كتب عربية
تدوين المجون في التراث العربي
تأليف: عبدالله بن سليم الرشيد
الناشر: دار كنوز المعرفة العلمية، 2021م
يمثِّل هذا الكتاب، الذي جاء في 750 صفحة، خلاصة دراسة عميقة عكف عليها عبدالله الرشيد لفترة طويلة، وحاول من خلالها الذهاب إلى فكرة التدوين في التراث العربي. فيقول إنه لم يعبأ بمجون الأدباء، ولم يكن يفتش عن اتجاه الشاعر إلى تفحيش القول أو صوغ الكاتب لصريح التمجّن، إذ إن هذه ظواهر سبق دراستها والكتابة عنها بشكل كبير، لكنه يحاول من خلال هذه الدراسة أن يمهِّد للدخول إلى الموضوع، أو يربطه ببعض مظاهر التدوين وأسبابه.
ويذكر الرشيد في مقدِّمة كتابه أنه ذهب إلى دراسة تلقي المصنفين لذلك التراث المجوني، واستجلاء مظاهره في كتبهم ومواقفهم منه، وفحص الأسباب التي دعت أكثرهم إلى تدوينه على ما هو من الإساءة والترويج للسخف. وتساءل كيف ساغ لمصنفي كتب التراث – وفيهم الفقيه والمحدِّث والمفسّر، واللغوي والأديب، والإخباري والبلداني والنسّابة، والمؤرّخ والطبيب، وغيرهم – أن يحشُوا مصنّفاتهم بضروب من المجون الذي يتجاوز القدر المقبول؟.
توسّع الرشيد من خلال هذا الكتاب في فهم ظاهرة ومفهوم المجون، مؤكداً أنه ليس مجرد التلفظ بالكلام الذي نخجل منه، بل إن دلالته أوسع من ذلك، فهو على ما أبان من استعمالاته، يشمل كل خروج عن الوقار. ففيه المزاح الهيّن، وفيه مزاح يُلمِح إلى ما يستحيا من ذكره والتصريح به.
ويضيف أن هذا الموضوع عَسِرٌ، لعسر الإحاطة بمدونته، فهو واسع جداً ومتنوِّع، متعدِّد الأشكال، متسرب في تضاعيف الكتب، خفي في بعضها، ومن عُسره حرج النظر في بعض مسائله، ولأن دارسه يحار إذ يكتب، أيثبت الشواهد أم يكتفي بالإحالة إليها على استحياء؟ ذلك أن في بعضها من ترك التوقر والتصريح بالفحش ما يحرج حتى ناقله.
ويستشهد الدكتور الرشيد بما قاله الكاتب الفرنسي غوستاف لانسن، وهو يرصد بعض الأخطاء التي تتربص بنا في أثناء إعداد المعرفة الموضوعية، إذ كتب: “من الأخطاء أننا نسجّل بسهولة ما انتهى إليه سابقونا بوصفه نتائج نهائية، إذا كانت تلك النتائج لا تصدم معتقداتنا ومشاعرنا”.
ويتساءل الرشيد في آخر مقدِّمة الكتاب: هل نجوت من هذا الخطأ؟ وهل استطعت النظر بموضوعية وحياد علمي؟ ويجيب قائلاً: لقد تتبعت واستقصيت ما استطعت، ولعلي بهذا نجوت من نقص التقصي، وضيق الرؤية.
يقع هذا الكتاب في ثمانية فصول وخاتمة، وفيه يعرِّف قبل الفصل الأول معنى المجون. ويسرد في أول فصول الكتاب مظاهر تدوين المجون، ثم فصله الثاني مذاهب المصنفين في تلقي المجون وتدوينه. ثم على التوالي: أسباب تدوين المجون، ومؤثرات عامة في تدوين المجون، والمجون حالة ثقافية، ودلالات اجتماعية وثقافية، ودلالات علمية وفنية، والفصل الثامن الذي سبق الخاتمة كان بعنوان مسائل في تدوين المجون.
غربة المنازل (رواية)
تأليف: عزت القمحاوي
الناشر: الدار المصرية اللبنانية، 2021م
المتابع لما يكتبه الروائي عزت القمحاوي، يجد أنه يسير وفق خطط منظَّمة في مجال الكتابة، إذ إنه لا ينتهي من كتاب حتى يبدأ بآخر، ويؤسس لذلك قاعدة صلبة للشخوص الذين سيتعايش معهم في عمله الجديد.
