يشكِّل استخراج الغاز الصخري Shale Gas تحدياً حقيقياً للباحثين، نظراً للأعماق السحيقة التي يكمن فيها الغاز، ووجوده ضمن صخور السجيل التي تحتجزه. وقد طورت تقنية متقدِّمة لاستخراجه لم تكن معروفة من قبل، بوصفه أحد أهم مصادر الطاقة. في المقالة التالية، يلقي المهندس أمجد قاسم الضوء على تاريخ الإنتاج الصناعي للغاز الصخري وقيمته الاقتصادية.
شهد الربع الأخير من القرن الماضي زيادة في الاهتمام بالغاز الطبيعي، كأحد مصادر الطاقة، وكلقيم في عدد كبير من الصناعات البتروكيميائية المهمة، ومن المفارقة، أنه منذ اكتشاف واستخراج النفط، صاحب ذلك تصاعد لكميات كبيرة من الغاز، وهو ما يعرف بالغاز المصاحب، وكان يتم اللجوء إلى حرق هذا الغاز للتخلص منه ولتجنب حدوث مشكلات الحرائق وتلويث البيئة به.
إلا أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتضاعف إنتاج واستهلاك النفط الخام عدة مرات، تنبه العالم إلى أهمية الغاز الطبيعي كمصدر مهم للطاقة، فخلال عقد الستينيات من القرن الماضي تضاعف استهلاك الغاز %12، ومع الاكتشافات الحديثة لمكامن الغاز في الشرق الأوسط وروسيا وعدد آخر من الأماكن في العالم، زادت هذه النسبة، حيث يسهم الغاز الطبيعي اليوم بنسبة تُراوح ما بين 18 و%20 من مجمل مصادر الطاقة الحديثة المستخدمة في العالم، إذ يستخدم بصورة رئيسة كوقود في محطات توليد الطاقة الكهربائية وللاستخدامات الصناعية وتدفئة البنايات التجارية والمنازل وفي عمليات الطبخ وتسخين المياه وفي عدد كبير من الصناعات البتروكيميائية ومنها صناعة الأسمدة واليوريا والأمونيا والبلاستيك والألياف الصناعية، كما يمكن من خلال معالجات كيميائية بسيطة للغاز الطبيعي تحضير عدد كبير من المركبات الكيميائية المهمة، كالبنزين والبروبان والبنتان والهكسان والتولوين وغيرها من المركبات، وهذه الأهمية للغاز الطبيعي، أدت إلى التوسع في أعمال البحث والتنقيب عنه، حيث اكتشفت مكامن تجارية له في عدد كبير من بقاع العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط. ويقسَّم الغاز الطبيعي إلى نوعين، تقليدي وغير تقليدي، فالنوع التقليدي والمستخدم حالياً على نطاق واسع وبشكل تجاري، يصنف إلى جاف وترتفع فيه نسبة الميثان والإيثان، وآخر رطب وترتفع فيه نسبة العناصر الأخرى كالبروبان والبيوتان والمواد الهيدركربونية السائلة والهكسان.
أما النوع الثاني من الغاز، الذي يُطلق عليه اسم الغاز الطبيعي غير التقليدي، فقد عُرف منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكن ونظراً لصعوبة استخلاصه وعدم معرفة احتياطاته بدقة، بقي مهملاً حتى وقت قريب، وقد أسفرت الأبحاث العلمية التي أجريت حديثاً إلى تسجيل قصة نجاح حقيقية في مسيرة تسخير موارد الطبيعة لخدمة الإنسان، حيث طورت تقنيات خاصة للتعامل مع بعض أنواع الغاز الطبيعي غير التقليدي.
مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدي
تتعدَّد أنواع الغاز الطبيعي غير التقليدي، فهي تشمل عدة أنواع، من أهمها غاز المستنقعات الذي ينتج عن تحليل بعض أنواع البكتيريا للمواد العضوية، ويتكوَّن هذا الغاز من الميثان، ويتم استغلاله حالياً في عدد من الدول ومن قبل شركات صغيرة للأغراض المنزلية، وغاز أحواض الفحم الذي لوحظ تشكله في مناجم الفحم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وخلال عقد الثمانينيات تم استخلاص هذا النوع من الغاز واستغلاله، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخرج نسبة ملحوظة من الغاز الطبيعي من مناجم الفحم، وتقدر بعض الدراسات أنه في عام 2000م أسهمت أحواض الفحم في توفير %8 من مجمل إنتاج الغاز الطبيعي في أمريكا، أما النوع الآخر من الغاز الطبيعي غير التقليدي الذي استقطب مؤخراً اهتمام منتجي الطاقة في العالم، فهو الغاز الصخري الذي تسارعت وتيرة إنتاجه واستخراجه، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2005م، وبدأ الإنتاج التجاري منه، وأحدث حالة من الترقب في الأسواق العالمية نظراً للآفاق الواعدة التي يبشر بها المهتمون بهذا النوع من الغاز.
