ملف العدد

الدمية
لهـو وأكثر

  • 259250626_3a7ec9dff5_o
  • collage2barbie
  • picasso-doll
  • Stephanie
  • Zuber_Buhler_Fritz_Young_Girl_Holding_A_Doll
  • 10154486_11

أينما وقعت العين على دمية، ارتسمت في الذهن صورة طفلة. فالعلاقة بين الاثنتين تمثل واحدة من أقوى صور الصداقة صدقاً واكتمالاً. ولكن تحت هذه الصورة البريئة والبسيطة هناك عالم تتقاطع فيه الثقافات باختلافاتها وتناقضاتها مع الفن والأدب وعلم النفس والتربية وصولاً إلى الصناعة والتجارة بكل مساعيهما إلى جني أقصى ما يمكن من عائدات هذه الصداقة ما بين الطفلة ودميتها. في هذا الملف، تأخذنا نادين صبري إلى عالم الدمية الذي تترامى أطرافه بعيداً جداً عن غرف الأطفال من التاريخ إلى الثقافة، أما جعفر حمزة فيتناول بشيء من التفصيل حرب الدمى التي أشعلتها التجارة وأججها التصادم الثقافي الحديث.

الدمى بدايات لا تنتهي

لم تصل إلينا أية دمية من تلك الدمى التي رافقت الأطفال قبل سنة 3000 ق.م، ولكن كثيراً من علماء الآثار لا يرون هذا دليلاً على أن طفلة ذلك الزمن البعيد لم ترافق عروستها في السراء والضراء. بل فسَّروا عدم وصولها إلى أيدينا بأن تلك الدمى كانت مصنوعة من مواد رقيقة كالفراء والقماش ولم تستطع أن تقاوم الزمن فتحللت واختفت. أما أقدم الدمى بين أيدينا فيعود تاريخها إلى ما بين 3000 و 2000 سنة قبل الميلاد، وتم العثور عليها في قبور المصريين القدامى. نحتت هذه العرائس من ألواح خشبية مسطحة، وطليت بألوانٍ مختلفة، مع شعر طويل متطاير نظم من خرز خشبي أو حبال من الصلصال. وفي اليونان القديمة، كما في مصر الفرعونية وروما القديمة، كانت الدمى تدفن مع أصحابها الصغار في القبور.. وكانت هذه الدمى المغرقة في القدم، مصنوعة من القماش أو محشوة به، محاكة بألوان زاهية من الصوف، ويرتدي بعضها الفساتين الصوفية التي اختيرت ألوانها بعناية.

في عام 1413م، ظهر صنَّاع اللِّعب في مدينة نورمبرغ الألمانية، وهي المدينة التي سيطرت على صناعة العرائس لقرنين متتالين. وكانت مدينة باريس أيضاً مُصنِّعاً آخر للألعاب المنتَجة بأعداد كبيرة. دمىً أنيقة ومصنوعة بعناية لتناسب السيدات الصغيرات وتستجيب لشغفهن بالموضة والجمال. أما بيوت الدمى، فلم تنتشر في أوروبا سوى في القرن السادس عشر.

كانت رؤوس الدمى تصنع من الخشب والمرمر ثم صارت تصنع من الشمع، وهذه التقنية ظهرت في بريطانيا أولاً على يد أوجستا مونتاناري وابنها ريتشارد في النصف الأخير من القرن التاسع عشر. وعلى يد مونتاناري انتشرت صناعة الدمى التي تمثل أطفالاً رضّع.

وفي حوالي العام 1820م، ظهرت رؤوس الدمى المصنوعة من البورسلين والسيراميك. بينما قدمت عائلة Jumeau الفرنسية دميةً جديدة بعنق متحرك وجسد محشو بنشارة الخشب. هذه الطريقة استخدمت على نطاق واسع آنذاك حتى تراجعت لصالح الدمى المصنوعة من البلاستيك في القرن العشرين. وفي القرن التاسع عشر، ظهرت لأول مرة العرائس بأعين متحركة، ومفاصل مجوفة، بالإضافة إلى قدرتها على إصدار الأصوات والمشي. وكانت الفترة بين 1860 وحتى 1890م العصر الذهبي للعرائس ذات الأناقة الباريسية بتفاصيلها المهمة الدقيقة.

أما أقدم العرائس الأمريكية، فقد وجدت في حفريات قبور حضارة الأنكا، قرب أهرامات تيوتيهيواكان، ولاحقاً كانت الدمى التي ظهرت أثناء استعمار بريطانيا لأمريكا، مجرد تقليد سطحي لتلك العرائس المنتشرة في أوروبا!

وفي اليابان، كانت الدمى ولا تزال رمزاً حضارياً للبلاد، أكثر مما هي لعبة للصغيرات. مهرجان الفتيات الذي يعقد في شهر مارس من كل سنة، هو نموذج حي على ذلك. في هذا المهرجان، تقدَّم الدمى التي تمثل إمبراطور وإمبراطورة اليابان، والحاشية الملكية، وتتبادل الفتيات من سن السابعة وحتى السابعة عشرة الزيارات لمشاهدة مجموعات الدمى المختلفة، وتُقدم المشروبات المنعشة أولاً إلى دمى العائلة المالكة، ثم إلى الضيوف، في طقس يعود تاريخه إلى أكثر من تسعمائة سنة. الغريب أن الفتية أيضاً في اليابان لهم مهرجان الدمى الخاص بهم، ويحضره الأطفال في شهر مايو من سنتهم الأولى وحتى سن الخامسة عشرة. دمى للمحاربين وأسلحتهم، بالإضافة إلى مجموعات من الشخصيات الأسطورية تشجع الصبية في هذا المهرجان على الفضيلة والشجاعة.

وفي الهند، تقدم الدمى المهندمة بعناية إلى العروس الصغيرة، وفي جنوب إفريقيا، تعطى الفتاة الراشدة دمية لتحفظها حتى ولادة مولودها الأول، لتهديها إليه، وتتكرر الهدية مع مولودها الثاني وهكذا.

