الملف

غرفة العمليات

  • فيديل سبيتي
i13-1بسبب تعدد أنماطها، تكاد غرف العمليات أن تكون مفهوماً تجريدياً، رغم أنها ليست كذلك بتاتاً. وتزداد صورتها ضبابية بفعل اختلاف طبيعة المهمات الملقاة على عاتق هذه الغرفة أو تلك.
فحضور «غرف العمليات» يمتد من قيادة الجيوش في الحروب إلى إدارة الألعاب الأولمبية، وما بينهما غرف العمليات الدائمة كما هو الحال في المستشفيات، والمؤقتة منها التي تتشكَّل لمعالجة ذيول الكوارث الطارئة، أو لإدارة بعض المناسبات الكبرى وغير ذلك مما يصعب تعداده.
في هذا الملف، يحاول فيديل سبيتي إلقاء الضوء على ماهية غرفة العمليات في العمق، انطلاقاً من أمثلة محدَّدة كتلك التي نراها في بعض الحالات أشبه بمؤسسة فرعية صغيرة ضمن المؤسسة الكبيرة الحاضنة لها، وأيضاً تلك التي تطل علينا لتلعب دوراً بالغ الأهمية في ظرف معيَّن ثم تختفي.


Interior_of_an_EC-130J_Commando_Solo_Mar_2003لو كان ممكناً اختصار ماهية «غرفة العمليات»، لقلنا إنها المكان الذي تُنسّق فيه جهود متعددة لتحقيق غاية مرجوة واحدة ومتعددة الجوانب. وإن كانت صورها الأكثر شيوعاً في الأذهان تربطها إما بالمستشفيات أو بالأعمال الحربية بفعل كثرة ما شاهدناها في الأفلام السينمائية، لكن غرف العمليات هي في الواقع أكثر من ذلك بكثير. إنها نمط حديث من إدارة العمل والجهد في مواجهة ظرف خاص يتطَّلب تعاوناً وتنسيقاً من عدة جهات، سواء أكان هذا الظرف الخاص احتفالاً كبيراً أم كارثة طبيعية أم غير ذلك. وإذا كان من الممكن إدارة معركة حربية من خلال غرفة عمليات واحدة، فإن حُسن سير مناسبة احتفالية ذات جماهيرية كبيرة مثل الألعاب الأولمبية، يتطلَّب إنشاء عدة غرف عمليات ربما وصل عددها إلى العشرات.

shutterstock_47516620ظهرت غرف العمليات بمفهومها الحديث بفعل ما شهده القرن العشرون من تطور على صعيد العمل المؤسساتي، واستقلالية التخصصات المختلفة، وتطور وسائل الاتصال، وأيضاً تنامي الوعي لأهمية العمل المشترك والتعاون. لقد استشعرت المجتمعات الحديثة الحاجة إلى التنسيق بين مختلف المجموعات والتنظيمات والمؤسسات لتأدية دور واحد محدَّد ومقسَّم على كل مؤسسة، كلٌ وفق مهماتها وقدراتها، وخاصة في حالات الطوارئ والأحداث الكبرى والكوارث والأزمات والحروب. وهذا التنسيق المستجد أوجد ما يسمى بـ «غرفة العمليات».

صورتها النمطية ونشأتها
يقف القائد الأعلى للقوات المسلحة أمام طاولة كبيرة مُدَّت عليها خريطة العالم، ويتحلّق حوله جنرالات ومخططون ومحلِّلون استراتيجيون، فيروح يشير على الخريطة إلى خطته العسكرية التي يريد منهم تنفيذها كي تنتصر بلاده في الحرب. هذه صورة طالما رأيناها في لقطات مصوّرة وثائقية أو في أدوار تمثيلية لقادة عسكريين يديرون الحروب من مكان ما، في غرفة تحتوي على معداتٍ كثيرة وخرائط وأشخاص يتحركون ذهاباً وإياباً كما لو أنهم خلية نحل. هذا التصوير لمخططي الحروب في تلك الغرفة هو ما يسمَّى «غرفة العمليات العسكرية»، حيث يضع القادة خطط الحرب التي يخوضونها بعد موافقة القائد الأعلى الذي قد يكون رئيس الدولة، ومنها تهبط القرارات والأوامر إلى القادة الميدانيين الذين عليهم تلقينها لمرؤوسيهم ليعملوا على تنفيذها بحِرفية تامة.
مكوّنات غرفة العمليات
الأعضاء
طالما كان مبرر وجود غرفة العمليات هو تنسيق جهود أطراف مختلفة في إطار تنفيذ المهمة الرئيسة الواحدة، فهذا يستلزم حضور ممثل واحد على الأقل عن كل قطاع من القطاعات التي تنفذ هذه المهمة ميدانياً. ويشكِّل هؤلاء مجتمعون «أعضاء غرفة العمليات».مدير العمليات
هو القائد المسؤول عن إدارة الجهود وتوجيهها وعما يتخذ في الغرفة من قرارات. ينسّق ما بين الاقتراحات، وموافقته عليها شرط لتصبح قرارات. صفاته الرئيسة هي الدراية جيداً بما هو مستهدف من المهمة ومستلزماتها، وثقة كبار المسؤولين عن المهمة خارج الغرفة بكفاءته.الاتصالات
adolf hitler glasses meeting hungarian d-day strategy discussing wehrmacht naziحيث إن العمليات غالباً ما تكون خارج الغرفة (إذا استثنينا غرف العمليات الجراحية في المستشفيات)، فهذا يعني ضرورة وجود وسائل اتصال لنقل القرارات والتوجيهات إلى العاملين ميدانياً. والواقع، أنه من دون وسائل اتصال تفقد غرف العمليات مبرر وجودها. يمكن في بعض الحالات القليلة الاكتفاء بوسائل بطيئة نسبياً، مثل نشر التعميمات لاحقاً، ولكن في حالات العمليات الحربية، أو الكوارث الطبيعية، فإن كل جدوى غرفة العمليات تصبح مرتبطة بتوفر وسائل الاتصالات الفورية.