الغاز الصخري وحجارة السجيل
الغاز الصخري، هو غاز طبيعي يتشكَّل في صخور السجيل في باطن الأرض التي تحتوي على نسبة من النفط والمواد العضوية الهيدروكربونية وبنسبة تُراوح ما بين 0.5 و%25، ويتولد الغاز الصخري بفعل الحرارة والضغط، ويبقى محتجزاً داخل تجويفات تلك الصخور الصلدة التي تمنع نفاذه، وهو يصنَّف من الغازات غير التقليدية، وتقبع صخور السجيل على أعماق سحيقة تصل إلى نحو ألف متر تحت سطح الأرض، وقد يكون الغاز الصخري من النوع الجاف الذي ترتفع فيه نسبة الميثان، أو يكون غنياً بسوائل الغازات الأخرى.
وكان أول استخراج للغاز الطبيعي من حجر السجيل في أعالي ولاية نيويورك الأمريكية، إذ كانت الآبار المحفورة هناك في القرن التاسع عشر تغذي الإنارة في شوارع فريدونيا Fredonia، أما الحفر الأفقي لآبار استخراج الغاز الصخري، فقد بدأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، والإنتاج الصناعي للغاز الصخري وعلى نطاق محدود لم يبدأ فعلياً حتى عقد السبعينيات، عندما انخفض الاحتياطي المحتمل من الغاز العادي في أمريكا، حيث دعمت الحكومة الأمريكية عدداً من مشاريع إنتاج الطاقة من مصادر متنوعة ومنها مشاريع إنتاج الغاز الصخري. وعلى الرغم من تاريخ الغاز الصخري العريق، إلا أن إنتاجه حتى عقد الثمانينيات كان يتم على نطاق ضيق وبطرق بدائية وبكفاءة متدنية، نظراً لصعوبة استخلاص هذا النوع من الغاز وقلة الإمكانات المعرفية والمادية، وسهولة استخراج الغاز الطبيعي التقليدي ومعالجته.
تقنية خاصة لاستخراج الغاز الصخري
يشكِّل استخراج الغاز الصخري، تحدياً حقيقياً للباحثين، نظراً للأعماق السحيقة التي يكمن فيها الغاز ووجوده ضمن صخور السجيل التي تحتجزه، وقد طورت تقنية متقدِّمة لاستخراجه لم تكن معروفة من قبل، حيث يتم حفر عدد من الآبار الأفقية من أجل الوصول إلى أكبر سطح ملامس للصخور، ثم يتم تحطيم وتكسير الحجارة هيدروليكياً بواسطة الماء والرمل تحت ضغط مرتفع جداً لإحداث شقوق خلال المسام المحتوي على الغاز، مع استخدام محفزات كيميائية خاصة تعمل على تحرير الغاز من مكامنه.
وتتميز الصخور الحاوية على الغاز بنفاذيتها القليلة، ومن أجل الحصول على كميات تجارية من الغاز، يتم تكسيرها لزيادة نفاذيتها، وقد كان سابقاً يتم الحصول على الغاز من الكسور الطبيعية التي تحدث في الصخر، إلا أن التكسير الهيدروليكي أحدث طفرة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية في أعمال استخراج الغاز الصخري.
وفي العادة يتم حفر عدد كبير من الآبار العميقة عمودياً للوصول إلى صخور السجيل، فإذا تبيَّن وجودها بشكل وافر في أحد الآبار، يتم التوسع في حفر تلك البئر بشكل عرضي، للكشف عن الطبقة الصخرية لاستخراج الغاز منها، وقد يصل الحفر الأفقي لمسافة 3000 متر لتكوين مساحة كبيرة في البئر لكشف الصخور الحاوية على الغاز تمهيداً لعملية التكسير الهيدروليكي.