وفي القرن العشرين، ظهرت مجموعة من الدمى التي حازت شعبية كبيرة وقت ظهور كل واحدة منها، وسحبت بعضها البساط من تحت قدمي ما قبلها، فظهر الدب تيدي في عام 1903م، ثم ظهرت الدمية باي لو التي كانت أول دمية تغمض عينيها أثناء نومها في عام 1922م. وفي عام 1959م ظهرت باربي لتسيطر على قلوب صغيرات أمريكا، ومن ثم بقية دول العالم حتى يومنا هذا، وإن حاولت دمى مجموعة الفتيات الأمريكيات ، والتي ظهرت في أواخر الثمانينيات أن تكتسب بعضاً من شعبيتها.

الدمية
دائمة الحضور

الدمى في صناعة الألعاب رمز كلاسيكي. أساس، تنطلق منه الصناعة وتكبر، فإن لم تكن الدمى أهم رموز صناعة الألعاب، فماذا يتبقى؟

ما الذي يحمي الدمى في عالم من الألعاب الإلكترونية، حيث نسبة %70 من الألعاب تعيش على البطاريات والرقائق الإلكترونية بدلاً من أن تعيش على حب الطفل وعنايته؟ وكيف تحتفظ الدمية بمكانها في دنيا أفقدت علاقة الطفل بلعبته خصوصيتها، في ظل أمواج من الألعاب الجديدة المغرية كل يوم؟

الجواب هو أن الدمية عاشت مشواراً طويلاً لا يزال مستمراً وبعيداً عن الوصول إلى الكمال. إذ إنها في النهاية تقليد رديء، مهما كان متقناً، لعظمة خلق الإنسان، ولذلك يحاول صانعو الألعاب، بشتى الوسائل تكنولوجية كانت أم أيديولوجية، الوصول إلى كمال ناقص. دمية تتحدث. دمية تنام. دمية تتحرك. دمية لا تكف عن إبهارنا. وبهذا، يجدُّ جديد في صناعة الدمى كل يوم، ويكون هناك إغراء جديد للاستمرار في المحاولة، والاستمرار في الشراء، والاقتناء.

إن كل الإضافات التكنولوجية المبتكرة التي أضيفت أو قد تضاف إلى الدمى، هي إغراءات قد تثير رغبة الطفلة في شراء تلك الدمية أو اختيارها من على رفوف البيع، ولكنها لا تحدِّد أطر أو نوعية الصداقة والارتباط الذي قد يكون بينها وبين هذه الدمية الجديدة، فمنذ متى كان اختيارنا لأصدقائنا الحقيقيين قائماً على ما يملكونه من مهارات أو مواصفات جسمانية؟ ولذلك نجد أن من الطبيعي أن تنشغل طفلة ما بلعبتها الجديدة لأيام، ثم تعود إلى لعبتها القديمة، تلبسها ثيابها، وتمشط لها شعرها، ثم تصحبها معها إلى حفلة شاي.. ولا تخلد إلى النوم، إلا بعد أن تطمئن أن صديقتها الصغيرة نائمة بأمان في سريرها، أو بجانبها.

ارتباطها بالأنثى الصغيرة لا يُزاحم

جرت محاولات لجر الصبيان إلى الاهتمام بالدمى من الألعاب، وحققت هذه المحاولات نجاحاً إلى حدٍ ما عبر تقديم رموز القوة . وهو الاسم الذي سميت به دمى الفتيان لنفي أية شبهة بعلاقة ما مع دمى الفتيات الناعمات الرقيقات قريبةً كانت هذه الشبهة أم بعيدة. وبالتالي، كانت الأسباب التي جذبت الصبيان إلى هذه الرموز مختلفة نوعياً عن تلك التي جذبت الفتيات إلى الدمى. وهي أسباب تتعلق بالقوة والسيطرة بدلاً من الاهتمام الأمومي والحنان. ولذلك نجد أن الطفل يقاتل بدميته، والطفلة تحب بها. وفي مطلع الثمانينيات، يذكر أصحاب المتاجر الأمريكية حدثاً طريفاً، لم يروه وقتها كذلك.. فشركة ماتيل المصنعة لباربي ورمز القوة للصبيان جي آي جوي ، خلطت الرقائق الإلكترونية للاثنين، فحصل الصبيان على دمى جي آي جوي تقول: لنذهب للتسوق ، بينما حصلت الفتيات على باربي تصرخ قائلة: سأنتقم !

وعلى الرغم من تنوع نماذج الدمى التي قدمت للصبيان، وتراوحت بين الجنود والحيوانات وأبطال رسوم الكرتون، فإن الدمية كانت ولا تزال مرتبطة في الوجدان بصورة الطفلة، هذه الأنثى الصغيرة التي ستصبح يوماً ما أماً، وترى في دميتها تمريناً على دورها المستقبلي، واستحضاراً له، في جملة الوظائف التي تؤديها هذه الدمية.

فهذه الوظائف التي نجمعها تحت عنوان اللهو، تختلف وتتنوع من حين إلى آخر حسب احتياجات صاحبة الدمية. فهي تشمل ملء وقت الفراغ عندما لا يكون للطفلة ما تفعله فتنصرف إلى الاعتناء بهندام دميتها مثلاً، و الاستماع إلى شكوى صاحبتها من ظلم تعرضت له، ومؤانستها قبل النوم، وتبديد الشعور بالوحدة.. والأهم من ذلك كله على الأرجح، هو السماح للطفلة التي تحلم بأن تكبر وبأن تصبح مثل أمها، بأن تتصرف وكأنها فعلاً كذلك.. وما من شيء في منزل أية طفلة يمكنه أن يؤدي مثل هذه الوظائف غير الدمية.. الدمية التي تعلقت بها القلوب الصغيرة أبداً ودائماً.

ودمى للكبار أيضاً

إذا نجت الدمية من عبث الأصابع الصغيرة وهي تكبر، فتتحول لاحقاً عند صاحبتها إلى حافظ طفولتها وصورة للأيام السعيدة. كما نجد في منازل البعض دمى لم تصاحب أصحابها في طفولتهم، بل اقتنوها وهم كبار. قد تكون هذه الدمى مشتراة خلال الأسفار والرحلات للاحتفاظ بها كتذكارات. وقد تكون مجرد صورة عن ثقافة مختلفة تعرف إليها المرء لبعض الوقت، وأراد الإبقاء على صلة وصل معها بعد رحيله عنها.

