كما يعجز المصاب بعمى الألوان عن رؤية بعض الألوان أو كلها، يعجز المصاب بـ «عمى الوجوه» عن تمييز وجوه الناس عن بعضها.
حتى سنوات قليلة خلت كان يُعتقَد أن عدد الذين يعانون هذه المشكلة قليل جداً، وأن عمى الوجوه يعزى إلى تعرض موضع معين في الدماغ لحادث ما. ولكن ثورة الاتصالات سمحت لمجموعة من أولئك الذين يعانون هذه المشكلة بتجميع بعضهم وطرح مشكلتهم أمام العلم، الذي ما إن وضع أنظمة الاختبار اللازمة، حتى اكتشف أن %2 من البشر يعانون هذه المشكلة، وأن عمى الوجوه لا يعزى فقط إلى الحوادث بل إلى عوامل وراثية.
فريق القافلة يعرض هنا لهذه «المشكلة» المخفية حتى عن الذين يعانونها لأنهم لم يعرفوا يوماً الفرق بين وجه وآخر، وبالتالي لم يعوا ما هو الأمر غير الطبيعي في حالتهم، فيفسِّرون اضطراب علاقاتهم الاجتماعية بأسباب سلوكية لا يفهمونها.
ماذا لو كان البشر بلا وجوه؟ قضية نعرفها في قصص الخيال العلمي، وفي أفلام الرعب. لكن الأمر لدى العلماء يصبح واقعياً أكثر، إذ يحاولون الإجابة عن سؤال: كيف يتعامل المخ مع الوجوه، وكيف يفك رموزها؟ ولماذا يعجز أحياناً عن تمييز الوجوه. وجوه الآخرين، ووجه صاحبه؟
تلعب الوجوه دوراً مهماً في حياتنا، ربما لا نتمكن من إدراكه إلا حين نتخيل كيف يمكن لحياتنا أن تكون من دونها. فالوجه هو الوسيط الأهم والأشد تأثيراً في بناء العلاقات الإنسانية، والبشر يعتمدون على ملامح الوجه في التعبير عن انفعالهم ومشاعرهم، أكثر مما يعتمدون على الكلمات. وبالتالي فإن القدرة على التعامل مع الوجوه وتمييزها وتذكرها وقراءة انفعالها، هي أحد مقاييس المهارة المهمة لتكوين علاقات اجتماعية مع البشر المحيطين، سواء أكانوا في الدائرة القريبة داخل الأسرة والعائلة، أو الدائرة الأوسع التي تشمل الأصدقاء والجيران والمعارف وزملاء العمل. والوجه هو النواة التي يتجمع من حولها كل ما نعرفه ونشعر به تجاه شخص معين. فحين نسمع اسم شخص ما نعرفه، أو يدور في بالنا ما يجعلنا نتذكره، تضيء صورة وجهه على الفور في ذهننا. وكل هذه الأفكار والمشاعر المحفوظة في غرف متناثرة في أدمغتنا، تُستَدعى بسرعة لأنها مرتبطة بعنصر وحيد هو صورة وجه هذا الشخص.
وكما تعد الوجوه وسيطاً مهماً في علاقتنا بالآخرين، فإنها وسيط شديد القيمة في علاقتنا بذواتنا. فالوجه هو الجانب المادي للصورة التي يكونها المرء في داخله عن نفسه. وامتلاكه مجموعة من الملامح التي يعرفها جيداً، ويعرف أنها لا تتكرر في بشر غيره على وجه الأرض، هو الذي يجعله يدرك كونه شخصاً مستقلاً ومتميزاً عن الآخرين.
تختلف طريقة تعامل المخ مع الوجوه، عن طريقة تعامله مع باقي الأشياء التي يدركها بحاسة البصر. إذ يتركز التعامل مع المعلومات البصرية الخاصة بالوجوه في مراكز معينة في المخ غير تلك التي تتولى معالجة باقي المدخلات البصرية. في البداية يصير التعامل مع تلك المعلومات التي التقطتها العين في صورتها الخام، فيحلل المخ ملامح الوجه كلا على حدة، ويستخلص المعلومات البسيطة كالعمر والنوع، والانفعال الواضح. بعد ذلك، تركَّب هذه المعلومات الأولية وتُدمج معاً لتتحول إلى كيان أكبر من مجموع مكوناته. فيتحول الوجه من مساحة تترتب فيها عينان وأنف وفم بطريقة معينة، إلى كيان معين يحتوي على مجموعة من التفاصيل الممتزجة التي لا يمكن الفصل بينها. وفي النهاية تعرض هذه الصورة على مراكز الذاكرة حيث يُعرَّف صاحب الوجه وتُربَط صورته باسمه وباقي المعلومات الدالة عليه في نظرنا.