ذلك ما حدث في رواية القمحاوي الأخيرة “غربة المنازل”، التي جاءت كمزيج ما بين الفنتازيا والواقع. إذ صدرت هذه الرواية في وقت يصارع فيه العالم وباء كورونا. وهنا يروي القمحاوي على لسان أحد أبطال الرواية “كنا نعتقد أنه فيروس يصيب الجهاز التنفسي فحسب، لكن تبيَّن أنه يخبط عشوائياً في كل اتجاه: المخ، والقلب، والكلى، والكبد، والبنكرياس”.
وزَّع القمحاوي الأدوار في “غربة المنازل” على عدد من قاطني عمارة سكنية، يجتمعون في عدد من الرؤى حول البواب وزوجته “طعمة”، التي كانت محور اهتمام سكان العمارة من الرجال والنساء. وحول الشخصيات يقول القمحاوي “كل شخص موجود في الرواية لديه هوسه الخاص، وهذا يعني أنه كان لكل شخص قبل انتشار الوباء وحالة العزلة ما يشغله أو يمنعه من عيش حياته بصورة طبيعية”. هكذا كان القمحاوي يتحرك مع شخوصه في الرواية التي تحمل من روح ألف ليلة وليلة حكايات الفنتازيا العابرة.
وحول كيفية صناعة هذه الشخصيات، يقول المؤلف: “لنتفق بأن الرواية ستكون بلا أهمية أو ضرورة لو أعادت تمثيل الواقع. وبالقدر نفسه ليست هناك رواية ذات شأن إذا كانت خيالاً معلقاً في الفراغ. هكذا تحتاج الرواية إلى جذر واقعي، إلى حقيقة يمكن إثباتها لكي تسهل على القارئ الدخول في لعبة التواطؤ الضرورية لنجاح الأدب؛ فتجعله يتقبَّل عدة أكاذيب بجوار الحقيقة الواحدة. هذا ما أضعه نصب عيني في بناء الرواية ككل في بناء لغتها وعالمها وشخصياتها”. ويضيف “كل الشخصيات تُداخلها عناصر واقعية من شخصيات يمكن أن تكون موجودة بسهولة، إلى جانب عناصر غير واقعية، إما خيالية تماماً، أو من خلال تنظيم سمة من سمات الشخصية الواقعية كما يفعل فن الكاريكاتير”.
وحول زمن كتابة الرواية، قال القمحاوي “زمن الكتابة هو عام ونصف العام من عزلة كورونا، لكن كل كتابة تُخايلنا طويلاً قبل أن تتجسد. وبخصوص هذه الرواية أقول فعلاً إن كثيراً من شخصياتها كانت مشروعات روايات مستقلة، ربما لهذا قد يلاحظ القارئ التوازن الشديد في العناية بالشخصيات وتفاصيلها”.
يعتقد القمحاوي أن “الغربة في القلب أكثر منها ابنة مكان محدد. في القرية شخصيات مغتربة وفي المدينة كذلك. هناك بشر انبساطيون يجدون الأصدقاء في صحراء، أو بين أجانب في طائرة، أو على متن مركب، أو محطة قطار، وبشر مثل المحار منغلقون على ذواتهم في أكثر الأماكن حميمية. وأحسب أن الغربة أحد موضوعاتي التي أعرفها جيداً، ومن دون أن أدري أقاربها في عمل بعد آخر“.
قيامة الذكاء الاصطناعي في التعليم.. هل يجب أن تحل الروبوتات محل المعلمين؟
تأليف: نيل سلوين
ترجمة: فيصل حاكم الشمري
الناشر: ابن النديم للنشر والتوزيع ودار الروافد الثقافية، 2020م
يطرح هذا الكتاب عدداً من القضايا الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، وينطلق من سؤال أساسي هو: هل يجب أن تحل الروبوتات محل المعلمين؟ وفي سياق الإجابة عنه، يستعرض مؤلفه الأكاديمي الأسترالي نيل سلوين كافة التحديات والأدوات والبرمجيات التي ترتبط باحتمالية استبدال العنصر البشري داخل الفصول الدراسية بالأنظمة الرقمية على اختلاف أنواعها.
