علوم

الشيخوخة ليست كلها متاعب

Makkah market : vegetables and fruits

للشيخوخة في أذهان كثيرين صورة نمطية واحدة، أبرز عناصرها الوهن الجسدي، وضعف الذاكرة، وبطء الحركة والتفكير، وقصور مختلف أعضاء جسم الإنسان عن أداء وظائفها. ولكن الباحث الهولندي أندريه أليمان، وهو أستاذ في علم النفس العصبي بجامعة خروننجن، يستخلص من بحث جديد بعنوان «عندما يتقدَّم السن بالمخ – ما يخيفنا وما نعرفه وما نستطيع أن نفعله» صورة مختلفة عن الشيخوخة. صورة تؤكد أن هذه المرحلة العمرية لا تخلو من الإيجابيات، كما يمكنها أن تكون أفضل حالاً إذا تجاوزت الاستسلام للزمن.

لا يُنكر أليمان أن الذين تزيد أعمارهم على الثمانين أو التسعين عاماً يعانون آثار الشيخوخة على المخ، فتتراجع القدرة على التركيز، وتكثر حالات النسيان، وتصبح القدرة على التفكير أكثر بطئاً من ذي قبل.

لكن موهبة العالِم الهولندي الفذة، تكمن في التوازن في عرض الحقائق، فهو ينبه إلى أن هذا التراجع في القدرات الذهنية، ترافقه جوانب إيجابية أخرى، تجعل الشيخوخة فترة ممتعة من الحياة أيضاً، فكبار السن غالباً ما يكونون أكثر سعادة من الشباب، وأقدر على التعامل مع الانفعالات، وأقل تأثراً بضغوط الحياة، علاوة على مهارتهم الفائقة في اتخاذ قرارات معقَّدة.

ويوضح أليمان أن الأشخاص في مرحلة الشيخوخة، يتمتعون ببعض اللامبالاة التي تجعلهم أكثر تأنٍ وروية، كما أكسبتهم الحياة من الخبرات، ما يجعلهم أكثر حكمة، وفوق كل ذلك فإن الدراسات الحديثة على المخ أثبتت أن الأجزاء السليمة في المخ، تحاول تعويض مهام الأجزاء التي تعرضت للضمور، مما يجعل المخ قادراً في الشيخوخة أيضاً على مواصلة وظائفه بصورة شبه طبيعية.

كيف تحافظ على شباب مخك؟
يقع البحث الذي أعده ليمان، في ثمانية فصول. ويتناول في جزء كبير منه كيفية حفاظ الإنسان على قدراته الذهنية والعقلية في شيخوخته، ويضرب مثالاً بالسيدة تيودورا كلاسن رووس، البالغة من العمر 103 أعوام، والتي طلبت من (أطفالها)، الذين تراوح أعمارهم بين 65 و78 عاماً، أن يتوقفوا عن الاحتفال بعيد ميلادها. وقد أوضحت هذه السيدة في مقابلة مع صحيفة هولندية أن كل ما تفعله للحفاظ على صحتها هو أنها تبدأ يومها بالمشي لفترة قصيرة، تلتقي فيها بمعارفها من الجيران، وتتبادل معهم أطراف الحديث، ثم تعود لبيتها وتقرأ صحيفة محلية وأخرى عالمية، لكنها لا تقضي يومها في القراءة، لأن وقتها أثمن من أن تقضيه في ذلك فقط.

ويشير العالم الهولندي إلى أن هذه السيدة وغيرها كثيرون من المسنين استطاعوا أن يحافظوا على اللياقة البدنية والعقلية من خلال اتباع نمط حياة صحيح، يعتمد على كثرة الحركة، التي تفيد المخ أيضاً، والحفاظ على شبكة من العلاقات الاجتماعية، والقراءة، محذراً من أن هذه النشاطات لا تأتي بالضرورة بالنتائج المرجوة، إذا كان الإنسان متشائماً، يرى العالم بنظارة سوداء، يتوقَّع أن يفقد ذاكرته، وأن يعاني من المرض، وأن تكون سنوات عمره في الشيخوخة سلسلة من العذاب والعناء.

وحتى لا يبدو هذا الكلام سخيفاً، فإنه يوضح أن الإنسان الذي يتبنى توجهات إيجابية، لا يتعرض للضغوط النفسية التي تؤثر سلباً على إنجازاته، ويجد في داخله الحماس الشديد للقيام بكل ما يساعده على تحقيق النتائج الإيجابية، أما الإنسان المتشائم فإنه يؤمن بأنه (لا فائدة من أي جهد، فالمصيبة قادمة لا محالة)، فلا يجد في نفسه رغبة للمشي أو الحركة، ولا يجهد نفسه بالقراءة والتفكير في الأمور المعقدة، ولا يسعى إلى تعزيز علاقاته مع الآخرين، خشية أن ينسى اسم أحدهم، فيتعرض للحرج. وهكذا ينزوي في بيته، ويوقف كل النشاطات الذهنية. وعندها تكون النتيجة الطبيعية حدوث ما كان يخاف حدوثه.

مرحبا بالشيخوخة
ينصح العالم الهولندي الراغبين في الحفاظ على قدراتهم الذهنية في شيخوختهم، أن يتمسكوا بنظرة متفائلة للحياة، وأن يكثروا من القراءة والكتابة، والتفكير والتأمل، وأن يواظبوا على المشي والحركة، وأن يشربوا كميات كبيرة من الماء، وأن يحافظوا على روح الفكاهة، وأن يوثقوا علاقاتهم الاجتماعية، وأن يسعوا إلى الحفاظ على السعادة الزوجية، وأن يربوا أحد الحيوانات الأليفة في بيوتهم.

ويبشر أليمان من يفعل ذلك بأنه سيكتشف في الشيخوخة جوانب ممتعة، ومرحلة جديدة من العمر لها نكهتها الجميلة، مما يجعل المؤلف يقول إنه نفسه لا يخاف من هذه المرحلة، بل يقول من قلبه من الآن «مرحباً بالشيخوخة».

أضف تعليق

التعليقات