الحياة اليومية

في بيتنا مريض بـ(ألزهايمر)

  • shutterstock_100688464
  • shutterstock_114994699
  • C2TR7B Various Pills
  • shutterstock_11366611
  • shutterstock_68083162

يعودون أطفالاً كما كانوا، لكن دون بهرجة الطفولة ومرحها. تغادرهم الذاكرة فيعودون مجبرين إلى عالم آخر يفتشون فيه عن رفاق لا وجود لهم، وينقبون عن أحداث محتها الأيام، الزمن غير الزمن، والفرسان ترجلوا عن جيادهم أصبحوا عاجزين عن فهم ما يُحيط بهم، غرباء في بيوتهم وبين أهليهم. وحشة المكان لا تعادلها سوى قسوة الزمن. فكل التعابير تبدو فارغة وكل الوجوه سقطت ملامحها.
إنه «ألزهايمر».. المرض الذي يفترس الدماغ فيعيد صاحبه إلى سيرته الأولى خالي الوفاض من حصاد السنين والأيام. وهو المرض الذي لم يعد اليوم يمثل حالات قليلة أو نادرة بل هو يتوسع بمقدار ما تمنح عناصر الرفاه لأجيال من طول البقاء، بإذن الله.
في المقال التالي يتناول الدكتور طريف يوسف الأعمى، استشاري أمراض الشيخوخة والذاكرة. والأستاذ المساعد بجامعة الملك عبدالعزيز، قصة هذا المرض وكيف ينتقي ضحاياه، والمفاهيم المغلوطة التي تحيط به.

(المشكلة ليست فقط في تغير شخصية والدي, فحتى والدتي السبعينية تعتقد أن أبي يتصنَّع النسيان والعصبية الزائدة). بهذه الكلمات استهلت حديثها وهي تغالب دموعها راوية ما طرأ على هذه الأسرة منذ بدت على والدها أعراض مرض «ألزهايمر».

أضافت وهي تحكي عن معاناة أسرتها: (أنا وأخوتي تقبَّلنا قضاء الله وتفهمنا إصابة والدي بمرض ألزهايمر, لكن المشكله أن أمي التي تعاني مشكلات صحية لم تقتنع أن شريك عمرها يعيش في عالم مختلف. وهي مؤمنة بأنه يتصنع النسيان ويفتعل العصبية الزائدة, وأن بإمكانه تغيير الواقع والعودة إلى حالته السابقة, وهي تضغط عليه باستمرار, مما يؤدي إلى مشكلات مستمرة بينهما، وأصبحنا نخاف عليها أكثر من خوفنا عليه).

لم يكن هذا الرجل حالة نادرة، فليس بعيداً عنه تقف قصة أخرى، فثمة رجل أعمال دأب في عنفوان نشاطه الاقتصادي على عقد الصفقات التجارية، وتوقيع الشيكات، لكن هذه الأوراق المالية أصبحت لغزاً محيراً بالنسبة إليه. فهو لا يزال يعتقد أنه في أحسن حالاته الذهنية، وهو يمضي قدماً لإنهاء معاملات مالية، يرى أبناؤه أنها محفوفة بالمخاطر.. وهو غير مكترث لحالته الصحية، فما زال يمارس أعماله، وتعرض عليه المستندات لتوقيعها، على الرغم من أنه يجد صعوبة في فكّ طلاسمها، فتارة يؤشر في المكان الخطأ، وأخرى يعود لحاملها أكثر من مرة.. يقول ابنه: صرنا نخشى كثيراً من وقوعه فريسة الاستغلال.. وينتابنا قلق بشأن الحدود التي نتعامل بها مع والدنا، (فهل يُعد تقليص صلاحياته في التصرفات المالية شكلاً من العقوق..؟).

ماذا نفعل..؟ هو السؤال الذي طالما يطرحه المحيطون بآباء وأمهات يرونهم يعبرون بالذاكرة لعالم مختلف. فثمة سيدة طاعنة في السنّ تثير قلق ابنتها بسبب رهاب ليلي يستبد بها: (والدتي لا تنام طوال الليل بسبب الخوف من محاولة بعض الناس قتلها أو سرقة منزلنا مما يؤدي إلى عدم قدرة جميع من في المنزل على الراحة).. تقول ابنتها، مستفهمة عن الحلول.

الخرف وألزهايمر
هناك عديد من الأساطير تحيط بهذا المرض، بعضها يربط بينه وبين النسيان كحالة عامة، والبعض يعتقد أنه وراثي، أما العلاقة بين المريض المصاب ومحيطه الأسري فهي واحدة من أكثر القضايا تعقيداً، حيث تُسهم التصرفات غير المدروسة وبعضها ينجم عن شعور متعاطف مع المريض في دفع حالته نحو مزيد من التدهور.