تشير مقدِّمة الكتاب إلى حالة الجدل والإثارة التي أوجدها التطوُّر الكبير في مجال الروبوتات والبيانات الضخمة في الميدان التعليمي. فبينما يؤكِّد الواقع أن مثل هذه التطوُّرات ستغيِّر دون شك طبيعة مهنة التعليم نفسها، لا يمكن الجزم بأن ثمَّة “موتاً وشيكاً” لمهنة التدريس، وهو الأمر الذي يؤكِّده علماء التربية الذين لا يزالون مقتنعين بالحاجة إلى “معلمين” بشريين لديهم خبراتهم الإنسانية المتراكمة التي تؤهلهم للتعامل مع الطلاب في كافة مراحلهم التعليمية.
ويوضِّح المؤلف أن الهدف الرئيس من هذا الكتاب هو توسيع طبيعة المحادثات حول مستقبل التدريس في العصر الرقمي، حيث ستتجلى على مدار صفحاته حجج مختلفة من أجل التباطؤ ومقاومة “الأتمتة” المفرطة للتعليم، كما ستتحدَّد مجموعة الفرص التي يمكن أن يتيحها “المعلم الروبوت” في حال استخدامه في التدريس، والميزات التي يتمتع بها وتعوِّض ما يعتري عملية التعليم التقليدية من أوجه قصور. ويطالب نيل سلوين بأن تأخذ جميع هذه المناقشات حول مستقبل التكنولوجيا في التعليم قدراً كافياً من التفكير والتأمل والتخمين. فليس ثمَّة شيءٌ قطعيٌ بشأن ما سيحدث في هذا المستقبل، لكن المؤكد أن ثمَّة تفضيلاً لما يراد له أن يحدث ويجب الاستعداد له.
يضم الكتاب خمسة فصول، يقدِّم المؤلف في أولها مجموعة من التعريفات لمفاهيم الذكاء الاصطناعي والروبوتات وأتمتة التدريس. ويناقش في الفصل الثاني إمكانات الروبوتات التي يمكن الاستفادة منها في العملية التعليمية وما يمكن أن يشعر به الطلاب حين يتولى تدريسهم روبوت حقيقي وليس معلمهم البشري الذي اعتادوا على التفاعل معه. وجاء الفصل الثالث بعنوان “التدريس الذكي والمساعدون التربويون”، وفيه عرض مستفيض عن بدايات ظهور المعلِّم الذكي والاتجاهات الحالية في القوالب التربوية وتطبيقاتها العملية والمعضلات الأخلاقية التي تحيط بعمل “المعلم الروبوت”. ويقارن الكاتب في الفصل الرابع بين الإمكانات المتعدِّدة لبرامج التعليم الآلية وسياسات العمل المتبعة في التدريس المعتمد على التقنيات الرقمية. أما الفصل الأخير من الكتاب فيضم مجموعة من الاستنتاجات التي توصل إليها مؤلفه بخصوص استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، وما يمكنها القيام به وما تعجز عن إنجازه، حيث تُعدُّ هذه الأنظمة سلاحاً ذا حدين، لكنه يعترف بأنها تُعدُّ في الوقت نفسه “فرصة لإعادة التفاوض بشأن التعليم”.
كيف يؤثر الأدب في الدماغ
تأليف: بول. ب. أرمسترونج
ترجمة: عبدالله الوصالي
الناشر: مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع، 2021م
في كتاب “العقل الواشي” مزج الكاتب الأمريكي بول أرمسترونج، بروفيسور برنامج علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا ما بين علم الأعصاب ومذاهب فلسفية عدة، وتاريخ النقد الأدبي والفلسفة العصبية. كان “العقل الواشي” عنوان الكتاب قبل ترجمته للعربية “كيف يؤثر الأدب في الدماغ”، ومن خلال التنسيق ما بين المترجم والمؤلف تم التوافق على أن العنوان الجديد أكثر جاذبية إذ كتب عبدالله الوصالي في مقدمته بأن الاقتراح كان استبدال كلمة يلعب، وتوافق مع مؤلفه على التغيير.