كانت هذه الصورة هي التمثيل الأكثر شيوعاً لـ «غرفة العمليات»، وتحديداً فيما يخص الحروب. وفي هذا الصدد، يردُّ المؤرخون العسكريون نشوء غرف العمليات العسكرية الحديثة إلى الحربين العالميتين في القرن العشرين، عندما صارت الحروب الحديثة تتشكَّل من عدة معارك متزامنة، وتشترك فيها أسلحة مختلفة متباعدة عن بعضها جغرافياً. ومن هذا الأنموذج العسكري استوحت الحياة المدنية مفهوم غرفة العمليات بعدما تلمست جدوى العمل به في ظروف عديدة أخرى. كما تطور «مفهوم العمليات» الذي هو بمنزلة الروح من جسد غرفة العمليات، أو خريطة الطريق التي يجب على أصحاب الشأن أثناء العملية اتباعها للوصول إلى مبتغاهم. ومفهوم العمليات (concept of operations) أو اختصاراً (CONOPS)، هو وثيقة تصف خصائص خطط إدارة العمليات المقترحة من وجهة نظر واضعي هذه الخطط الذين سيعملون على تنفيذها داخل غرفة العمليات. ويُنقل «مفهوم العملية» أو العمليات، إلى جميع أصحاب الشأن المكلفين بتنفيذ العملية. وبات يستخدم على نطاق واسع في الخدمات العسكرية والحكومية والمدنية، إذ يحدد كيفية توظيف مجموعة من القدرات لتحقيق غايات معينة أو للوصول إلى حالة محدَّدة في وقت معيَّن.

brig-gen-dwight-d-eisenhower-meeting-with-war-plans-divisionففي مجال العمليات العسكرية المتعددة الجوانب، يعبِّر«مفهوم العمليات» في مصطلحات «وزارة الدفاع» عما يعتزم قائد القوات المشتركة إنجازه مع مساعديه في غرفة العمليات المشتركة، وكيف يمكن إنجاز ذلك باستخدام الموارد المتاحة. وينبغي أن يحدِّد «مفهوم العمليات» أدوار أصحاب الشأن المشاركين في جميع مراحل العملية.

تطورت غرفة العمليات منذ انتهاء الحرب الباردة تطوراً كبيراً، وظهرت غرف عمليات لمواجهة الأزمات والكوارث وحالات الطوارئ على أنواعها، وتبدّل شكلها ومحتوياتها مع تطور شبكة الاتصالات والتقنيات الإلكترونية وشاشات العرض. وصارت غرف العمليات تضم ممثلين عن مختلف المؤسسات والمنظمات الحكومية والمدنية، التي يكون لكلٍّ منها دور تقوم به في الغرفة، وذلك بعد التنسيق بينها الذي يشرف عليه مدير غرفة العمليات.

ففي المشاهد الجديدة لغرف العمليات يجلس عدد من الأشخاص المستنفرين حول طاولة مستديرة ويناقشون السبل الكفيلة بتقليل حجم الكارثة المقبلة، أو التي وقعت في وقت قريب. والكارثة هي إما طبيعية، أي لم يكن بالإمكان التنبؤ بها، مثل الزلزال أو الإعصار أو الفيضان، أو من صنع البشر، أو هي خليط من هذا وذاك. فيقدِّم كل شخص من الموجودين وجهة نظره التي تسهم في مواجهة الكارثة، والتخفيف من أضرارها، عارضاً لما يمكن للمؤسسة أو المنظمة أو الجماعة التي يمثلها أن تقدُّمه في هذه الحالة الاستثنائية، ودائماً ما يكون هناك شخص يبدو قائداً للجماعة، وربما يكون رئيس البلاد، أو قائداً لغرفة عمليات الطوارئ، يستمع إلى الجميع، ثم في النهاية يبدي رأيه ويقرر ما يجب القيام به بناءً على ما تقدَّم به كل من الموجودين بحسب اختصاصه ومسؤوليته.



ثم هناك «غرف التحكّم»، وهي نوع من غرف العمليات يتولى الإشراف على حُسن سير الأمور بناءً على تصور أو مخطط عمل مسبق. وهذه الغرف باتت موجودة في كل مكان، في السوبرماركت ومحطة القطارات وغرف الاتصال بخدمات الطوارىء حيث يطلب المواطنون مساعدة مستعجلة، أو غرفة التحكم في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» التي تراقب المركبات الفضائية والأقمار الصناعية وحُسن سير عملها، إلى غرفة التحكم في الاستديو أو في المصنع أو في المطارات التي تعمل على منع تصادم الطائرات التي تطير في الوقت عينه، وغيرها من غرف التحكم الكثيرة التي باتت تحتاجها المباني الضخمة والمؤسسات الكبيرة التي تقدِّم الخدمات إلى عدد كبير من الناس.

كيف تطوّرت «غرفة العمليات»؟
كل هذه الصور التي تمثّل مجموعة من الأشخاص في قمة استنفارهم لمواجهة حالة طارئة أو لإدارة حرب أو لمواجهة كارثة أو أزمة، أو لمراقبة عملية تقنية ما، أو لمحاولة منع وقوع كارثة، هي تمثيل على غرفة العمليات التي قد تسمى غرفة العمليات العسكرية، أو الأمنية، أو الجراحية أو غرفة عمليات الطوارئ، أو غرف التحكّم. وهذه الغرف باتت ضرورية في العصر الحديث مع التطور التقني المتسارع.

Napoleon planفقبل القرن العشرين، كانت الفتوحات واحتلال أراضي الغير تجري على قدم وساق، فظهرت إمبراطوريات واختفت أخرى، وتشكّلت دول واختفت أخرى بسبب هذه الفتوحات، فبات التنظيم الإداري اللامركزي مع اتساع الأراضي لدولة ما، يفرض تعيين حكّام محليين على المناطق الجديدة، ومع توسّع حجم الثروات والأراضي الخاضعة لحكم مركزي متمثل في الإمبراطور أو رئيس الدولة أو الملك أو الديكتاتور، كان لا بد من وجود مستشارين لهؤلاء الحكَّام، ومستشارين للحاكم الأعلى أيضاً. وهؤلاء المستشارون يدلون بدلوهم في كافة الشؤون التي تحيط الكيانات السياسية الجديدة، ويساعدون الحاكم المطلق على اتخاذ قراراته في مختلف القضايا، والأمر نفسه ينطبق على الحكَّام في الأمصار البعيدة. فظهرت غرف العمليات دون أن تحمل هذا الاسم. فالحاكم المحلي يحتاج إلى استشارة مستشاريه من العارفين بأحوال البلاد الجديدة، والحاكم الأعلى يحتاج إلى استشارة ولاته ممن يحكمون الأراضي التي قسّمها بينهم، وعلى الرغم من أن القرار النهائي يعود إليه ولا يقارعه فيه أحد، إلا أنه بصفته الحاكم صاحب القرار النهائي بدا وكأنه مدير غرفة العمليات أو رئيسها، وصار الولاة أعضاء في هذه الغرفة، والمستشارون مساعدون يقدِّمون النصائح، ويقوم الولاة بربط القادة الميدانيين، في العسكر أو في الإدارة بالحاكم الأعلى أو بالسلطات المركزية، وبات هؤلاء صلة الوصل بين رئيسهم ومرؤوسيهم، ينقلون القرارات ذات الأهمية من الرئيس إلى المرؤوسين كي يعملوا على تنفيذها بحذافيرها دون اعتراض. وكانت هذه العلاقات الشكل الأولي لغرفة العمليات.

