تحتل العلامات التجارية حيزاً كبيراً من اهتمام الشركات والعملاء على حد سواء. ويزداد هذا الاهتمام مع ازدياد معدلات الإنفاق وتعدد مظاهر الاستهلاك. وفي زمن العولمة وانفتاح التجارة والأسواق بشكل غير مسبوق، يصبح من الطبيعي أن يصل الاهتمام بالعلامة التجارية إلى ذروته، حتى أن البعض يراه هوساً..
الدكتور المعز بن مسعود يعرض ماهية العلامة التجارية، والأدوار التي تلعبها والمكانة التي باتت تحتلها في اقتصاد اليوم.
تعدّ العلامة التجارية أو الصورة البصرية واجهة الشركات على عدة مستويات. فهي تمكِّن الشركة من تمييز منتجاتها أو خدماتها عن منتجات الشركات المنافسة أو خدماتها، وتساعد على توظيف أساليب التسويق على نحو أفضل. ولا تستعمل العلامة التجارية كأداة للتسويق فحسب، بل تعتبر أيضاً ضماناً للجودة.
فسلوك المستهلك -من خلال شرائه لمنتج أو خدمة معينة بصفة متكررة- قد يكون محكوماً بتأثير عنصر الجودة التي يتوقعها من العلامة التجارية التي يُقبل عليها. وهذا ما يدفع الشركات إلى اختيار العلامة التجارية المناسبة لها وتصميمها وحمايتها وتوخي الحيطة في استخدامها في الإعلان ومراقبة انتفاع الغير بقيمتها المضافة بطريقة مضللة أو غير سليمة.
ويوجد في العالم اليوم أكثر من أربعة ملايين من البراءات المسجلة السارية المفعول، إلى جانب أكثر من مليون من التصاميم الصناعية المسجلة.
تبدأ كل العلامات التجارية باعتبارها منتجات عادية لا فرق بينها وبين غيرها من المنتجات. ويعتمد نجاحها أو فشلها في السوق في هذه الحالة على جودتها وحجم استقطابها للجمهور المستهدف. وتتحقق القيمة المضافة للعلامة التجارية مقارنة بباقي العلامات، عند بلوغها درجة التميز التي لا نجدها في منتجات مماثلة لعلامات تجارية منافسة.
وتتعدد أنواع العلامات التجارية لتأخذ أشكالاً مختلفة. فمنها ما هو منفصل يرتبط بمنتج واحد أو خدمة واحدة، ومنها ما هو مرتبط بخط إنتاج كامل. فعلى سبيل المثال لا توجد علامة تجارية تسمى بروكتر آند جامبل ، على الرغم من أنها شركة رائدة في إنتاج منتجات تحمل علامة تجارية شهيرة على مستوى العالم، ولكن يتم وضع علامة تجارية منفصلة لمنتجات هذه الشركة، مثل فيري أو كريست أو بامبرز . وقد تكون هناك منتجات فرعية من كل منتج من هذه المنتجات، مثل بوي بامبرز …إلخ. أما بالنسبة للعلامة التجارية الخاصة بخط إنتاج كامل ففيها ترتبط مجموعة من المنتجات باسم محدد، مثل ميتسوبيشي اليابانية، وهي إحدى أكثر شركات العالم تنوعاً في إنتاجها الممتد من الأطعمة المعلبة إلى أجهزة الاستهلاك المنزلي والأدوات المكتبية إلى السيارات.
ماهية العلامة التجارية وحدود اختيارها؟
وفقاً لتعريف المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو OPIW)(1) فإن العلامة التجارية هي إشارة مميزة تحدِّد سلعاً أو خدمات معيَّنة على أنها تلك التي ينتجها شخص أو مشروع محدَّد أو يوفرها. ويرجع أصل العلامة التجارية إلى زمن بعيد، عندما كان أصحاب الحِرَف يوقِّعون على منتجاتهم الفنية أو المنفعية أو يضعون علامات عليها. وعلى مرّ السنين، تطورت تلك العلامات إلى نظام لتسجيل العلامات التجارية وحمايتها كما يعرف اليوم. ويساعد هذا النظام المستهلكين على تحديد المنتجات أو الخدمات وشرائها، لأن الطبيعة والنوعية اللتين تدل عليهما العلامة التجارية الفريدة تلبيان احتياجاتهم.