العلم هو تفكيك الظواهر الطبيعية، وهذا ما يؤكده أرمسترونج، في هذا الكتاب حيث كتب الوصالي إن “القراءة ظاهرة معقَّدة فهي أمر لا يولد مع الإنسان مثل الإبصار والسمع، بل يُدرك ويتعلم مع الوقت”، وهنا دخول في منطقة الدماغ وتأثيث الفكر من خلال القراءة والاستزادة المعلوماتية، إذ إن الدماغ يدخل في منطقتي (البصري والسمعي)، حيث الحواس هي من تقود الإنسان إلى حالة المعرفة بالظواهر، التي يركض العلم وراء محاولة تفسيرها.
ومن بين الاستشهادات التي استخدمها المترجم في مقدِّمته، ما ذكره عالِم الأعصاب ستنسلاس ديهين: “هناك علاقة مباشرة بين عملية التفكير لدى الإنسان وناتج عملية مجموعة من الخلايا العصبية في الدماغ، إن حالة من العقل هي حالة مادية دماغية“.
يتساءل أرمسترونج في مقدِّمته: “ما الذي يجعلنا بشراً؟”، ويشير إلى أن هذا الموضوع “يمكن لعلم الأعصاب مشاركة الأدب الاهتمام به”، فيقول “إن قدرة الدماغ على لعب آلية الذهاب والإياب بين الأوامر المتنافسة والاحتمالات المتبادلة، هي نتيجة تكوينه غير المركزي، وطبيعة شبكة المعالجة المتوازية المكونة من توصيات متبادلة من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى، بين أجزائه المتداخلة”، كما يرى أن “اقتران الفن والأدب بلعبة الانسجام والتنافر العصبية أمر ليس جديداً أو مما يوجب الاستغراب“.
ويلاحظ من قرأ كتاب أرمسترونج، الآخر “كيف يؤثر الأدب في الدماغ” علاقته بالفنون، حيث يقول: “نملك نوعاً من الأدمغة التي تزدهر مع الانسجام والتنافر والخبرات الجمالية التي تتقابل بشكل واسع ومثالي مع الفن والأدب، والتي تتقابل بطريقة مثيرة للإعجاب مع أساسيات عمل القشرة الدماغية والعصبية“.
يضم الكتاب خمسة فصول، وهي: (الدماغ والخبرة الجمالية، وكيف يتعلم الدماغ القراءة، ولعبة الانسجام والتنافر، وعلم أعصاب دائرة الهرمينيوطيقا.. الطابع الزمني للقراءة ولامركزية الدماغ، العقل الاجتماعي ومفارقة الأنا الأخرى). ويختتم أرمسترونج كتابه متحدثاً عن شخصيته، وكيف أن توليه منصب عميد أكاديمي في العلوم، علَّمه كثيراً مما لم يكن يعرفه أثناء الدراسة، ويقول “تعلَّمت كيفية قراءة ورقة علمية بشكل ناقد، حتى لو لم تكن المعلومات التقنية تفوق مهاراتي”.
كتب من العالم
نهضة الكتاب العربي
The Rise of the Arabic Book
by Beatrice Gruendler
تأليف: بياتريس غروندلر
الناشر: Harvard University Press, 2020
لطالما ركَّز تاريخ الكتاب بشكل كبير على نشأته في أوروبا، خلال العصور الوسطى التي كانت الفترة الأهم في تطوُّر الكتاب في العالم. لكن أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة برلين الحرة بياتريس غروندلر تحاول في هذا الكتاب تصحيح خطأ شائع، وتحديد التوجه الصحيح نحو العالَم العربي لدراسة نشأة الكتاب، وذلك من خلال استكشاف المصادر العربية الكلاسيكية وتلك التي تعود إلى العصور الوسطى، لتروي لنا إسهام المؤلفين وعشَّاق الكتب والشعراء وصانعي الورق والعلماء والمكتبيين في بغداد، مدينة المئة مكتبة، في نشوء الكتاب العربي.