Consiglio_di_guerraفلنأخذ مثالاً قرارات الحرب والسلم لدى الرومان. في حال وقوع هجوم مباغت على الإمبراطورية كان على الوالي أن ينفِّذ قرار الإمبراطور بالاستسلام أو بالقتال حتى النهاية. وعلى الوالي أيضاً أن ينقل هذا القرار إلى قادة الجيش الذين عليهم تنفيذه دون تردد، والإمبراطور نفسه، كان يتخذ قراره بناء على نصيحة مستشاريه، الذين ينصحونه بفائدة خوض الحرب، أو بفوائد عقد السلم ولو مؤقتاً. هذه التراتبية كانت أشبه بغرفة عمليات فعلية، كتلك المنتشرة في بلدان العالم المتقدِّم في العصر الحديث.

وما ينطبق على غرف عمليات إدارة الحروب، ينطبق أيضاً على الغرف التي تتعامل مع كوارث الطبيعة التي لم يكن بالإمكان التنبؤ بها كالزلازل والأعاصير والبراكين، وكانت تلك الكوارث توقع أعداداً كبيرة من القتلى، وتسبب خسائر كبيرة لاقتصاد البلاد التي تطالها، والعمل الوحيد الذي كان يمكن تأديته خلالها هو انتظار انتهائها ومن ثم إحصاء الخسائر، لذا كان الحاكم الأعلى يترك لمؤسسات الحكم المحلية أن تقوم بما يمكنها في مواجهة الكارثة، وهو قليل، وهذا ما أسهم في إيجاد مؤسسات متخصصة لدراسة الأوضاع ما بعد الكارثة أو لإحصاء الخسائر، أو تقديم المساعدة للناجين، وكانت هذه المؤسسات ترفع تقاريرها إلى السُّلطة التي تعلوها وتلك بدورها ترفعها إلى مؤسسة الحكم المركزية. وهذا الشكل البدائي لغرفة العمليات غير المنظمة والمرتبكة، كان بمنزلة البذرة التي انطلقت منها مؤسسات تتخصص في أمور محددة خلال الكوارث، فظهر الدفاع المدني، ومن ثم الصليب الأحمر، أو الإسعاف الطبي ومنظمات الإغاثة ووزارات الصحة والأشغال والبيئة وغيرها. فكانت بدورها بذرة ستنمو لتزهر منها غرفة العمليات التي كرَّست وجودها منذ منتصف القرن العشرين.

Dr_Strangelove_1غرفة عمليات الطوارئ
هي غرفة عمليات القيادة المركزية ومنشأة التحكّم المسؤولة عن تنفيذ مبادئ التأهب للأزمة وإدارة الطوارئ أو الكوارث على المستوى الاستراتيجي. فعند وقوع الكارثة تصبح غرفة عمليات الطوارئ المركز المسؤول عن «الصورة الكبيرة» للكارثة، ولا يتم التحكم منها مباشرة في التطورات الميدانية، بل تتخذ فيها القرارات التنفيذية وتترك القرارات التكتيكية الميدانية للعاملين على الأرض. ويقوم المشاركون في تشكيل الغرفة بجمع وتحليل البيانات، واتخاذ القرارات التي تحمي الأرواح والممتلكات، ضمن نطاق القوانين المعمول بها، وتبليغ تلك القرارات إلى جميع الوكالات والأفراد المعنيين. ويرأس غرفة العمليات شخص يسمى «مدير الطوارئ».

كانت غرف عمليات الطوارئ أو مواجهة الأزمات والكوارث جزءاً من الدفاع المدني في الولايات المتحدة، قبل أن تتحوّل إلى مؤسسة أوسع مع تطور المجتمعات واتساعها وتبدّل أنواع الكوارث، فبات الدفاع المدني ممثلاً فيها مع غيره من المؤسسات والمنظمات التي تلعب دوراً معيناً ومحدداً في مواجهة الأزمة، أياً كان نوعها.

أدوار غرفة العمليات
Japan earthquakeخلال العقود القليلة الماضية، تطورت الشروط التي تفرض على أعضاء غرفة العمليات أن يكونوا مدرَّبين تدريباً ملائماً، ويملكون سلطة اتخاذ القرارات. فهم مدرَّبون على التفكير «خارج الصندوق»، وخلق سيناريوهات مختلفة تساعدهم في مواجهة أية أحداث طارئة. هذا في الجانب البشري، أما في الجانب التقني فباتت غرفة عمليات الطوارئ تتمتع بشبكة اتصال متطورة ومفهومة وواضحة، يعرفها جميع العاملين داخل غرفة العمليات أو في الميدان، ووسيلة الاتصال قد تكون جملة بسيطة، أي عبارة عن محادثة مباشرة، أو شبكات اتصالات متطورة ومشفرة.

firemanفي الأزمنة الحديثة باتت الغرف المشتركة لمواجهة الكوارث تُشكّل قبل وقوع الكوارث، وتجتمع بشكل دائم استعداداً للمواجهة وتنسيق الجهود بين كافة الجهات ذات العلاقة. ومن أولويات غرفة العمليات منع الازدواجية في تنفيذ المهمات عبر تحديد الأدوار والمسؤوليات المطلوب تنفيذها من كل جهة من الجهات المشاركة، منعاً لتضارب المهمات وتراكم المعلومات المقبلة من الميدان التي قد تؤدي إلى الارتباك والبلبلة. ويحدِّد أعضاء غرفة العمليات الاحتياجات الحقيقية للإغاثة والإنقاذ، عبر توفير البيانات العامة عن الأخطار التي نجمت عن الكارثة والأخطار المحتمل حدوثها. ولمدير الطوارئ أو المشرف على غرفة العمليات حقّ طلب المساندة إذا كان حجم الكارثة كبيراً ويفوق قدرة المؤسسات الحكومية على المجابهة. وتقوم غرفة العمليات أثناء وقوع الكارثة بالإنذار الفوري للمناطق المعرَّضة للخطر. وإبلاغ الجهات ذات العلاقة للتعامل مع الحدث حسب الاختصاص. وحصر الإمكانات المتوافرة، المادية والبشرية وتحديد حجمها، واستدعاء المسؤولين عن إدارة الموقف، وتنفيذ خطط الكوارث التي سبق وضعها بمرونة تتلاءم مع المستجدات، وإنشاء قيادة لمركز الحوادث يكون بمنزلة غرفة عمليات مصغّرة لتكون حلقة وصل بين الميدان وغرفة عمليات الطوارئ.

