سلاماً، سلاماً مَنازلَ خَوله
سلام الخليل تذكَّر خلَّه
تذكَّر مدرج أحبابه
ضِفافاً ومشتل ضوءٍ ونخله
وملهى صَباً سوسنيَّ الأديم
تطوف المواسم بالعشق حوله
تذكَّر سِيفاً، ورفَّةَ قِلعٍ
ونجمةَ صيفٍ تغازل تلَّه
وداليةً تستضيف المساءَ
سراجاً، وكوخاً، ومهداً، وكِلَّه
وتحتضنُ الصبحَ شمساً وهمساً
وظلّاً وطلاً، وتيناً، وسلَّه
وجدولَ ماسٍ يسَبسِب عشقاً
ويُنضجُ شوقاً، ويخصب رمله
٭ ٭ ٭
سلامٌ عليك، سلامَ الحبيب
سلام الغريب تعشَّق أهلَه
سلام المهاجر أدمى خطاه
هجيرٌ، ووحشة درب ورحله
فعاد إليك بنزفِ الجراح
تكاد دماه تخضّب رجله
على جفنه رعشةٌ من سناك
وفي شفتيه اختلاجة قبله
وفي ثوبه من بقايا ثراك
بَهارٌ، ونَورٌ وعُشبٌ وظِلَّه
ومن لفح شمسك في عارضيه
يرفرف نجمٌ وتضحك فُلَّه
ومن وهَجٍ من هواك القديم
بقيَّة غارٍ تجلِّل رحله
٭ ٭ ٭
أتاك يفتِّش خلف الركام
عن الأمس داراً وجاراً وخلَّة
عن امرأةٍ من أعزِّ النساء
جلالاً ورفعة قَدرٍ ونِحلة
ومن أجمل الفاتنات الملاح
قواماً وجيداً وثغراً ومقلة |
ومن أكرم الغيد حين العطاءِ
إذا الحال يسْرٌ أو الحال قِلَّة
على بابها تستريح القوافل
من كل حدب، ومن كل مِلَّة
وفي بيتها تتقرَّى الضيوفُ
تؤمُّ نداه، وتنشد نبلَه
وتسكن قصراً منيع الجنابِ
بضوء المنائر يغسل ظلَّه
وبوح الكتاتيب يثري ضحاه
ووحي المنابر يؤنس ليلَه
وتملك نخلاً كنخل العراق
سخاءً وماءً زُلالاً كدجله
ويحتضن النخلُ أثمنَ كنزٍ
من الماس لم يؤتَ قارونُ مثلَه
٭ ٭ ٭
ويوم الكريهة، يوم النزال
لها الطولُ باعاً وبأساً وقوله
إذا زمزم الروعُ يدمي القلوبَ
إذا راش سهماً وصوّبَ نَبله
تيمَّمها الجارُ زنْداً حميّاً
وحضناً وفيّاً، وزاداً ونهله
فعنترةٌ تاه يوماً عليها
غروراً وزهواً وجرَّر ذيله
وجاء مدلاَّ بسلطانه
يجرُّ الكتائبَ تتبع خيله
يهزُّ سناناً ويرهف سَيفاً
ويرعف رمحاً، ويرشق نصله
ولكنَّها ألقمته التراب
وأردته قزماً يُلملم ذلَّه
وعنترةٌ في سيوف القبيلة
ليس الأشدَّ جِلاداً وصوله
فكم في القبيلة عبل الذراع
طويلُ النجاد تجرَّأ قبله
وكم من أميرٍ تمنَّى المَهاةَ
فرَّدته كبراً، ولم تَشف غِلَّه
٭ ٭ ٭ |
فما بالَه ازورَّ وجه الزمانِ
ودارت رحاه بيوم وليلَه
فبدَّل ذاك الصِّبا والفتونَ
غُضوناً وشيباً، ووهناً وعلَّه؟
فلا هي تلك البتول القتول
بخدٍّ وجيدٍ، ورِمشِ وخصلة
ولا القصر قصرٌ رفيع القباب
ولا النجم صبٌّ يسامر نخلَه
هوى القصر، والعشق،والذكريات
وعفَّى الزمانُ مفاتنَ خوله
سوى طَلَلٍ من رماد السنين
جفاه الأنيسُ وأنكر فضله
٭ ٭ ٭
أخولةُ، يا عنفوان الضفافِ
وشوقَ النخيلِ، وعشق الأهلَّة
فِداءً لعينيك ما في يَدَيَّ
ورِدْءاً لعمرك عُمريَ كلَّه
كفاك أذىً من عوادي الزمان
كفاك هواناً وغبناً وذِلَّه
بأن تتحوَّل عنك القلوبُ
فيهجرَ إلفٌ وتغدُرَ خِلَّه
ويفتكَ بالعشق والوجدِ يوماً
رصيدٌ وكشفُ حساب وغَلَّه
فيبرأ منك أحبُّ ذويك
كأنَّك ذنْبٌ، كأنك زلَّه
كأنَّك ما كنت للمدنِفين
غرامَا، ومرفأَ عشقٍ وقِبْله
* * *
فلا تعتبي يا هواي المقيمَ
فللعشق شوطٌ، وللمال جوله
وحسبك أن تسكني مقلتيَّ
ظلالاً، وخضلة ضوءٍ وكُحلَه
ويلهو ثراك على مَنكِبيَّ
نثارةَ عرسٍ، وفرحة طفلة
فأظفرَ منه لرأسيَ تاجاً
وأغزل منه لجسمي حُلَّه
وما بيدِيْ أن يضِنَّ البنونُ
بقطرة دمع تبلِّل رمله |