بيئة وعلوم

أخطار تحدق بـالأرض

  • shutterstock_70033570
  • shutterstock_37139764
  • shutterstock_47959375-1
  • shutterstock_52901371

% من الوفيات حول العالم تعزى مباشرة إلى التلوث الذي يهدد كوكب الأرض. الباحث والناشر فرج أبوشمالة يتناول هذه المخاطر والملوثات المحيطة بنا.
لقد صدق من قال إن الإنسان بدأ حياته على الأرض وهو يحاول أن يحمي نفسه من نوائب الطبيعة. وانتهى به الأمر بعد آلاف السنين وهو يحاول أن يحمي الطبيعة من نفسه. لم يقتصر التلوث على سطح الأرض بل طال جوفها، أيضاً، وبات يهدد حياة كل الكائنات.

أصبحت الحياة المدنية تقطع دورة الحياة أو تعيقها في الطبيعة، وهو ما يعرف بصناعة الإنسان للمواد السامة وإلقائها في دورة الحياة man-made toxic agents التي تلوث البيئة وتسممها، ويرتد أثرها الضار عليه، ولأن بعض الأنظمة البيئية تتكون من دورة حياة معقده ومتفرعة، ما يساعد على حفظ النظام البيئي في حالة كسر الدورة أو تغيير مسارها، وتنشأ علاقة جديدة لتحافظ عليها.

أصبحت مشكلة تلوث البيئة خطراً يهدد الجنس البشري، بل يهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات. ولقد برزت هذه المشكلة نتيجة للتقدم التقني، والصناعي، والحضاري للإنسان، ويشمل تلوث البيئة كلاً من البر والبحر وطبقة الهواء التي فوقها، فأصبحت الكرة الأرضية اليوم مشغولة بهمومها، وأصبح كوكبنا مشوهاً، وتغيرات المناخ تهدد جوها, والمبيدات أفسدت أرضها, والصناعات مزقت أوزانها، والقطع الجائر للأشجار نخر غابتها، وهدد حيواناتها، والسكان لوثوا مياهها.. وهكذا بات كوكبنا محتاجاً إلى كوكب آخر، لكي نبدأ فيه وننشئ حضارة جديدة نظيفة.

لقد أصاب التلوث الإنسان، والنبات، والحيوان. ولعل من أهم النتائج التي أمكن حصرها أو التعرف عليها أن ربع الأجناس الحية على كوكبنا تواجه الانقراض بسبب تلوث البيئة، حيث ينقرض يومياً ما بين «100» و«200» من الكائنات الحية. فإزالة الغابات الاستوائية تتسبب في اختفاء «17500» نوع حيواني ونباتي سنوياً، أي أن معدل الانقراض هذا يفوق بنسبة ألف إلى عشرة أضعاف ما كان عليه الحال قبل ظهور الإنسان على كوكب الأرض. ما يعني أن الإنسان أصبح مصدر تهديد للكوكب الذي يعيش فوقه.

من هنا كان علم البيئة الذي يهتم بالعلاقة المعقدة بين الحيـاة واللاحياة. وهو مصطلح biosphere « الغلاف الجوي» يشير إلى العالم الحي ويتكون من عدة أنظمة بيئية ecosystems. النظام البيئي ecosystem يوفر أو يهيئ الظروف المناسبة للنباتات والحيوانات لتعيش, ويجدد العناصر اللازمة لإبقائهم أحياء ضمن «التوازن البيئي» الذي يتكون من دورة حياة تتحول فيها فضلات الحيوانات إلى غذاء للتربة والبكتيريا. والتي تنتج بدورها مواد غذائية للنبات والحيوانات.