وتذهب بعض القوانين المنظمة للعلامات التجارية في البلدان الخليجية إلى تعريف العلامة التجارية بأنها كل ما يأخذ شكلاً مميزاً من كلمات أو إمضاءات أو حروف أو أرقام أو رسوم أو رموز أو عناوين أو أختام أو تصاوير أو نقوش أو عناصر تصويرية وتشكيلات الألوان أو أية إشارة قابلة للإدراك بالنظر والعلامات السمعية والعلامات الخاصة بحاسة الشم أو أية علامة أخرى أو أي مجموع منها إذا كانت تستخدم أو يراد استخدامها في تمييز بضائع أو منتجات أو خدمات للدلالة على أنها تخص صاحب العلامة بسبب صنعها أو اختيارها أو الاتجار بها أو عرضها للبيع . فيما يعتبر القانون السعودي العلامة التجارية كل شكل مميز يتخذ شعاراً لتمييز منتجات مشروع صناعي أو تجاري أو حرفي أو زراعي أو استغلال للغابات أو لثروة طبيعية، أو للدلالة على تأدية خدمة من الخدمات .
وتقوم عملية اختيار العلامة التجارية على إجراء دراسة دقيقة وبحث مستمر للوصول إلى مكونات العلامة الجيدة التي لم يسبق استخدامها. ويخضع الاختيار لعدة عوامل أبرزها التأكد من توافق العلامة التجارية مع جميع الشروط والإجراءات القانونية، وعدم تشابهها أو تضاربها مع غيرها من العلامات التجارية الموجودة في الأسواق الخارجية، إلى جانب سهولة كتابتها وقراءتها وحفظها، باعتبارها إحدى أدوات التسويق المهمة، وهي روح الارتباط بالمنتج لدى المستهلك، وعامل مساعد في تطوير الإنتاج وزيادة الاستثمار.
كما ينبغي التأكد -عند اختيار العلامة- من أن شركات أخرى لم تسجِّل العلامة التي وقع عليها الاختيار أو العلامات المشابهة لها بالنسبة إلى فئة المنتجات أو الخدمات والأسواق المعنية. ويمكن الحصول على هذه المعلومات من خلال إجراء بحث في العلامات التجارية، على أن يكون هذا الإجراء مبكراً لتفادي أية منازعات قانونية وتأمين أفضل السبل لحماية العلامة التجارية .
بناء الصورة البصرية: فكر وفن وإبداع
تقوم العلامة التجارية أو الصورة البصرية على أسس فنية كاملة كأي فن آخر، بل قد تقدِّم لنا جرعة فنية دسمة من خلال حجمها الدقيق على ورق الخطابات أو غيره من المطبوعات، إضافة إلى ما تثيره فينا من تساؤلات وملاحظات تحرِّك خيالنا وفكرنا وبصرنا في كل الاتجاهات، فلا نمل حتى نفك شفرتها ونفهم رسالتها . ولا تبزغ الرموز الجيدة فجأة، بل تتطلب الوقت الطويل، والتفكير العميق والبحث لابتكار الرمز الذي يصوِّر ويصف بدقة شخصية وخصائص الشركة التي يعبِّر عنها.
إن إنشاء علامة تجارية ليس بالأمر الهيِّن إذاً، بل يتطلب وجود شركات متخصصة أساساً في إبداع العلامات الملائمة لاحتياجات كل شركة بحسب مجال نشاطها. وقد يحمل تصميم العلامات التجارية معاني عديدة في مناطق مختلفة من العالم تبعاً للسوق ولأحكام وقواعد السوق الذي يجري التعامل معه. وتكمن قوة تصميم العلامة التجارية في ذلك الأثر الذي تتركه مكونات العلامة من رسوم أو كتابات أو ألوان…، في الإدراك الواعي أو غير الواعي للمستهلك أو العميل. وقد يؤدي ذلك أحياناً إلى خلق علاقة عاطفية لا إرادية في ذهن المستهلك تبعث لديه الإحساس بالعلامة.
