في خضم الغوص في متابعة تفاصيل الشؤون البيئية وفق مساراتها اليومية، تغيب عن الأذهان صورة المسار العام الذي سلكه الاهتمام العالمي بالبيئة خلال العقود الأخيرة وأبرز محطاته. هذه المحطات التي حوَّلت أسماء مدن مثل ريو وكيوتو وجوهانسبرغ إلى عناوين فصول محددة من هذا المسار.
رجب سعد السيد يعيد رسم الصورة البانورامية لمجمل هذه المحطات الكبرى التي توالت تباعاً ونقلت الاهتمام بالشأن البيئي من مستوى الأفراد إلى مستوى القضايا التي تُجمع دول العالم قاطبة على وضعها في قائمة الاهتمامات الإنسانية الكبرى.
يحلو لبعض نشطاء البيئة أن يؤرِّخوا لبداية الاهتمام الحقيقي بالشأن البيئي، بظهور كتاب الربيع الصامت ، لراكيل كارصون، التي تقول إن هدفها الأساس من تأليفه كان التنبيه إلى تزايد خطورة المبيدات الحشرية، وبصفة خاصة، مبيد (د.د.ت.) الرهيب، الذي بدأ إنتاجه في عام 1939م.
وقد جاء في أحد فصول الكتاب: … سيتوقف المؤرخون في المستقبل بانزعاج شديد، أمام اعوجــاج وانحراف قدرتنا على تقدير الأمور، فكيف تعمل كائنات حية ذكية على مقاومة وجود أنواع أخرى من الكائنات الحية غير المرغوب فيها، باستخدام وسيلة من شأنها أن تفسد وتلوث البيئة بأسرها، وتجلب في طياتها خطر التعرض للأمراض، بل والموت، للنوع الذي تنتمي إليه تلك الكائنات الذكية؟! . وحين صدر الربيع الصامت ، عام 1962م، قال عنه نفرٌ من رموز المجتمع الأمريكي، إن تأثيره على الناس والحياة يحاكي تأثير رواية كوخ العم توم . إذ أضاء الكثير من الحقائق المخفية، وغيَّر بعض المفاهيم والأفكار السائدة، وامتد تأثيره إلى العالم كله، وكان شهادة صارخة، انتهت بإدانة المبيدات الحشرية، ووضع ضوابط صارمة على إنتاجها وتجارتها واستهلاكها.
وبدأ الناس، عقب ظهور كتاب الربيع الصامت ، يتسـاءلون: ماذا ألـمَّ بالكـوكـب الذي نعيش عليـه؟. وكانت التكنولوجيا، بخطاها المتسـارعة، قد ساعدت في خلق وعي عامٍ بأن العالم بأسـره قد صــار قرية كونية . ومن جهة أخرى، انطلق الناس يحتضنون الجمعيات غير الحكومية النشطة في مجالات معاداة الحروب، ومقاومة المجاعات، والداعية إلى وقف التدهـور البيئي، والمناهضة لبرامج التنمية غير المستدامة، والمطالبة بعدالة توزيع الثروات في العالم، ومكافحة العنصرية والتجارة الجائرة والانتقاص من حقوق النساء، وغيرها من المسائل المهمة. وعـوَّل الكثيرون على منظمة الأمـم المتحـدة في التصـدي لهذه المسائل، وفي معالجة الأزمة الناشئة في العلاقة بين الكوكب وناسه. إذ إن ميثاق الأمم المتحدة ينُصُّ على أن للمنظمة أربعة أغراض، هي: أن تكون مركزاً لتحقيق التوافق والانسـجام بين الإجراءات الدولية، أن تصون السلام والأمن العالمييـن، أن تتعاون في حـل المشكلات الدوليـة، أن تشـجِّع على احترام حقوق الإنسـان. وعلى مدى خمسين سـنة تقريباً، اجتهدت المنظمة في التعامل مع كثير من القضايا الملحة التي واجهت المجتمع الدولي، وبلورتهـا في سلسلة من اللجان والمؤتمرات عالية المسـتوى، نعرض لأهمها فيما يلي بإيجـاز:
1 – قمـة ســـتوكهـولــم، 1972م
نجحت الأمم المتحدة في أن تجمع، لأول مرة، كـلاً من حكومات دول العالم والمجتمع المدني في قمة البيئة التي انعقدت في ستوكهولم عام 1972م، حيث تم تدارس العلاقة المتدهورة بين الكوكب وسكانه. وفي هذا الحدث التاريخي، وُضِعت قائمةٌ بالمهام التي من شأنها توطيـد الصلة بين قضايا حقوق الإنسان والآثـار البيئية المتزايدة، الناجمة عن مجتمع بشري مستمر في التوسـع الحضرى والتصنيـع. وقد شـهد ذلك الحدث العالمي، لأول مرة، اشتراك حكومات كل من الدول الغنية والدول الفقيرة في بحـث قضايا مهمة، مثل ضبط التلوث، واسـتعادة الغابات، والتنمية النظيفة، والتخطيط المتكامل للتنمية، وأوجه التعارض بين البيئة والتنمية، والنمو السكاني، بالإضافة إلى التعاون الدولي والتعليم البيئي.