والتلوث عبارة عن الحالة القائمة في البيئة الناتجة عن التغيرات المستحدثة فيها، والتي تسبب للإنسان الإزعاج، أو الأمراض، أو الضرر، أو الوفاة بطريقة مباشرة، أو عن طريق الإخلال بالأنظمة البيئية. وتعرف مسببات التلوث بالملوثات التي تنتج عنها الميكروبات التي تلحق الضرر بالإنسان وتسبب له الأمراض. والتعريف الحديث للتلوث يشتمل على: كل ما يؤثر في جميع العناصر بما فيها من نبات، وحيوان، وإنسان، وكذلك ما يؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية مثل «الهواء، والتربة، والماء من بحيرات وبحار وأنهار». ويعرف التلوث، أيضاً، بأنه أي تغير يؤدي إلى حدوث خلل في دورات الحياة للمواد الطبيعية الموجودة في الأرض، أو خلل في تدفقات الطاقة المتداخلة مع دورات المواد المتفاعلة معها.

وتشير دراسة أجراها فريق أبحاث من جامعة كورنيل في نيويورك إلى أن نحو 40% من الوفيات حول العالم تعزى مباشرة إلى التلوث، ومعظمها يحدث في بلدان نامية. كما أن التلوث يعرض حياة ملايين آخرين للخطر من خلال أمراض دائمة واضطرابات عصبية.

وتتوالى التقارير والإحصائيات التي تؤشر بشكل واضح عن آثار التلوث في الإنسان الذي هو المسؤول عن إحداث هذا التلوث. وبالرغم من أن تلك الأرقام تصفعنا دون أن نتعظ، فإننا نستمر في إحداث التلوث، وكل من كان يعتقد أن تصدير نفاياته بعيداً آلاف الأميال يكون قد تخلص منها فيكشتف أنه كمن يلقي نفايات بيته تحت وسادته.

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 2.6 بليون نسمة كانوا يفتقرون إلى مرافق خدمات صحية محسنة عام 2008. ومن الكائنات المهددة لحياة الإنسان التي تنقلها مياه الصرف الصحي وسوء التعامل معها الكوليرا، والتيفوئيد، والديزنطاريا، والبلهارسيا، والتهاب الكبد «أ»، والتهابات الدودة الشريطية المعوية.

ويموت سنوياً 865 ألف طفل دون الخمس سنوات نتيجة لسوء التغذية، والالتهابات التي يسببها الإسهال أو الديدان المعوية.

كما أن هواء المدن أضحى يشكل خطراً على الصحة بدلاً من أن يعطي الإنسان والحيوان والنبات الحياة والطاقة. وهذا ما أشارت إليه تقارير منظمة الصحة العالمية من أن 865 ألف وفاة سنوياً في أنحاء العالم تعزى مباشرة إلى تلوث الهواء خارج المنازل. وترتبط التأثيرات الصحية الرئيسة بإجهاد قلبي وعائي مزمن، وازدياد إصابات سرطان الرئة والالتهاب الرئوي الحاد أو المزمن، ونوبات الربو والحساسية. كما أن التعرض للأوزون الأرضي يتسبب في تهيج العينين والأنف والحنجرة، وجفاف الأغشية المخاطية، وانخفاض قدرة الجسم على مقاومة الالتهابات الرئوية.

ومن التدابير التي ساهمت في الحد من تلوث الهواء تطوير آليات التنقية للوقود المستعمل في السيارات، واستعمال البنزين الخالي من الرصاص، والديزل القليل الكبريت، وفرض معايير صارمة على انبعاثات السيارات والمصانع.

ضريبة الحضارة
من مظاهر الحضارة الجديدة وبعد انتشار الصحف أن كثيراً من سكان المدن يعيدون استخدام الصحف المطبوعة لحفظ الأغذية ووضعها على موائد الطعام، ما يجعلهم عرضة لتناول الرصاص الموجود في الحبر الطباعي وهو من أخطر أشكال التلوث. وقد يؤدي التسمم بالرصاص إلى الشعور بالتعب والصداع، وألم العظام والعضلات، والنسيان، وفقدان الشهية، واضطراب النوم. وغالباً ما يعقب ذلك إمساك، ونوبات من الألم الشديد في البطن. وفي الحالات المتقدمة تحدث تشنجات وغيبوبة وهذيان، وصولاً إلى الموت.