وبسبب الإتقان الذي تُصْنَعُ به بعض الدمى المرتدية للملابس الوطنية (وغالباً ما يكون الثوب هو موضع الإتقان) ظهرت عند سيدات عديدات هواية جمع الدمى من بلدان مختلفة. ولا شرط لضم دمية إلى المجموعة غير ارتدائها الثوب الوطني لهذا البلد أو ذاك.

وأيضاً، وبسبب الدور الذي لعبته الدمى في الثقافات المختلفة، وتنوع أنماط إنتاجها وسهولة التعرف على كل منها، ظهرت هواية جمع الدمى القديمة التي شغف بها جامعو التحف والأثريات من الرجال والنساء على حدٍ سواء. وصار لهذه الفئة من الدمى معارضها الخاصة ومزادات علنية موسمية تنظِّمها أشهر دور المزاد العلني في العالم مثل كريستي وسوثبي.

الدمية ثقافياً
إنسان مسلوب الإرادة

في عالم الثقافة، نادراً ما نجد الدمية تمثل الحلاوة والبراءة والعواطف التي تمثلها في عالم الطفولة. ومن اللافت أن أدباء وفنانين من أزمنة وحضارات مختلفة استعانوا بالدمية في تشبيه صورة الإنسان المسلوب الإرادة، الذي لا يفكر، لا يشعر، ولا يقرر أي شيء، خاصة المرأة التي تجرد من كل قيمتها باستثناء جمالها. فعندما وصف المتنبي الدمية (تناولت القافلة هذا الموضوع في باب ديوان الأمس للعدد 4 المجلد 52) ركَّز على جمالها، وعلى عزيمتها غير الموجودة فقال:
وذاتِ غدائرٍ لا عيبَ فيها
سوى أن ليس تَصْلُحٌ للعناقِ
إذا هجرت فعَنْ غير اختيارٍ
وإن زارت فعن غير اشتياقِ

ومن أشهر قصائد نزار قباني المغناة قصيدة أيظن والتي غنتها المطربة نجاة، وتبدأ الأغنية بالسؤال: أيظن أني لعبةٌ بيديه؟ في إشارة إلى أكثر المفاهيم التي توحي بها الدمية في الأدب، وهي الشخصية المسيَّرة التي لا تتحرك بناءً على إرادتها الخاصة. وفي هذا، تنضم الدمية إلى قائمة من الأشياء (المشبه بها)، والتي حرمت من غناها وتنوع المعاني والمفاهيم التي يمكن اقتباسها منها، نتيجةً لحصرها في تشبيه شاع استخدامه لدرجة أنه لم يعد يحمل أية مفاجأة يقصدها استخدامه في الدرجة الأولى. وعادةً ما تكون هذه الشخصية- الدمية، امرأة جميلة سطحية. وفي قصيدة أخرى لنزار قباني تحمل اسم الدمية ، يقول:
أخاطب عقلك من غير طائل..
أخاطب فكرك من غير طائل..
أخاطب فيك الثقافة..
من غير طائل .

وفي مسرحية بيت الدمية من تأليف الكاتب النرويجي المشهور هنريك إبسن، تكتشف نورا بطلة المسرحية أنها تعيش في بيت دمية، وأنها في الحقيقة، دمية لا يسمح لها زوجها المثقَّف بالتفكير، أو اتخاذ القرارات.. ورغم أن المسرحية تعتبر اليوم من كلاسيكيات المسرح العالمي، إلا أنها قوبلت وقتها بالاستنكار، باعتبارها عملاً يستهين بمكانة المرأة، ويهدد الاستقرار الأسري. أما الكاتب البولندي بوليسلاف بروس فقد كتب رواية في العام 1890م بعنوان الدمية أيضاً، في إشارة إلى حادثة جانبية من أحداث الرواية، تسرق فيها دمية. ولكن القارئ يستطيع أن يرى في حوادث الرواية إشارة إلى شخصية الجميلة إيزابيلا التي تعرضت أسرتها الأرستقراطية للإفلاس، ولم تستطع أن ترى في كولسكي (بطل الرواية) عدا كونه تاجراً اغتنى بعد فقر ولذا لا يستحق عاطفتها. ويعود إبراهيم الكوني، الكاتب الليبي، لاستخدام الدمية في عنوان رواية قصيرة له، تحكي عن البطل النبيل الذي يحمل أفكاراً مثالية ولكنها تتحطم على أرض الواقع، ومثاليته تسلبه قدرته على مجاراة الآخرين في اللعب على مسرح الحياة. أما في رواية جاكلين سوزان وادي من الدمى المنشورة في العام 1966م، والتي حولت لفيلم سينمائي في العام الذي يليه ،استخدمت كلمة الدمى كمفردة بديلة للمخدرات التي تستخدمها بطلات الرواية الثلاث للهروب من الواقع.

غير أن السينما، وبسبب قدرتها الفائقة على تلوين نفسها بألوانٍ مختلفة. قدَّمت صوراً مختلفة للدمية، لعل أكثرها جنوحاً وتطرفاً في ابتعاده عن الصورة التقليدية والطفولية للدمية هو ما تمثله سلسلة أفلام الدمية القاتلة تشاكي . وتشاكي هذا هو سفَّاح قُتل على أيدي رجال الشرطة فعاد كدمية لينتقم من الشرطي الذي قتله. وسلسلة الأفلام الخمسة هذه تحوي كماً هائلاً من الوحشية والدماء يختلف تأثيرها على نفس المشاهد عن بقية أفلام الرعب كونها آتية من لعبة، يفترض أن تكون رمزاً لطفولة بريئة وآمنة وربما حتى غافلة.

وهذه الرمزية المطعونة سينمائياً نجدها مبعثرة في عدد لا يحصى من الأفلام حيث نرى الدمية في وظائف استنبطها لها الكبار من غير الأبرياء على الإطلاق: تهريب المخدرات داخل الدمى، تخبئة المسروقات داخل الدمى، وصولاً إلى تفخيخ الدمى بالمتفجرات.