بداية لنتعرف إلى المعنى الأشمل للخرف (dementia)، فهو المظلة التي يقع تحتها مرض ألزهايمر, كأكثر الأسباب انتشاراً للخرف. الخرف: هو مرض مزمن يصيب الدماغ, يؤدي إلى اختلال وظائفه العليا, كالذاكرة, والتفكير, والكلام, والتخطيط, والحساب, والتركيز, والمهارات اللغوية, وغيرها. ويؤدي ذلك إلى قصور في الوظائف اليومية, كالتنقلات, وإعداد الطعام, والأمور المالية, واستخدام الهاتف, والصلاة مثلاً. وعادة ما يصاحب الخرف اضطراب في المشاعر والحالة النفسية. ويُعد مرض ألزهايمر أشهر مسببات الخرف, ويسبب حوالي %70 من الحالات. ويتصف بأنه ضمور تدريجي لخلايا الدماغ, مما يؤدي إلى تدهور تدريجي وبطء لوظائفه يظهر على مدار سنة إلى 3 سنوات, وعادة ما يبدأ بصورة فقدان للذاكرة قصيرة المدى, حيث يبدأ المريض بتكرار الأسئلة أو الحكايات, مع تماسك نسبي للذاكرة البعيدة في البداية, فيتذكر جيداً التفاصيل القديمة من حياته. وتقع معظم حالات ألزهايمر لدى المتقدمين في السن (فوق 65 عاماً), لكن في حالات نادرة قد يصيب الأصغر سناً, وقد يكون ذلك بشكل وراثي.

ومن مسببات الخرف الأخرى: الجلطات, وتوسع حجيرات المخ, والخرف المصاحب لمرض باركنسون وغيرها, وقد يكون هناك أكثر من سبب لدى المريض الواحد. كما يمكن أن تتأثر الذاكرة بأسباب يمكن علاجها تماماً كنقص بعض الفيتامينات, وارتفاع السكر, والأدوية, والاكتئاب, واختلال الهرمونات. ومن المهم التوضيح أن كبر السن لا يستلزم أن يصاحبه الخرف, بل المفترض أن يتقدَّم الإنسان في السن ويحافظ على ذاكرته. وكثير من الناس يستطيعون تقديم الأمثلة على أفراد من أسرهم تجاوزوا المائة عام مع الحفاظ على ذاكرة طبيعية تماماً.

مرض العصر
يشهد العالم ككل ارتفاعاً في معدلات الأعمار, يعود ذلك لتحسن العلاج الطبي, والتطعيمات والوقاية الصحية, وتحسن مستويات النظافة, وزيادة الأمن, وغيرها من العوامل. مما يؤدي إلى زيادة مطَّردة في نسبة المسنين, وتتوقع منظمة الصحة العالمية وصول عدد المسنين إلى 2 بليون في عام 2050م. وبالتالي زيادة في عدد الأمراض الخاصة بهم ومن أهمها الخرف. وتشير التوقعات إلى إصابة أكثر من 125 مليون شخص بالخرف بحلول عام 2050م.

على الصعيد المحلي، ليست المملكة استثناءً من هذه الظاهرة العالمية, فقد كان العمر المتوقع للفرد هو 49 سنة عام 1974م, لكنه أصبح 76 سنة في 2010م حسب الإحصاءات. وتتوقع الأمم المتحدة وصول عدد المسنين في المملكة إلى 2.5 مليون في عام 2030م و5.9 مليون في 2050م, مما سيشكل %13 من مجموع السكان, وبالتالي زيادة في حالات ألزهايمر بصورة مقلقة.

أعراض ألزهايمر
تعتمد الأعراض على مرحلة المرض, ففي المراحل المبكرة (سنة إلى سنتين) قد يلاحظ على المريض نسيانه للأحداث القريبة, وبعض الصعوبة في اختيار الكلمات, وعدم القدرة على تحديد الوقت بدقة. وقد يعاني ظواهر نفسية كعدم الاكتراث، بل الاكتئاب, وأحياناً العصبية الزائدة, وغيرها من عوارض تغير الشخصية. وفي المرحلة المتوسطة (من سنتين إلى خمس) تصبح الأعراض أكثر وضوحاً, فيكثر النسيان, مما قد يشمل أسماء المقربين للمريض, ومعظم الأحداث قصيرة المدى, وتزداد صعوبة الكلام والتحدث, ويقل الإحساس بالزمان والمكان, وقد يفقد معرفته بالطريق حتى في الأماكن المألوفة، بل وأحياناً حتى في المنزل, وقد تبدأ بعض الأعراض النفسية كالهلوسة والاعتقادات الخطأ, والعنف اللفظي والجسدي. ويزداد اعتماد المريض على من حوله في الأعمال اليومية والاحتياجات الخاصة, ويصبح بقاؤه بمفرده غير آمن.

