استطعت أن تحوّل الدنانير الذهبية إلى فضّة، ثم تعيدها ذهباً؟”.
وأضاف نايف:
–
تبدو لنا الآن ساحراً، ونحن لا نعرفك إلا معلماً للصبيان!
–
كل ما في الأمر يا إخوتي الأحبّاء، أني سمعت، وأنا نائم، صوتاً يأتيني من بعيد أنّ هناك كنزاً مطموراً تحت الشجرة الفلانية، فذهبت أنا وطيّوبة، عند الفجر، حفرنا الأرض واستخرجناه!
أكّدت طيّوبة قول زوجها بأن هزّت رأسها هزّات صغيرة لم يلحظها أحد.
أعلن نايف بصوت عريض:
–
أنت أخرجت الكنز من الأرض التي ورثناها من أبينا.
هتفوا بصوت واحد:
– إنه كنزنا.. كنز الجميع!
قالت زوجة الأخ الأكبر:
–
زوجي وعدني بدنانير أصوغ منها عقداً يطوّق عنقي!
قالت سُلفتها، زوجة نوّاف:
–
وزوجي لن يبخل عليّ بنطاق من الدنانير أتزنّر به!
قالت حنان هازئة:
–
السلائف، ما شاء الله، لم يُبقين لنا شيئاً من الدنانير!
تنصّل حنُون:
– أما أنا، فلم أعد زوجتي بشيء!
ولكن طيّوب أعلن بملء فيه:
–
يا إخوتي! إنّ الكنز ليس لي. إنه للحكومة. الهاتف في المنام أمرني بأن أسلّمه إلى “الآثار”. وإذا احتفظ به أحد تحوّلت الدنانير فوراً إلى فضة.. أليس كذلك يا نايف؟
هنا ساد هَرْجٌ ومَرْج، قطعتهما الأخت حنان قائلة:
–
لا بدّ من أن نحتكم إلى أحد، وليكن عمّي المختار. تركته منذ ساعة في المضافة يتناول طعام الفطور.
سبقهم ضجيجهم إلى مسامع المختار، فعرف أن القوم واقعون في مشكلة عويصة.
طلب أولاً أن تدور عليهم دلّة القهوة المرّة، وهو متربّع على الأريكة، يُصغي إليهم، يروي كلٌ منهم المسألة على هواه، والجرة بين يديه تلتقي عندها الأبصار.
وأخيراً قال:
–
ليأخذ كلٌّ منكم ديناراً ذهبياً، ويمضي به إلى السوق، وحاولوا أن تشتروا به، ذهباً كان أو فضة، ماتتوق نفوسكم إليه من أشياء.. ثم عودوا إليّ.
وأعطى ديناراً لنايف، وآخر لنوّاف. وتجاوز كنّته حنان، فليس يحسن أن تنزل كنّة المختار إلى السوق في مثل هذه الحال. واستغنى حنُون عن خوض التجربة، مكتفياً بما يحاوله أخواه العنيدان. وأمّا طيّوب، فقد قبع في مكانه منتظراً النتيجة بقلب ملهوف.
لم يكد يصل الأخوان، بديناريهما الذهبيّين، إلى باب المضافة، حتى توقّفا وكأن سلاسل كبّلت أقدامهما. وعادا، وقد نكّس كلٌّ منهما رأسه خجلاً: لقد تحوّل الدينار في يد كل منهما إلى قطعة من نحاس لا قيمة لها!
وقد حدّث بعض من حضر تلك الجلسة:
–
… فلما أسقط الديناران في الجرة، واحداً بعد الآخر، سُمع لهما رنين الذهب!
تقول الحكاية:
إن “الآثار” بعد أن تسلّموا الكنز من طيّوب وطيّوبة، وعدوهما بأن يقدموا لهما مكافأة سخيّة. ولم تكن المكافأة شيئاً من الدنانير، من الألف دينار ودينار، فهذا “كنز” ينبغي أن يُحتفظ به في المتحف، ولكنها بالعملة المتداولة.
وفي الصحف كتبوا، وتحدثوا في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، عن المواطن طيّوب، معلم المدرسة في ضيعة “جُلَّنار” الذي عثر، في أرضه، على كنز ثمين، وبادر إلى تسليمه للآثار، فكان مثالاً للمواطن الشريف الغيور.
وطيّوب، من ناحيته، لم ينسَ أشقاءه، فوهب لكل واحد منهم شيئاً من المكافأة، وبالتساوي فيما بينهم! واشترى لزوجته طيّوبة عقداً ونطاقاً مرصّعين بالذهب، لتتزيّن بهما، له في البيت وأمام نسوة الضيعة في الأعراس. ثم بنى طابقاً آخر فوق بيته الريفي المتواضع، فغدا أول بيت في الضيعة مؤلف من طابقين، وأصبحوا إذا ما مرّوا من أمام هذا البيت، تحدّثوا عن أنّ صاحبه معلم المدرسة طيّوب بناه بالمكافأة التي نالها من “الآثار”، لا بدنانير الكنز التي تتحوّل إلى فضة أو إلى نحاس!
وتلاميذ الضيعة، بعد أن عرفوا وسمعوا وشاهدوا، ازدادوا تقديراً لمعلّمهم الشاب، وظلّوا يرمقونه، أثناء الدروس، بنظرات الإعجاب، ويفتخرون بأنهم تلاميذ لمعلم أمين وشجاع، ويتمنّون لو أنهم، هم وآباؤهم، يعثرون في أراضيهم على مثل هذا الكنز.. ولكن هيهات!
وتروي الحكاية، أيضاً، طُرفاً مما يقع في ضيعة “جُلَّنار”. يقولون أنه يتفق لبعضهم أن يمرّ بأرض الأخوين نايف ونوّاف، فيرى، تحت الأشجار هنا وهناك، حفراً مردومة أو منسيّاً ردمها!
وأمّا طيّوب وطيّوبة، فقد جعلا يُكثران من التردد على المتحف. وعندما يتأملان الجرّة، وهي في مثابتها الزجاجية الأنيقة مُتَّكِئة على جانبها هكذا، وقد تدفّقت منها الدنانير، لمّاعة برّاقة يكاد ينبعث منها رنين الذهب، فإنهما يتمايلان أحدهما على الآخر من سرور، ويبتعدان، وهما يُكركران بالضحك، ويقولان:
“هذا الكنز… نحن من أخرجه، في فجر يوم، من تحت شجرة في أرضنا، بضيعة جُلَّنار!”.