ويعود الفضل في تطوير هذه التقنية إلى شركة Mitchell Energy and Development Corp، التي يديرها المهاجر اليوناني التسعيني جورج ميتشل، والتي أجرت أبحاثاً مستفيضة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وطبقتها في حقل بارنيت في شمال ولاية تكساس الأمريكية، ثم طبقت هذه التقنية في ولايتي أركنساس ولويزيانا الأمريكيتين حيث استخرج الغاز الصخري في عام 1998م بتكلفة مقبولة اقتصادياً عن طريق تحطيم الصخور بالماء المضغوط والمواد المذابة فيه، ومنذ ذلك التاريخ تسارعت وتيرة مساهمة الغاز الصخري كأحد مصادر الطاقة الأمريكية.
هذه التقنية التي تُعد الولايات المتحدة الأمريكية رائدة فيها، تم التوسع بتطبيقها في عدد من الأماكن هناك منذ عام 2005م، وبدأ الإنتاج التجاري على نطاق واسع من الغاز الصخري، كما تم تحديد عدد كبير من الأماكن في العالم، بها احتياطات جيدة من هذا الغاز، مما أثر على أسعار الغاز الطبيعي التقليدي في الأسواق العالمية.
مكامن واحتياطات الغاز الصخري
تزايدت في السنوات الأخيرة، كمية الغاز الصخري المستخرج في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وصلت في عام 2012م ما نسبته %30 من إجمالي الغاز الطبيعي المستهلك بالمقارنة مع %1 في عام 2000م، وبذلك فإن الاحتياطي العام من الغاز ارتفع بنسبة قاربت %46، فطبقاً لتقرير لجنة الغاز الكامن (بي.جي.سي) الأمريكية فإن مجمل الغاز الطبيعي الذي يمكن استخراجه في أمريكا يبلغ 2384 تريليون قدم مكعبة، وهو أعلى مستوى له في تاريخ اللجنة الممتد لثمانية وأربعين عاماً.
وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية Energy Information Administration، والتي صدرت في أبريل 2011م، فإن الغاز الصخري يوجد في نحو 33 دولة في العالم، أربع منها تستحوذ على ما نسبته %53 من إجمالي المخزونات العالمية، وتتبوأ الصين مركز الصدارة في المخزونات القابلة للاستخراج والتي تُقدر بنحو 1215 تريليون قدم مكعبة، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 862 تريليون قدم مكعبة، ثم الأرجنتين بنحو 774 تريليون قدم مكعبة، والمكسيك بنحو 681 تريليون قدم مكعبة، ثم جنوب إفريقيا وأستراليا وكندا وليبيا والجزائر والبرازيل وبولندا وفرنسا بنسب متفاوتة، ويقدَّر الاحتياطي العالمي في 33 دولة في العالم نحو 6622 تريليون قدم مكعبة، وهذه التقديرات تتغير حسب الاكتشافات الحديثة لمكامن الغاز الصخري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك التقديرات لمخزونات الغاز الصخري لا يعني أن تلك الكميات قابلة للاستخراج، إذ إن نسبة كبيرة منها قد تكون غير مجدية للإنتاج.
جدير بالذكر أن تقديرات عام 2012م لاحتياطيات الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية والصادرة عن وزارة الطاقة الأمريكية بينت تراجعاً ملحوظاً في الاحتياطات الأمريكية إلى 482 تريليون قدم مكعبة، ويعود السبب إلى توافر معلومات أكثر تفصيلاً جرَّاء تزايد عمليات التنقيب عن مكامن الغاز في باطن الأرض، إلا أن توقعات الخبراء تشير إلى احتمالية زيادة هذه الكميات في المستقبل مع تنامي عمليات البحث والتنقيب عن الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك يتوقع تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أنه بحلول عام 2035م سيشكل الغاز الصخري ما نسبته %62 من إجمالي إنتاج الصين من الغاز، وسيشكِّل نحو %50 من إنتاج أستراليا من الغاز، أما أمريكا فيتوقع أن تبلغ حصة الغاز الصخري نحو %46 من إجمالي إنتاج الغاز فيها، مما يؤهل تلك الدول وغيرها التي سيكتشف فيها مكامن للغاز الصخري، أن تصبح من الدول المصدرة له.