وكان الحاصل الأهم من هذا المؤتمر هو إعلان ستوكهولم، الذي تضمَّـن 25 فقرةً، نصَّ بعضُها على …إن الموارد الطبيعية للأرض، بما فيها الهواء والماء والتربة والكائنات الحية النباتية والحيوانية ونماذج محددة من الأنظمة البيئية الطبيعية، ينبغي أن تشملها الرعاية والحماية، وذلك لمصلحة كـل من الأجيال الحالية والتالية، بإخضاعها لعملية تخطيـط أو إدارة ذات كفاءة عالية، حسـب مقتضى الأمر. كما أنه ينبغي الاحتفاظ بقدرة الأرض على إنتـاج موارد حيوية متجددة، والعمل على اسـترداد هذه القدرة، أو إصلاحها، بكل الطرق الممكنة. وتقع على البشر مسؤولية خاصة تجاه حماية الموروث من الحياة البرية وموائلها، وتوفير الإدارة الرشيدة لهـا. إذ إن هذا الموروث عرضـة للتهلكة في الوقت الحالي، جرَّاء تضافر عدد من العوامل المعاكسة. لذلك، فإن حماية الطبيعة، متضمنة الحياة البرية، يجب أن تحظى بأهمية خاصة عند التخطيط للتنمية الاقتصادية. كما يجب أن يُراعى، عند استغلال موارد الأرض غير المتجددة، توافر الحماية لها ضد خطر استغلالها في المستقبل، لضمان أن تعمَّ منافعها كل البشر .
وأيَّـاً كان الأمر، فإن هذا الإعـلان لم يبين للناس الأسـلوب الذي يمكن به أن تتحقق هذه الأهـداف النبيلة.
وظهر عام 1972م، أيضاً، كتاب حدود النموّ ، الذي أكَّـدَ على الشكوك العميقة التي كانت تساور الناس حول مخاطـر جموح النمو الاقتصادي. وقد اشـتمل الكتاب على أول محاولة لرسـم خريطة للمسـتقبل، وتنبَّـأ الكتاب، وهو يستقرئ التوجهات السائدة، أن ثمة قصوراً عالمياً متواصلاً في الموارد، وأن العالم سوف يرزح مختنقاً فيما ينتجه من تلوث.
كذلك، شهدت سبعينيات القرن الماضي ظهور كتاب إ. ف. شوماخر، وعنوانه صغيـرٌ وجميـل ، وكان محاولة إضافية، ذات دلالة، لمعاودة التفكير في عالم غارق في الأوهام المتصلة بالانتعاش المؤقت للتوجهات المادية التي سـادت العالم في زمن ما بعد الحرب العظمى الثانية. وكان الهدف من الكتاب مراجعة بعض المفاهيم الاقتصادية على أساس أن البشـر والطبيعة يأتيـان في المقدمة، قبل أي شيء آخر. ووفر الكتاب لقارئه أدوات عملية وذهنية لوضع تصور فكري لاقتصاد مسـتدام جديد يجعل الناس في مركز اهتمامه.