والأطفال هم الأكثر عرضة للتسمم بالرصاص من البالغين، وقد يعانون تلفاً عصبياً، وألماً، وإعاقة في النمو الجسدي والعقلي. أما تعرض النساء الحوامل للرصاص فقد يؤدي إلى أذى للجنين، وإلى ولادات مشوهة. وقد أدخلت في بعض البلدان تحسينات على عمليات إعادة تدوير البطاريات، وباتت أكثر تنظيماً.

لكنها في كثير من البلدان الأشد فقراً ما زالت تجرى بطرق عشوائية محفوفة بالأخطار الصحية والبيئية. وتصنف بطاريات السيارات التالفة في فئة النفايات الخطرة بموجب اتفاقية بازل.

وقد فتحت عدة بلدان نامية باباً واسعاً لشرائها بكميات كبيرة من أجل استخلاص الرصاص منها. وتجرى عمليات إعادة تدوير البطاريات وصهر رصاصها في معظم مدن العالم النامي، وغالباً في أماكن مكتظة بالسكان ومن دون ضوابط صحية وبيئية أو تدابير سلامة، وتطلق كميات كبيرة من النفايات المشبعة بالرصاص، وهذا يسبب تسمماً خطيراً للعمال والمجتمعات المجاورة.

الوهم الكاذب
تقف الأخطار الناجمة عن العناصر المشعة وعلى رأسها اليورانيوم على قمة المخاطر التي ترعب كل باحث في مستقبل الحياة على وجه الأرض بعد أن خفت الرعب النووي الناجم عن الحروب. فالدقائق المشعة يمكن أن تدخل الجسم من خلال الطعام، أو الماء، أو الهواء. ولا يوجد مستوى «مأمون» للتعرض الإشعاعي. وقد تكون تأثيراته دراماتيكية، فيهاجم جميع وظائف الجسم في حالات التعرض الحاد، وغالباً ما يتسبب في عدد من الأمراض السرطانية نتيجة التعرض الطويل الأمد، أو يؤثر في الشيفرة الوراثية، ما يؤدي إلى مشاكل صحية تنتقل إلى الأجيال التالية وتسبب تشوهات خِلْقية.

وتستعمل المواد المشعة لتوليد الطاقة، ولأغراض عسكرية، وصناعية، وطبية، وعلمية. أما النفايات المشعة فتصنف ضمن فئتين: نفايات عالية المستوى تنتج بشكل رئيس من الوقود المستعمل في مفاعلات مدنية أو عسكرية، ونفايات منخفضة المستوى تنتج من المفاعلات والاستعمالات الصناعية والتجارية وغيرها. والمواد المشعة لا يمكن معالجتها، ولا يزول خطرها إلا عندما تكمل انحلالها. ولأن ذلك قد يستغرق آلاف السنين، فيجب تخزين هذه المواد حسب الأصول.

وقد اتجهت أوروبا نحو الطاقة النظيفة عن طريق الطاقة الشمسية. وتقول التقارير العالمية إن الصحراء العربية الأنقى والأفضل لتوليد هذه الطاقة، لا سيما أن الصحراء الجزائرية والأردنية، مثلاً، علاوة على نسبة السطوع الشمسي العالي توفر الرمال الصالحة لصناعة ألواح الزجاج اللازمة لتشكيل الخلايا لتوليد الطاقة.

الهواء السام
من أهم أسباب تلوث الهواء داخل المنازل في العالم النامي هو حرق الفحم أو الحطب لأغراض الطبخ والتدفئة والإضاءة. ويحصل أكثر من 50٪ من سكان العالم على الطاقة اللازمة للطبخ بهذه الطريقة. وبسبب سوء التهوية، عادة، تنتج تركيزات من الأبخرة السامة داخل المنازل وتشكل خطراً صحياً على العائلات. والأكثر تأثراً هم النساء اللواتي يتولّين الطبخ، والأطفال الصغار الذين يلازمون أمهاتهم.