عقبات وتحديات بيئية
تواجه عملية استخراج الغاز الصخري بعض التحديات البيئية، إذ يتطلب استخراجه، حفر آبار عميقة في باطن الأرض، واستخدام كميات كبيرة من المياه لتكسير حجارة السجيل الحاوية على الغاز الصخري، وهذه المياه التي يتم استخدامها واستعادتها تكون ملوثة بعدد من المركبات الهيدروكربونية والمعادن الثقيلة الذائبة فيها، كذلك تكون ملوثة ببعض المواد الكيميائية والمحفزات التي يتم ضخها فيها، وهذا يتطلب معالجتها كيميائياً لإعادة استخدامها من جديد.
لكن الشركات المستخرجة للغاز الصخري تبيِّن أن عمليات التنقيب التي تقوم بها آمنة بيئياً، وأن ما يتم استخدامه من مياه يعاد تدويره ومعالجته من جديد، وأن سوائل الحفر الكيميائية والمحفزات التي يتم استخدامها، يتم مراقبتها بدقة، وقد تم تطوير أنواع من السوائل غير السامة والآمنة بيئياً، كما أن هذه الشركات تولي أهمية كبيرة لمصادر المياه الجوفية القريبة من أعمال الحفر، حيث إن أعمال الحفر وضخ المياه تتم على أعماق متباينة في باطن الأرض، لذلك تتم مراقبة مصادر المياه الجوفية القريبة من آبار التنقيب، لمنع أي تلوث يمكن أن ينجم، حيث يتم فحص تلك المياه مخبرياً وبشكل دوري كما يجري تطبيق أقصى درجات السلامة والأمان، ولا تنفي بعض تلك الشركات حدوث تلوث بيئي في بعض مناطق استخراج الغاز الصخري والسبب يعود إلى اتباع طرق غير سليمة في التعامل مع المياه الملوثة التي لم تخضع لعمليات معالجة كيميائية صحيحة.
من جهة أخرى، حذَّرت بعض منظمات حماية البيئة من أن عمليات استخراج الغاز الصخري، ينجم عنها تسرب لبعض الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي أثناء عمليات التنقيب، كغاز الميثان الذي يُعد أحد غازات الدفيئة، كما أنه خلال عمليات المعالجة الصناعية للغاز المستخرج، يمكن أن يؤدي إلى تسرب بعض الغازات الضارة التي تلحق الضرر بعناصر البيئة المختلفة، وتبين الشركات المنقبة والمستخرجة للغاز الصخري، أنه تتم مراقبة الغازات المنبعثة أثناء أعمال التنقيب والتحكم بها، حيث لا يسمح لها بالانطلاق إلى الغلاف الجوي، كذلك فإن المعالجات الكيميائية اللاحقة للغاز المستخرج، تتم في ظروف صناعية محكمة، حيث يتم جمع الغازات الضارة وغير المرغوبة ومعالجتها كيميائياً.
أما معهد ماساتشوستس الأمريكي للأبحاث فقد بيَّن في عام 2011م أن الآثار البيئية لاستخراج الغاز الصخري تشكل تحدياً، وأنه يمكن التحكم فيها، وأن هناك مخاوف من تلوث المياه الجوفية جرَّاء أعمال التكسير التي تطال تلك الصخور القريبة من مناطق المياه العذبة والضحلة، مما ينجم عنه تلويثها بسوائل التكسير المستخدمة، إلا أنه لا يوجد دليل على حدوث ذلك، ويشجِّع معهد ماساتشوستس على اتباع أفضل الممارسات الصناعية.
ونظراً لكون تقنية استخراج الغاز الصخري حديثة نسبياً، فإن الآراء تتباين حول التأثير الملوث لأعمال استخراجه على المناخ، ففي شهر مايو 2010م وجَّه مجلس رؤساء الجمعية العلمية في أمريكا رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما، بيَّن فيها أن تطوير تقنيات استخراج الغاز الصخري يجب أن تتم على أساس علمي مدروس بدقة، ويضم هذا المجلس عدداً كبيراً من العلماء المهتمين بظاهرة الاحتباس الحراري ومدى تأثيرها على بيئة كوكب الأرض.
