قصة مبتكر
قصة ابتكار
يعقوب بن إسحاق الكندي (873-805م)
الباراسيتامول
فيلسوف وعالم رياضيات عربي، عاش في زمن الخلافة العباسية، وكان أبوه إسحاق بن الصباح أميراً على الكوفة للخليفتين المهدي وهارون الرشيد. قدَّره الخليفة المأمون وقام بتعيينه في «بيت الحكمة»، وهو ما يشبه الصرح الجامعي في زمننا الحالي، تم تشييده لترجمة الكتب والرسائل في سبيل نقل المعرفة والعلم ونشرهما من اليونانية إلى العربية، فكان الكندي بصحبة العديد من أعلام العلم مثل الخوارزمي والأخوة بنو موسى. ومن تكريسه الجهد لترجمة الأعمال الفلسفية اليونانية والبيزنطية، أتقن اللغات، واستطاع الكندي بلورة نظرياته وتفسيراته ومقارنة ما توصل إليه بما ورد في المخطوطات اليونانية والبيزنطية. من أهم رسائله في التصنيف: رسالة في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها، رسالة في أنواع السيوف والحديد، رسالة في أنواع الحجارة. وله مصنفات ورسائل كثيرة جداً في شتى العلوم. وهو أوّل من رسَّخ فهم الفلسفة في الإسلام وترجم الكثير من كتب الفلسفة ولخَّصها. كان عالماً بالحساب والمنطق وطبائع الأعداد والفلك، كما كان منكبّاً على دراسة الهندسة، والموسيقا، والقانون، وعلم المعادن والجواهر. كذلك خاض الكندي مجال الفيزياء وعلم البصريات الهندسي، وقام بصياغة العديد من النظريات الحسابية. كما أسهم مساهمة كبيرة في مجال الصيدلة، إذ يعزى إليه الفضل في اكتشاف التصنيف التنظيمي للجرعات الواجب إعطاؤها للمريض. وفي مجال الهندسة كان الكندي مهندساً معمارياً بارعاً، إذ تم الإيعاز إليه بحفر القنوات بين دجلة والفرات. أما في الموسيقا فقد وضع الكندي سلمًا موسيقيًا ما زال يستخدم في الموسيقا العربية حتى يومنا هذا، كما أضاف الوتر الخامس للعود، وكتب عن التأثير العلاجي للموسيقا من ضمن خمس عشرة أطروحة في علم الموسيقا. واشتهر بأنه مؤسس علم التشفير، إذ تُعد رسالته: مخطوط في فك رسائل التشفير إحدى أكثر دراسات الكندي سبقاً لزمنها، وهي موجودة حالياً في الأرشيف العثماني في مدينة إسطنبول التركية، وهي أقدم وصف موثق حول تحليل الشفرات، إذ كان للكندي الفضل في توضيح أساليب تحليل الشفرات وتطوير طرق يمكن بوساطتها تحليل وتيرة حدوث الحروف ومن ثمَّ فك الشفرات. ترك الكندي أبحاثه عن الضوء لخلفه الحسن بن الهيثم، إذ خطّ الأول رسومات عن حدوث الرؤية البصرية إذا كان المحيط يسمح للضوء بالمرور كخط مستقيم، وفسَّر كيف يسمح الزجاج بمرور الضوء على نقيض الأجسام المعتمة، وغيرها من الدراسات عن انحراف الزوايا وحدوث الخداع البصري، وانعكاس الضوء وانكساره. ومن رسائله في الفيزياء: رسالة في اختلاف مناظر المرآة، رسالة في سعار المرآة، رسالة في المد والجزر. كان الكندي أول مسلم يستعمل المنهج العلمي في تفسير القرآن، وبالرغم من اهتماماته المتنوعة في الرياضيات والفلسفة، كان اهتمامه الرئيس في ربط كل العلوم بالدين. وبهذا المنهج الفكري برز الكندي بفلسفة مميزة في التفكير تتمثل في ربط العلوم ببعضها، فلا فلسفة من دون توحيد، ولا حساب من دون منطق، ولذلك عمد إلى توثيق مذكراته في رسائل غزيرة وقام بتأليف أكثر من مائتين وخمسين كتاباً طوال مسيرة حياته التي امتدت زهاء 73 عاماً، وكانت تُعد جميعها مرجعاً علمياً للباحثين والدارسين في أوروبا في أثناء عصر النهضة. وترجمت أعماله إلى الكثير من اللغات أهمها اللاتينية. ومن رسائله في الفلسفة: الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد، كتاب الحث على تعلم الفلسفة، رسالة في ألا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات.
