قديماً، كان الضيف جزءاً من الأسرة التي تربطها عادات وقيم ومفاهيم معروفة لدى الكل، وهم يتلبسون شعاراً اجتماعياً في استقبال الضيوف، من خلال بيت شعري يقول:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل
هناك رؤية مغايرة تستوضح عمق هذا الإطار؛ بمعنى أن الضيوف في البيئات العربية هم من المجتمع المحيط الذين تصلهم قرابة أو علاقة متينة مما يقلل من الجدية والمبالغة في الاحتفاء بالضيف الذي يعامل كأفراد الأسرة، وبالتالي، فهو في منزله ولا داعي للتكلف فالمكان مكانه. أما المثل الشعبي المتداول “إذا لم تسعك الدار تسعك العين”… فهو للدلالة على وجوب الضيافة والإصرار عليها بوصفها تقليداً اجتماعياً.
ولكن مع إيقاع الحياة المتطورة في المجتمعات الحديثة فإن الضيافة تتخذ شكلاً مغايراً عمّا كانت عليه في البيئات القديمة التي تتمتع بالبساطة. ونظراً لحداثة المجتمع وتغيره أصبحت التصاميم الجديدة للمسكن المعاصر تهيئ غرفة أو غرفتين للضيوف (رجالاً ونساءً). وصار الأمر لازمة في بناء البيوت الجديدة، ولكنه لا يدل على كثرة الضيوف، بل على تنظيم شكلاني لهوية المنزل.
أصبح الضيف عابراً مجهولاً في حياتنا اليوم. والغرفة المعزولة لاستقباله أشبه ما تكون بالهامش الذي لا نراه. وهذا لا يعني التلاشي في عادة اجتماعية أصيلة. ولكن اختلف مكان استقبال الضيوف، بسبب تحولاتنا المستمرة ودخولنا في صراع التمدن، الذي واكب ظاهرة المقاهي والمطاعم وقاعات الحفلات والولائم، وكلها شجعت على استقبال الضيف خارج المنزل مما أدى إلى عدم الحاجة إلى غرفة خاصة جاهزة لاستقبال ضيف افتراضي قد يأتي أو لا يأتي.
هذا لا يعني تفكك الترابط الاجتماعي، بل تغيرت العادات والممارسات اليومية. ومع ذلك لا يزال الضيف مفترضاً على رب الأسرة من خلال مكانه الجاهز الذي تسوده العتمة، وهذا يقودنا إلى السؤال؛ هل ضيافة المنزل في طريقها للزوال أم أنها تتجدد؟
الجواب صعب؛ لأنه يختص بظاهرة متقلبة والمكتسبات المعرفية التي أدخلتها التكنولوجيا تؤثر في صناعة الوعي، مما يجعلنا في تصور مرتبك يقول إن ضيافة المنزل كلما تجاهلها المجتمع الحديث سوف تؤول إلى النسيان إلى أجل غير مسمى.
ومع أن الضيافة خارج المنزل تخفف أعباء الاستقبال والمجاملات على أفراد الأسرة، إلا أنها أقل حميمية من ضيافة المنزل التي توطد العلاقة وتزيدها تماسكاً. لذلك يظل الضيف الافتراضي هاجساً محتملاً في أي وقت. كما أن استقباله مرغوبٌ في مناسبة أو دعوة أو زيارة أو تكون “الصدفة خير من ألف ميعاد” وهي المنعطف الأخير.