أما في المراحل المتأخرة فقد يصبح المريض معتمداً تماماً على من حوله حتى في ممارسة الحاجات البسيطة كالطعام والحركة, وقد يفقد القدرة على التحكم في الإخراجات الطبيعية. وتزداد الخطورة من الإصابة بالالتهابات كالالتهاب الرئوي خاصة بسبب صعوبة البلع, والتهاب البول وتقرحات السرير.

متى يأتي..؟
أكثر من %90 من حالات ألزهايمر تصيب مَنْ هم فوق الخامسة والستين, وتتضاعف نسبة انتشار المرض عند الفئات العمرية الأكبر كل سنوات خمس (أي إذا كانت النسبة حوالي %2 تحت الـ 65سنة, فهي %4 في فئة 65 – 70 سنة, و%8 في فئة 70 – 75, وهكذا). فالمرض بشكل عام نادر تحت سن 65 ونادر جداً تحت الخمسين، وعادة ما يكون في هذه السن نتيجة لمرض وراثي، ويستلزم عادة وجود أفراد آخرين أصيبوا بالمرض في سن صغيرة في العائلة. أما المتقدمون في السن بألزهايمر, فإن إصابة فرد في العائلة بالمرض في سن كبيرة لا يعني بالضرورة إصابة الأفراد الآخرين بالمرض, فحتى وإن كانت الخطورة تزيد بعض الشيء, فهي ليست نسبة تدعو إلى القلق. أما النسيان بالنسبة لصغار السن فظاهرة منتشرة، وقد يكون لها أسباب كثيرة, كضغوط الحياة, والقلق, ونقص واضطراب النوم, أو الاكتئاب. وتؤدي هذه الظواهر كلها إلى ضعف في التركيز أكثر من وجود نقص أساسي في الذاكرة. وعلاج هذه العوامل والتغلب عليها يمكن أن يعيد الذاكرة إلى حالتها الطبيعية, أما في حالة استمرار أو تطور الأعراض, فمن الضروري عرض المريض على متخصص للتأكد من عدم وجود مشكلة عضوية أو عصبية.

لماذا يأتي..؟
حددت الأبحاث بعض العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بمرض ألزهايمر, وهي تشمل التدخين, وارتفاع السكر أو تكرر انخفاضه, وارتفاع ضغط الدم حتى في منتصف العمر, والإصابات المتكررة للرأس, والأدوية المخدرة وبعض عقاقير النوم, وضعف التحصيل العلمي.

والتحكم في هذه العوامل قد يقلل من نسبة الخطورة, كما تشير الدراسات إلى احتمال وجود دور حماية للغذاء الصحي وممارسة الرياضة, وكذلك القيام ببعض الرياضات الذهنية. كما لم تفد الدراسات بوجود أي دور للمكملات الغذائية والأعشاب كـ(الجنسنج), أو الفيتامينات ومضادات الأكسدة, ما عدا بعض الحماية من فيتامين E بجرعات كبيرة, ولكن ذلك أدى أيضاً إلى إصابات قلبية. أما فيتامين (د), فهو منطقة بحثية مشوقة وما زلنا ننتظر نتائج الأبحاث عن دور له في الحماية والعلاج.

ماذا نستطيع أن نفعل؟
أول وأهم الخطوات، إدراك حجم المشكلة وتأثيرها على المجتمع. فمن الضروري أن ندرك كأفراد أو عائلات أن المرض قد يصيب أي شخص، وبالتالي يؤثر على كامل العائلة. ومن الضروري أيضاً محاولة التشخيص المبكر عند ظهور أي أعراض لدى كبار السن.

وللكشف المبكر عدة فوائد: أولها، التأكد من عدم وجود أسباب أخرى لتدهور الذاكرة قد يمكن علاجها تماماً. وثانياً: رغم عدم وجود علاج شافٍ لمرض ألزهايمر, إلا أن هناك عدة أدوية متوافرة تساعد في احتواء الأعراض بشكل ملحوظ – مع ملاحظة تفاوت المرض في الاستجابة لهذه الأدوية – مما قد يساعد المريض وأهله كثيراً. وأظهرت بعض الدراسات أن نسبة التحسن تكون أفضل عند بدء هذه العلاجات مبكراً. ثالثاً: إذا تم تشخيص المرض بدقة في مراحل مبكرة, فباستطاعة المريض اتخاذ كثير من القرارات المهمة وترتيب أموره العائلية والمالية وغيرها قبل أن تتأثر قدرته على اتخاذ القرارات.