تقول غروندلر إنه خلال القرن الثالث عشر كانت أكبر مكتبة في أوروبا لا تمتلك أكثر من 2000 مجلد، بينما كانت المكتبات في العالم العربي في ذلك الوقت تحتوي على مجموعات أكبر بكثير. إذ كانت توجد خمس مكتبات في بغداد تحتوي على ما بين 200,000 و 1,000,000 كتاب، بما في ذلك نُسخ متعدِّدة من الأعمال نفسها، بحيث كان يمكن لأكثر من شخص من روَّاد تلك المكتبات الكثر الاستمتاع بقراءة الكتاب نفسه في الوقت نفسه. أما الأسباب الرئيسة لـ “ثورة الكتاب العربي”، كما تسميها غروندلر، فتعود أولاً إلى نمو اللغة العربية كلغة مشتركة لا سيما عندما أصبحت في عامي 697 و700م لغة الدولة الرسمية في العراق وسوريا تحت رعاية الخليفة الأموي عبدالملك، وحلّت مكان اللغة الفارسية الوسطى واليونانية المستخدمة سابقاً في الإدارة. وهذا ما أدَّى إلى تحوُّل أساسي في نشر المعرفة وأساليب التدريس والنشر والأدب. ومن ثم كان ظهور ثقافة الكتاب في الشرق العربي في القرن التاسع الميلادي مدفوعة بإدخال الورق مع الأسرى من صنَّاع الورق الصينيين الذين وقعوا في الأسر مع سقوط سمرقند في يد العرب سنة 705م. وإلى ذلك يضاف إلى ازدهار التأليف بشكل كبير في العصر العباسي. ولكن رواج الكتاب بهذا الشكل، حسب غروندلر، واجه في بداياته سيادة الثقافة الشفاهية عند العرب وعدم الثقة بالكلمة المكتوبة لا سيما في ثقافة كانت تعتقد أنه “مَن كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه”، ولكن مع مرور الوقت تراجع النقل الشفهي وتفوقت ثقافة التدوين وشاعت الكتب.
باختصار، يفتح هذا الكتاب نافذة على التاريخ الفكري النابض بالحياة للكتاب العربي الذي ازدهر بسرعة فائقة، إذ في غضون أقل من ثلاثة عقود، بدءاً من القرن التاسع، أكَّد وجوده وعزَّز الثقافة المكتوبة في العالم العربي أكثر من أي مكان في العالم.
لي! كيف تتحكم قواعد الملكية الخفية في حياتنا
MINE! How the Hidden Rules of Ownership Control Our Lives
by Michael A. Heller and
James Salzman
تأليف: مايكل إيه هيلر، جيمس سالزمان
الناشر: Doubleday, 2021
في هذا الكتاب يستكشف مايكل هيلر، أستاذ قانون العقارات في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا الأمريكية، وجيمس سالزمان، أستاذ القانون البيئي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، القواعد الاقتصادية والاجتماعية الخفية التي تتحكم بالملكية وتحدِّد معناها وتتحكم بما نقوم به في حياتنا اليومية.
يطرح المؤلفان فكرة الملكية على نطاق واسع، ليس فقط في ما يتعلق بالأراضي والنقود والسيارات، ولكن أيضاً بمجموعة غير محدَّدة من الأشياء التي ندَّعي أنها ملكنا، منها مثلاً، عندما نسأل أنفسنا: من الذي يتحكم بالمساحة المحيطة بمقعد الطائرة الخاص بنا، هل هو نحن أم الشخص الذي يجلس خلفنا ويحاول العمل على جهازه المحمول؟ لماذا تريد شركتا فيسبوك وغوغل الحصول على بياناتنا الخاصة؟ هل نحتاج حقاً إلى إخبار الطبيب ألا يسرق خلايانا أثناء خضوعنا لعملية جراحية؟ وماذا تعني شركة أمازون بالضبط عندما تقول إن الكتاب الإلكتروني الذي اشتريناه للتو – أو اعتقدنا أننا قمنا بذلك – “قد يصبح غير متاح” لنا؟
قد تبدو حروب الملكية الصغيرة التي نخوضها تافهة، لكن هيلر وسالزمان يثبتان بشكل مقنع أنها ليست كذلك على الإطلاق، فهما يقولان إن: “أشياءنا – مثل أجسامنا – تحدِّد وتشكِّل من نحن، ليس فقط كأفراد، ولكن كجزء من مجتمعات ذات مغزى. نحن مهيؤون للتفكير في الملكية على أنها مقدرة وحتمية، بحيث يتم منحها من خلال نظام طبيعي للأشياء ولكن، في الواقع، إن تأكيداتنا على الملكية محملة بالقيمة وغير متسقة وتتعارض بانتظام مع ادعاءات الآخرين المعقولة بالقدر نفسه، بحقوق الملكية“.
