تقنية الزراعة النسيجية ليست جديدة، إذ اكتُشفت قبل مئة وخمسة أعوام، عندما أكد العالم الألماني هابرلانت إمكان زرع خلايا نبات في وسط غذائي نقي، شأنه في ذلك شأن البكتيريا والكائنات العضوية الدقيقة والفطر، وتوقع أن تكون الخلية النباتية الواحدة قادرة على تجديد نفسها والنمو حتى تصبح نبتة كاملة. واليوم، بعد مرور أكثر من قرن على هذه التجارب المخبرية الأولى، يتطلع العالم ولا سيما الهيئات المعنية مباشرة بنقص الغذاء ومحاصيل الزراعة وتجارتها، إلى الزراعة النسيجية على أنها واحدة من أهم الأسلحة في مواجهة تدهور جودة النبات وقلة المحاصيل والآفات، وإلى ما ذلك من مشكلات.
فحتى أواسط القرن العشرين، كانت الزراعة النسيجية لا تزال في طور الدراسة والأبحاث. ففي عام 1939م، نجح العالمان الأمريكيان مورا شيجي وسكوج في وضع الأسس العلمية اللازمة لنجاح الزراعة النسيجية.
وبسرعة، بدأ التطبيق في إكثار أنواع من النباتات النادرة التي كانت آيلة إلى الانقراض، وكذلك النباتات ذات القيمة الكبيرة عند الإنسان مثل النباتات الطبية ونباتات تجارة أسواق المال، مثل القمح والبن، إضافة إلى نباتات الزينة.
كانت كل خلية تنمو لتصبح شتلة كاملة مطابقة تماماً للشتلة الأم، من حيث النوع والمناعة من الأمراض وغزارة الإنتاج، وما إلى ذلك من مواصفات. وبسرعة قدم هذا النمط المستحدث من الزراعة نفسه على أنه حل لا لإكثار الأنواع المهددة بالانقراض فقط، بل لمواجهة الأمراض النباتية أيضاً ولا سيما الوراثية.
ولم تتأخر البلاد العربية كثيراً عن استقبال الزراعة النسيجية. وكانت بدايتها الباكرة اللافتة للنظر في العام 1958م في العراق، حيث أُنتجَت وطُوِّرت أشجار حرجية لشمال البلاد. ولاحقاً راحت الزراعة النسيجية تطرق كل الأبواب العربية، حتى كان عام 1993م حين أنشأ التعاون العربي «شبكة بحوث وتطوير النخيل» التي تعتمد على الزراعة النسيجية لمواجهة تدهور حال النخيل العربي نتيجة آفات الحشرات، ومن أجل إعادة النخيل إلى المناطق التي اختفى منها، وإكثار أنواع معينة يرغب المزارعون فيها أكثر من غيرها.
أما على الصعيد العالمي، وعلى الرغم من الأشواط الكبيرة التي قطعتها الزراعة النسيجية في الغرب، فإن الآفاق لا تزال شاسعة جداً أمام تطورها، في عالم تقول الإحصاءات إن فيه 826 مليون إنسان لا يجدون ما يسدّون به رمقهم، (70 مليوناً منهم في دول القرن الإفريقي وحده). يضاف إلى ذلك ارتفاع سعر المواد الغذائية الذي شهده العام المنصرم.
فهذا العلم الذي ظهر في الوقت المناسب لمساعدة الإنسان في مواجهة الجوع، سيبقى المستقبل البعيد مناسباً له أيضاً، طالما احتاج الإنسان إلى غلال الأرض ليعيش.