ولأن العلامة وليدة الابتكارات العقلية، فإنها غالباً ما تكون أقرب إلى شخصية المبتكر، بل هناك من منح العلامة اسمه أو لقبه على غرار العديد من العلامات المشهورة في مجالات الوجبات السريعة وصناعة السيارات.
وتقوم الابتكارات العقلية للعلامة التجارية على فصل عنصرين أساسيين في تكوين العلامة ولكنهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، ومتكاملان يسيران معاً من دون أن يحيد الأول عن الثاني. ويتعلق الأمر هنا بـ الصورة و التجربة .
فالصورة تعتمد على التعبيرات الثنائية والثلاثية الأبعاد للعلامة، في حين تتعلق التجربة بتقديم ما تعد الصورة بتقديمه من خدمات ومنتجات هي نتاج نوعية وجودة التجربة الكاملة للمؤسسة في مجال نشاط عملها. وبذلك يتحول الوعد (ما تعد به صورة العلامة) إلى واقع ملموس يعبِّر عن قدرة العلامة، في مختلف أبعادها، على الإيفاء بوعودها .
وعلى الرغم من عدم وجود أية قواعد ثابتة وقاطعة لإنشاء علامة تجارية أو تصميمها أو اختيارها، إلا أن هناك معايير ومبادئ توجيهية مفيدة وجب الالتزام بها عند الشروع في إنشاء أو تصميم العلامة، كأن تكون مكونات العلامة سهلة القراءة والكتابة والنطق والحفظ في جميع اللغات المعنية، وألا تحمل أي معنى سلبي في اللغة الدارجة أو أية دلالة غير مرغوب فيها، وأن تكون ملائمة لأسواق التصدير دون أي معنى سلبي في اللغات الأجنبية، لا سيما في حال تسويق المنتج في الخارج، وألا يترك أي غموض إزاء طبيعة المنتج، وأن تكون العلامة ذات هوية واضحة وصيغة مختصرة قادرة على التعبير عن خصوصيات المنتج وصالحة للاستخدام على جميع وسائل الإعلان.
وقد تشذ بعض العلامات التجارية عن قاعدة الالتزام بالبعض من المعايير المذكورة آنفاً، كأن تكون العلامة التجارية، على سبيل المثال، مبتكرة، اعتباطية أو إيحائية، ولكنها، على الرغم من ذلك ذائعة الصيت.
وتكمن قيمة الكلمات المبتكرة أو الخيالية (كلمات مخترعة لا معنى لها في أية لغة مثل كوداك أو إكسون) في سهولة حماية العلامة التجارية، حتى ولو تضمن ذلك أحياناً جانباً سلبياً يخص صعوبة حفظ العلامة، مما قد يتطلب جهوداً جمة في الترويج للمنتج.
أما العلامات الاعتباطية فتتألف من كلمات لها معنى فعلي في لغة معيَّنة، في حين لا تكون لتلك الكلمات معنى في علاقتها بالمنتج ولا بأية صفة من صفاته (مثل الكمبيوتر Apple ). وكما هو الحال بالنسبة إلى الكلمات المبتكرة، فإنه من السهل توفير مستوى عالٍ من الحماية لهذا النوع من العلامات. أما على مستوى الترويج فقد يتطلب ذلك مجهوداً إضافياً في التخطيط للحملات الترويجية لإيجاد ترابط في ذهن المستهلك بين المنتج والعلامة التجارية.
وأخيراً، تتجلى منافع العلامات الإيحائية في أنها تؤدي عمل الإعلانات وهي قادرة على إحداث ترابط في ذهن المستهلك بين العلامة التجارية وبعض الصفات المطلوبة في المنتج. ومن محاذير هذه العلامات أنها قد توصف في بعض الأنظمة القضائية على أنها مفرطة في الوصف أو أنها ليست مميَّزة بدرجة تمكنها من استيفاء معايير حماية العلامات التجارية .