يكاد يكون الباراسيتامول دواءً لكل داء، من مسكن لآلام الصداع وآلام العظام إلى مسكن للآلام النفسية كالاكتئاب والقلق، التي بالرغم من أن لها أدوية علاج خاصة، إلا أنه من الممكن أن يقوم الباراسيتامول بالتأثير في إنزيمات معينة قد تلعب دوراً في التأثير في الحالة النفسية والتخفيف من ألم الرفض الاجتماعي في ظروف معينة. بدأت قصة ابتكاره بخطأ صيدلي، فعندما ندرت أشجار الكينا في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأ البحث عن بدائل. وبينما كان الأستاذ أدولف كوسمال يدرس تأثير مادة النفثالين المضادة للطفيليات في جامعة ستراسبورغ، أرسل مساعده لشراء النفتالين، ولكن الصيدلي أخطأ وناوله مادة الأسيتانيليد. وعندما قام كوسمال بدراسته اكتشف مفعوله الخافض للحرارة. بعد ذلك توالت الدراسات حول الأسيتانيليد حتى طُرح في الأسواق في نهاية سنة 1880م لمنافسة مخفضات الحرارة التقليدية التي كانت موجودة حينها مثل حمض الساليسيليك. وفي سنة 1956م، طرح فريدريك ستيرنز وشركاه أقراص الباراسيتامول في الأسواق البريطانية تحت الاسم التجاري «بانادول» لتسكين الألم وعوارض الحمى، وكان حاله كباقي الأدوية العلاجية لا تُصرف إلا بوصفة طبية. وكانت شهرته الدعائية في أنه لطيف على المعدة في وقت كانت جميع المسكنات الأخرى تحتوي على مادة الأسبرين وهو مهيج معوي. في سنة 1963م تمت إضافة الباراسيتامول إلى دستور الأدوية البريطاني، بعد أن اكتسب شعبية واسعة كمسكن قليل التفاعل مع الأدوية الأخرى وقليل الأعراض الجانبية. واليوم يتم إنتاج الباراسيتامول في جميع أنحاء العالم بعد أن انتهت صلاحية براءة اختراعه في المملكة المتحدة وتحت أسماء تجارية متعددة. ينتمي الباراسيتامول إلى فئة الأدوية المسكنة غير المخدرة، وتكمن آلية عمله في التأثير في جملة الأعصاب المركزية التي تُعد مسؤولة عن عمليات رفع الحرارة وإحداث الشعور بالألم، وذلك بتثبيط الإنزيمات التي أطلقتها الأعصاب وهذا ما يُفسر خصائص هذا الدواء في خفض الحرارة وتسكين الألم. يتم استقلاب الباراسيتامول بصورة أساسية في الكبد ولا يؤثر في غلق القنوات الشريانية الجنينية كما تفعل مضادات الالتهاب، لذلك فهو آمن للأطفال ولا يسبب تغييراً في المزاج، كما يناسب المصابين بالقرحة المعدية والذين يُعانون تخثر الدم. في دراسة قامت بها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية رأت أن الباراسيتامول هو أحد أكثر الأدوية الموجودة أماناً، إلا أن الجرعات الزائدة تُؤثر سلباً في إنزيمات الكبد. كما يسبب الاستخدام المفرط منه %40 من الجرعات الزائدة كلها، والتي تؤدي تقريباً إلى مئة حالة وفاة تقريباً في السنة. وعلى عكس الولايات المتحدة الأمريكية، يُعدُّ الباراسيتامول منتجاً دوائياً في اليابان، وعليه فهو غير صالح للصرف للمعالجة الذاتية. كما أنه لا يُصرف من دون وصفة طبية من طبيب أو أحد العاملين بالرعاية الصحية، وذلك مع اشتراط توضيح مدة العلاج والكمية. أما أطرف أخبار الباراسيتامول فهي فرض العقوبات على المطاعم التي تستخدمه في وجبات اللحوم. إذ يلجأ أصحاب المطاعم الشعبية إلى شراء الأغنام الكبيرة في السن نظراً لأسعارها المتدنية، ومن ثم تُضاف حبتا بنادول لكل ذبيحة في الطبخ، وذلك لتذويب اللحوم وجعلها لينة حتى يكاد يشعر الزبون بأنها ذبائح صغيرة في السن. وبغض النظر عن اسمه التجاري، يُعد الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين مسكناً واسع الاستخدام، وليس له العديد من الأعراض الجانبية، كما أنه لا يحتاج إلى وصفة طبية لكي يصرف في الدول العربية مثل الملينات المعوية ومضادات الحرقة في المعدة وغيرها. وهو يُستخدم عموماً لعلاج الصداع والآلام الخفيفة. ويدخل الباراسيتامول مكوناً أساسياً في العديد من وصفات البرد والإنفلونزا. ولكونه مُستخلصاً من مادة القطران، فإن الجرعات المفرطة منه تزيد من احتمالات التسمم الكبدي.