عندما كان الرئيس الأمريكي جورج بوش في خضم معركته الانتخابية الأخيرة أطلق ما سمّاه رؤية لاستكشاف الفضاء ، واعداً من خلال ذلك باستئناف الرحلات المأهولة إلى القمر، وبناء محطة قمرية يعيش عليها الإنسان ويعمل.
وجاءت موازنة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا للعام الجارى بزيادة 6 في المئة عما كانت عليه في العام الماضي؛ لتعطي دفعاً باتجاه الصدقية لمشروع يفتقر إليها. ولكن التأمل في تفاصيل هذا الوعد يؤكد أنه لم يعد قابلاً للتحقق بالسهولة التي تحقق بها وعد جون كنيدي.
فوكالة الفضاء الأمريكية تملك اليوم برنامجاً واضحاً إلى حد معقول، يقوم أولاً على إعادة تشغيل المكوكات الفضائية الثلاثة الباقية عندها بعد سنتين من التوقف. ومن ثم إكمال بناء المحطة الفضائية لإنقاذ ماء الوجه أمام شركائها في المشروع. فأوروبا استثمرت 3.5 بليون يورو في هذا المشروع، ولا تزال العربة كولومبوس التي بنتها لهذه المحطة قابعة في أحد مستودعات الناسا بانتظار استئناف رحلات المكوك الأمريكي. وباكتمال بناء المحطة الفضائية المتوقعة في العام 2010م، تكون المكوكات الثلاثة قد أنهت مهماتها وعمرها أيضاً.. ويمكن عندها لناسا أن تبدأ بإعداد العدة لإرسال إنسان إلى القمر مجدداً. ولكن الرئيس بوش يكون قد أنهى ولايته أيضاً، وسيكون المشروع بين أيدي أصحاب قرار مختلفين من علماء واقتصاديين.
يقول العلماء إن السباق إلى القمر في الستينيات جاء تحت ضغط الحرب الباردة. وتضمنت الرحلات الفضائية مخاطر لم تعد مقبولة اليوم (انفجار أبولو 1 وفشل أبولو 13)، خاصة بعد انفجار مكوكين فضائيين. وبالتالي فإن الرحلات القمرية تستوجب إعادة بناء كل شيء واختراع كل شيء انطلاقاً من الصفر تقريباً. بما في ذلك الصواريخ القادرة على هذه الرحلات (مثل ساتورن 5) إذ إن أكبر الصواريخ المتوافرة حالياً لا تحمل أكثر من 20 طناً إلى مدار يبعد 400 كيلومتر عن الأرض، في حين أن القمر هو أبعد من ذلك بألف مرة.
ولو سلمنا جدلاً بأن التقنية ليست عائقاً للعودة إلى القمر، فإن هذا البرنامج يكلف بحسابات اليوم 100 بليون دولار.. لا يبدو أي مبلغ منها متوافر في الأفق.
إلى ذلك يرى العلماء ومن ضمنهم 45 ألف باحث في جمعية الفيزياء الأمريكية أنه لا يوجد سبب واحد يدفع إلى إرسال إنسان إلى سطح القمر. فعربات الرصد والرجال الآليين يستطيعون القيام بكل ما كان مطلوباً من الإنسان في الستينيات من القرن الماضي. وبدلاً من 100 بليون دولار لإرسال إنسان، يمكن إرسال عربة آلية إلى القمر أو المريخ، كما حصل مؤخراً، بتكلفة لا تتجاوز 300 مليون دولار.. كما أن القمر ليس ضرورياً بوصفه محطة في الرحلات إلى المريخ.
فما بين العائق التقني والتكلفة المالية العملاقة، وضعف القيمة العلمية، يمكن القول إن من الصعب أن ينجو هذا المشروع من براثن السياسيين وأصحاب القرار المتعاقبين لمدة خمس عشرة سنة مقبلة.
أما التفاؤل الذي تبديه وكالة الفضاء الأمريكية، فيعلق عليه جورج كيوورث المستشار العلمي للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان بالقول: إن كل الوكالات الحكومية تكذب من حين إلى آخر. الناسا وحدها تكذب طوال الوقت .!!