الغاز الصخري والصناعات البتروكيميائية
يجمع المراقبون على أن تطور قطاع إنتاج الغاز الصخري سيكون له تداعيات كثيرة، وعلى عدة قطاعات، حيث سيؤثر على الأبحاث الخاصة بتطوير مصادر الطاقة المتجددة التي تُعد حالياً من المصادر المكلفة وتستلزم دعماً حكومياً، كذلك فإن الغاز الصخري سيؤثر على مستقبل الطاقة النووية، إذ إن بناء المفاعلات النووية مكلف مادياً، كما سيؤثر الغاز الصخري على قطاع استخدام الفحم الحجري لتوليد الطاقة الكهربائية، على الرغم من رخص ثمنه إلا أنه ملوث للبيئة بشكل كبير. وعلى الرغم من أهمية الغاز الصخري كمصدر للطاقة، إلا أنه أيضاً مهم في عدد كبير من الصناعات البتروكيميائية التي تستخدم الغازات الطبيعية وسوائلها، كالإيثان اللقيم المهم في تلك الصناعات، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد عليه بشكل كبير لإنتاج عدد هائل من المنتجات البتروكيميائية، ومن أهمها خامات البلاستيك، بينما أوروبا ودول آسيا تعتمد على النفثا كمادة أولية ورئيسة في هذه الصناعات.
لقد شكَّل إنتاج الغاز الصخري نقلة نوعية في قطاع البتروكيميائيات في الولايات المتحدة الأمريكية، فخلال عام 2009م وبسبب الظروف الاقتصادية تراجع إنتاج الإثيلين بشكل واضح، وتم إيقاف كثير من وحدات إنتاجه، إلا أنه خلال السنوات الثلاث اللاحقة، ومع نمو إنتاج الغاز الصخري، تعزَّزت اقتصاديات قطاع البتروكيميائيات الأمريكي بشكل واضح، إذ بينت بعض الدراسات أن سعر البولي إيثيلين الأمريكي سيكون منافساً لمثيله المنتج في أوروبا وآسيا، وهذا عائد إلى زيادة كمية الإيثان الذي يمكن الحصول عليه من الغاز الصخري وتحويله إلى إيثيلين كمادة أولية مصنَّعة ومشتقاتها، التي يتم استخدامها لاحقاً كلقيمات في القطاعات البتروكيميائية، وقد شهدت الأسواق الأمريكية زيادة واضحة بلغت %25 من إنتاج الإيثيلين خلال السنتين الماضيتين، مما نجم عنه ارتفاع واضح في صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من البتروكيميائيات بنسبة %16.8 ومن البلاستيك %15 عند مقارنتها بعام 2009م.
وعلى الرغم من المنافسة الكبيرة للصناعات البتروكيميائية الأمريكية التي تعتمد على الإيثيلين، إلا أن صناعة البتروكيميائيات في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ستبقى قوية في المستقبل نظراً لأن تكاليف إنتاجها منخفضة، وتوفر الخامات الأولية والطاقة التشغيلية اللازمة وقربها من مراكز الاستهلاك، لكن هذا لا ينفي وجود منافسة ستدور رحاها في الأسواق العالمية قريباً.
لقد أحدث تطوير تقنيات خاصة لاستخراج الغاز الصخري، تحولات مهمة في الأسواق العالمية وفي ميزان العرض والطلب في أسواق الغاز الطبيعي، ويبدو ذلك جلياً في مستوردات بعض الدول من الغاز، كالولايات المتحدة الأمريكية، فخلال عام 2009م بلغت كمية الغاز المستوردة نحو 1.8 مليار قدم مكعبة، وهذه الكمية تشكِّل حوالي %8 من إجمالي ما يتم استهلاكه في أمريكا من الغاز، لكن هذه الكمية انخفضت وبشكل واضح العام الماضي لتبلغ 400 مليون قدم مكعبة في ظل الخطوات المتسارعة التي يشهدها قطاع إنتاج الغاز الصخري في البلاد، بل إن بعض المراقبين يتوقعون أنه في حال تذليل العقبات التي تواجه هذه التقنية، وانخفاض تكلفتها، أن تصبح أمريكا من المصدرين للغاز في حال بلغ إنتاجها أكثر من قدرة استيعاب أسواقها، وأيضاً في حال شكَّل الغاز الصخري منافسة للغاز الطبيعي التقليدي الذي يتم إنتاجه بتكاليف تشغيلية منخفضة في كثير من دول العالم.
هذا وقد دلَّت أعمال وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية على وجود مخزونات كبيرة من الغاز الصخري في المملكة العربية السعودية، في المنطقة الشرقية وفي المناطق المحاذية للأردن، وكذلك وجود مخزونات غير مكتشفة من الغاز الطبيعي، لكن تلك التوقعات بحاجة إلى مزيد من الدراسات الميدانية والأبحاث لمعرفة مدى توفرها وجدواها وإمكانية استغلالها مستقبلاً.