عندما يتعثَّر المخ في أداء وظيفته العادية
لا يذكر بيل تشويسر متى كانت أول مرة أحس فيها بأن لديه مشكلة ما مع الوجوه. فكلها في نظره مجموعة من الحوادث الصغيرة التي مرت به منذ طفولته. لكنه يذكر جيداً تلك الأمسية التي أدرك فيها عن مشكلته، ما غيّر حياته. كانت تلك واحدة من المرات القليلة التي يجلس فيها لمشاهدة التلفزيون مع صديق له. لم يكن بيل من محبي التلفزيون، وكان يسأل عن سبب تعلق كل من يعرفهم بمتابعته. كان الصديقان يتابعان حلقة من مسلسل ما، عندما سأل بيل لماذا يظهر هذا الرجل ثانية إن كان قد قُتل من قبل في الحلقة. أبدى الصديق اندهاشه، وأوضح له أن الذي قُتل هو غير الذي يظهر الآن. لكن بيل كان يظنهما واحداً طول الوقت.
كانت ملاحظة مزعجة، لكن بيل قرر أن يتتبعها جيداً ويفعل الشيء الذي لا يجد فيه أية متعة: مشاهدة التلفزيون. بعد ساعات قضاها في مشاهدة مجموعة من حلقات التلفزيون، توصل بيل إلى أنه لا يستطيع متابعة الشخصيات ما عدا تلك التي تكون لها هيئات مميزة. قصة شعر مضحكة، أو لحية، أو نظارة، أو قبعة. وفي غياب ذلك، تضيع الأحداث منه، وتصبح مشاهدة التلفزيون كالسير في متاهة معقدة. كذلك أدرك بيل أن مشكلته مع التلفزيون سببها تركيز الكاميرا على وجوه الشخصيات في الأساس، فلا يتمكن من ملاحظة أشياء أخرى تميزهم كالتي يعتمد عليها في التعرف إلى الآخرين في الواقع. هل يستطيع كل البشر تمييز الآخرين من وجوههم وحدها، بينما لا يستطيع هو ذلك؟ يبدو أن الإجابة هي نعم، وإلا لماذا ينفذ مخرجو التلفزيون أعمالهم دوماً بهذا الشكل؟!
هي نعم مخيفة، لكنها كانت في نظر بيل إجابة عن كل الأسئلة التي حيرته طول حياته. فهم بيل لماذا كان كل أطفال المدرسة يعرفون آباءهم حين يأتون لاصطحابهم في نهاية اليوم، بينما لم يكن هو قادراً على إيجاد أمه بسهولة. ولماذا كان جيرانه وزملاؤه في العمل يغضبون منه لأنه لا يحيي أحدهم ولو تحية صغيرة حين يقابله صدفة في مكان ما. ولماذا اضطر إلى اعتزال مهنة المحاماة لأن زبائنه لا يثقون به، ويسألون: كيف يمكنه أن يعرف طريقة تمكنه من رد حقوقهم، إذا كان حين يقابلهم لا يعرف من هم في الأساس!
موضع المشكلة: الفص الصدغي
ظهرت أولى الملاحظات عن هذا المرض إلى العام 1947م، حين قدم العالم الألماني يواكيم بودامر تقريراً عن حالات لاحظها مع جنود تعرضوا لإصابة في الرأس خلال الحرب العالمية الثانية. لفت نظره أن هؤلاء الجنود بعدما عولجوا، وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، كانوا يلاحظون أنهم فقدوا القدرة على التعرف على أقاربهم أو المحيطين بهم، وأحياناً القدرة على معرفة أنفسهم حين ينظرون في المرآة. فعلى الرغم من معرفة أحدهم أن هذا الوجه لابد أن يكون وجهه ما دام ينظر في المرآة، إلا أن الشعور الطبيعي بالألفة تجاه هذا الوجه اختفى، وكأنه وجه غريب يراه هذا الشخص أول مرة.
ومع دهشته، كتب بودامر تقريره عن تلك الحالات، وأطلق على هذا الاضطراب اسماً لاتينياً هو «prosopagnosia» وهو اسم يجمع مقطعين لاتينيين هما «prosopo» أي وجه، و«agnosia» أي بلا معرفة.
