مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو – يونيو | 2021

الخط اليدوي: فرصة مفقودة في التعليم الرقميّ


رئيس التحرير

يصف الكاتب والشاعر الصيني الفرنسي الجنسية فرنسوا تشنغ، ترجمة الشعر في اللغة الصينية بقوله إن الفنون في هذه اللغة لا تتجزأ، إذ يمارس المترجم الفنان ثلاثة أنواع من الفنون: الشعر والكتابة والرسم. الترجمة هنا فنٌّ مكتمل، يستثمر كافة الأبعاد الروحانية للفنان من الغناء الإيقاعي والتصوير المكاني والإيماءات الطقوسية إلى الكلمات المرئية.

ومع وصف الترجمة بهذه الكلمات، ثمَّة إشارات ظاهرة مرتبطة بممارسة الخط والكتابة اليدوية وعلاقتهما بالإبداع الفني المتدفِّق. فالخطُّ بطريقةٍ ما فكرة تعبِّر ببلاغة عن الاستمرارية وكأنه “نهرٌ يحمل روافد الفنون إلى البحر المحيط” كما يقول الخطاط العراقي غني العاني.

ثلاثية الخط والفنون والكتابة اليدوية لا تتجزأ أيضاً، إذ إن الخطُ فنٌّ مرتبط بالكتابة اليدوية في أساسه، والخط اليدوي يميّزه التفرُّد؛ فلكل شخص أسلوبه الفريد من نوعه في الكتابة، يمثِّل وسيلته الشخصية للتعبير، وحين يُقال “كتب بخط يده” فهو تأكيدٌ لشخصية الكاتب بما لا يدع مجالاً للشك فيها.

العلاقة بين الخط اليدوي والشخصية قادت الباحثين منذ القرن الرابع عشر إلى ممارسة تسمى “تفسير الخط” أو “الجرافولوجي”، ولكنها ممارسة ذات اتجاه محدَّد، تقوم على تحليل الخصائص الفيزيائية وأنماط الكتابة اليدوية في محاولة للتعرُّف على الكاتب وخصائص شخصيته. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن دليل علمي يدعم “الجرافولوجي” الذي يُعدُّ علماً زائفاً يقوم على أنصاف الحقائق.

أما اليوم، فقد أثبتت مجموعة من التجارب العلمية أن ممارسة الكتابة اليدوية مرتبطة بالشخصية بطريقة أخرى، كونها تُمثِّل وسيلة لاكتساب المعرفة أسرع من غيرها. إحدى هذه التجارب تتعلَّق بتعلُّم اللغة العربية لغير الناطقين بها أجرتها جامعة جونز هوبكنز، ونُشرت نتائجها في مجلة “سيكولوجي تودي” حديثاً، أثبتت أن ممارسة الكتابة باستخدام القلم والورق تعـزِّز التعـلُّم بطريقة أسرع، وذلك من خلال تحسين المهارات الحركية الدقيقة، وتنشيط مناطق حسّية في الدماغ، لا تتحفّز أثناء استخدام لوحة المفاتيح.

المشاركون في هذه التجربة اثنان وأربعون شخصاً بالغاً لا يعرفون اللغة العربية، قُسِّموا إلى ثلاث مجموعات: الكُتَّاب باليد، ومستخدمو لوحة المفاتيح، ومشاهدو الفيديو التعليمي، جرى تعليمهم كل الحروف الأبجدية (أبجد هوز) بأساليب تتنوَّع حسب مجموعاتهم. وبعد ست جلسات تعليمية، تعلَّم المشاركون في المجموعة الثانية والثالثة كل الحروف وحفظوها. أما أفراد المجموعة الأولى – الكُتَّاب باليد الذين استخدموا القلم والورق لكتابة كل حرف أثناء التعلُّم – فقد اكتسبوا المستوى نفسه من الكفاءة بعد جلستين فقط، وأصبحوا قادرين على استخدام الحروف العربية لتهجئة كلمات جديدة أو قراءة كلمات غير مألوفة.

من المرجَّح أنَّ التعليم الرقميّ – الذي نعتمد عليه اليوم كثيراً – قادرٌ على توظيف المهارات الحركية الدقيقة بطريقة تتعدَّى استخدام أطراف الأصابع أو أقلام اللمس للرسم والتحديد على الشاشة أو النقر على لوحة المفاتيح. ولكن حتى ذلك الوقت، تبقى الكتابة اليدوية بالقلم والورق فرصة مفقودة في تعزيز التعليم، من المفيد الانتباه إليها. أما إذا عدنا لوصف تشنغ، فمن من غير المتوقع أيضاً أن تَجِيش مُهْجَة المترجم الصيني اليوم حين يستبدل لوحة المفاتيح بالفرشاة أو قلم الرسم!.


مقالات ذات صلة

为阿拉伯国家最著名的文化杂志之

رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.

ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.


0 تعليقات على “فرصة مفقودة في التعليم الرقمي”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *