قول في مقال

إذا طبع توم!

shutterstock_1356321 (Black)

«كل ما نطبعه على الآلة الكاتبة القديمة له صدىً مهيب، وكأن الكلمات تُحدث انفجارات صغيرة: تشك-تشك-تشك. كلمة شكر تطبعها على ورقة صغيرة، يكون لها وقع مذكّرة أدبية خالدة».

جاء هذا في مقال كتبه الممثل المعروف توم هانكس لصحيفة النيويورك تايمز، يعلن فيه بفرح واعتزاز أنه ليس فقط هاوياً للآلة الطابعة القديمة، ويجمع أعداداً كبيرة من مختلف ماركاتها، بل إنه يستخدمها يومياً لكثير من حاجاته الصغيرة الخاصة: قائمة مهام اليوم، مذكّرة شكر، محتويات صندوق، وحتى مسودّة هيكل عمل مسرحي. ويبدو أن البريد الأمريكي ما زال -مثل هانكس- يستخدم هذه الآلة لبعض المهام، وربما يكون ذلك كتابة العناوين مباشرة على الظروف، إذ إنه مع الكمبيوتر، يطبع العنوان على على ورقة لاصقة أولاً، ثم تُلصق الورقة على الظرف.

ولا شك في أن جمال صوت وإيقاع طباعة الكلمات على تلك الآلات الطابعة معروف. ونلاحظ كم من الأفلام يبدأ بمشهد الكلمات تطبع أمام المشاهد على الشاشة وكأنه يراها على الآلة الكاتبة. الكلمة حرف حرف، مع الصوت المتكرر إيّاه. ولا يقوم المشهد على وقع الصوت فقط بل كذلك على جمال الشكل، إذ تأتي الحروف محفورة سوداء واضحة على الورقة البيضاء وكأنها منحوتة على سطحها. وربما يضاهيها في ذلك صوت الكاميرا التقليدية الكبيرة، حيث نرى الفلم يبدأ بعدد من لقطات الكاميرا الثابتة ومع كل صورة صوت المزلاج. تششك- تششك -تششك.

والحقيقة أنه إلى جانب المتعة الحسّية لهذه الاستخدامات، وربما طابعها «النوستلجي»، هناك بلا شك فائدة حقيقية تُجنى من خلال التعرّف إلى خصوصيات معدات خرجت من دائرة الاستخدام إلى الأبد، بسبب الدخول الكاسح للابتكارات التكنولوجية الجديدة. منها طبعاً هذه الآلات الكاتبة التي مضى الآن أربعة عقود على توقف إنتاجها. أما كاميرا الفِلم فكانت أفضل حظاً، على الرغم من أن استخدام الفِلم للتصوير انتهى بشكل تام، مع استثناءات لا تُذكر. ومن طبيعة تصرف المجتمعات الإنسانية، أنها تنكب على استقبال الابتكار الجديد لميزاته العديدة، وتسرع إلى إلقاء المعدات القديمة من النافذة، كي تعود وتستدرك بعد حين الميزات التي كانت في المُعدَّة القديمة وقصر الجديد عنها.

منذ فترة وجيزة، تحدثت الأخبار عن عودة إنتاج الأسطوانة الموسيقية القديمة المستديرة السوداء المصنوعة من مادة الفينيل، والتي كانت وسيلة سماع الموسيقى قبل ثلاثة منتجات هي الإنترنت والأسطوانة المضغوطة والشريط الممغنط، والتي غدت أغلفتها منذ سنين من الأشياء التي يجمعها أصحاب هواية جمع التحف. والآن تبيّن أن هذه الأسطوانات أصبحت ذات حصة في السوق على صغرها %1. فبعض هواة الموسيقى يصرّون على أن الصّوت الذي يخرج من هذه الأسطوانات لا يضاهي في جودته ما يخرج من أي من الأدوات الجديدة. تماماً كما أن كثيراً من المصوِّرين الفوتوغرافيين ما زالوا يصرّون على أن جودة الصورة المأخوذة على شريط الفِلم إيّاه لا تضاهيه بتاتاً الصور التي تؤخذ بالكاميرا الرقمية.

طبعاً مهما قيل، لا يستطيع أحد أن يعيد العجلة إلى الوراء. ومهما قيل، لا شك في أن لا أحد يستطيع دحض ميزات الاكتشافات والابتكارات الجديدة. خلاصة القول إن إدراك الميزات التي خسرناها مع التوقف عن استخدام أدوات قديمة، وإضافة إلى ما في ذلك من إغناء لمدارك الحس، إلا أنه أيضاً يجعلنا غير مستسلمين للابتكار الجديد، ونبحث في آفاق تطويره، ومن جملة ذلك أن يعود ويكتسب بعض ما فقده إن لم يكن كله. وبالمناسبة، كانت هناك كاميرا شبه منقرضة، على طريقة البولارويد عادت الآن وتجددت لأنها أثبتت أن ما زال لديها ما تقدِّمه: ما قصّرت عنه الساحرة الإلكترونية.

ولا شك في أنَّنا نستطيع أن نجد في مخازن كثير من الشركات العريقة، وفي مستودعات الكثير من البيوت العريقة، آلة كاتبة قديمة أو كاميرا في صندوق مهمل. وربما يكون في استعادتها إلى الحياة متعة أو فائدة بسيطة أو أكثر.

أضف تعليق

التعليقات