لم تكن حالة هؤلاء الجنود الحالة الوحيدة لهذا المرض. إذ ظهرت بعدهم حالات أخرى مشابهة، لكنها حالات نادرة للغاية يبلغ عددها حول العالم نحو مئة فقط. وتشترك كلها بجانب الأعراض المثيرة للدهشة، في تعرُض أصحابها لضرر معين في المخ قبل ظهورها. فبعضهم تعرض لإصابة خطرة في الرأس بحادث، وبعضهم أصيب بمرض فيروسي يؤثر في المخ، وبعضهم ظهرت هذه الأعراض لديه بعد الإصابة بجلطة دماغية. وتوصل العلماء بعد دراسة هذه الحالات إلى إيجاد عامل مشترك آخر بينهم، إذ وجدوا أن الجزء المتضرر من المخ في كل هذه الحالات هو نفسه ويعرف بالفص الصدغي.
الحالات القليلة تجمع بعضها
ظل هذا المرض في نظر العلماء، وعلى صفحات المراجع الطبية، خللاً يحدث نتيجة إصابة المخ أو منطقة معينة منه بالضرر، إلى أن نشرت إحدى المجلات العلمية في العام 1976م تقريراً عن طفلة تعاني المشكلة نفسها في التعرف إلى الوجوه. كانت هذه الطفلة تشكو صعوبة التعامل مع رفاقها في المدرسة، لأنها لا تستطيع معرفتهم إلا من خلال أصواتهم التي قضت شهرين كاملين حتى تمكنت من حفظها والتمييز بينها. الجديد في حالة هذه الطفلة هو أنها لم تتعرض لإصابة في الرأس أو مرض يؤثر في المخ. فحملت هذه الحالة سؤالاً مهماً عما إذا كان الخلل مرضاً قد يحمله البعض منذ الولادة، لا نتيجة إصابة تحدث في مراحل متقدمة من العمر. وعلى مدى 25 سنة تالية، ظهرت نحو اثنتي عشرة حالة مماثلة لحالة هذه الطفلة، تزيد معها علامات الاستفهام الباحثة عن أصل هذا الخلل.
من العلماء الذين أثارت انتباههم هذه الحالات، قرَّر كين ناكاياما الأستاذ في جامعة هارفرد الأمريكية، وبراد دوتشين الباحث في جامعة لندن أن يكونا أول من يحل هذا اللغز. ولما كانت ندرة الحالات إحدى أهم المشكلات التي واجهتهما ، فكرا في مكان غير تقليدي للبحث عن مزيد منها: الإنترنت. ولم يكونا أول من يلجأ للإنترنت لفهم هذا المرض. فقبلهما بسنوات خطرت ببال بيل تشويسر الفكرة نفسها. فبعدما قرأ كل المراجع الطبية التي طالتها يده، ولم يجد فيها سوى إشارات قليلة، قرر في بحثه اليائس عن معلومات تفيده في فهم مرضه، أن ينكفئ على الإنترنت. لم يجد بيل شيئاً مشابهاً، لكنه قرر أن يطلق أسئلة في «الفضاء السيبري». أرسل رسالة إلى إحدى المجموعات التي يعاني أصحابها مشكلات إبصار وكتب في عنوانها «مشكلة في التعرف على الوجوه». وبعد شهور وفي ذلك المساء من خريف عام 1996م وجد بيل رداً على تلك الرسالة. كان صاحب الرد يقول «مرحباً بيل.. قرأت رسالتك، وأعتقد أنني أعاني الأمر نفسه الذي تعانيه».
في السنوات التالية بعد تلقيه الرد، تعرف بيل على آخرين مثله، وأسس معهم مجموعة خاصة لتكون نادياً إلكترونياً لكل من يعاني حالته. وحين انتبه إلى حاجتهم إلى اسم لهذه الحالة يسهل تداوله فيما بينهم، ابتكر اسم Face blindness أو عمى الوجوه، بدلاً من المصطلح اللاتيني الذي لا يفهمه سوى الأطباء.
حين اتصل ناكاياما ودوتشين بتلك المجموعة، عرفا أنهما وجدا ما هو أكثر بكثير مما كانا يبحثان عنه. فبالإضافة إلى معرفة وجود هذا العدد من المصابين بالمرض، استطاعا أن يرسما صورة دقيقة لأعراضه، وتأثيره في حياة حامله. أي أنهما عرفا من قرب وبالتفصيل كيف تبدو الحياة في عيون لا تعرف الوجوه.