ويرى المؤلفان أن هناك “ستة مسارات فقط للمطالبة بالملكية” تتراوح بين “الحيازة” مثل أن “هذا الشيء ملكي لأنني متمسك به” وبين ما هو “مرفق” أي إنه “ملكي لأنه مرتبط بشيء يخصني”، وما هو متعلق بمبادئ ملكية تنافسية للعمل مثل حقوق استخراج المعادن وحقوق النشر.
ومن خلال تحديد هذه المبادئ وفهمها على أنها عوامل تنافسية بدلاً من كونها قواعد صارمة وحازمة، سيكون الأفراد والسلطات على حد سواء أكثر استعداداً للتعامل مع قضايا مثل تغيُّر المناخ والتكاليف الاجتماعية للاقتصاد التشاركي.
تاريخ وسائل الإعلام: من إشارات الدخان إلى وسائل التواصل الاجتماعي وما بعدها
Histoires des médias: Des signaux de fumée aux réseauxsociaux, et bien après by Jacques Attali
تأليف: جاك أتالي
الناشر: Fayard, 2021
طوال التاريخ، احتاج البشر إلى معرفة ما يهدِّدهم وما يمكن أن يساعدهم ويزوِّدهم بالمعلومات المفيدة لتيسير أمورهم الحياتية. وفي مختلف المجتمعات، ولفترة طويلة، كانت المعلومات محتكرة من قبل النخبة فقط من الحكام ورجال الدين والتجار، بدءاً من تصنيعها وانتهاءً بتداولها وانتشارها. ومما لا شك فيه بأن المعلومات المجانية التي توفِّرها وسائل الإعلام الحديثة اليوم وتضعها في متناول الجميع والتي يتم تجميعها من قِبل متخصِّصين باحثين عن الحقيقة، هي ثمرة تاريخ طويل من تطوُّرات عديدة اتخذتها عملية توصيل المعلومات والقِيم والمعرفة إلى الجمهور العريض.
في هذا الكتاب يتتبع المفكر وعالِم الاقتصاد الفرنسي جاك أتالي هذا التاريخ الطويل، من إشارات الدخان التي تُعدُّ من أقدم أشكال الاتصال بعيدة المدى التي كانت تستعمل لإرسال الأخبار والتحذير من الأخطار، وإشارات الوجه والحمام الزاجل الذي كان أول من أدخله كنظام متكامل لنقل المعلومات السلطان نور الدين محمود عندما حكم بلاد الشام في القرن الثاني عشر، والتلغراف وغيره كثير من الوسائط وصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
ومن خلال هذه الرحلة يقدِّم لنا الكاتب كثيراً من الإحصاءات والأرقام، مثل عدد المجلات الأسبوعية في ألمانيا عام 1650م، وعدد المستمعين للراديو في اليابان عام 1910م، ومعدَّل توزيع الصحف اليومية الإنجليزية في عام 1940م.
ولكن هدف أتالي الأساسي من هذا العرض المفصَّل والعودة إلى الجذور الأولى لتاريخ وسائل الإعلام، كما يقول، هو محاولة التنبؤ بالمستقبل الذي ينتظرنا في مجال توصيل المعلومات، وكذلك فهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة بشكل أفضل. وذلك من خلال طرح مجموعة من الأسئلة من بينها: في عالم الميديا الواسع اليوم كيف يمكننا التمييز بين الحقيقة والزيف والتفريق بين المعلومات والإلهاء؟ ما هي العلاقة بين الإعلام والإقناع والتثقيف والترفيه؟ كيف سيقاوم مفهوم الحرية الفردية أشكال الرقابة المتاحة على شبكة الإنترنت؟ كيف سيؤثر طوفان المعلومات الحالي والمستقبلي، سواء أكانت هذه المعلومات حقيقية أو مزيفة، على طريقة تعاملنا مع القضايا الكبرى اليوم وغداً؟ هل ستجرف موجة تكنولوجية أقوى الشبكات الاجتماعية القائمة اليوم التي تجعل من كل مواطن صحافياً في حد ذاته؟ هل سيتم استبدال الصحافيين بتقنيات جديدة أخرى أم سيبقون موجودين لا يمكن الاستغناء عنهم في عالم الإعلام؟
كيف تشعر: علم اللمس ومعناه
How to Feel: The Science and Meaning
of Touch by Sushma Subramanian
تأليف: سوشما سوبرامانيان
الناشر: Columbia University Press, 2021
تقول الكاتبة والصحافية المتخصِّصة في العلوم والصحة سوشما سوبرامانيان في هذا الكتاب إننا فقدنا كثيراً مما توفِّره لنا حاسة اللمس من التواصل مع ذواتنا، فقد أصبحنا محاصرين داخل شاشاتنا مما جعلنا أقل انسجاماً مع أجسامنا وأفقدنا اتصالنا بالعالم المادي.
