منتج

الساعة الذكية

shutterstock_143904868على الرغم من أن الساعة الذكية لم تتفشَ بعد كمنتج تقني بالضراوة نفسها التي تفشَّت بها الهواتف الجوالة أو الكاميرات الرقمية، إلا أن السوق يعامل هذا المنتج الجديد بكثير من الترقب والحماسة. ذلك أن الساعة الذكية ماهي إلَّا اختصار لكل ماهيتنا التقنية. الساعة الذكية ستكون حاسوباً للاتصال بالإنترنت، وكاميرا، وهاتفاً جوالاً، ومذياعاً ومستودعاً لملفاتك الرقمية كلها: النصية والصوتية وسواها. ساعتك الرقمية الموعودة ستكون شاشة تلفازك. كما أنها ستقيس لك نبضك وتحسب لك ساعات نومك ونشاطك وكم سُعرة حرارية أحرقت، ستعلمك بمواعيدك وبحالة الطقس.. وأخيراً وليس آخراً.. بالوقت!

لوهلة، تبدو الساعة الذكية وكأنها تجسيد لحلم طالما راود مخرجي الخيال العلمي.. حلم البطل الذي يضغط زراً على إسوارة محيطة بمعصمه، أو يقربها من فمه ليهمس ببضع كلمات ليتحقق أمرٌ سحريٌ ما. لكن هذا الإعجاز العلمي يطرق أبوابنا اليوم دون أن يبهرنا بالحد الكافي. إذ يبدو أن التسارع التقني خلال العقد الأخير بات متتالياً لدرجة قتلت عامل المفاجأة والإبهار. حتى بات لسان حالنا يتساءل: ما المدهش في إسوارة تقدِّم لنا كل ما تقدمه حفنة من الأجهزة المنفصلة في آنٍ معاً؟!

هذه قراءة للواقع كي نفهم طبيعة الأرقام المخيبة. فمنذ أن بدأ سباق الساعات الذكية يشتد منتصف العام 2013م باقتحام العملاق الكوري (سامسونغ) حلبة المنافسة، وتربص كل من (آبل) و(مايكروسوفت).. ناهيكم عن الأسماء الأخرى مثل (سوني) و(نايكي) و(پيبل)، والكل يعلن أن الساعة الذكية ستكون هي المنتج الذي سيغيّر تفكير العالم، على النحو الذي كانه (الآيبود) أو كاميرا الجوّال مثلاً. لكن إحصاءات مارس 2013م تقول إن %40 فقط من زبائن سوق الهواتف الذكية متحمسون للساعات الذكية. فهل يبرر هذا الاهتمام البارد -أقل من نصف المستهلكين المتوقعين- كل تلك الفورة في الإنتاج والتسويق؟ ولماذا يرفض البعض ساعة تعد بتقديم كل ما يقدمه الحاسوب أو الهاتف الذكي وأكثر؟

ساعة لتعقيد الحياة
الجواب قد تختصره مفردة واحدة: «البساطة». وهي بساطة غائبة في كثير من الأحيان!

ذلك أن الساعات الذكية المطروحة في الأسواق اليوم تذكِّرنا بمسجلات أشرطة الفديو القديمة. حيث كان تسجيل حدث ما من التلفاز على شريط (VHS) يمثل تحدياً لفرط تعقيده. نماذج ساعات اليوم الذكية -بصرف النظر عن كونها أقرب للمعجزات التقنية- تتحدانا اليوم بتقديم كل ما يخطر على البال على مساحة ضيقة فوق معصم أحدنا.. وباعتماد شاشة لمس دقيقة وزر أو زرين ليس أكثر. وعليك أنت أيها المستخدم أن تتقن مجموعة من اللمسات والضغطات والسحبات والنقرات بطرف ظفرك كي تحصل على قيمة يوفرها لك أكثر من جهاز آخر في جيبك أو معلَّق على الجدار أمامك. وهذا هو نفس التعقيد المزعج الذي نفَّر الناس من ساعات (كاسيو) الرقمية التي كانت ذكية جداً بمعايير ثمانينيات القرن الماضي.

إذا كانت ساعتي الذكية ستُعلِمني بوصول بريد إلكتروني.. أو بأن أحد أصدقائي يتصل.. أو بأن والدتي قد عبَّرت عن إعجابها بالصورة التي نشرتها لابني على الفيسبوك، فلماذا علي أن أسارع لالتقاط هاتفي الذكي أو جهازي اللوحي لأرد أو أتفاعل؟ فقط لأتلقى إشعاراً آخر بعد ثوانٍ على ساعتي الذكية وعلى هاتفي الذكي وعلى جهازي اللوحي الذكي في اللحظة نفسها من الزمان؟ لماذا نحيط أنفسنا بكل هذا الكم من الأجهزة التي نسميها «ذكية» في حين أنها لا تزيد على كونها ملهيات تملأ وقتنا بصفَّارات التنبيه لالتزامات لا قيمة لها في كثير من الأحيان؟!

مجرد مُنتج استهلاكي؟
يظل إغراء إيجاد منتج جديد واستدرار الربح عبره، أكبر من قدرة المبدعين والتجار على المقاومة.. وأكبر من مقاومة كثير من المستهلكين الذين يحبون تجريب كل جديد. بعض نماذج الساعات الذكية الموجود في السوق الآن، جذاب جداً وواعد. وفي إطار الرؤية التقنية المعروفة بـ (إنترنت الأشياء)، لن تلبث ساعاتنا أن ترتبط لاسلكياً بسياراتنا، وبنظم الحراسة في بيوتنا، وبجداول دوامنا، وسفرنا، لتخبر الآخرين بالنيابة عنا أين نحن، ومتى سنعود، وإلى أين سنمضي غداً.

الساعات الذكية لا تزال في طور التكوُّن كمنتجات باهرة. هكذا يقول المراقبون للأسواق الذين ينتظرون ما ستُقدم عليه بعض كبريات شركات التقنية والتي لم تكشف عمّا لديها حتى الآن. بعض هؤلاء ينصح بالتروي.. والبعض الآخر قرر أن الأمر سيّان. فمهما انتظرت، فإن منتجي الساعات الذكية سيفاجئونك بالجديد دوماً.. والمفاجأة لن تكون انبهاراً بتقنية جديدة على الدوام.. بقدر ما ستكون مفاجأة دافعها الخيبة لأنك أنفقت مالاً في طراز لن يلبث أن يظهر ما هو أحدث منه.

من المفترض بالتقنية أن تجعل حياتنا أيسر وأكثر رفاهاً.. لكن يبدو أن التقنية باتت قيمة استهلاكية كبرى قبل أي شيء آخر.. ويبدو أن الساعة الذكية محصورة في هذه الخانة الاستهلاكية في هذه اللحظة بالذات.

أضف تعليق

التعليقات