عند كل قصيدة نحاول أن نكتشف آليات جمالية جديدة ومناطق مدهشة، ونتسكع في شوارع اللغة وفي باحات الجمال، ونسكر في حانات الخيال، ونتعبَّد معتكفين في محاريب الدهشة والانزياح التام عن الموجود لنصف اللامرئي واللاموجود الملموس.
ليس الشعر مرآة، كما أنه ليس محاكاة كما تدَّعي النظرية الأفلاطونية، فالشعر خلقٌ وابتكارٌ، والركض نحو اكتشاف وإضاءة منطقة معتمة ربما لم يشع الضوء فيها من قبل، فلأن الشعر أوضح من الصباح وأغمض من الغراب، وحده الشاعر ذلك المغترب في صحاري اللغة ومحيطات الكلام، يمزِّق أزرار الخريطة ويرمِّم جغرافيات العدم المطلق، يسبح في أبراج الخيال ويغيب لحظات سانحة عن الوجود، هناك في معترك الأضداد أحكي لكم ما أرى.
* الشبحي ما يشبه الشخص عندما تبتعد، وعندما تقترب إليه تجد أنه لا شيء كالطيف والسراب
على رَأسهِ نَارٌ وَأَعشَابُ أَسئلةْ
فتًى ضاعَ قبلَ الأمسِ بيْن المُخيِّلةْ
فتى باركتْهُ الأُغنيَاتُ فلَم يَجِئْ
لِدُنيَايَ حتَّى قال: دُنياكَ مهزَلَةْ
فتًى تنخُر الخيباتُ جُدرانَ ذاتِهِ
لِينقضَ في دربِ المآخيرِ أَوَّلَهْ
يُصفِّدُهُ المغْنَى ويرْتجِل الهَوَى
فيرتَجّ صَيّادًا يُفتّشُ بوصلَةْ
ويصحُو على ذِكرى التجَاويفِ رُبَّمَا
سيَتْلُو عَلَى الفُقدانِ مَا يُشبهُ الولهْ!!
يَصيحُ كناقُوسٍ يُضَيِّعُ حبْلَهُ
كَما ضيَّعَ الخيّالُ فِي الركضِ مَنهلَهْ
يميسُ على قصرِ المُصيباتِ لَمْ يكن
رئِيسًا وشُرطيّ الفوَاجِعِ حَنَّ لَهْ
وفوقَ بلاطِ اليأسِ يُصغِي بِعينِهِ
نشِيدًا ويحنُو والمَدَامعُ مُهمَلَةْ
وفوقَ جِبال الألب يسمُو مُهشَّمًا
صعدتُ لأنّ الأرض يقظةُ قُنبُلةْ
وَفوقَ جِدَارِ الأَلبِ ثَمَّ قَرَنفلٌ
يُودِّعُ في العصْرِ الأخِيرِ قرنفُلَةْ
يمُدُّ يَدًا للرِّيحِ
والرِّيحُ دأْبُهَا اشْتبَاكٌ
يُعَرِّي فِي المدَارَاتِ جدْوَلَهْ
يُسافرُ مثلِي مثلَ طيفِ غمَامَةٍ
ويصرُخُ من حيثُ الحنَاجرُ مُقفَلةْ
أَنا المُتفَانِي فِي الغِيابِ مدينتِي
خواءٌ وسكّانُ المدينةِ أَرملةْ
أنا المُستحِيلُ /المُمْكنُ/ المُتَمَرِّدُ/
السّعيدُ /الشَّقيّ/ الدَّمعةُ/ المُتأَصّلةْ
توضّأتُ فِي كهفِ الشّيُوخِ ولمْ أَشخْ
ولكنَّ قلبِي شَاخَ
لَم يدْرِ منزلَهْ
لِتغتلمَ الأشياءُ خلفَ خَريطَتِي
لتَمتَدَّ آهاتي فتُحدثَ بَلبَلَةْ
لِترعد روحُ المُترفينَ كأنّمَا
قُلوبُ بناتِ الأرض تُجهضُ سِلسلةْ
كأن صناديقَ الملائِكِ لم تجدْ
سِوايَ فأَمضِي وَعْكةً مُتشَكّلةْ
فلاَ وطنٌ لاَ عنفُوانٌ ولاَ فَمٌ
ولاَ زنجبِيلٌ يشْرئِبُّ لأَسأَلَهْ
هُناكَ سفيرُ النَّائِباتِ يَقُول لِي:
فَما ذُقتَهُ فِي الحُزنِ مِقدار سُنبُلةْ
أَرى لاَ أَرى
هذَا المقامُ متاهَةٌ
يُرَتّبُ في الحلقومِ طُوفانَ حنظلةْ
يُطاردهُ همٌّ ويطبخُهُ جمرٌ
ليأكلهُ قبلَ المواعِيدِ مُعضلةْ
هُو ابنُ جياعِ الأرض
يهربُ من غدٍ لآخَرَ
إذ كلُّ المحطّاتِ مُهمَلةْ
وتزْرع صحْرَاءَ التَّولُّه راهِيًا
ويلعنُهُ في الصَّحْوِ قمحٌ ومقصلةْ
لِذَا يظهرُ المريخُ كالأرضِ مثلما
يُشَبّهُكَ الفلاَّحُ بِئرا مُعطّلَةْ
يفيضُ وشيكًا لاَ تجيءُ جهاتُه
و “نُوسْتالجياهُ” بِنيةٌ متخَلخِلَةْ
متَى يُمسكُ الإنسانُ دقّاتِ قلبِه
لكيْ يجدَ الضّلِّيلُ فينَا سَموأَلَهْ
محمد الأمين جوب
• محمد الأمين جوب، شاعر سنغالي من مواليد 1991م، بعاصمة السنغال دكار
• طَالب في مرحلة الماجستير في المغرب
• فائز بالمركز الأول في جائزة النفري للإبداع بألمانيا 2020م
• فائز بجائزة أفضل شاعر سنغالي سنة 2017م في دكار
• فائز بجائزة بيت الشعر بمراكش، المغرب 2018م
• فائز بالمركز الرابع في مسابقة أمير الشعراء الدولية (أبو ظبي) في الموسم الثامن
• شارك في عدَّة أمسيات ومهرجانات محلية ودولية، آخرها مهرجان الشارقة 2018م ومهرجان طنجة الدولي ومهرجان خرطوم الدولي للشعر 2019م
• له سبع مجموعات شعرية
جل من اللذين يحملون الأقلام نحو الشعر يعشقون الشعر فهذا شيمهم، أما محمد هذا كأنه هو الشعر بحد ذاته أو بصيغة أخرى كأن الشعر يعشقه هو ، ليكن مسيره مكللا بالتوفيق والنجاح