وقد عمل الازدهار الاقتصادي، الذي أطلقت له العنانَ عمليَّاتُ الخصخصة، منذ منتصف الثمانينيات، على إبراز الاهتمام بمدى قدرة عالم الطبيعة على تحمُّل احتياجات البشر منه وتأثيراتهم فيه. فكانت معركة الاستدامة . وشنَّت مجموعات نشطة في مجال البيئة، مثل السلام الأخضر ، و أصدقاء الأرض ، حرباً تمخَّضـت عن ظهـور وعي عام متعاظم يدركُ أننا كنَّا ماضينَ في مسار متعارض مع المجال الحيوي. وفي الوقت نفسه، بدأت أحزاب الخضر في أوروبـا تنتشـي بما تحققه من نجاحاتٍ، خاصة في الدول التي تأخذ بنظام التمثيل النسبي الذي ساعد تلك الأحزاب على أن يدخل ممثلوها البرلمانات المحلية والقومية. وتشكَّلت، منذ عقد الثمانينيات، عدة لجان دولية، اضطلعت بمهمة بحث حال العالم، والتباينات الواضحة بين الدول الغنية والفقيرة، مثل لجنة بروندتـلاند التي أتت بفكرة التنمية المستدامة ، التي تعرَّفُ بأنهـا: التنمية التي تلبي حاجات الحاضر، دون أن يكون في ذلك مساسٌ بإمكانية أن تسـتوفيَ أجيال المستقبل احتياجاتها . واهتمت تلك اللجنة ببحث السبل التي تيسِّرُ تحسين ظروف معيشة البلايين من فقراء العالم، مع خفض الآثار البيئية المترتبة على النشاطات البشـرية.
2 – قمة ريو وميراثها
تلقَّفـت قمة الأرض ، التي انعقدت في ريو دي جانيرو عام 1992م، فكرة التنمية المستدامة وجعلتها الأساس لعدد من الإجراءات والاتفاقات في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبخصوص تعرية الغابات، والتغيرات المناخية، والتنوع الأحيائي. وبدت قمة ريــو نقطة تحول في وضعياتنا وسلوكياتنا ، حسـبما أوردته الأمم المتحدة. وكان أهم ما أسفرت عنه تلك القمة، ما عرف بـ الأجندة 21 ، التي تشتمل على نواحٍ عملية محددة ليعمل وفقها كـلٌ من الحكومات وقطاعات الأعمال والهيئات المحلية والمواطنين، أملاً في تحقيـق عـالم قائم على الاسـتدامة.
وكالعادة، وكما هو متوقَّع، وجد عددٌ قليل من الدول ذات النفوذ القوي في الكوابح التي تفرضها التنمية المسـتدامة على قطاع الأعمال ما لا يتفق وهواها. فوجدنا الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس جورج بوش، تصدر تعليماتها إلى ممثلها في المباحثات الخاصة باتفاقية التغيرات المناخية بأن يعمل على إفساد مشروع الاتفاقية؛ كما قوَّضت الإدارة الأمريكية اتفاقية التنوُّع الأحيائي ورفضت المصادقة عليهـا.
3 – قمةُ الأمم المتحدة للمدن 1996م
طرأ على العالم في المائة سنة المنقضية تبدُّلٌ غير اعتيادي، إذ تسارع -على نحوٍ غير مسبوق- معدل إنشاء المدن، وأصبحت تلك المدن هي الموئل الأساس للناس. فقد كانت نسبة سكان المدن، في عام 1900م، أقل من 15 في المئة من مجموع تعداد سكان العالم البالغ بليوناً ونصف البليون من البشر، في ذلك الوقت. وفي عام 2000م، ارتفعت النسبة إلى 47 في المئة من مجمل تعداد البشر البالغ ستة بلايين نسمة. وفي عام 1900م، كان ثمة أربع مدن هي الأكبر بين مدن الأرض، ويقارب تعداد السكان في كل منها المليون نسمة، وهي بكين، وطوكيـو، ودلهي، ولندن. وبحلول عام 2000م، أصبح عدد المدن ذات المليون نسمة 200 مدينة، وازداد عدد السكان في مائة مدينة أخرى إلى عشرة ملايين، للمدينة الواحدة، وتجاوز عشرة ملايين للمدينة في عشرين من المدن العملاقة. والمتوقَّـعُ أن يصل عدد سكان المدن في العام 2030م إلى ما يقرب من خمسة بلايين إنسان، أي ما يوازي 60 في المئة من سكان العالم.