وحتى قبل العُزلة الرقمية بكثير، ومنذ فترة بعيدة جداً، تم التقليل من قيمة حاسة اللمس. إذ منذ أيام أفلاطون كان اللمس إحساساً غير مقدَّر حتى إن أفلاطون نفسه وصفه بأنه “أدنى إحساس لدينا”، ولا يقارن بحاسة النظر المرتبطة بالتنوير والمعرفة. وإضافة إلى كل ذلك، فاللمس هو أقل حاسة مفهومة لدينا بسبب صعوبة عزل مكوناته العديدة.
أرادت سوبرامانيان استكشاف حاسة اللمس من جوانبها العلمية والفسيولجية والعاطفية والثقافية بهدف إعادة ربطنا بما اعتبرته أهم حواسنا الخمس. فتناولت أولاً العلم الفسيولوجي الفعلي الكامن وراء كيفية اللمس مثل المستقبِلات الميكانيكية ومستقبِلات الألم والمستقبِلات الحرارية؛ والألياف العصبية السريعة والبطيئة التي تحمل الرسائل من المستقبِلات إلى الدماغ، وأجزاء الدماغ، مثل القشرة الحسية الجسدية، التي تشارك بشكل كبير في معالجة هذه الرسائل. ومن ثم حاولت استكشاف اللمس من خلال العلوم الأخرى مثل علم الاجتماع وعلم النفس والعلوم التكنولوجية، حيث تتعمق سوبرامانيان في الاختلافات الموجودة في الثقافات المختلفة في التعامل مع حاسة اللمس. كما تُطلعنا على قصص فردية من خلال إجراء مقابلات مع أشخاص تأثرت حياتهم بطريقة ما من خلال فقدان حاسة اللمس. وتتحدث إلى المهندس الذي يدير مجموعة في شركة فولكس فاجن للسيارات التي تقوم بتجربة الطريقة التي يمكن بها تصميم المركبات باستخدام الواقع الافتراضي جنباً إلى جنب مع التكنولوجيا اللمسية، وإلى فنان يستخدم الواقع الافتراضي لعلاج الألم المزمن. ومن ثم تزور المعامل التي تصمِّم ملمس الأشياء التي نستهلكها كل يوم من الحبوب إلى الأقمشة الاصطناعية. وأخيراً تسلِّط الضوء على مجال اللمس المتنامي الذي يحاول دمج التفاعلات اللمسية في أجهزة مثل الهواتف الذكية والأطراف الصناعية.
مقارنة بين كتابين
الكواكب والنجوم ونحن
الكون البشري: الحضارة والنجوم
تأليف: جو مارشانت | الناشر: Dutton 2020
The Human Cosmos: Civilization and the Stars by Jo Marchant
الحياة السرية للكواكب: النظام والفوضى والتفرد في
النظام الشمسي
تأليف: بول موردين | الناشر: Pegasus Books 2020
The Secret Lives of Planets: Order, Chaos, and Uniqueness in the Solar System by Paul Murdinl
في زمن العروض المسرحية والموسيقية المبهرة التي نشهدها في العصر الحديث يسهل أن ننسى أن السماء الليلية كانت أجمل العروض التي تمتع الإنسان بها قديماً. ففي الليالي الصافية يكون مشهد مجرَّة درب التبانة مسيطراً على السماء فتسطع الكواكب بين النجوم المشعة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وتضيف النيازك بمساراتها النارية مزيداً من السحر على المشهد الليلي، بينما يشكِّل القمر، في انتظام مراحله مشهداً فاتناً على مرور الأشهر والمواسم. ومما لا شك فيه أن مشهد السماء الليلية الديناميكي هذا الذي كان حاضراً دائماً قد لعب دوراً في تطوير الفنون والزراعة والعلوم والسياسة، كما تقول جو مارشانت، الكاتبة المتخصصة في الصحافة العلمية، في كتابها “الكون البشري”. وقد كتبت لتقول إن الفضاء الخارجي وعلاقة الإنسانية به أساسية، بل لا تنفصم،عن الثقافة نفسها.