كانت الخطوة التالية هي معرفة مدى انتشار هذا المرض ومعدل الإصابة به حول العالم. وكان ذلك يتطلب إيجاد طريقة دقيقة للتشخيص، بدلاً من الاعتماد على الشكوك أو الملاحظة التي قد يجمعها البعض عن اختلاف طريقة تعاملهم مع الوجوه عن طريقة باقي البشر. ولذلك صمم العالمان اختباراً لتقييم قدرة التعرف على الوجوه، واكتشاف الإصابة بهذا المرض. ينقسم هذا الاختبار إلى جزءين: الأول يختبر القدرة على التعرف على الوجه الجدي الذي يراه المرء أول مرة، بعد مرور وقت قصير من رؤيته. أما الجزء الثاني فيختبر القدرة على تذكر الوجوه المألوفة التي يتعامل معها باستمرار وعلى نحو دائم. لم يكتفِ ناكاياما ودوتشين بنشر هذا الاختبار في المحافل الطبية، لكنهما وضعاه على الشبكة الدولية الإنترنت، ليستطيع أي شخص في أي مكان من العالم الوصول إليه.
«عمى الوجوه» ليس نادراً
توصلت دراسة العالمين إلى حقيقتين مهمتين عن المرض. الأولى هي أن عمى الوجوه ليس مرضاً نادراً، إذ تبلغ نسبة الإصابة به %2 تقريباً، أي إن مقابل كل 49 شخصاً طبيعياً، هناك شخص يعاني صعوبة بالغة في التعرف على الوجوه. لكن سبب ندرة الحالات التي علمت بها المراجع الطبية ودرستها وفحصتها، هي الظن السابق أنه اضطراب يحدث فقط نتيجة إصابة المخ بضرر أو مرض، وأن من وُلدوا مصابين به عرفوا العالم هكذا منذ البداية، بلا وجوه مميزة. ولم تكن لديهم خبرة من نوع آخر ليقارنوا بها، ولم يشعروا بوجود خلل ما يستحق البحث عن تفسير أو سبب، بخلاف المرضى الذين عانوه في مرحلة متقدِّمة من حياتهم، فأدركوا اختلاف ما يواجهونه الآن عن الطريقة التي عاشوها من قبل.
الحقيقة الأخرى التي توصلت إليها تلك الدراسة هي الدور الذي تلعبه الوراثة في الإصابة بهذا المرض. فعمى الوجوه مرض وراثي ينتقل إلى الأبناء من طريق جينات آبائهم. ولا بد من أن يجد المريض أعراض المرض في أحد والديه، أو يراها في أبنائه. وهذا أحد الأسباب التي تضاعف معاناة أصحاب هذا المرض في طفولتهم، إذ لا يعرف آباؤهم إصابتهم هم أنفسهم به. فحين يشكو الطفل لوالديه مشكلاته في التعامل مع أصدقائه في المدرسة لعدم قدرته على تعرف وجوههم، ينكر الوالدان عليه ذلك، ولا يعاملان شكواه بجد. فالأمر في نظرهم عادي يختبرونه هم أنفسهم كل يوم.
نقلت أبحاث ناكاياما ودوتشين هذا المرض إلى دائرة الضوء. وخفف ذلك كثيراً معاناة أصحابه الذين تختلف حياتهم كثيراً حين يعرفون طبيعة مرضهم. فتلك المعرفة ترفع عن كاهلهم الشعور المبهم باختلاف لا يعرفون أسبابه، والتهمة الدائم بالغرابة والانطواء، والشعور بالذنب حين يفشلون في التعرف على شركاء حياتهم أو أبنائهم أو أقاربهم. لكن ما زال عليهم بعد ذلك أن يواجهوا كثيراً من التحدي الذي تفرضه عليهم مشكلتهم مع الوجوه. فعلى الرغم من أن التعرف على هؤلاء الذين يتعاملون معهم على نحو دائم ومستمر يصبح سهلاً مع الوقت، إلا أن الأمور تكون صعبة دوماً حين يدخل آخرون أول مرة دائرتهم الاجتماعية. إذ يتطلب الأمر الكثير من الوقت والجهد لمعرفة المفاتيح المميزة في كل شخص جديد سواء أكانت الملابس، أو الصوت، أو طريقة المشي، أو قصة الشعر، ثم حفظها وتعلم التقاطها بسرعة حين يقابلون هذا الشخص في كل مرة. والزحام بدوره تحدٍ آخر بالغ الصعوبة. فحتى الوجوه المألوفة التي تعلموا جيداً تمييزها بعلامات معينة خاصة، يصبح إيجادها مهمة شاقة للغاية وسط بحر من الوجوه.