ويساهم تلوث الهواء الداخلي في نحو 3 ملايين وفاة سنوياً، ويشكل 4٪ من العبء المرضي العالمي. ومن تأثيراته الصحية الالتهابات التنفسية الحادة، والانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة وإعتام عدسة العين «كتراكت»، والسل، واضطرابات الحمل والولادة.

تنفث مرافق صهر المعادن ومعالجتها كميات كبيرة من الملوثات الهوائية، مثل فلوريد الهيدروجين، وثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، والأدخنة، والأبخرة، والغازات المؤذية والسامة وسواها. كما تطلق معادن ثقيلة مثل الرصاص، والزرنيخ، والكروم، والكادميوم، والنيكل، والنحاس، والزنك. وتُستهلك في معالجة المعادن كميات كبيرة من حمض الكبريتيك الذي ينطلق أيضاً. والتعرض لهذه الملوثات التي ينقلها الهواء يمكن أن يؤدي إلى أمراض حادة ومزمنة، قد تبدأ بتهيج العينين والأنف والحنجرة، وتتفاقم إلى مشاكل القلب والرئتين وحتى الموت قبل الأوان. وتشكل المعادن الثقيلة أخطاراً صحية مزمنة، بما فيها تراكم العناصر السامة، ما قد يتسبب في عيوب خِلْقية، ومشاكل في الكليتين والكبد، وتقرحات في القناة الهضمية، وآلام في المفاصل، فضلاً عن اختلالات في الأجهزة العصبية والتنفسية والتناسلية.

باطن الأرض
لم يقتصر التلوث على سطح الأرض بل طال جوفها أيضاً، حيث يعتمد مئات ملايين الناس في العالم النامي على المياه الجوفية، غالباً، من خلال آبار محفورة. وهذه يمكن أن تتلوث بسهولة نتيجة أنشطة بشرية تصنف في أربع مجموعات، هي المصادر البلدية، والصناعية، والزراعية، والفردية.

وتشمل المصادر البلدية مكبات النفايات المكشوفة، والمطامر سيئة الإعداد والصــيانة، والمجارير. أما التلوث الصناعي فقد يأتي من تصريف المياه، والنفايات الصناعية وارتشاحها، وتسرب المواد الكيميائية من المخازن. ويأتي التلوث الزراعي أساساً من الإفراط في استعمال المبيدات والأسمدة التي قد ترشح إلى المياه الجوفية. ويتسبب الأفراد في تلويث المياه الجوفية من خلال التخلص من النفايات بشكل غير مناسب.

ومن التأثيرات الصحية للمياه الملوثة الإسهال وتهيج المعدة، كما أن تراكم المعادن الثقيلة وبعض الملوثات العضوية في الجسم يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان وبتشوهات خِلْقية وأضرار خطيرة أخرى.

والملوثات الرئيسة في النظم المائية هي البكتيريا، والفيروسات الموجودة في الفضلات البشرية، والمعادن الثقيلة، والمواد الكيميائية العضوية التي تنتج من النفايات الصناعية. وابتلاع كائنات ممرضة عن طريق الشرب أو تناول طعام تم إعداده باستعمال ماء ملوث هو السبيل الأكثر شيوعاً للمرض. كما تتأثر صحة الإنسان بمحاصيل استمدت ملوثات من مياه الري، أو من أراض طافت بمياه أنهار ملوثة. وتتسبب الجراثيم في عدد من الأمراض المعدية المعوية، التي قد تكون مميتة للأطفال وللأشخاص الضعفاء. وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن تلوث المياه هو أحد أهم أسباب الوفيات المرتبطة بعوامل بيئية. وغلي الماء يقضي على معظم الكائنات الممرضة، لكنه يحتاج إلى وقود لا يتوافر كفاية لدى المجتمعات الفقيرة.

أضف تعليق

التعليقات