——————————-
الغاز الصخري في الولايات المتحدة..
القصة غير المـرويَّة
صنّاع الطاقة العالمية متحمسون جداً حول ما يُطلق عليه ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة وإمكاناتها الكبيرة ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضاً على المستوى العالمي. كما شهدنا تصاعداً في إنتاج الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي، وفائضاً في الإنتاج غذّى جدلاً حاداً وأدى إلى انقسام سياسي حول ما إذا كانت مصلحة الأمة هي في الاحتفاظ بتلك الثروة داخل الحدود الأمريكية لتعزيز الاستقلال في مجال الطاقة أو المنافسة في السوق العالمي للغاز الطبيعي المسال. النتائج التي أوحى بها تقرير المعهد القومي للبحوث الاقتصادية رجّح كفّة الخيار الأخير في جلب المصلحة الوطنية على الخيار الأول. مع ذلك، استمرت الخلافات التي تحيط بإمكانات وحدود الغاز الصخري، والتشكيك في تأثيراته على الصعيد المحلي والدولي في الأمدين القصير والطويل.
لقد هيمن الخطاب الذي ينادي به منتجو الغاز وذوو المصالح على الرأي العام، وقاعدتهم القوية جعلت صوتهم نافذاً عند جمهورهم المتعطش لسماع الوعود المتكررة المبشرة بعالم جديد واستقلال في مجال الطاقة، وطاغياً على الأصوات الأخرى دون إعطاء إجابة مقنعة على تساؤلاتهم وحججهم، وكل هذا يدعو إلى طرح هذه الآراء المعارضة والمشككة وتمحيص بعضها من تلك الاعتقادات المسلَّم بها. وهذا لا يقلِّل من أهمية قصة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، ولكن يبدو أن المنطق الذي يمليه التفكير السليم يجعل الحجج المطروحة التي ترقيها إلى مستوى «الثورة» غير كافية، بل إنها منحازة إلى حد كبير، وتستند في أغلب الحالات على تكهنات جامحة. ولذلك اعتبرت الدعاوى المقدمة متحيزة عندما تتوقع إعادة هيكلة جوهرية خارج الولايات المتحدة أو إعادة لترتيب مشهد تجارة الغاز المسال.
إن الرغبة المُلِحَّة لدى المنتجين في زيادة أسعار الغاز محلياً، وفي الوقت نفسه، المحافظة على مستوى إنتاج تجاري هو ما يسبب الفجوة بين الواقع والمأمول. كما أن التحديات التي تنتظر صادرات الغاز المسال، ستبطئ الانفتاح الفعّال على أسواق الغاز العالمية.
الأسعار المحلية المتدنية، ومعدلات الانخفاض الحادة في الإنتاج، وتصاعد التكاليف تزيد من الغموض حول مدى الدور الملموس الذي يمكن أن تقوم به صادرات الولايات المتحدة من الغاز في السوق العالمية بالطبع، والاستحواذ على حصة من سوق يوفر إيرادات أعلى بخمس مرات من سوق الولايات المتحدة هو أمر بديهي جداً. ومع ذلك، لا ينبغي بخس ردود الفعل المتوقعة من المصدِّرين الحاليين للسوق الآسيوية مثل قطر وأستراليا، كما أن من غير المتوقع أن يقف هؤلاء مكتوفي الأيدي أمام المنافس الجديد دون استغلال التكلفة المنخفضة لإنتاجهم، وميزاتهم الجغرافية، وتحالفاتهم الجيوسياسية للاحتفاظ بمركز منافس.
ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة أبعد ما تكون أمراً محسوماً حتى الآن. ولا يخلو منطق مسوقي الثورة من التناقضات. فتأكيداتهم على نمو الإنتاج سنوياً بمعدلات كبيرة، يتناقض مع ادعائهم باحتياطات ستدوم لمائة عام. وفضلاً عن تسبّبها بالاستنزاف المبكر لهذا النوع من الطاقة، فإن مقارنة الإنتاج المستقبلي بالطلب الحالي لا يبدو مقبولاً. ويظهر التناقض أيضاً في المنهاج الحالي الذي يُعنى بتشجيع الاستهلاك المحلي في قطاع المواصلات، وتوليد الطاقة، والصناعات، في حين أن دعم التوجه للتصدير، يبطل بدوره التأثير الموعود على السوق العالمية للغاز المسال.