من مجرد صورة بصرية
إلى أسطورة عابرة للقارات
تحاول بعض الشركات نقل سلعها إلى المستوى الدولي ومنه إلى العالمية لتكون علامة تجارية معروفة في العالم، غير أن الوصول إلى هذا المستوى يستلزم وجود ميزة تنافسية محتملة، وضرورة وجود قطاع تسويقي ذي حجم مناسب في كل دولة مستهدفة. وقد اعتمدت بعض المؤسسات الاقتصادية نظام الفرنشايز (كلمة فرنسية Franchise تعني حرية التعامل ) لتكتسح العديد من دول العالم. وقد مكَّن هذا النظام أو ما يسمى بنظام الامتياز التجاري العديد من العلامات التجارية الذائعة الصيت من حرية التنقل عبر العالم.
وتقوم صناعة الفرنشايز على أطراف ثلاثة، هي مانح الامتياز، والمستفيد منه، وعقد الامتياز. ويبرم عقد الامتياز التجاري بين طرفين، فيعير على أساسه الطرف الأول (مانح الامتياز) اسمه التجاري ونظام عمله للطرف الثاني المستفيد من التعاقد، مقابل نسبة من المبيعات، ويحقق هذا النمط من التعاقد مزايا عديدة أهمها انخفاض نسبة المخاطرة في المشروع.
وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى في هذا المجال. فمن بين كل 12 مشروعاً جديداً، ينشأ مشروع فرنشايز ، كما أن لديها 1500 علامة تجارية يتم تداولها بنظام الفرنشايز، قدِّر إجمالي مبيعاتها بتريليون دولار عام 2005م، وتمكنت من خلق 10 ملايين فرصة عمل في العالم.
ويستحوذ نظام الفرنشايز على ثلث حجم السوق الأمريكي من السلع والخدمات، ويعمل به أكثر من نصف المليون من رجال الأعمال، ويغطي 75 صناعة وخدمة ما بين الوجبات السريعة، والمشروبات، والتعليم، والاتصالات، والصيانة، والترفيه…إلخ. وقد تحولت بعض العلامات التجارية إلى علامات أسطورية عابرة للقارات على غرار علامات بعض المشروبات الغازية المعروفة التي ظهرت خلال الأعوام 1885 و1890م بالولايات المتحدة الأمريكية، أو الوجبات السريعة التي ظهرت مع الأخوين موريس وريتشارد ماكدونالد، والتي أسهم في انتشارها لاحقاً راي كروك بعدما اشترى كل ما يملكه الأخوان ماكدونالد عام 1961م مقابل 2.7 مليون دولار. وتشير إحصاءات 2006م إلى وجود أكثر من 40 ألف مطعم من هذه العلامة التجارية في العالم، بطاقة تشغيلية تصل إلى أكثر من مليون موظف.
ويمثِّل نظام الفرنشايز حجم استثمارات كبيرة في العديد من البلدان العربية كالبلدان الخليجية وجمهورية مصر العربية التي وصل فيها الاستثمار في هذا المجال إلى أكثر من 5 بلايين دولار سنة 2006م. ويتيح هذا النظام للشركة المانحة التوسع السريع من دون الاحتياج لرأس مال كبير ولا أعباء إدارية كبيرة. كما يستفيد الممنوح من الخبرة الطويلة والسمعة الطيبة للعلامة التجارية بما يقلل نسبة المخاطرة في المشروع والعمل على مستوى تنافسي عالمي نتيجة تزويده ببرامج تسويقية وإجراءات تشغيل معيارية ومختبرة مسبقاً. كما يمكِّن، النظام نفسه، حامل الترخيص من الحصول على حقوق احتكار العمل داخل منطقة جغرافية معينة بمفرده.
ويلبِّى الفرنشايز رغبات المستهلك رغم تعقدها. إذ أصبح من السهل، على هذا الأخير، شراء المنتجات العالمية بأسعار وأذواق مناسبة للمجتمع الذي يعيش فيه. كما يعمل الفرنشايز على تحديث جودة الخدمات والمنتجات المقدمة للمستهلكين، وتقليل التكلفة النهائية للمنتج، وحماية المستهلك من تقليد العلامات التجارية وذلك بتوفيرها في الأسواق وتقريبها إليه.