حرب الدمى تشعلها
التجارة وتؤججها الثقافة

تعد تجارة الدمى أحد أنشط أنواع التجارة وأشهرها وأشدها خطورة في الوقت نفسه، لقدرتها على حمل قيم ثقافية وترسيخها عبر الممارسة والتفاعل مع الدمية في مجتمع معين. وكلما ازدادت نسبة التفاعل ازداد تعلق الأطفال بها، وبالتالي يزداد سعرها. وهذا ما يبرِّر المبالغ الطائلة التي تنفقها شركات تصنيع الدمى في العالم، من أجل ضمان وضع قدم ثابتة في سوق محمومة لا تستقر على حال. ولعل أفضل منطلق لاستكشاف هذا الجانب الجدي للغاية في عالم اللعبة، هو في استطلاع الدمية الأكثر رواجاً في التاريخ، صناعة وتسويقاً وأسئلة وتحديات لا تزال حية أمامنا اليوم.

باربي
و47 عاماً من السيطرة

تُباع منها 3 دمى كل ثانية على مستوى العالم، ودمية واحدة تُباع كل 6 ثوانٍ في فرنسا، كما أن معدل ما تملكه كل فتاة أمريكية هو حوالي 10 عرائس من هذا النوع . هذا ما تقوله الإحصاءات الصادرة عام 2000م، عندما وصلت تجارة باربي إلى ذروتها.

وتتضح من هذه الأرقام مدى ضخامة تجارة الدمى في العالم الذي أصبح منكمشاً زماناً ومكاناً، ليحوي الكثير من الرسائل الصورية التي تحملها الدمى . وبطبيعة الحال، فإن الصراع من أجل الظهور وتثبيت الأقدام في السوق مرحلة ليست بأسهل من مواصلة ذلك الظهور لضمان حب الأطفال مما يدفعهم لشرائها، وتمثل باربي نمطاً معولماً، تقدمه دمية شقراء في كثير من الأحيان مع قوام ممشوق وملامح جميلة، بالإضافة إلى متعلقات لا تنتهي بالدمية، وذلك لضمان التجدد و العلاقة القائمة بين الطفل والدمية ضمن حركة تفاعلية تمتلك من أدوات التغيير ما يُبعد الملل عن تلك العلاقة.

عندما طرحت شركة ماتيل الدمية باربي في 9 مارس من عام 1959م في الأسواق الأمريكية، كانت الخطة التسويقية المتبعة آنذاك تقوم على العلاقة المتبادلة ذات التغذية الراجعة، والمتمثلة في التسويق التلفزيوني أولاً، وفي بيع المنتجات وربطها بذلك التسويق ثانياً. وبعبارة أخرى، فإن الخطة كانت تعني الدمية تبيع متعلقاتها من ثياب وغيرها وتلك المتعلقات تبيع الدمية ، وبهذه العلاقة التي لا تنفك في ذهنية الطفل المستهلك وبالاعتماد على محترفين في عملية صنع التصاميم الخاصة بالدمية، وصلت باربي إلى نجاح باهر تخبرنا عنه أرقام المبيعات الهائلة التي حققتها.

وتمتد عملية العلاقة الوثيقة بين الدمية والمستهلك لتكوِّن هَوَساً ليس لدى صغار المستهلكين فحسب الأطفال بل بين الكبار أيضاً. فقد قدَّرت شركة ماتيل أن المهتمين بجمع هذه الدمى من الكبار يتجاوزون 100 ألف شخص، و%90 منهم من النساء بعمر متوسط يصل إلى 40 سنة، ويشترون ما يقارب 20 دمية في العام. و%45 منهم ينفقون ما يزيد على 1000 دولار في السنة على هذه الهواية.

وتشكّل مثل هذه الحالة الشرائية معادلة النجاح للشركة المنتجة، والتي مدت أذرعها إلى حقول مختلفة لتصبح الدمية باربي مثل مشروب كوكاكولا ووجبة ماكدونالدز انتشاراً وشهرة!

اهتمت الشركة بالتلفزيون كاهتمامها بملابس باربي التي عهدت بها إلى مصمِّمين بارعين. ولا نبالغ إن قلنا إن نجاح هذه الدمية المنقطع النظير يعود إلى نجاح خطة التفاعل الثنائي بين الدمية والتلفزيون، أو بين الصورة المنظورة: التلفزيون والصورة الملموسة: الدمية ، حتى أصبحت هذه الخطة استراتيجية ثابتة من قبل شركات تصنيع الدمى في العالم.

وقد سلكت شركة ماتيل سبيلاً متدرجاً اعتمدت فيه على الصورة المنتشرة التي تصل إلى الطفل في المكتبة، المدرسة، المحل التجاري، السينما،…إلخ من قنوات الربط اليومية التي تُشبعه بطريقة تدفعه لطلب المزيد، وذلك عبر الرسائل المبرمجة والطرق المبتكرة المحببة للطفل في التفاعل معها.

ففي الستينيات ظهرت للمرة الأولى كتب عن باربي، وفي منتصف الثمانينيات ظهرت الروايات المصورة والمغامرات عن الدمية، وأما في نهاية الثمانينيات فقد أُنتج فيلما فيديو لمغامراتها، وفي أواخر التسعينيات تحركت الشركة تجاه ألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد في الحواسيب الشخصية. وفي السنوات الأخيرة انتقلت الشركة لتكوين ثيمة صورية خاصة بالدمية وذلك من خلال إنتاج أفلام الدمية باربي ثلاثية الأبعاد بالتعاون مع شركتي بيكار و ديزني .

هذه المسيرة الصورية -إن صح التعبير- والتي اتخذتها الشركة المنتجة للدمية باربي تعكس عملية بناء المراحل بين المنتج الدمية والمستهلك الطفل ، وذلك من خلال تسخير وسائل الصورة المتاحة والمحيطة بالمستهلك لتجعله على علاقة محببة ودائمة مع المنتج. واعتبرها الكاتب كيفن روبرتس، المدير التنفيذي لشركة ساتشي آند ساتشي للدعاية والإعلان، بأنها من ضمن الأسماء التجارية القليلة التي حظيت بعلاقة حب وود بينها وبين المستهلكين الصغار رغم مرور ما يقارب نصف القرن على ولادتها في الستينيات.