كيف التعامل مع المشكلة
بعد مرور سنوات على إنشاء المجموعة البريدية التي أسسها بيل تشويسر، لا تزال هذه المجموعة مكان اللقاء المعتمد لمن يعانون هذا المرض، الذي يستطيعون من خلاله تبادل خبرتهم حوله، وحكاياتهم معه. كذلك يتبادلون المقترحات والنصح حول أفضل الطرق للعيش به، والتخلص من ألوف المشكلات الصغيرة التي تعد جزءاً مألوفاً وطبيعياً جداً من حياتهم اليومية، كالنصح باصطحاب جهاز الآي بود أو كتاب ما في المواصلات العامة، لتجنب المواقف الحرجة. ونصيحة الاحتفاظ بابتسامة دائمة أثناء السير في الشارع أو في المتاجر الكبرى، وإلقاء تحية مهذبة على الجميع تجنبا للوم إن كان منهم من يعرفونه ولا يتعرفون على وجهه. أما في اللقاء الاجتماعي الذي يتعذر الإفلات منه فجميعهم يعرف ضرورة استخدام عبارة «سررت للقائك»، بدل العبارة الخطرة «سررت للتعرف بك».
ولأنه مرض يحمل الكثير من التأثير في الحياة الاجتماعية، يهتم المصابون به بأن يعرف من حولهم عنه ويفهموه. بيل تشويسر كتب تجربته مع المرض في كتاب بعنوان «أعمى الوجوه» أو (Face Blind) فجمع كل الإجابات التي وجدها خلال رحلة بحثه في هذا المرض، ثم نشره على الشبكة الدولية، الإنترنت، ليستفيد منه كل من لا يزال يحمل الأسئلة نفسها التي واجهت بيل بعلامات استفهامها قبل سنوات. وكذلك فعلت هيذر سيليرز أستاذة الأدب في هوب كوليدج بولاية متشيجن الأمريكية، التي قررت بعدما كتبت عدداً من الروايات ودواوين الشعر وقصص الأطفال أن تكتب قصتها مع مرضها في سيرة ذاتية تحمل اسم «الوجه أولاً» أو (Face First).
أما سيسيليا بورمان فأنشأت صفحة على الإنترنت تشرح فيها كيف تبدو الوجوه في عيونها بطريقة ذكية وبسيطة للغاية. واستعانت بمجموعة من الأحجار التي تتشابه في شكلها كثيراً ولا يفرق بينها إلا أوجه اختلاف طفيفة يحتاج إدراكها إلى كثير من قوة الملاحظة. أطلقت سيسيليا على كل من أحجارها اسماً، وجعلتنا نفهم من طريق الصور الجهد الذي يتطلبه الأمر منها كي تتعرف على الوجوه، بمقارنته بالجهد الذي سوف يبذله أحدنا بالتأكيد حين يكون عليه أن يبحث عن واحد من هذه الأحجار وسط كومة منها. وكذلك المشكلة الكبيرة التي يسببها لها تغيير الناس ملابسهم أو لون شعرهم، أو وجودهم في أماكن غير تلك التي اعتادت على وجودهم فيها.
ولأن مشاهدة التلفزيون مشكلة، خصصت أندريا ميللر مدونتها لحلها. فهي تشاهد الأفلام الجديدة بالاستعانة بأصدقائها، ثم تكتب ملاحظاتها حولها، وتشرح بالتفصيل ما هي العلامات المميزة التي يجب على من يواجه مشكلة في التعامل مع الوجوه تذكرها ومتابعتها لتمييز كل شخصية من شخصيات الفلم، وبالتالي متابعة الأحداث بدقة والاستمتاع بها. تقول أندريا إن الأفلام المثالية بالنسبة لها هي أفلام هاري بوتر. فلا أحد يمكن أن يخطئ التعرف على شخصياتها ذات الملابس الغريبة والشعور الطويلة واللحى. وبالإضافة إلى الأشكال والملابس المميزة لأبطال الفلم الخيالي، هناك دوماً القصة المكتوبة التي تعود إليها بصفتها وسيلة مساعدة مضمونة إذا اختلطت عليها الأحداث.