Chernobyl-Trip-2015-Editorial-3-31ومن شروط غرفة العمليات الناجحة التعامل بحذر مع وسائل الإعلام، وتكليف متحدث رسمي للإدلاء بكافة التصريحات عن الكارثة، يكون مدرَّباً على كيفية التعامل مع الرأي العام، ورفع حالة الهلع عنه. ويرأس غرفة عمليات الطوارئ مسؤول من قطاع أساسي ذو رتبة عالية يملك سلطة اتخاذ القرار دون أن يضطر إلى الرجوع لرؤسائه خصوصاً في الحالات التي تتطلب قرارات سريعة وآنية، ولا تحتمل التأخير. ويقوم هذا المسؤول بتوزيع المسؤوليات والصلاحيات على جميع المشاركين في مواجهة الكارثة، ويكون صلة وصل غرفة العمليات مع العاملين في الميدان، وكذلك مع رؤسائه في المؤسسات الحكومية.
إدارة الأزمات.. تخصص جامعي
ظهرت في العقود الأخيرة اختصاصات جامعية تؤهل خريجيها الاشتراك في غرف العمليات على أنواعها. وبات علم إدارة الأزمات، علماً مستقلاً، يتضمن إضافة إلى الدراسة النظرية، تدريب المتخصصين فيه تدريباً عالياً، يتناول شخصياتهم وحالاتهم النفسية، وقدراتهم على اتخاذ القرارات في الحالات الطارئة، ويتم تعليمهم كيفية التعامل مع الفرق المختلفة التي يعملون تحت إمرتها أو التي تعمل تحت إمرتهم. إذ لم يعد بالإمكان الطلب من الدفاع المدني مواجهة كارثة «تسونامي» ولا من جهاز الإطفاء مواجهة نتائج انفجار بركان، ولا من الإسعاف الطبي مداواة ضحايا تسرب نووي ولا من الجيش وحده إشعال حرب في بلاد بعيدة ثم إنهاءها، ولا من طبيب الجراحة أن يجري عملية وحده ويطبب مريضه.جرى في العصر الحديث جمع كل هؤلاء في غرفة عمليات واحدة، يُتخذ فيها القرار بتوافق الجميع، ثم يطلب من كل فريق تأدية المهمة التي تدرَّب على تأديتها، على أن تكون غرفة العمليات تلك صلة الوصل بين العاملين الموجودين في الميدان وأصحاب القرار السياسي أو الإداري. ولأن الكوارث على اختلاف أنواعها تتطلب الشجاعة والجرأة والقدرة على اتخاذ القرارات ببديهية، من أجل الحد من الخسائر وإعادة الأمور إلى نصابها، بات لزاماً على هؤلاء الذين يتخذون القرار أو الذين ينفِّذونه أن يكونوا على دراية بما يقومون به، وعليه باتت «إدارة الأزمات» أو بمعنى ثانٍ «الانتماء إلى غرفة العمليات» دروساً منهجية تدرس في أغلب جامعات العالم.

150318_03القائد الميداني وعلاقته بغرفة العمليات
إن الإدارة الميدانية للكوارث من أهم وأصعب الوظائف التي تواجه غرفة العمليات، لأن القائد في الميدان يتعامل مع الأزمة في ظل النقص الكبير في المعلومات، وعدم القدرة على تحديد الإمكانات البشرية والمادية اللازمة لمواجهتها، ويفترض فيه التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الأحداث. إضافة إلى عوامل ضيق الوقت المتاح والتوتر والارتباك، التي غالباً ما تصاحب حالات الكوارث. وعليه أن يكون صلة الوصل بين غرفة العمليات، ومرؤوسيه الذين يقومون بتنفيذ ما يتم إقراره في غرفة العمليات، على وجه السرعة وبأقل الأخطاء الممكنة. وإدارة الكوارث تستوجب مشاركة عديد من الجهات والأجهزة الحكومية، الأمر الذي يجعل مسؤولية القائد الميداني جسيمة، وتتطَّلب منه الاستخدام الأمثل للقدرات والإمكانات المتاحة بأكبر قدر من المرونة والتكيّف مع المتغيرات، إضافةً إلى التنسيق بين جهود الجهات المشاركة في مواجهة الكارثة، وتوزيع المهمات والأدوار بينهم، والتفاوض مع الأطراف المعنية، وإيجاد الحلول للعقبات التي قد تعترض التنفيذ. ويقوم القائد الميداني باستدعاء الجهات المختصة حسبما يتطلبه الموقف والتنسيق بين جهود العاملين، ويعمل على حُسن توزيع المهمات بين العاملين والجهات المشاركة، وبالتالي فإنه يضطلع بدور محوري عند إدارته الميدانية للكوارث.

غرفة العمليات ضرورة لا بد منها
تؤكد الأحداث المتلاحقة والمتغيرات المفاجئة التي نقرأ ونسمع عنها في وسائل الإعلام المختلفة أننا نعيش في عالم يسوده عديد من الكوارث سواءً كانت طبيعية أو غير طبيعية مثل الفقر، والمجاعات، والأمراض والأوبئة، والحروب، والقتل، والحرائق، وانهيار المباني، والبراكين، والزلازل، والأعاصير، والفيضانات والسيول، .... إلخ. كما تشير الإحصاءات إلى أن هناك 1.2 بليون نسمة يعيشون دون مياه نظيفة، و 35000 طفل يموتون من الجوع يومياً، و 2.4 بليون نسمة مهدَّدون بمرض الملاريا، و 1.2 بليون نسمة مشردون (بلا مأوى). وعلى الصعيد الدولي فلن ينسى العالم الأحداث العظيمة مثل التسرب النووي لمفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا، ودمار هيروشيما بالقنبلة النووية، والحربين العالميتين وما نتج عنهما من ملايين الضحايا عدا الخسائر الفادحة في الممتلكات، وحتى الحرب الإثنية في راوندا حيث سقط مليون قتيل في مئة يوم. هذه الكوارث وغيرها كثير، مما لا يتسع المجال لذكرها، أسهمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة في تغيير مفهوم مواجهة الكوارث عما كان عليه، وجعل من غرف العمليات حاجة واقعية ضرورية، لا مهرب لأي دولة من تشكيلها.

