لم يفاجئني أن أكثر من %82 من المشاركين في الدراسة الاستطلاعية التي أجراها مؤخراً مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، أكدوا أن الرأي العام يتأثر بالشائعات. كما لم يفاجئني أن النصف فقط (%50) من المشاركين والمشاركات، في محور الدراسة الخاص بمدى التحقق من الشائعات، حريصون على التأكد من المعلومات أو الأخبار التي تصل إليهم قبل الترويج لها. وهذا يعني أن الشائعة ترعى لدى النصف الآخر، كما يحلو لها، بينما هم ربما لا يدركون خطورتها وتأثيرها السلبي القوي باعتبارها من مفاتيح الشر، ومن دواعي الوقوع في الخطأ، بل الوقوع في الخطيئة أحياناً.
وللعلم فقط، حسب دراسة علمية، فإن المعلومة الصحيحة تفقد %70 من تفاصيلها عند وصولها إلى الشخص الخامس أو السادس، مما يدل على أن الشائعة سهلة النشوء وسهلة التركيب، فبمجرد أن يحاول شخص تعويض الفاقد من هذه التفاصيل فإن المعلومة نفسها، بتركيباتها الجديدة، تتحوَّل إلى شائعة. وهذا هو غالباً ما يحدث حين يحاول بعض الأشخاص أن يصوروا أنفسهم أنهم أعرف أو أقرب من غيرهم إلى مصدر المعلومة. أما خطر الشائعة على المجتمع فيزداد كلما كان هناك من يغذيها عمداً، ليصل إلى أهدافه في التخريب أو الانتقام أو تشويه سمعة جهة أو جماعة ما. وتسمى الشائعة من هذا النوع الشائعة الزاحفة أو المتسللة، لأنها تُروجُ ببطء ويتم تناقلها همساً إلى أن يعرفها الجميع. ومروجو هذا النوع من الشائعات لا يفترون عن نسخ سلسلة من القصص الوهمية، ويستمرون في تغذيتها ونشرها إلى أن يبلغوا الهدف الذي ينتظرون تحقيقه من ورائها.
وفي رأيي الشخصي أن الشائعة، زاحفة أو مسرعة، قد وجدت لها مرتعاً خصباً في وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، باعتبار أن هذه الوسائل مفتوحة على مصراعيها للجميع دون رقابة مباشرة على ما يُنشر فيها. ولذلك تُعد القوانين الضابطة لما ينشر على هذه الوسائل هي المصدّ الوحيد للشائعات المخرِّبة أو المدمِّرة، لكن هذا المصد لا يمكن أن يكون عند المنبع كما هو الحال في وسائل الإعلام التقليدية التي تملك زمام التأكد من المعلومات وقتل الشائعات في مهدها.
ولذلك ستبقى وسائل التواصل الاجتماعي بمنزلة حقل واسع ومفتوح للشائعات، إلى أن يكبر الوعي المجتمعي بخطورة الشائعة وتطبق القوانين المضادة للشائعات بحسم. عندها يمكننا القول إنه يمكن الحد من غلواء الشائعات ونتائجها المدمرة أو الضارة في أحسن الأحوال.