وعادة يجري البدء بالعلاج بالأدوية مثل: (Donepezil, Galantamine, Rivastigmine) في المراحل المبكرة وما بعدها, ودواء Memantine في المراحل المتوسطة والمتأخرة, ويجب على الطبيب مراجعة تحاليل المريض والتأكد من عدم اختلال في الهرمونات أو الأملاح أو السكر, وعدم تعاطيه لأدوية قد تكون ضارة, ومراجعة الحالة الصحية والنفسية والغذائية ككل. ومن الضروري إدراك أن مرض ألزهايمر يتطور تدريجياً بطبيعته، وبالتالي فإن قدرات المريض على ممارسة أشياء معينة يتوقع أن تتناقص تدريجياً, وهنا تأتي أهمية التخطيط المبكر للتوقف عن بعض الأشياء حماية للمريض وللغير، كقيادة السيارة أو الخروج بمفرده مثلاً. ومن الضروري التفكير في قدرة المريض على أداء التصرفات المالية, وحمايته ممن قد يحاولون استغلاله, بل وأحياناً الحد من حريته في إدارة الأموال والأملاك بعد استشارات طبية وفقهية مستفيضة وموثوقة.

ويقع الدور الأكبر في العلاج على الأهل والأصدقاء, حيث يتعين عليهم التفهم تماماً لحالة المريض – وهي فائدة أخرى للتشخيص المبكر- وعدم توجيه اللوم له أو السخرية من نسيانه ولو على سبيل المزاح. كما يجب إدراك أن أي عصبية زائدة يظهرها، أو لا مبالاة إنما هي من عوارض المرض وليست نقصاً سلوكياً. ويساعد كثيراً التفكير في أن أي صعوبة أو تغير في الشخصية – وهو ما يسبب الضيق لنا نحن المحيطون بالمريض- إنما مصدرها المرض نفسه، وليس المريض الذي عرفناه وأحببناه لسنين طوال قبل أن يبتلى بالمرض.

مفاهيم خاطئة عن مرض ألزهايمر
• الخرف امتداد طبيعي للتقدم في السن وليس حالة مرضية.
• جميع حالات الخرف هي بسبب ألزهايمر ولا يمكن شفاؤها.
• لا يوجد علاج لأعراض المرض ولذا لا داعي لتشخيصه.
• 
يفضل عدم إخبار المريض بالمرض واحتمال التدهور في المراحل المبكرة حفاظاً على مشاعره.
• جميع أقارب المريض يواجهون خطورة كبيرة من الإصابة بالمرض.
• 
تذكير المريض بنسيانه وتصحيح كلامه يفيد المريض ويقوي الذاكرة.
• 
من الطبيعي أن يصاب المريض بالاكتئاب ولا ضرورة لعلاج الألم أو اضطراب النوم.
• 
من الأفضل أن تقل حركة المريض بدلاً من ممارسة الرياضة والعلاج الطبيعي.
• 
منع المريض من القيادة أو الخروج منفرداً أو حتى اتخاذ القرارات المالية الكبيرة في المراحل المتقدمة بأي شكل، يُعد من العقوق.

خطوات مهمة لمساعدة المريض
• 
الحرص على التشخيص المبكر والدقيق, والتأكد من عدم وجود عوامل أخرى لتدهور الذاكرة.
• 
تجنب الدخول في جدال مع المريض, وعدم تأنيبه أو السخرية منه. وتذكر أنه لا ذنب له في مرضه.
• 
البُعد عن المزاح غير الواضح أو محاولة اختبار ذاكرته من الأهل والأصدقاء.
• 
الحفاظ على أوقات منتظمة للنوم والوجبات وعدم تغيير الروتين اليومي.
• التحدث مع المريض بكلمات واضحة وصوت هادئ.
• 
البُعد عن الضجيج وتعدد الأصوات والأماكن غير المألوفة.
• حثّ المريض على ممارسة الرياضة الخفيفة بانتظام.
• الحذر من نقصان الوزن المستمر.
• التأكد من عدم وجود اكتئاب وعلاجه إن حصل.
• علاج أي صعوبة في السمع والبصر.
• 
إشراك المريض في قراراته الصحية والشخصية والعلاجية وعدم إجباره على خطوات علاجية لا يريدها.

لمزيد من المعلومات:
• 
يحتوي موقع جمعية ألزهايمر العالمية (Alz.org) على كثير من المعلومات القيِّمة.
• 
كما تأسست في المملكة مؤخراً جمعيتان ناشئتان يديرهما متطوعون, وهما: جمعية أصدقاء مرضى ألزهايمر الخيرية بمنطقة مكة المكرمة http://alz1.org.sa والجمعية السعودية الخيرية لمرض ألزهايمر http://www.alz.org.sa

أضف تعليق

التعليقات