نماذج من غرف العمليات
غرفة العمليات الجراحية

shutterstock_297132446حين تذكر عبارة «غرفة العمليات» قد يتبادر إلى ذهن السامع، أول ما يتبادر، غرفة العمليات في المستشفى، فهي الأكثر شهرة وتداولاً من بين غرف العمليات المختلفة. وهي تختلف عن غرف العمليات العسكرية أو غرف مواجهة الكوارث والأزمات بأن العمل يتم فيها مباشرة. أي إنها مكان اجتماع فريق العمل ومكان اتخاذ القرارات وميدان العمل في الوقت عينه. ومدار عمل غرفة العمليات في المستشفى جسد فرد واحد، وكل إنسان يعرف عنها شيئاً ما، إما لأنه مرّ فيها أو لأنه يتوقع مروره فيها أو لأن قريباً له دخلها يوماً ما. لذا فغرفة العمليات الجراحية بمنزلة المكان الذي يعرفه كل فرد على الأغلب. وهي كقريناتها من غرف العمليات الأخرى، تضم فريقاً يرأسه طبيب جرَّاح، يتخذ القرارات النهائية، ويعطي لكل عضو في فريقه مهمة معينة يؤديها دون غيره. ولذا، لا بد من وصف غرفة العمليات الجراحية وتعداد الأدوات المستخدمة فيها، وشرح مجريات الأمور في داخلها.

أولاً، لا بد من أن تكون هذه الغرفة معقمة تعقيماً تاماً بمواد قادرة على قتل مختلف أشكال الأحياء الدقيقة. وهناك شروط لا بد منها للدخول إليها، أهمها خلع الاحذية وانتعال أحذية خاصة. وكل ما يتعلَّق بغرفة العمليات يجب أن يكون محفوظاً في مكان خاص في المستشفى، كألبسة المريض وفريق الأطباء والممرضين وعربات النقل والأدوات المستعملة. ويتألف جناح العمليات من صالة يتم الدخول إليها من غرفة تسبقها هي غرفة التحضير والإنعاش.

Independence_day_movieposterويتألف فريق غرفة العمليات الجراحية من أطباء الجراحة ومساعدين يعملون في جناح العمليات، وعلى رأس هؤلاء المساعدين طبيب التخدير أو البنج. على رأس فريق غرفة العمليات الجراحية يأتي الطبيب الجرّاح المتخصص بنوع معيَّن من أنواع الجراحة. ثم يليه في التراتبية الجراحون المساعدون وهؤلاء بدورهم أطباء متخصصون في الجراحة. بعدهم يأتي المساعدون الطبيون وهم ممرضون أو ممرضات يعملون على تحضير الأدوات الجراحية وترتيبها وفق نظام خاص يختلف بحسب نوع العملية، ويساعدون الطبيب الجرّاح بمناولته الأدوات وفق مراحل العملية أو بحسب طلبه. أما رئيس جناح العمليات فهو غالباً ما يكون ممرضاً أو ممرضة، يعمل على تنظيم البرنامج اليومي لجناح العمليات، والتنسيق مع الأجنحة المختلفة في المستشفى.

المتفق عليه عالمياً هو أن تكون هناك غرفة عمليات لكل ثلاثين سريراً. على ألا يقل العدد عن غرفتين مهما صغر حجم المستشفى. ويجب أن تكون غرفة العلميات واسعة كي يسهل ترتيب الأدوات والآلات الجراحية والأجهزة، ولتسهيل حركة الأطباء والمساعدين داخلها من دون لمس أي شيء معقم. كما يجب أن تكون جدرانها مغطاة بالبلاط حتى السقف لتسهيل تنظيفها وتعقيمها، ومقوسة عند الأركان والزوايا تفادياً لتجمع الأتربة والقاذورات. ويجب أن تكون مضاءة بشكل جيد، وأثاثها مصنوع من المعدن أو الصاج أو الزجاج.
غرفة العمليات في السينما
k9mrpsimxfjpdeyiybnpما من فلم سينمائي يدور حول الحرب العالمية الثانية إلا وتظهر فيه غرفة عمليات القيادة، خاصة في الأفلام التي أُنتجت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت غرفة العمليات العسكرية بشكلها الحديث، جديدة أمام العين ومصدر رهبة ورمزاً للجدية في أعلى مستوياتها.وبتطور التكنولوجيا تغيَّر منظر غرفة العمليات العسكرية فاختفت الخرائط الورقية والعصي الخشبية في أيدي الجنرالات، كما كان الحال في فِلم «باتون» مثلاً الذي أخرجه فرانكلين شافنر عام 1970م، ليروي فيه سيرة الجنرال الأمريكي الشهير خلال الحرب العالمية الثانية، لتحل محلها أجهزة الكمبيوتر والشاشات الرقمية في أفلام العقود التالية، كما هو الحال في فِلم «يوم الاستقلال» الذي أخرجه رولاند إيمريك عام 1996م، وحاز جائزة أوسكار.Patton-film-images-aad8dfad-2c76-44c2-8307-091567ee346-2غير أن العقود الأخيرة شهدت ظهور فئة جديدة من غرف العمليات «العلمية»، التي لا تمر أمام أعيننا مرور الكرام، بل يشكِّل حضورها جزءاً أساسياً من حبكة الفِلم، بحيث تكون هي مسرح نصف أحداثه تقريباً، كما هو الحال في فلم «النواة»، الذي ظهر عام 2003م، ويروي قصة رحلة عدد من العلماء إلى باطن الأرض لمعالجة خلل في دوران نواتها، فيما ينقسم العاملون في غرفة العمليات من المشرفين على الرحلة من فوق الأرض بين جنرال يتخذ قرارات تهدِّد مصير الرحلة، وهاكر شاب يعمل على إنقاذها. والمكانة السينمائية نفسها لغرفة العمليات العلمية يمكننا أن نشاهدها في فلم «أبولو 13» و«رحلة إلى المريخ» وغيرهما الكثير.