بيع في البعدين
الثاني والثالث

واجهت شركة والت ديزني انحساراً في مبيعات منتجاتها، خصوصاً بما يتعلق بشخصياتها الكرتونية مثل ميكي ماوس و دونالد داك و بلوتو . إلا أن تجربة دمية الكاوبوي الأمريكية تشكِّل مثالاً على استعادة العافية لتجارة الدمى من خلال الصورة المتلفزة عبر السينما والتلفزيون. فبعد تراجع كبير ومنافسة محمومة من قبل الدمى الحديثة في السوق، لجأت والت ديزني إلى البُعد الثالث لتنشيط حركة السوق من تحت أقدام الدمية التقليدية راعي البقر ، وقامت بخطوتها العملية بإنتاج الفيلم الكرتوني قصة لعبة والذي كان بطله -كما توقَّع المحللون والمتابعون- دمية راعي بقر رمز ثقافة السيطرة التقليدية مع دمية فضائية رمز ثقافة السيطرة الحديثة ، وذلك من أجل الظفر بقلب طفل عاشق للدمى. وتتصاعد الأحداث في وقع درامي فكاهي يأخذ بالأبصار، ليضع الطفل في الأخير الدمية وودي راعي البقر، بجوار الدمية باز السنة الضوئية الدمية الفضائية في رسالة مفادها أن كلاهما يُكمل الآخر.

وقد حقق الفيلم أرباحاً وصلت إلى 357 مليون دولار حول العالم، في حين كانت تكلفة إنتاجه 30 مليون دولار فقط!

ونتيجة لهذا النجاح الكبير الذي انعكس على مبيعات الدمى للشركة، أقدمت الشركة على إنتاج الجزء الثاني من الفيلم قصة لعبة مع توسعة دائرة الدمى المشاركة في الفيلم، لتوسعة نطاق الاختيار والشراء للمستهلكين.

مواجهة بلاستيكية
على الرفوف

قد تكون باربي متربعة على عرش مبيعات الدمى في العالم. إلا أن المنافسة من قبل الكثير من الشركات الأمريكية وغيرها، تجعل عرش هذه الدمية مهدداً بالإطاحة بطريقة أو بأخرى، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.

لقد أصبح سباق الدمى في العالم محموماً لدرجة الغليان، فبالرغم من التاريخ الذي تملكه الدمية باربي والسمعة التجارية العالمية التي استمرت قرابة نصف قرن إلا أن ذلك لا يشفع لها في مواجهة شركات مختلفة تريد أن تأخذ نصيبها أيضاً من كعكة السوق التي استأثرت بها الدمية الشقراء كل هذه المدة.

يقول إيزاك لا ريان، رئيس مجلس إدارة الشركة المصنعة للدمية براتز المنافسة الأولى لباربي: آن الأوان لإحالة باربي إلى التقاعد حتى (نجم كرة السلة الأميركي) مايكل جوردان تقاعد . ويبدو أن تقاعدها في السوق بانت تباشيره من خلال تراجع مبيعاتها بنسبة %13 في عام 2005م أي بمقدار 417 مليون دولار، فضلاً عن تراجع أولي سُجل في عام 2004 و2003م على التوالي.

وعن السبب في القوة التي تمتلكها براتز وتفتقدها باربي، يقول البعض: براتز دمية عصرية أكثر، وتجذب خصوصاً الصغيرات، وتسمح بأن تكون لهن دمية مختلفة عن دمية شقيقاتهن الأكبر سناً .

والشعار الذي تحمله براتز يقول إنها لـ الفتيات الوحيدات اللاتي يمتلكن عشق الموضة . والجدير بالذكر أن شركة MGA Entertainment الصغيرة ومقرها كاليفورنيا، أطلقت براتز في عام 2001م وهي توظف 550 شخصاً، في حين أن شركة ماتيل توظف 25 ألفاً. ويقول دايف ملاكريدا المسؤول الإعلامي لدى شركة MGA : إن ماركة براتز باتت تساوي ملياري دولار في العالم .

وقامت باربي بمحاولات محمومة للبقاء على عرشها تمثلت أولاً في إطلاق دميتين جديدتين هما مايسين في 2002م و فلافاس في 2003م وتشبهان براتز إلى حد كبير مما حمل MGA على رفع دعوى قضائية في أبريل 2005م. كما أعلنت ماتيل أن باربي ما زالت الدمية المفضلة في صفوف الفتيات في 2005م بحسب دراسة أجرتها مجموعة NPD للأبحاث. إلا أن ماتيل لم تشر إلى أن الدراسة كشفت أن مبيعات براتز أهم بكثير من مبيعات باربي خلال فترات عيد الميلاد. ولاستعادة موقعها في السوق اتخذت ماتيل خطوة جديدة، بإعطاء صورة جديدة لـ Ken خطيب باربي بعد أن توقفت عن تسويقه في 2004م. ويبدو أن هذه الخطوة لم تشهد تفاعلاً من قبل الزبائن الصغار الذين يهرعون لشراء دميتهم المفضلة براتز إلى أجل غير مسمىً!

جميلة ولكن
الدمية والتحدي العنصري

إن الاختلافات ما بين براتز وباربي تبقى في إطار ضيق جداً. والمنافسة بينهما هي تجارية في الدرجة الأولى. ولكن من جهة أخرى، وبموازاة السعي المستمر إلى صناعة دمية أجمل من الدمى الرائجة، برز السؤال: ما هو مقياس جمال الدمية؟ إن باربي شقراء.. فماذا عن الطفلة السوداء أو السمراء؟ هل عليها أن تتطلع إلى باربي كنموذج أعلى للجمال؟

في أمريكا، فرضت المسألة العنصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين نفسها على سوق الدمى، ولا تزال حاضرة حتى اليوم. فقد كانت شركة بيري وروس أول شركة تنتج دمية سوداء سمتها سارا لي . وقُدمت هذه الدمية كمحاولة للقضاء على العنصرية بين الأطفال، وروَّجت لها وقتذاك زوجة الرئيس الأمريكي إليانور روزفلت. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، لم يختلف الأمر كثيراً. فقد أنتجت ماتيل نفسها الدمية السوداء بلاك كريستي عام 1968م. ولكنها كانت أشبه بنموذج للعرض فقط، يجمِّل صورة الشركة، إذ إن الأسر السوداء لم تكن تجد هذه الدمية بسهولة في المتاجر، وذلك بسبب ضعف الاهتمام بتسويقها.