وفي ذات الوقت، أوجد الفرنشايز في السوق العربية أنماطاً استهلاكية وإنتاجية جديدة. فمع ظهور سلسلة مطاعم أمريكية في الأسواق العربية منذ ما يزيد على عشرين عاماً تأثر المستهلك العربي، وأعيد ترتيب احتياجات الأسواق العربية من السلع والخدمات ورافق ذلك إنشاء عدد من المصانع لتغذية هذه المنافذ بالبضائع بمختلف أنواعها. كما أدخلت نظماً حديثة في الإدارة والتدريب وأساليب التسوق ودراسات السوق لمواجهة تزايد المنافسة في هذا المجال حسبما تقول انتصار سليمان في بحثها عن الفرنشايز المنشور على موقع إسلام أون لاين.
كما أسهم نظام الفرنشايز في بروز مفهوم جديد للشركة الوطنية التي أصبحت تسعى إلى إقامة علاقات شراكة مع علامات أجنبية تجنباً لاندثارها وتراجعها نتيجة للمنافسة القوية التي تمارسها عليها العلامة الأجنبية. هذه الشراكة إنما أريد بها تقديم قيمة متميزة للمستهلك، تختلف عما هو مطروح في الأسواق.
صعود العلامات الاستحواذية
يرى البعض أن نظام الفرنشايز سلاح ذو حدين: فهو على الرغم من مساعدته للعلامات التجارية على اكتساح الأسواق وتألقها، إلا أنه يكرِّس أيضاً صعود ما يسمى بالعلامات الاستحواذية مع تزايد الآثار الجانبية للعولمة.
فالتوازنات الجديدة التي تنشد وتؤسس لها مرحلة العولمة، زادت من حدة التنافس والصراع الاقتصادي المعولم من أجل صعود العلامات التجارية الاستحواذية على غرار مايكروسوفت، ماكدونالدز، كوكاكولا… إلخ. ومع تعدد المنابر الدولية (المنتدى الاجتماعي العالمي، مؤتمر المانحين، مجلس الدول الصناعية الكبرى، المنتدى الاقتصادي العالمي، منظمة التجارة العالمية…) احتدم السجال والنضال بين العلامات التجارية من أجل ممارسة هيمنة تقوم بالأساس على بنية ورؤية معرفية ثقافية عقائدية سياسية اقتصادية منفعية.
وقد فرضت هذه الرؤية معايير جديدة من أجل ازدهارالسوق وزيادة حدة التدفقات الاستهلاكية، وصاغت في الوقت نفسه مفارقات مهمة وبارزة لتصعيد وتيرة حدة التنافس وفقاً لاشتراطات تنمو في أحضانها مفاهيم عنصرية جديدة، لا على مستوى الشارع الغربي فحسب بل تتجاوز ذلك إلى منهجيات التفكير والتشريع، وتنبثق معها مؤسسات جديدة لم يعرفها المجتمع الغربي من قبل، ولكنها جاءت كنتاج للتغذية المضادة التي حقنتها الليبرالية في الخطاب والمشاريع والتصديرات الإعلامية المتنوعة والمختلفة.
فإن كان العالم يعيش اليوم مقولة روزفلت: أمركة العالم هي مصير وقدر أمتنا ، فإن غزو علامات تجارية مختلفة للعديد من بلدان العالم قد أعاد صياغة هذه المقولة بسيطرتها على سدة الخطاب الجديد والمتصاعد: أمركة أمتنا هي مصير وقدر ليبرالي ، وكأن كل ذلك وأكثر يأخذنا إلى إعادة كتابة العبارة التي صاغها الفيلسوف والقاضي أوليفر هولمز: الحق يمتلكه الشعب القادر على قهر الشعوب الأخرى . وقد سعت الخطابات الليبرالية الجديدة لإعادة إنتاج وتصدير هذه الرؤية وتفعيل ممارستها وتتويجها لتعتلي عرش الأحداث، وتحتل قمة الوسائط الإعلامية، وتضع مقاييس جديدة لهيمنة العلامات التجارية الغربية، وتكرِّس الاحتكار العابر للحدود.
وعليه، قامت العديد من المجموعات الاقتصادية العالمية المتعددة الجنسيات باللجوء إلى الاستحواذ على علامات تجارية معروفة، بقصد قطع الطريق أمامها لخوض أية منافسة. فكذلك حاولت شركة نستله الاستحواذ على مصنع حلويات بريطاني شهير، مما أدى إلى ارتفاع سعر سهم العلامة التجارية في السوق ثلاثة أضعاف. وأصبح من الواضح أن نستله تحمَّلت دفع مبلغ كبير من أجل الحصول على القيمة التي كانت تتمتع بها العلامة التجارية للمصنع، التي حولتها نستله ، لاحقاً، إلى ماركة أوروبية شهيرة مع زيادة كبيرة في نسبة المبيعات وفي إمكانات التوسع.
وسيلة للترويج، وأداة لتنشيط المبيعات
يمتد التواصل الإعلاني من كونه جهوداً اتصالية وإعلامية لترويج سلعة ما، إلى تشكيل السلوك وتصدير المعنى الذي تحمله الرسالة. فارتباط شيء ما يَقْضي باستدعاء الصور المستبطَنة لهذا الشيء، حينها يغدو أحد التصوُّرين سبباً لانتقال الذهن إلى تصوُّر الآخر.
ويُعَدُّ المضمون الإعلاني وما يوحي به من معانٍ المادة المحققة لعملية التواصل بين مُعِدّ الرسالة الإعلانية ومتلقيها. وتَشُدّ هذه الرسالة المتلقّي وتجعله يربط هذا المضمون بأفكار كامنة في ذهنه، فيحرص مُستقبِل الإعلان في هذه الحالة على محاكاة الأُنموذج الذي تسكبه الرسالة في نفسه، وفي هذا تغذية لدوافع مختزَنة راغبة في الظَّفَر بالأُنموذج أو القالب الذي تعرضه الوسائل الإعلانية كما يقول مصطفى حجازي في كتاب حصاد الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية . ويعتبر الإعلان من الأدوات الرئيسة في بناء العلامة التجارية وانتشارها لدى جماهير مختلفة. ولكن على نقيض هذا المعطى البديهي، تبين لنا أن بعض العلامات التجارية لا تقوم بإعلانات وعلى الرغم من ذلك حافظت على مكانتها ضمن العلامات التجارية الذائعة الصيت. فقد اعتادت شركة مروجة للملابس الجاهزة على عدم إنفاق أي مبالغ على الإعلانات. ومع ذلك، فقد حافظت العلامة التجارية لهذه الشركة على قوتها على مر السنين من خلال محلات التجزئة التي تمتلكها في بلدان عديدة، وأصبحت هذه المحلات تقوم مقام المضامين الإعلانية التي يفترض أن تبثها العلامة التجارية عبر وسائل الإعلام المختلفة. وقد أصبحت هذه المحلات أداة لترويج سلع العلامة التجارية دون الحاجة إلى استخدام إعلانات، في حين تبقى إمكانية توظيف هذه الأخيرة واردة فقط في حالة تعرض الشركة لأزمة حقيقية.
كما أصبحت العلامة التجارية في بعض المجالات الاقتصادية وسيلة مهمة لتنشيط المبيعات. فإذا أخذنا على سبيل الذكر لا الحصر مجال صناعة السيارات، فإن العديد من المؤسسات العاملة في هذا المجال أصبحت تعتمد العلامة التجارية كأداة لتنشيط المبيعات، حتى أن اختيار الزبون لسيارة ما أصبح قائماً على اسم العلامة التجارية التي تصنع تلك السيارة باعتبارها الضمان لسلامة السيارة وإتقان صناعتها. فاختيار الزبون للسيارة لم يعد محكوماً، في هذه الحالة، بوجود خصوصيات أو مميزات معينة بالسيارة بقدر ما هو مرتبط بثقته المسبقة في العلامة التجارية التي تروِّج لتلك السيارة.
أدوات حماية الشكل والهوية واحترام الخصوصيات المحلية
وأمام عالم يتجه لحماية إبداعاته الخاصة من تصنيع أو فكر، تبدو ضرورة الحفاظ على روح وجوهر منتجاتنا وصناعاتنا الوطنية معركة لا بد من خوضها تماماً، مثل ما هو الأمر بالنسبة لضرورة السعي إلى البحث عن الجودة والتميز، لتكوين علامات تجارية قادرة على المنافسة، وتتمتع بالشهرة التي تجعل منها علامات عابرة للقارات.
فمع ازدهار التجارة الدولية إثر التغير في هيكل النظام التجاري الدولي مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وظهور منظمة التجارة العالمية، وانضمام معظم دول العالم لعضويتها، والتطور العلمي والتقني في عملية التسويق، تَعزَّز مفهوم العلامة التجارية المشهورة على مستوى الاتفاقيات الدولية، والتشريعات الوطنية، وعلى مستوى القضاء. وتنافس أصحاب العلامات التجارية على إضفاء صفة الشهرة على علاماتهم لكي تتمتع بالحماية الاستثنائية التي توفرها هذه الصفة، كالحماية من استخدام الغير لعلامات مشابهة على سلع أوخدمات مماثلة أو غير مماثلة في نطاقها الإقليمي أو خارجه، حتى لو لم تسجل أو تستعمل في الأقاليم والمناطق الجغرافية الخارجية، وإنما استناداً لشهرتها فحسب، ولرسوخ معناها وقيمة المنتجات التي تمثلها في وجدان المستهلكين كما يقول الدكتور محمد الشمري في مقالة نشرتها جريدة الرياض في نوفمبر 2006م، الذي يضيف أيضاً، بأنه وبحكم أن العلامة في التجارة الدولية هي رمز معرف للتجارة، وهي بمثابة بائع متجول يتخطى الحدود الجغرافية، فإن ثقة المستهلكين في بعض العلامات التجارية تفوق ثقتهم بأصحاب الخبرة من البشر لذلك يحرص أصحاب العلامة على إحاطة علاماتهم التجارية بأسوار من الحماية القانونية لكي تبقى محصنة ضد أعمال التقليد والتعدي .
ولما كانت فكرة العلامة التجارية حلاً لمشكلات السرقة والاقتباس بعدما أبرمت الاتفاقية الدولية لحماية الملكية الصناعية والفكرية، سارعت دول عديدة للانضمام إلى هذه الاتفاقية سعياً منها لحماية صناعاتها من التقليد والاقتباس والسرقة. ولا تقتصر الحماية على الأصناف والسلع العالمية المشهورة، بل تتعداها إلى حقوق الملكية الفكرية والصناعية لا سيما في مجال البرمجيات والاختراعات…إلخ.
لذلك، حري بنا النظر إلى عملية تسجيل العلامات التجارية كثقافة اقتصادية تبدأ بمعرفة انعكاسها الضامن لحقوق المالك، وتترسخ عبر نقل هذا التسجيل إلى دول أخرى عبر منظمة الوايبو ، فتبدأ منتجات البلد الوطنية تثبت قدرتها على التنافس، كونها تعرض لمواصفاتها بكثير من الوضوح والشفافية، بعيداً عن حالات التلاعب التي يقوم بها عدد من المغامرين حسبما يرى فيصل المقداد في مدونة حديث الناس، يونيو 2005م.
لكن وعلى الرغم من الاهتمام الواضح بعملية تسجيل العلامات التجارية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن العديد من المشكلات ما زالت ترافقها، إذ يسعى البعض إلى تسجيل علامات من دون أن يكون منتجاً لها، الأمر الذي يحرم الراغب في دخول مضمار الإنتاج من بعض حقوقه الطبيعية، ويضعه تحت رحمة مسجِّل امتياز العلامة. ويبقى احترام العلامات الأجنبية أحد عوامل الاختبار للقدرة على طبع منتجات البلد الوطنية بعلامات تجارية خاصة.
ولا تأتي صفة الشهرة إلى العلامة من فراغ، بل لا بد من توافر بعض الشروط الموضوعية لاكتساب هذه الصفة، مثل العمر الزمني للعلامة، وقيمتها في السوق، وحجم الدعاية والإعلان للعلامة، وانتشار مبيعاتها في السوق الدولية، وتسجيلها في أكثر من دولة، ورعاية بعض المناسبات العالمية مثل الألعاب الأولمبية، وكأس العالم، وسباقات الفورمولا…إلخ.
وفي هذا الإطار عايشت بعض البلدان العربية ظهور علامات تجارية واعدة على غرار المملكة العربية السعودية التي برزت فيها علامات تتوافر بها صفة الشهرة في الحاضر أو المستقبل، مثل علامة (أرامكو السعودية)، وعلامة (سابك)، وعلامة (المملكة)، وغيرها من العلامات التجارية الواعدة في مجال الخدمات، والتجارة، وصناعة الألبان، وصناعة البتروكيماويات، والتي هي بحاجة إلى مزيد من الرعاية والحماية القانونية حتى تقف بقوة أمام المنافسة العالمية. وتتجسم الحماية القانونية المطلوبة في ضرورة تسجيل العلامة في الدول التي تشكِّل أهمية لمنتجاتها، حتى لا تصبح عرضة للتعدي أو الاغتصاب من الغير عن طريق واقعة سبق التسجيل خاصة في الدول التي تأخذ أنظمتها بواقعة التسجيل كسند لملكية العلامات التجارية ومنها نظام العلامات التجارية السعودي. فما يحصل أحياناً من إهمال بعض المنشآت التجارية المحلية لمسألة تسجيل العلامة في الداخل أو في الخارج، يجعلها عرضة للتعدي من الغير، وغالباً يكون التعدي من بعض العناصر الأجنبية التي سبق لها العمل في المنشأة.
كما يمكن أن تتم الحماية عن طريق نشرالتعريف بالعلامة في الأوساط التجارية واستغلال وسائل الدعاية الممكنة، أو رعاية بعض المناسبات المحلية أو الإقليمية لزيادة الوعي بأهمية العلامة، أوعن طريق زيادة حجم المبيعات واكتساب المزيد من الحصص في الأسواق التجارية العالمية. ومع مرور الزمن يمكن أن تكتسب العلامة صفة الشهرة ويتعزَّز العلم بسبق استعمالها مما يزيدها قوة وهيبة تحصنها ضد أعمال التعدي.
اقرأ للعلامة التجارية
العلامة التجارية:
الحماية القانونية لاسم التجارة والمنتج الخاص بك
العلامة التجارية هي الاسم والرمز اللذان يعرِّفان ويميِّزان تجارتك أو شركتك عن باقي الشركات في سوق العمل. إذ تُعد العلامة التجارية من الأصول الأساسية لإقامة أية شركة أو تجارة فلذلك وجب اختيارها بعناية وحمايتها بكل احتراس.
يقع كتاب العلامة التجارية: الحماية القانونية لاسم التجارة والمنتج الخاص بك , الطبعة السابعة لعام 2005م, في 336 صفحة وهو للمؤلف ستيفن إلياس. يستعرض الكاتب أحدث المعلومات المهمة التي يحتاجها القارئ ليحمي علامته التجارية. بالإضافة إلى كيفية اختيار علامة تجارية مميزة, وعمليات البحث عن العلامة التجارية, حل النزاعات بخصوص العلامة التجارية خارج قاعات المحاكم إلى جانب ما يعرضه لنا من قضايا العلامات التجارية عبر الإنترنت.
يتألف الكتاب من ثمانية فصول تجيب عن عشرين سؤالاً يختص بالعلامة التجارية. ففي الفصل الأول, يعرِّف الكتاب أهمية العلامة التجارية والأساسيات المهمة في قانون العلامة التجارية. وفي الفصل الثاني, يشرح كيفية اختيار وتسجيل اسمٍ ليكون علامة تجارية وماذا نفعل إذا كان هذا الاسم مسجلاً من قبل عميل آخر. أما في الفصل الثالث فقد أجاب الكاتب عن أسئلة عديدة منها كيف نختار اسماً معيناً ليكون علامة تجارية مميزة. وفي الفصل الرابع والخامس والسادس يعرِّفنا الكاتب على ماهية عمليات البحث عن العلامات التجارية, ما أهميتها وما مصادرها وكيفية العمل بها وتقييم هذا البحث. أما في الفصل السابع فقد شرح الكاتب كيفية تسجيل العلامة التجارية فيدرالياً. وأخيراً استعرض الكاتب كيفية استخدام وحماية العلامة التجارية والعناية بها.