وكانت الأمم المتحدة قد دعت إلى قمة المدن الثانية، التي انعقدت في العام 1996م، تأكيداً منها على أن التوسع العمراني في المدن بات يمثل تهديداً ضخماً جديداً للبشـرية؛ فهذه المدن تتمدد في كل الاتجاهات، فتضرب قواعدها في باطن الأرض، وتسمق بناياتها في الفضاء، وتفترش مساحات تزيد على عدة مئات الآلاف من الهكتارات، ويربط ما بينها، كما يصلها بمختلف مناطق العالم، مسارات ومحاور تجري عليها وسائل مواصلات تسـتمد طاقة تشغيلها من الوقود الأحفوري. ولكي تترسخ أنماط الحياة الحضرية، تمتص المدن الموارد من كل أنحاء العالم، وبالرغم من أن هذه المراكز الحضرية لا تحتل سوى 2 في المئة من مساحة اليابسة إلا أنها تسـتهلك 75 في المئة من موارد العالم. لقد ارتفع عدد الأفراد الذين يعتمدون في طعامهم على جهد إنتاج العامل الزراعي إلى أكثر من سـتة أضعـاف، إذ كان 15 فرداً يعتمدون على فرد واحد من عمال الزراعة في العام 1950م، أما في عام 1998م فأصبحوا 96. وفي عالم كهذا، يغلب عليه التوجه إلى الحياة الحضرية، فإن ما ينجم عن المدن من آثـار بيئية مركَّبة يمتد ليشمل كثيراً من الأراضي المنتجـة في هذا الكوكب. وفي أسطنبول، صادقت 180 دولة على أجندة الموئل ، التي تنص على: ضرورة أن تقوم المستوطنات البشرية على أساس من التخطيط، وأن تتم تنميتها وتطويرها على نحو تتحقـق لها به أساسيات وكل مكونات التنمية المسـتدامة، حسبما ورد بالأجنـدة 21… . كما نُـصَّ فيها على: ضرورة احترام القدرة الاستيعابية للأنظمة البيئية، وإتاحة الفرص أمام الأجيال القادمة، كما يجب أن ترتَّب خطط الاسـتهلاك ونظم النقل بحيث تتوافر الحماية لمخزون الموارد الطبيعية ونحن نسحب منه، فلا نجور عليه .
4 – بروتـوكول كيوتو 1997م
بالإضافة إلى ما تقدم، عقدت منظمة الأمم المتحدة سلسلة من المؤتمرات العالمية حول نزع السلاح النووي، والنمو السكاني، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، والعنصرية، والأيدز. وكانت التغيرات المناخية موضوع سلسلة من الملتقيات الدولية عالية المستوى، بدأت بمؤتمر كيوتو في العام 1997م، حيث تحقق اتفاقٌ مبدئي على تخفيض مستوى انبعاثات غازات الدفيئة، على المستوى العالمي، بنسـبة 60 في المئة، بحلول العام 2050م. ولكن بروتوكول كيوتو لا يزال غير نافذٍ، إذ لم يصادق عليه، حتى عام 2004م، العدد المطلوب من الدول المسـؤولة عن 55 في المئة من حجم الانبعاثات الكلية من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو.
5 – أهداف الأمم المتحدة للألفية الجديدة
في سبتمبر من العام 2000م، عقدت الأمم المتحدة جلسة خاصة لجمعيتها العامة، أعلنت فيها مجموعة من الأهداف للألفية الجديدة، ينتظر أن تتحقـق بحلول العام 2015م، وتتضمن ما يلي:
• تخفيض معدَّلات وفيات المواليد، في أقاليم جنوب الصحراء بإفريقيا إلى النصف.
• تخفيض نسبة البشر الذين يعيشون بدخل يقلُّ عن دولار واحد في اليوم إلى النصف.
• تخفيض عدد البشر الذين لا يعرفون سـبيلاً إلى ماء شرب نقي إلى النصف.
• وقـف انتشار وباء الأيـدز والبدء في مطاردته.
• وقف انتشار الملاريا، وغيرها من الأمراض واسعة الانتشار، والبدء في أعمال مقاومتها.
• تحقيق تحسن ملحوظ في أحوال معيشة مائة مليون، على الأقل، من سكان العشوائيات.
• مزيدٌ من التطوير لأسس التجارة الحرة والنظام المالي.
• إتاحة التعليم الأساس على مستوى العالم.
• دمج التنمية المستدامة في سياسات وبرامج الدول.
• اسـتعادة الموارد البيئية.
غير أن هذه الأهداف، التي تركِّزُ على النواحي الاجتماعية، والتي تُغفِـلُ، إلى حد كبير، الالتزام بتوافر كوكب ينعم بالصحة البيئية، يرى بعض المراقبين غير المتفائلين أنه ليس ثمة احتمالٌ لأن تتحقق عند حلول عام 2015م؛ فهي تجد معارضة صريحة من الدول الأغنى، بل إن مسؤولاً عالمياً، هو مارك ماللوش براون، المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة التنموي، علَّق على هذه الحزمة من الأهداف، فور إعلانها، فقال: إن الحلول معلومة، وإن ما نفتقده هو الإرادة السياسية لتنفيذها. إن الدول النامية تعمل على تحسين مستوى المعيشة فيها، ولكن مؤشرات تطور البشر في الدول الأشد فقراً تتقلص على نحو غير مسبوق، وإذا استمر التقدم بالسرعة الراهنة، فإن جنوبي الصحراء بإفريقيا لن تدركه أهداف الأمم المتحدة التنموية إلاَّ في عام 2147م .
6 – قمـة الأرض في جوهانسبرغ
في اجتماعها بمفتتح الألفية الجديدة، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة إلى ثالث مؤتمر قمة للأرض في عام 2002م؛ واختارت له أن يعقد في جوهانسبرغ، وأن يحمل عنوان قمة العالم للتنمية المسـتدامة . وقد صرح كلاوس تويبفر، المدير العام السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، قائلاً: عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد مؤتمر قمة عالمي للتنمية المستدامة، لم يكن خافياً على أحد أن ما أُحرِزَ من تقدم في تنفيذ التنمية المستدامة، منذ قمة الأرض 1992م، أصبح أمراً مخيباً للرجاء إلى حد كبير. فقد كان الفقر يضرب في الأعماق، والتدهور البيئي يستشري، وجاءت الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقول: إن العالم لم يعد بحاجة إلى جدل فلسفي أو سياسي جديد، وإنما إلى قمة للأفعـال والنتائج .
لقد كانت الدعوة إلى قمة جوهانسبرغ 2002م لاستعراض مردودات قمة ريو السابقة عليها، والتعجيل بالنواحي العملية، إذا كانت ثمة فرصة لذلك. ولكن، وبعد أسبوعين من التفاوض والتباحث، ظهر للعيان أن كثيراً من حكومات دول العالم لم يكن لديها الاستعداد للاشتراك في ترتيبات جديدة ذات قيمة، ولا لتقديم المطلوب من الالتزامات المالية.
وكان إنجاز هذه القمة محدوداً، وتمثَّـل في عملية تنقية إضافية لأهداف الأمم المتحدة للألفية الجديدة. وكان أهم مردود للمؤتمر هو منهاج جوهانسبرغ التنفيذي ، الذي تضمن أهدافاً غير ملزمة، منهـا:
• خفض نسبة البشر الذين لا يجدون السبيل إلى المياه النقية والخدمات الصحية اللائقة، إلى النصف، بحلول عام 2015م.
• استرداد عافية المسامك المستنزفة، بحلول عام 2015م.
• التقليل من الخسارة في التنوع الأحيائي، بحلول عام 2010م.
• اســتخدام وإنتاج كيماويات بطرق لا تؤذي صحة البشر، ولا تضـر البيئة، في العام 2020م.
وأثناء انعقاد المؤتمر، تردد في الأخبار أن أنهاراً وأفاريز جليدية في كوكبنا آخذة في الذوبان على نحو أسرع مما سبق، فماذا كان موقف الإدارة الأمريكية؟.. لقد أفسدت مشروعاً قدمته الدول الأوروبية، يتضمن أهدافاً تنظِّم إحلال الطاقة المتجددة في كل أنحاء العالم، على المدى الطويل. ونتيجة للموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بعض الدول الأخرى، فقد فشل المؤتمر في اتخاذ أي قرار بشأن التغيرات المناخية، وغاية ما توصل إليه هو اتفاق على زيادة استخدامات الطاقـة المتجددة في حالات الضرورة !.
7 – لجنة الأمم المتحدة للتنميـة المســتدامة
ترتب على المؤتمرات الكبيرة التي نظمتها الأمم المتحدة في السنوات الحالية أن نشأت لجان جديدة تابعة لهذه المنظمة، منها لجنة الانضباطية الكونية، ولجنة صون عموم العالم، ولجنة التغيرات المناخية، ولجنة تخفيف حدة الفقر. أما لجنة التنمية المستدامة، فتعدُّ أكثرها أهميةً، ويشار إليها اختصاراً بالحروف (CSD)؛ قد عقدت اجتماعها الثالث عشر بمقر الأمم المتحدة بنيويورك في أبريل 2005م، وتتحصَّل من برامج الأمم المتحدة ومؤسساتها ذات الصلة على تقارير تتناول شؤون البيئة والتنمية والتقنية والماليات، وأول ما يهمها تحقيق التكامل بين أهداف البيئة والتنمية من خلال الأمم المتحدة كنظام.
وتقوم لجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بوظائفها من خلال دورات تنفيذية، مدة كـلٍّ منها سـنتان، تختص كل دورة منها بحزمة من القضايا. وفي السنة الأولى من كل دورة، يتم التركيز على متابعة وتقدير ما تحقق من تقدم في تنفيذ ما اتفق على الالتزام به من برامج التنمية المستدامة في الأجندة 21 ، وفي منهاج جوهانسبرغ التنفيذي ، وفي جلسات اللجنة نفسها وثيقة الصلة بهذا الشـأن. وتولي اللجنة عناية خاصة بتحديد ملامح الصعوبات والمعوقات. وفي السنة الثانية من كل دورة تنفيذية، تصدر لجنة التنمية المستدامة قراراتها بالإجراءات التي تراها واجبة للتعجيل بالأعمال التنفيذية. وعلى سبيل المثال، فقداستهدف اجتماع اللجنة للعام 2005م التعرض لعدد من القضايا، مثــل:
• اجتثاث الفقر.
• أنظمة الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة.
• حماية أساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتمثل في الموارد الطبيعية.
• التنمية المستدامة في عصر العولمة.
• الصحة والتنمية المستدامة.
• تنمية مستدامة لقارة إفريقيا، ولغيرها من الأقاليم.
• الأطُـر المؤسساتية للتنمية المستدامة.
8 – مرفق البيئة العالمي
تأسس مرفق البيئة العالمي في العام 1991م، ويضم في عضويته 176 دولةً، ويموِّلُ المشروعات والبرامج التي تختصُّ بحمايــة البيئة؛ ويغطي نشاطه العالم النامي، وشرق أوروبا، وروسيا الفيدرالية، أي ما يزيد على 140 دولةً. ويقدم المرفق منحاً لدعـم المشروعات التي تركِّز على قضايا التنوع الأحيائي، والتغيرات المناخية، والمياه الدولية، وتجريف الأرض، وغلالة الأوزون، والملوِّثات العضوية التي يطول دوامها بالبيئة؛ كما يولي المرفق اهتماماً خاصاً بدعم برامج الطاقة المتجددة؛ ويشـترك في تنفيذ أعماله، وإدارة مشروعاته على أرض الواقع، كـلٌ من: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة البيئي، والبنك الدولي.
ويحصل مرفق البيئة العالمي على أموال التمويل من الدول المانحة، وقد بلغ إجمالي الإمداد المالي للمرفـق، منذ عام 1991م، أربعة بلايين ونصف البليون دولار أمريكي، كما جمع 14.5 بليون دولار أمريكي كمشاركة مالية من شركاء آخرين. وفي العام 2002م، وعدت 32 من الدول المانحة بتقديم ثلاثة بلايين دولار لتمويل أعمال المرفق في المدة من 2002 إلى 2006م.
وتلك مبادرة لها قيمتها، وهي جديرة بالاحترام. وبالطبع، فإن ثمة مبادرات ومشاركات أخرى، في جميع أنحاء العالم، تهتم بجعل التنمية المستدامة حقيقة واقعة.
اقرأ للبيئة
الوضيحي
هي مجلة البيئة والحياة الفطرية العربية التي تصدر عن الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية بالمملكة العربية السعودية، ويرأس تحريرها الأستاذ الدكتور عبدالعزيز أبو زنادة. مجلة الوضيحي تصدر كل ثلاثة أشهر، وتتناول موضوعات متنوعة تختص بالبيئة العربية في جميع مجالاتها. كما أنها تهتم بالقضايا البيئية المتعلقة بالحياة الفطرية ومحاولة إيجاد حلول مناسبة لها عن طريق اللقاءات وعقد الندوات والمؤتمرات المحلية التي تقام في الدول العربية كافة. ومن أبواب المجلة: زائد ناقص، والعالم بيئة، والفرسان الخضر، وفي حب الطبيعة، وعن كثب.
وتتناول الوضيحي في عددها 36 شتاء 2006م عدداً من الموضوعات، بدءاً من قضية العدد الحيوان في الشاشة..يسلي الكبار ويرعب الصغار . بالإضافة إلى مواضيع أخرى كبزقات البحر الأحمر, الأسد العربي, محمية إشكل التونسية, وأسماك البحر.
مجلة البيئة والتنمية
تصدر مجلة البيئة والتنمية الشهرية عن شركة المنشورات التقنية المحدودة التي يرأس تحريرها الأستاذ نجيب صعب, وهي أول مجلة باللغة العربية تختص بالقضايا والأخبار البيئية. هدفها تغيير نظرة المجتمعات للبيئة في الشرق الأوسط. وتنفرد بالمقابلات الحصرية مع الرؤساء والخبراء المعنيين بشؤون البيئة.
وفي عدد ديسمبر 2006م مقال عن المشكلات البيئية في مصر، في ضوء استطلاع للرأي أجرته المجلة وجريدة الأهرام المصرية. وفي مقابلة مع الأمير بندر ابن سعود، الأمين العام الجديد للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها عرض لخطط الانتقال من مفهوم حماية الطبيعة إلى برامج عملية لإنمائها وتطويرها.
ومن العاصمة الكينية نيروبي واكبت راغدة حداد فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ الذي حضره مندوبو 189 بلداً. ويتضمن قسم كتاب الطبيعة تحقيقين مصورين، الأول عن بحيرة بايكال الروسية أقدم وأعمق بحيرات العالم التي يهددها مد خط لأنابيب النفط، والثاني عن البحر الأحمر حيث المنغروف والحشائش والشعاب المرجانية الزاخرة بمئات الأنواع من الأسماك والأحياء البحرية جعلته مقصداً أول لهواة الغوص في العالم.
ومن المواضيع الأخرى: في الخليج معضلة بيئية، طاقة الرياح في الصين تتحدى التلوث، شركات الخليوي تتحرك بيئياً، فضلاً عن الأبواب الثابتة: رسائل، البيئة في شهر، سوق البيئة، المكتبة الخضراء، المفكرة البيئية. ومع العدد ملحق البيئيون الصغار للطلاب والنشاطات المدرسية، وتقرير عن مشروعات ونشاطات برنامج الأمم المتحدة للبيئة في المنطقة العربية.
وكتب نجيب صعب افتتاحية بعنوان ليس البشر أرقاماً وإحصاءات حول استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد في العراق والبلقان وأفغانستان، وربما لبنان، محذراً من عواقب تجاهل استخدامها أو إنكار خطورتها.