رازان تنتصر للحشمة

كنا أنا وزوجي ننظر بفزع إلى الفتيات الصغيرات في مجتمعاتنا عندما يتلقين دمى باربي كهدايا لهن في المناسبات ، هذا ما تقوله السيدة شيري ساده، وهي مغنية أوبرا أمريكية اعتنقت الإسلام، وتضيف: كنا نفكر بأنها ليست الطريقة الصحيحة لبناتنا . ولذا، قام زوجها عمّار ساده، وهو مغترب فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية ويعيش في ولاية ميشيغان، بابتكار دمية محافظة سماها رازان .

تمثل الدمية رازان، التي أنزلت إلى الأسواق عام 1996م، المزايا والمواصفات التي تتحلى بها الفتاة المسلمة الملتزمة مثل الاحتشام في الملبس والتقوى والتواضع.

وعلى الرغم من أن الكثيرين قد علقوا على ظهور رازان في الصحافة الأمريكية بالقول إنها باربي محجبة لتحاكي متطلبات المجتمعات المسلمة والمحافظة في الدول الغربية وخصوصاً في الولايات المتحدة، إلا أن هذا التشبيه لم يكن صائباً البتة، حيث إن القيم التي تروِّجها رازان سواء من ناحية المظهر أو المعنى مختلفة تماماً عن باربي، وإن تشابهت الملامح وحجم الدميتين.

وتقوم رازان بإيصال رسائل أكثر عمقاً من خلال إنتاج شركة NoorArt للكثير من متعلقات المدرسة، على سبيل المثال: الكراسات، الحقائب المدرسية، الأقلام، وغيرها من المتعلقات المدرسية، وذلك لتشجيع الفتيات على التعليم والذهاب إلى المدرسة بحجابهن، ولديهن الثقة الكبيرة بالتفوق في الدراسة. وهناك واحد من الإصدارات العديدة لرازان وهي تصلي، حيث يحتوي هذا الإصدار على سجادة للصلاة، ومجسم صغير للقرآن الكريم، بالإضافة إلى لباسها الخاص عندما تكون خارج المنزل.

وتعمل شركة NoorArt حالياً على دراسة الدخول في سوق الشرق الأوسط بعدما حققت نجاحاً في الأسواق الغربية، حيث يُباع منها سنوياً من خلال موقعها الإلكتروني ما يزيد على 30 ألف دمية، ويتراوح سعرها ما بين 9.99 دولار للدمية منفردة إلى 24.99 دولار لطقم واحد يشمل الكثير من الإكسسوارات المتعلقة بالدمية.

حفاظاً على الهوية القومية
الدمية في مواجهة العولمة

في العام نفسه الذي ظهرت فيه رازان في أمريكا، أي العام 1996م، طرح المركز التربوي الفكري للأطفال والناشئة في إيران الدميتين دارا و سارا . عندها بدأت المجلات والصحف بتناقل الحديث عنهما وتحليل الهدف الذي من أجله أطلقت هاتان الدميتان.

دارا و سارا هما أخوان توأم عمرهما 8 سنوات، يتميزان بوجه شرقي الملامح، وهناك نماذج متعددة منهما من حيث الوجه ولون العينين واللباس، وذلك وفقاً للمنطقة التي ينتميان إليها. وتشمل الملابس لكليهما كل المناطق الإيرانية والأقوام العربية والإسلامية في كل أنحاء العالم.

ويقول بائع للألعاب يُدعى مهدي هدايت: إن دارا وسارا هما منتجان إستراتيجيان لحماية الهوية القومية ، ويضيف: إنهما الرد على سيطرة باربي ورفيقها كين على السوق الإيرانية . وقد أُنتج من هاتين الدميتين 100 ألف وحدة، (80 ألف سارا و20 ألف دارا) حتى اليوم.

فلة العربية نجاح عربي

ويبدو أن الجواب على الهاجس الذي حمله الكثيرون بخصوص تقديم بدائل عربية محلية تناسب ثقافة المجتمع وتقاليده في مجال الدمى قد أصبح واقعاً، بل ومميزاً أيضاً في الوطن العربي. كان ذلك من خلال دمية شرقية الملامح والطلَّة، مع حجاب يغطي شعرها، وعباءة تنسدل على جسمها الرشيق، واسم يدل على انتمائها لهذه الأرض العربية فلة ، وتتكلم بلغة عربية فصيحة: فلة !.

فقد طرحت شركة New Boy design Studio ومقرها سورية الدمية فلة في الأسواق في نوفمبر عام 2003م، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أكثر الدمى مبيعاً في الشرق الأوسط. ومن شبه المستحيل دخول محل للعب الأطفال في مصر أو الأردن أو قطر من دون ملاحظة منتجات فلة من الحبوب الغذائية أو اللبان أو مشاهدة فتيات يركبن دراجات فلة ، وكلها تحمل العلامة المميزة وهي اللون الزهري الخاص بـ فلة .

يقول فواز عابدين مدير تسويق الدمية فلة في الشركة المنتجة: تطلَّب الموضوع دراسات لمدة أربع سنوات، حتى طورنا شكل الوجه وشكل الجسم وشكل اللباس، وكل ما ستكون عليه فلة ، ومنذ طرحها في الأسواق وحتى الآن، والمبيعات تتزايد يوماً بعد يوم. إذ استطعنا أن نبيع خلال سنتين تقريباً مليوناً ونصف المليون دمية . ويضيف عابدين: في عام 2006م سيكون لـ فلة أخ وأخت هما بدر و نور ونعمل الآن على تطوير فلة المدرِّسة و فلة الطبيبة .

وقد اتخذت الشركة خطوة مميزة عبر تقديمها دمية عربية بكل ما للكلمة من معنى، ولتحيط الفتيات بباقة متنوعة من منتجات مختلفة تعكس القيمة التي تحملها فلة ، فهي دمية سمراء ذات عينين بنيتين، تستيقظ فجر كل صباح لترتب سريرها ثم تتوضأ لتصلي صلاة الفجر، قبل أن تبدأ نهارها بترتيب بيت أسرتها وتسقي الزهور قبل أن تذهب إلى المدرسة الكائنة في حيها القريب.