غرفة عمليات وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»
ISS_Flight_Control_Room_2006تُعرف بمركز التحكم بالطيران أو مركز العمليات، وهي منشأة تدير الرحلات المأهولة وغير المأهولة إلى الفضاء، ابتداءً من نقطة الإقلاع حتى الهبوط أو انتهاء المهمّة. يشغِّل مركز التحكم فريق عمل كبير مؤلّف من مديرين ونواب وكالة «ناسا»، وهم الموظفون المسؤولون الأعلى مرتبة في وكالات الفضاء الأمريكية. ومدير الوكالة هو استشاري علوم الفضاء. أما نائب مدير الوكالة فيُعد القيادي الثاني والمسؤول عن القيادة العامة والتخطيط والتوجيه السياسي، وهو يمثّل الوكالة، ويلتقي رؤساء الوكالات الأخرى، ويهتم بالتدابير الحكومية والمنظمات الداخلية والخارجية، ويشرف على العمل اليومي داخل مكاتب الوكالة ومنها مكتب المدير المالي ومكتب المستشار العام.

كما يتكوّن الفريق من مراقبي الرحلة، وهم مهندسون وباحثون متخصصون في علم الفضاء. ويضم المركز وحدات التحكّم، وكلّ وحدة تحكّم في غرفة المراقبة هي قاعدة العمليّات لفريق مراقبة الرحلة. ولكلّ وحدة منها مهمّة محدّدة، كما يُطلق عليها إشارة اتصال مختصّة عبارة عن اسم يستخدمه المراقبون عند التكلّم مع المراقبين الآخرين عبر شبكات الاتصال الهاتفيّة المختلفة.

داخل غرفة المحطّة ترتفع شاشتا عرض كبيرتان في المقدّمة، كما ترتفع عدّة كاميرات موصولة بشاشات تلفزيون يتم التحكّم بها عن بُعد لتوفير البثّ المباشر لكافّة النشاطات وعرض كلّ الإحداثيات والتطوّرات المختلفة.



يعمل كلّ موّظف ضمن الفريق في وحدة تحكّم خاصّة به.. ويخضع كلّ عامل ضمن فريق المراقبة إلى تدريب مكثّف يشمل عادة تجارب واسعة وطويلة داخل مركز مراقبة البعثة. فكلّ مراقب هو عالم خبير في نطاق دقيق ومحدّد، يتواصل باستمرار مع خبراء إضافيين في «الغرفة الخلفيّة». ويتحمَّل مدير مراقبة الرحلة المسؤولية الكاملة عن نجاح وسلامة المهمّة، وهو الشخص الذي يقود فريق العمل ويترصّد النشاطات المتنوّعة كافّة التي تصل إليه بواسطة تقارير حول كلّ تطوّر أو إحداثيّة يرسلها له كلّ عضوٍ من أعضاء الفريق.

ospas 2014 annual reviewتم استكمال بناء وتشكيل غرفة السيطرة في العام 2011م وبلغت تكاليفها 100 مليار دولار أمريكي. منذ ذلك الوقت اختصت المحطة وعملها بالعلم فقط. وتكتظ اليوم جدرانها وسقفها وأرضيتها بأجهزة مختبرات أمريكية وروسية وأوروبية ويابانية لإجراء التجارب. ويشارك المراقبين والعاملين في غرفة العمليات عدد من العلماء تشمل مهمّتهم معظم العلوم التي يتمّ الإشراف عليها من غرفة السيطرة هذه الموجودة تحديداً في مدينة آلاباما، وتتعلق بدراسة تأثيرات الفضاء على الرواد أنفسهم، مثل اضمحلال الأنسجة (ضمور العضلات وهشاشة العظام) التي يعانون منها. وهذه أبحاث مهمة جداً إذا ما أراد البشر أن يتركوا كوكبهم لفترة من الزمن.

كما يدرس العلماء في غرفة عمليات المراقبة في «الناسا»، التحديات النفسية للعيش بعيداً عن عالمنا الأرضي في كبسولة معدنية معزولة، حيث يتناول رواد الفضاء طعاماً خاصاً أعيد إعداده، ويشربون بولاً معالجاً ليعاد تناوله، وليس هناك رفقاء إلا زملاء العمل.

غرفة مراقبة الحركة الجويّة
pic16320_lw-1في أية لحظة من النهار أو الليل، هناك نحو ثلاثة ملايين شخص على متن الطائرات في الجو استناداً إلى مصادر شركة «بوينغ». فما الذي يمنع آلاف الطائرات هذه من التصادم؟ وكيف تحدث الحركة الجويّة من داخل إلى خارج المطار وعبر البلاد؟

عندما يخطر في الذهن مراقبة الحركة الجوية، قد تغلب على التفكير صورة بسيطة لمجموعة من الرجال والنساء في برج المطار. لكنّ نظام مراقبة الحركة الجوية هو أكثر تعقيداً من ذلك.

فغرف عمليات مراقبة الحركة الجوية هي موضع العمل الذي يقوم به مراقبون يوجهون الطائرات من وحدات التحكّم الأرضيّة. ويُمكن للعاملين في غرف المراقبة توفير الخدمات الاستشارية للطائرات المحلّقة. الغرض الرئيس من مراقبة الحركة الجويّة في جميع أنحاء العالم هو منع تصادم الطائرات المحلقة في الوقت نفسه، وتنظيم وتسريع تدفّق الحركة الجوية، وتوفير المعلومات وغيرها من أشكال الدعم للطيارين. وفي بعض البلدان يؤدي مركز مراقبة الحركة الجويّة دوراً أمنيّاً أو دفاعياً، أو يقوم بتشغيله الجيش النظامي.

shutterstock_51170368يناسب موقع وشكل غرفة التحكم بالحركة الجوية المتمركزة في برج المطار، القيام بالعمليات الأمنية في المطار والإشراف على مهام الرصد. كما أنّها صمّمت بتأنِّ وزوّدت بكامل أساليب الراحة وأحدث وسائل التكنولوجيا تطوّراً، لكي توفِّر جوّاً من اليقظة خالياً من التوتّر والإجهاد للمراقبين العاملين داخلها، إذ تقع على عاتقهم مهمّة الحفاظ على سلامة أعداد كبيرة من الأرواح.

ولمنع وقوع الحوادث، تُطبّق غرفة عمليات الحركة الجوّية قواعد فصل المرور، التي توفِّر لكلّ طائرة حدّاً أدنى من المسافة الشاغرة من حولها، وتضمن محافظة كلّ واحدة على مساحتها الخاصّة في كلّ الأوقات.
«تشيرنوبل» و«فوكوشيما»
أسباب طبيعية وبشرية وراء الكارثـتـين62تعدُّ حادثـتا تشيرنوبل في الاتحاد السوفييتي السابق وفوكوشيما دايتشي في اليابان من الكوارث التي وقعت لأسباب طبيعية وأخطاء بشرية في آنٍ واحد. ونتج عن كليهما مجموعة معقَّدة من المشكلات البشرية التي هجَّرت كثيراً من سكان المدينتين وتركت ملايين آخرين عالقين في المناطق الملوثة.ففي 26 أبريل 1986م، وقع انفجار في محطة الطاقة النووية في تشيرنوبل في أوكرانيا وتسبب في اندلاع حريق استمر عشرة أيام وانتشار حمم إشعاعية على مساحة آلاف الكيلومترات. ووقت وقوع الحادثة، قُدِّر أنَّ 230 ألف شخص تعرضوا لأشعة غاما.وفي 11 أبريل 2011م، ضربت الفيضانات الناتجة عن الموجات البحرية الزلزالية مفاعل فوكوشيما دايتشي النووي في اليابان، ما تسبب في وقوع أضرار بِسِتِّ وحدات للطاقة وانتشار التلوث الذي غطى «مناطق ساخنة» وصلت مساحتها إلى 1800 كيلومتر مربع من الأراضي. 

JAPAN-QUAKE/إدارة الأزمة
في تشيرنوبل لم تكن هناك «غرفة عمليات» مسبقة لمواجهة أي أزمة محتملة، بل كانت هناك سياسات بشأن الإجراءات التي ينبغي اتباعها في حالة وقوع تلوث إشعاعي. وتضمَّنت تلك الإجراءات تعليمات من الخبراء الصحيين حول متى ينبغي للحكومة المحلية والمركزية إخلاء السكان المتأثرين حسب مستوى تعرضهم للإشعاعات.وبعد وقوع الحادثة، أقيمت غرف عمليات مختلفة كانت كل منها تقوم بعملها على حدة، ما أدى إلى ارتباك في المعلومات والإجراءات. فأقيمت الحواجز لمنع السيارات الخاصة من المغادرة. وأُخبِر المسؤولون الحكوميون المحليون وزعماء الحزب الشيوعي أنَّ عملية الإخلاء ستكون لثلاثة أيام فقط. وكان الإعلان الرسمي مقتضباً جداً وخلا من أي معلومات عن مخاطر التعرض للإشعاع. وأدى غياب المعلومات الواضحة حول الإخلاء إلى ظهور مشكلات كثيرة حول المتعلقات الشخصية التي تُركت بما فيها الوثائق الرسمية. وبقي قرابة خمسة آلاف شخص بعد الإخلاء، وتُرك بعضهم هناك للمساعدة في نشاطات التنظيف، في حين رفض غيرهم المغادرة دون اصطحابهم لحيوانات مزارعهم وأدواتهم ومعداتهم.ولتخفيف الذعر العام، رفعت الحكومة سقف الجرعة الإشعاعية السنوية المسموح بها في العاصمة الأوكرانية كييف لتجنب الإخلاء الإجباري لملايين المواطنين. لكنها أرسلت الأطفال من سن 8 إلى 15 عاماً إلى المخيمات الصيفية والنساء الحوامل والأمهات ذوات الأطفال الصغار والرضع إلى الفنادق وبيوت الراحة والمصحات والمرافق السياحية ما شتت كثيراً من الأسر وضحى بالآثار الاجتماعية بعيدة الأمد.وبعد حادثة تشيرنوبل، صممت اليابان نظاماً حاسوبياً لشبكة معلومات في حالات الطوارئ البيئية والتنبؤ بها، بهدف توقع انتشار الجزيئات الإشعاعية. لكنَّ أجهزة رصد الجرعات الإشعاعية إما أنها تضررت بفعل الزلزال البحري أو كانت خارج الخدمة بسبب انقطاع الكهرباء. وإضافة إلى ذلك، لم تُدخل النماذج جميع المتغيرات الضرورية لإجراء حسابات التعرض البشري الخارجي والاستنشاق، ولذلك لم ترغب السلطات المحلية في الاعتماد كثيراً عليها في عملية اتخاذ القرارات.

وفي فوكوشيما طلب من قرابة 62 ألفاً الإخلاء طوعاً أو البقاء داخل البيوت. لكنَّ أوامر «المأوى في المكان» أو الإخلاء الطوعي لم تكن واضحة، ما أدى ببعض الناس إلى الانتقال إلى مناطق ذات مستويات إشعاعية عالية ثم الإجلاء مرات متعددة. ووفق لجنة التحقيق المستقلة في حادثة فوكوشيما النووية، كان هناك بطء في إشعار الحكومات البلدية والجمهور العام بوقوع الحادثة ومدى شدتها.

الدروس المستفادة
shutterstock_119470459رغم سرعة الإجلاء المباشر بعد كارثة تشيرنوبل وفعاليتها، لم يكن هناك فهم واضح للعواقب بعيدة الأمد. ولم تكن هناك خطة مدروسة لإعادة الاستيطان والتعامل مع تلك العواقب على المدى المتوسط والبعيد. فتوفير مستلزمات الحماية للأشخاص المنتقلين ليس سهلاً، خاصة في سياق الهجرة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث يصعب التمييز بين المهاجرين الباحثين عن الفرص الاقتصادية والفارين نتيجة المخاطر الصحية.

وبعد مرور 25 عاماً على الحادثة، أثارت حادثة فوكوشيما دايتشي التساؤلات حول الدروس المستفادة والدروس التي لم يُستفد منها بَعدُ من تشيرنوبل من ناحية الاستعداد وخفض الكوارث النووية بالإضافة إلى التصدي للثغرات التقنية والتنفيذية عند التعامل مع عواقب كلتا الأزمتين.

 

وفي الحالتين، أي في تشيرنوبل وفوكوشيما، أدى التخبط في اتخاذ القرارات إلى زيادة حجم الخسائر. وتمثلت إحدى العواقب الرئيسة غير المتوقَّعة للكارثتين في الآثار النفسية التي نتجت عن ضعف موثوقية المعلومات وتضاربها، إضافة إلى مشاعر القلق الناتجة عن ضعف التخطيط لانتقال السكان على المدى المتوسط والبعيد، وتمزق الأواصر الأسرية وديمومة المشكلات الصحية، علماً أنَّ عدد الوفيات الناتجة عن الضغط النفسي بعد إخلاء فوكوشيما بلغ ما يقدر بـ 1539 شخصاً، رغم ادِّعاء البعض أنَّه كان من الممكن الحيلولة دون ذلك لو قُدِّمت المشورات المتكاملة وتمَّ التواصل مع السكان المتأثرين في وقت مبكر.


غرفة اتصالات الطوارىء
White_House_teleconference_for_Hurricane_Sandyهي غرفة عمليات يشغلها عاملون يستقبلون مكالمات هاتفية من متصلين بحاجة إلى مساعدة طارئة وسريعة. ومن أرقام هذه الغرف المشهورة (999) في بريطانيا، و (911) في الولايات المتحدة الأمريكية و(999) في المملكة. ويتلقَّى المكالمة موظف مسؤول متخصص ومدرّب على التعامل مع الحالات الطارئة، ويقوم بدوره بتحويل الاتصال إلى الجهة المختصَّة بالحالة الطارئة، الذي قد يكون مركز الشرطة أو الإطفاء أو الإسعاف أو خفر السواحل.. لكن في الغالب يتلقى مركز الاتصالات المساعدة المباشرة من أقرب دورية شرطة موجودة في محيط المنطقة التي يصل منها الاتصال.

ظهرت خدمة الاتصالات في حالة الطوارىء سنة 1937م في منطقة لندن. فقبل ذلك، كانت هناك طرق تواصل مختلفة أساسيّة تتضمّن غرفة عمليّات تحتوي على هواتف وخرائط وخطوط مباشرة متصلة بصناديق الاتصالات وجهاز الراديو التابع للشرطة. ومع تقدّم الوقت والتكنولوجيا تطوّرت المعدات وتنوّعت للتعامل مع الاتصالات، فباتت تستعمل التكنولوجيا الحديثة لتحديد نقطة وجود المتَّصل، كما صارت تستعمل نظم تسجيل متطورة لتسجيل المكالمات الهاتفية والأحداث كاملة، في حال استخدمت كدليل على جريمة ما فيما بعد، وتبقي على جميع التسجيلات الحيّة للمواقع لتنسيق مهام الاستجابة الفعّالة بين مواقع جميع دوريات الوحدات العاملة.

غرفة تحكم الاستديو (Production Control Room)
apollo131هي الغرفة الرئيسة في مبنى التلفزيون حيث يجلس المخرج ومساعدوه. وهي عادة تطل على الاستديو لتمكين المخرج من رؤية ما يدور فيه. وتنتصب أمامه شاشات المراقبة التي تتشكل من الشاشة الرئيسة التي تظهر عليها الصورة التي تبثها الكاميرا الرئيسة الموجودة داخل الاستديو، وإلى جانبها شاشة تحضيرية، وهي الشاشة المرتبطة باللقطة التي سيختارها المخرج تالياً، وتبثها كاميرا أخرى موجودة في الاستديو أيضاً. كما توجد أمام المخرج شاشة مراقبة لكل كاميرا داخل الاستوديو. وأمامه جهاز اتصال بكامل فريقه أينما كان بالإضافة إلى تجهيزات هاتفية تمكنه من التحدث مع فريق العمل في مبنى التلفزيون، والتنسيق مع استوديوهات مرتبطة مع برنامجه في دول أخرى عبر الاقمار الفضائية.

وإلى جانب المخرج يجلس فني مزج الصورة (Vision Mixer) الذي ينفذ اختيار اللقطات التي يريدها المخرج بالضغط على الزر المناسب في اللحظة المناسبة، في جهاز مازج الصورة، ويهيئ للمخرج اللقطات التالية. كما أنه عند انتقاله من صورة إلى أخرى يستخدم مؤثرات المزج المناسبة.


«إعصار ساندي» مثال على أهمية دور غرفة العمليات

بينما كان السباق الانتخابي الرئاسي محتدماً في أمريكا بين الرئيس أوباما ومنافسه رومني، حبس الأمريكيون أنفاسهم بعد أن أفادت التقارير بقرب وصول الإعصار «ساندي» القادم من جزر الكاريبي، حيث حصد أرواح أكثر من 66 شخصاً وهو في طريقه للساحل الشرقي للولايات المتحدة.

أوقف أوباما حملته الانتخابية وعقد اجتماعاً عاجلاً مع مسؤولي مركز مجابهة العواصف التابع للحكومة الاتحادية في واشنطن، ووصف الإعصار بأنه «عاصفة خطيرة وضخمة»، وأهاب بسكان الساحل الشرقي للولايات المتحدة مراعاة الأوامر الصادرة من مسؤولي الولايات لحماية أنفسهم من أخطاره.

أرسل أوباما حينذاك للشعب الأمريكي رسالة واضحة كقائد أعلى للبلاد مفادها أن سلامة الأمريكيين وأرواحهم أهم من أي شيء. ثم بدأت إدارة الأزمة مبكراً انطلاقاً من غرفة عمليات مركزية، فتم إجلاء مئات الآلاف من سكان المدن التي تقع في مسار الإعصار المتوقع.

راحت مؤسسات المجتمع المدني في أنحاء أمريكا تعمل على توعية المواطنين بخطورة الحدث والإجراءات السليمة التي يجب عليهم اتباعها للخروج بأقل الخسائر.

ثم أعلنت الولايات حالة الطوارئ وتم إعلان حالة «الكارثة الكبرى» في ولاية نيويورك بعد أن أحدث إعصار ساندي أضراراً بالغة في البنية الأساسية والمرافق في الولاية.

ثم عقدت اجتماعات طارئة لتنفيذ خطة الطوارئ والتعامل مع ذيول الأزمة، وكان لكل إدارة دليل عمل محدَّد ومعروف تقوم بتنفيذه أثناء الأزمة بدءاً من رجال الإطفاء والإسعاف إلى المسؤولين عن شبكات الكهرباء والماء، وحتى المفاعلات النووية. وكان على كل إدارة أن تطبق الخطة المسبقة الموضوعة لمواجهة مثل هذه الكارثة. وهكذا نجحت إدارة الأزمة في إنقاذ الأمريكيين من تداعيات أحد أقوى الأعاصير في تاريخ أمريكا التي لم يتجاوز عدد ضحاياها مئة شخص.


 

أضف تعليق

التعليقات

أحدث المقالات

المقالات الأكثر تعليقاً