تستعرض مارشانت الطرق التي احتفت بها الثقافات المختلفة بعظمة وألغاز سماء الليل، التي أسهمت في تشكيل الأفكار التي ولّدتها الحضارات الإنسانية عبر آلاف السنين. فتبدأ من على جدران كهف لاسكو في جنوب غرب فرنسا، الذي يضم رسومات تعود إلى حوالي 37000 عام، وترجّح الدراسات الحديثة أنها عبارة عن تقاويم خصوبة للحيوانات مرتبطة بمجموعات النجوم التي تكون بارزة عادة خلال موسم التزاوج. ومن ثم تشير إلى ألواح من القرن السابع قبل الميلاد كانت قد اكتُشفت بالقرب من الموصل في العراق تدل على أن الآشوريين كانوا يعتقدون بأن خسوف القمر قد تزامن مع وفاة ملكهم مما اعتبر أقدم حدث معروف في عالم التنجيم. ومن ثم تتوالى الأمثلة عن ممارسات وأمور كثيرة كانت ترسم خطاً مباشراً من الأرض إلى السماء، وتحدِّد العلاقة بين البشر والكون الخارجي.
وفي كتابه “الحياة السرية للكواكب” يتأمل بول موردين، الأستاذ الفخري في علم الفلك في جامعة كامبريدج، في النظام الشمسي أيضاً، ويأخذنا في جولة حول أشهر الأجرام السماوية ويتعمق في أسرارها وخباياها ومستقبلها المحتمل.
يقول موردين إن لدينا انطباعاً بأن النظام الشمسي منتظم تماماً كالساعة أو كما نراه من خلال القبب السماوية. ولكن، على الرغم من أن ذلك قد يكون صحيحاً على نطاق زمني قصير، إلا أنه، من منظور زمني أطول، تتمتع الكواكب بحياة مثيرة ومتغيرة مليئة بالتحوُّلات. فعلى الرغم من الاعتقاد الذي كان سائداً لزمن طويل بأن المريخ هو صخرة خاملة لا حراك عليها، إلا أن ما حدث قبل بضع سنوات حين استطاعت المركبة كيوريوزيتي التقاط صور لشيطان الغبار الذي مرَّ على المريخ ومن ثم اختفى بسرعة وراء التلال، قد شكَّل لحظة مثيرة لتحركات هذا الكوكب وتقلبات الطقس الحاصلة عليه.
ويكتب موردين عن كيفية خروج بعض الكواكب من النظام الشمسي. إذ إنه أثناء الفترة الفوضوية في تطوُّر النظام الشمسي حصلت تحركات عديدة لطرد كوكب الأرض من النظام الشمسي ولكن ذلك لم يحدث، وإنما بدلاً من ذلك تحوّل مدار الأرض ذهاباً وإياباً نحو الشمس وبعيداً عنها، وانتهى المطاف بكوكبنا في منطقة “غولدي لوكس” في النظام الشمسي، المعروفة أيضاً بالمنطقة الصالحة للحياة.
يحدِّق كلا الكتابين في السماء. ولكن بينما يذكرنا كتاب “الكون البشري” بأن القوى التي تشكِّل الإنسانية قد سبقت الإنسان الحديث بكثير وستستمر لفترة طويلة بعد رحيلنا، يركِّز كتاب “أسرار الكواكب” على تسليط الضوء على الحياة السرية في النظام الشمسي الذي لطالما اعتقدناه كتلة ساكنة.
اترك تعليقاً