وعلى عكس باربي الشقراء التي تظهر بعض مفاتن جسدها، فإن فلة محافظة لا تظهر مفاتن صدرها وجسدها حتى عندما تباع بأشكال مختلفة. هناك فلة في اللباس المنزلي لا ترتدي الحجاب، و فلة بثياب الصلاة و فلة بلباس الخروج والتسوق وترتدي الحجاب الأسود، وهناك فلة المتوسطية والسورية واللبنانية. لكنها دائماً محافظة ومؤدبة.

هذه الصورة المقدمة بما تحتويه من قيم إيجابية لم تدفع الأطفال لاقتنائها والتعلّق بها فحسب، بل دفع الآباء أيضاً لتفضيلها على باربي التي تحمل قيماً مُغايرة تماماً عن ثقافة المجتمعات في الوطن العربي.

ما سر فلة؟

فما الذي يعطي فلة هذه القوة في الحضور لتحقيق أرباحٍ متصاعدة في الوطن العربي؟
يعتقد فواز عابدين مدير منتجات فلة في New Boy Design Studio : أن ذلك يرجع إلى أن الشركة فهمت السوق العربية بطريقة لم يستوعبها المنافسون . ويضيف: لا يرجع ذلك إلى تغطية رأس باربي بحجاب، بل يجب أن نبتكر شخصية يمكن للآباء والأبناء الارتباط بها. وحملاتنا الإعلانية مليئة بالرسائل الإيجابية بخصوص شخصية فلة ، فهي أمينة ومحبة وتحترم والدها ووالدتها .

وقد أصبح لـ فلة حالياً صديقتان هما ياسمين و ندى مع لون شعر أفتح، غير أنه لا يوجد حتى الآن رديف لـ كين صديق باربي، إذ إن وجود صديق لـ فلة لا يتفق مع الأخلاق في المجتمعات المحافظة على عاداتها وتقاليدها. وتجهد الشركة ضمن خطة سنوية أن تقدم فلة كمدرِّسة وطبيبة لأننا نريد أن نسهم في تشجيع فتياتنا على الدراسة والعمل يعلِّق عابدين على تلك الخطة.

ويقول محمد صباغ مدير متجر Space Toon في دمشق: إن النجاح الذي حققته الدمية في الأسواق يكمن في أن غالبية الأسر في المنطقة تستطيع التعرف على القيم الإسلامية التي تدعمها فلة .

إلى ذلك، يبدو أن الخطة التسويقية للدمية فلة قد لقيت صدىً ملحوظاً وما زال، فعبر ثنائية التفاعل بين الصورة المُرسلة التلفزيون والصورة الملموسة الدمية حققت فلة نجاحاً باهراً وما زالت، وتمثل قناة Space Toon محطة الإرسال الأولى لقيم فلة و منتجاتها المختلفة والمتعددة من اللبان إلى سرير النوم، ومن الدرَّاجة الهوائية إلى أدوات المدرسة، ويبدو أن ثلاثية (التلفزيون، الدمية، متعلقات الدمية) قد عملت بصورة ممتازة مع التجربة العربية للدمية فلة ، وأعطت مفعولها الكبير بالنسبة لـهذه الدمية، خصوصاً مع وجود قناة تلفزيونية مخصصة للأطفال Space Toon والتي تُبث من خلالها منتجات فلة ورسائلها التلفزيونية عبر الأناشيد الدينية كأنشودة يا طيبة والتي حفظها الكبار قبل الصغار، وأغنية سمراء كأرض بلادي وصديقاتي سمراوات ، دلالة على الاعتزاز بالملامح العربية، فضلاً عن الكثير من الأغاني ذات الدلالات الإيجابية.

فلّة معادلة محلية
لثقافة مستمرة

ومع وجود هذه الباقة المتكاملة -نوعاً ما- من المنتجات والمتعلقات بهذه الدمية العربية أصبحت فلة أيقونة ممتدة من المغرب إلى عُمان، ولتأخذ على عاتقها ملء رفوف المحلات التجارية ومحلات الألعاب كبديل يُزاحم الدمى ذات الثقافات الغريبة على مجتمعاتنا العربية.

فمع وجود الصراع المحموم بين شركات تصنيع الدمى في العالم لكسب القلوب الصغيرة، وذلك من خلال توجهات مختلفة في الطرح والحملات الإعلانية، إلا أن السوق العربية كان لها رأي آخر كما كانت للسوق الإيرانية ولسوق المجتمعات الملتزمة في الدول الغربية، فـ أهل البيت أدرى بما فيه ، ونعتقد بأن الخطة التسويقية التي اتبعتها شركة New Boy في تقديم فلة نجحت على أكثر من صعيد لتتدفق فلة في جميع المنتجات لتكون أيقونة أكثر من مجرد كونها دمية فهي ثقافة و رسالة نرجو أن تستمر على وتيرة الحفاظ على العناوين الكبرى لانطلاقتها كدمية محافظة ملتزمة متفوقة تنشر فكراً محافظاً منفتحاً وعصرياً في الوقت نفسه، وتلك هي قوة ثقافة الصورة المتحركة والملموسة في عالم الطفولة من خلال تجارة الدمى التي أصبحت حرباً ميدانها الأطفال .

