«العربية» في قصيدة
محمد الشافعي
مهندس بترول
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ
فهل ساءَلُوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتي
يلتصق هذا البيت في ذاكرتي منذ رأيت طلاباً يكبرونني يؤدونه أداءً مسرحياً، وكان قد حرص معلمهم على تجذير الشعور بالمرارة في نبراتهم.
كبرت والبيت لا يفارقني، استحضرت ما جاوره من الأبيات التي باتت تتداعى تباعاً كلما تفلّتت كلماتي العربية، من لساني الذي اعتاد غيرها. وأستحضر مرارة النبرات، كلما رأيت أحدهم يخاطب أطفاله بغير العربية، وكأن الصدفات لم تعد مغرية، والغواص لم تعد له قيمة.
يحضر هذا البيت في ذاكرتي مع كل خطاب ملحونٍ أستمع له، وكل سطور تلقى على حيطان وسائل التواصل كيفما اتفق.
أبو ماضي وذاكرة السنين
غريد العلكمي
اعلامية
كان عمري أربع عشرة سنة تقريباً عندما حفظت قول الشاعر إيليا أبو ماضي:
وَأَلهَفَ نَفسي عَلى أُنسٍ بِلا كَدَرٍ
تُرى تَنالُ مِنَ الدُنيا أَمانيها
فَقُلتُ صَبراً عَلى كَيدِ الزَمانِ لَنا
فَكُلُّ حافِرِ بِئرٍ واقِعٌ فيهـــا
لم تكن هناك مناسبة، كنت أحبُّ القراءة بين الحين والآخر، لكن هذين البيتين علقا في ذهني كثيراً وأصبحت أردِّدهما في كل مرَّة أواسي بها نفسي على أي خذلان أو موقف يشعرني بالسوء من الآخرين. ومازلت أذكرهما في كل موقف مشابه وأواسي به نفسي.
ومن العجيب أن الإنسان رغم مروره بكثير من المواقف وامتلاء ذاكرته بكثير من الذكريات، إلا أنَّ هناك أشياءً بسيطة تظل عالقة في الذهن لا تمحوها السنون، خاصة تلك التي ارتبطت بمرحلة حياتية معيَّنة أسهمت في تشكيل شخصياتنا، مثل بيت شعر أو صوت ما أو حتى رائحة عطر أو رائحة طعام، فيظل بعضها عالقاً في ذاكرتنا ما حيينا، ونستحضره في بعض المواقف. فإذا كان الموقف الذي رسخ بيت شعر ما في أذهاننا فَرِحاً، أعاد ترداده البسمة إلى شفاهنا. وإن ذاك الموقف مؤلماً، فإن استعادة ذكرى بيت الشعر المناسب تشكّل تعزية.
أبيات غيَّرت حياتي
ميساء الخواجا
ناقدة وكاتبة
كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري، وكان والدي حينها يدرس المتنبي والمعري، فوقع بين يدي كتاب عن المتنبي، وكانت فاتحة الكتاب أبيات تقول:
أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقــــــي *** أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقـــــي
وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ الــ *** لاهُ وَما لَم يَخلُـــقِ
مُحتَقَرٌ في هِمَّتــــي *** كَشَعرَةٍ في مَفرِقـــي
أصابتني هذه الأبيات بالصدمة من الإنسان أو الشاعر الذي يرى الكون بأسره أسفله، ولكن هذه الأبيات علقت في ذاكرتي وذهني، وصاحبتني في حياتي كلها. فكانت نافذتي على المتنبي وجعلتني أبحث عنه أكثر، وأهتم بأبيات الحكمة في شعره، وكان هو نافذتي على الأدب العربي الذي جعلني أكمل دراستي فيه.
أستعيد هذه الأبيات كلما شعرت بالضعف، وكلما شعرت بأن الدنيا أصبحت أصعب. فقد أصبحت هذه الأبيات بالنسبة لي علامة تحدٍ وقوةٍ في كثير من المواقف التي مررت بها. إذ كلما مررت بموقف صعب تذكرت (أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي ** أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي)، وهذا ما يجعلني أشعر بعدم وجود نهاية للطريق الذي يختاره الإنسان. فأمامنا دائماً مزيد من التحدي والاكتشافات ومزيد من المعرفة. قد تكون هذه الأبيات بسيطة جداً، لكني أعتبرها من الأبيات التي غيَّرت حياتي.
أتاك الربيع
تغريد البقشي
فنانة تشكيلية
أبصرت النور في موسم العطر والعصافير. وكنت ولا أزال أحب الشعر. في بدايات مرحلة الثانوية، لفت نظري بيت للبحتري كان عمري حينها أربع عشرة سنة. ففي حصة البلاغة والنقد في الصف الأول ثانوي، راحت المعلِّمة تشرح لنا بلاغة الكلمات وعمق معناها:
أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً
منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَــــــا
منذ الوهلة الأولى عند قراءة هذا البيت، تخيلت “الربيع أنا، أو أنا الربيع”. ورسخ هذا البيت في ذاكرتي وتغلغل فيها، وأحسست أنه مرتبط بمناسبة ميلادي في فصل الربيع ويعبِّر عنه. يحضر هذا البيت في ذكرى كل ميلاد. وكلما رأيت باقة ورد، وأنا أعشق الورد، ملمسه لونه رائحته انعكاس حضوره في دواخلي، أستحضر هذا البيت والقصيدة المخملية. وارتباط الأبيات بمرحلة عمرية يوقظ الأحاسيس وصورة المدينة الفاضلة التي بنيت فيها قصوراً كقصر علاء الدين الذي وجد في طرفة عين بأمنيته من جني المصباح. وأراني وأنا أفرك المصباح بعشرات من الأمنيات المحققة على شاطئ بحر فيروزي لا نهاية له.
أحب الشعر كثيرًا ، و أنظمه قليلاً ..
لكن لم يخطر ببالي هذا السؤال ..
أتذكر الآن مقطوعة شعرية حفظتها لأنها كانت معلّقة في مجلس عم أبي رحمه الله
اذكر منها : و لو أن الرزق يأتي بقوّة ما أكل العصفور شيئاً مع النسر .
السيف اصدق انباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب