حياتنا اليوم

الأسئلة التي تقض مضاجعنا

هذه الأسئلة القاتلة التي تطرق رأسنا بلا هوادة أو رحمة.. هذه الأسئلة التي تدفعنا للجنون أو إلى ارتكاب فعل أحمق.. هذه الأسئلة التي تحدِّد مصائرنا وتنقلنا من خانة إلى خانة: من خانة الشجعان إلى خانة الجبناء مثلاً، أو من خانة المتهورين إلى خانة العقلاء كما نحب أن نسميها، إذا ما فكرنا بعقل وأرحنا أنفسنا من الأسئلة، أو إذا أقفلنا باب الأسئلة وقررنا أن نعيش بحكمة أو بدون حكمة. المهم هو أن نعيش. تدور هذه الأسئلة المزعجة برأسي هذه الأيام وأنا أفكر: إذا تعرَّض ولدي لظلم مهما كان صغيراً وغبياً وعابراً، كيف يجب أن أتعامل معه؟ وهل سيحدد ذلك طبيعة صغيري بعد ذلك؟ هل الموقف الذي سأتخذه جرَّاء تعرّضه للظلم سيجعل من ابني فيما بعد جباناً أو شجاعاً؟ هل سيكون شخصاً يرضى بالظلم أو يدافع عن حقه، وما هي الوسيلة العاقلة في مواجهة ذلك؟ وكيف يمكن أن أحدد أنا إذا كان ما تعرَّض له ظلماً بالفعل إذا ما قررت أن أتعامل بحيادية وأفكر بشكل عملي أنني أم ومشاعري تجاه ولدي ستحتم أن أنحاز إلى جانبه بلا عقل أو روية؟ في المقابل يبزغ سؤال آخر: ماذا لو أن جبني وخوفي من التعامل مع المسألة هو الذي يقنعني بمسألة الحيادية والتعامل بموضوعية؟ يا إلهي! ألم أقل لكم؟ هي الأسئلة التي تقض مضاجعنا، وتنكِّد علينا حياتنا.

أخبرني ابني أن مدير المدرسة أوقفه في الصف وقام بتوبيخه أمام زملائه. كان يتحدث بانفعال وقهر. سألته عن كل الملابسات، وببرود حيادي سخيف لمته وأخبرته أنه كان السبب وأنه استفز المدير. لكن حين رأيت مدى القهر الذي شعر به، والخذلان الذي ارتسم في عينيه أدركت بشاعة خطأي، وعرفت أن هناك لحظات لابد أن نلقي فيها بالموضوعية والحيادية عرض الحائط. كان يجب أن أضم ابني وأقول له إن الحق معه، وأبيِّن له أنني أقف إلى جانبه. ثم بهدوء أشرح له أين كان الخطأ. فعلت ذلك فوراً. لكن تلك اللحظة التي خذلته فيها لا يمكن استرجاعها. ثم حين فكرت في المسألة بهدوء واستشرت آخرين، أدركت أنها ليست وسيلة تربوية أن تتم السخرية من الطلاب أمام زملائهم. هأنا أمام حالة ظلم، مهما كانت صغيرة. هل أسكت وأعلِّم ابني أن الحياة ليس فيها عدل وأتركه يقبل ما حدث بدون أن أفعل شيئاً، وأقول له إنه هو المخطئ وأن عليه الاعتذار، أم أعزِّز فيه نزعة التمرد وأحقِّر المدير وأدرِّبه على عدم الاستماع إلى أوامره، والانتقام لنفسه بطريقة من طرق الصبيان الكثيرة؟

ما فعلته أنني حاولت أن أشرح لولدي نفسية بعض مديري المدارس ولماذا يفعلون ذلك أحياناً كي يُظهروا قوتهم، ويرسخوا هيبتهم أمام التلاميذ؛ لأنه وإن كان تلميذاً مثالياً، كما قررت المدرسة نفسها السنة الماضية ومنحته شهادة بذلك إلا أن المدير الجديد (أو حتى المدير السابق) لا يمكن أن يميِّز، في لحظة تعرَّض فيها لموقف يحتاج إلى شدة، الطالب المثالي من الطالب المشاغب. لم يكن الموقف الذي اتخذه من ولدي موقفاً شخصياً، وإنما هو وسيلة لإثبات الذات وفرض الاحترام. لكن ابني أجابني بمنتهى الثقة أنه كان يحترم المدير حتى رأى هذا الموقف منه فكف عن احترامه، وذكر لي أن محاولات فرض الاحترام بالطرق الغبية التي يمارسها بعض مديري المدارس تأتي بنتيجة عكسية دائماً.

أضف تعليق

التعليقات