فن عربي معاصر وضائع
بدأت نجلاء رأفت حياتها العملية وهي لا تزال طالبة في السنة الإعدادية لكلية الفنون الجميلة، حينما اختارها الفنان عبدالسلام الشريف للعمل في مجلة بناء الوطن التي ظهرت في بداية الستينيات، ثم انتقلت للعمل معه في مجلة الإذاعة والتلفزيون. وأثناء عملها في المجلة، تعرفت على الفنان محمد محمود شعبان بابا شارو ، وبدأت العمل معه على رسم ما يحرره من صفحات للأطفال. ثم انتقلت بعد ذلك لتكون من أولى فنانات العرائس المصريات، والتقت رفيقة عمرها الفنانة بدر حمادة زوجة الفنان المصري بهجت عثمان. واتفقتا على الإبداع، وعلى انحياز كامل لرؤى تعكس هوية التراث العربي. وكانت عرائس نجلاء رأفت، كما يصفها الدكتور هشام السلاموني، بنات رقيقات القسمات، وصبياناً بوجوه مستديرة، وخدوداً ممتلئة مستعدة للقبل. أما عيون الجميع فكانت هي المشكلة الأحلى، فهي مستديرة -في الغالب- تمتلئ بحدقات سوداء كبيرة، فيها ضجيج الحياة والذكاء وخفة الدم. عيون لافتة متلفتة، مستطلعة، أكثر من كونها مطالعة. متجهة إلى الأعلى لتنادي كل ما هو رقيق وجميل وآمن. وللأسف، لم تستثمر موهبة نجلاء رأفت أو زميلتها بدر حمادة، ولم يتبق من فنهما، بعد وفاتهما -رحمهما الله- سوى ذكرى جميلة في قلوب من عرفوا فنهما ودمى غالية في مقتنياتهم، وفيلم تسجيلي قصير عن فن بدر حمادة بعنوان عروستي من تقديم المخرجة اللبنانية نبيهة لطفي.

أغنيات تطمئن الصغار إلى وجود من هم أصغر منهم
لعبتي الصغيرة نامي في السرير
لتيجي العصفورة وتفيقك بكير
أنا الماما حدك نامي بأمان
كل الأولاد القدك ناموا من زمان
نامي بسريرك مثل ملاك صغير
أنا لأشتريلك لعبة حلوة كثير

في غالبية أغاني الأطفال، تحتل النشاطات التي تقوم بها الدمية، بإشراف الصبية، مساحة كبيرة.. ففي الأغنية القديمة التي تربى عليها كثيرون منَّا، تهدهد فتاتنا الصغيرة، دميتها الأصغر منها، وتدعوها للنوم، مع وعد بلعبة جميلة.

عندي دمية صغيرة
أعتني بثيابها.
لها شعر كتاني ناعم
واسمـــــــــهــــــــــــــا روز.
صغيرتي الظريفة روز
كم عمر لعبتك الصغيرة؟
أفترض أنها صغيرة جداً.
لأنها، لا تستطيع البقاء لوحدها.
صغيرتي العزيزة روز.

ولا تختلف أغنية عروستي الصغيرة روز والتي كتبتها إليزا لي فولين للأطفال في عام 1832م عن تلك العربية كثيراً، فهي تحكي عن الدمية الصغيرة روز، بعينين زرقاوين جميلتين، وأنف صغير جداً، وفمٌ ماكر.. وتجلس روز على المقعد الوثير، لتبدو كسيدة أنيقة. ولكن الأهم من كل شيء، أن روز صغيرة جداً، 
ولا تستطيع البقاء وحيدة.. ولذا نجدها دائماً تسعى إلى أن تكون مع صاحبتها.

وفي كل الأغاني التي كتبت عن الدمية، نلاحظ أن هناك تركيزاً على أن الدمية التي يحكى عنها، هي دمية صغيرة.. وكأن فيها طمأنةً من نوع ما للطفلة صاحبة الدمية، حيث إنها أخيراً وجدت من هو أصغر منها، ومن يحتاج للرعاية والحنان والاهتمام، أكثر منها.

دميتي جميلة
اسمها أميرة
وجهها ضحوك
يسعد السريرة
رأسها مدورٌ
وعينها كبيرة.
قربها يسلي
ساعة الظهيرة
إنها بقلبي
دميتي الصغيرة

خيال الظل.. بطولة ولكن زائفة
في كتابه من التراث الشعبي.. دراسة تحليلية للحكاية الشعبية يعرض المؤلف، الدكتور أحمد زياد محبك، تاريخاً مفصلاً لمسرح خيال الظل، وهو المسرح الذي تلعب فيه الدمى دور البطولة، وإن كانت بطولة زائفة.. يغطيها ستار، ولا تتحرك إلا كما يريد لها مخرج المسرحية. وعادةً ما تكون الدمى في خيال الظل مسطحة من الورق المقوى أو الجلد، وتتخذ أشكالاً بشرية مختلفة وبألوان زاهية. وتتألف من عدة قطع ذات مفاصل تتحرك عليها بواسطة عصي، ويضاء وراءها مصباح لتسقط ظلالها على القماش الأبيض الرقيق، فتبدو ظلالها أمام المتفرجين. وبين كل مشهد وآخر، يستمتع الحضور بفقرة غنائية يؤديها ضارب الطبلة، وقد يصحبه نافخ الناي.

ونشأ مسرح خيال الظل في الهند ومنها انتقل إلى الصين واليابان وجزر جاوه، ومن جاوه عرفه العرب وانتقل إلى سائر البلدان العربية في القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي. فبعض مسرحيات خيال الظل يرجع تاريخها إلى عهد الخليفة العباسي المأمون (198 – 227هـ) حيث روي أن ابناً لأحد الطباخين في قصر المأمون قد أنذر الشاعر دعبل الخزاعي بأن يخرجه في الخيال إن هجاه.

وظهر في القرن الثالث عشر الميلادي أكبر رجال خيال الظل العرب، وهو ابن دانيال شمس الدين أبو عبدالله محمد ابن دانيال الخزاعي. ولد ابن دانيال عام 1238م في الموصل، ودرس الطب فيها حتى بلغ التاسعة عشرة، ثم اضطره اجتياح المغول للهجرة إلى القاهرة. وفي مصر، أنشأ لنفسه دكاناً يطبب الناس فيه، وعرف وقتها بالحكيم شمس الدين. في هذه الأثناء، بدأ يعرض على الناس فصوله، فذاع صيته حيث قدَّم نصوصاً عديدة لخيال الظل منها طيف الخيال و عجيب وغريب و المتيم وكان يميل إلى النقد الاجتماعي الساخر والتعبير الفكاهي.

واستمرت عروض خيال الظل في المدن العربية كالقاهرة وحلب إلى بدايات القرن العشرين، وكان شائعاً في هذه الأثناء خاصة في سورية في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حتى إن بعض فصوله كانت تطبع على أسطوانات وتوزع لما تلقاه من رواج بين الجمهور سببه أنها كانت تنتقد أوضاعاً في عهد العثمانيين تشبه الأوضاع التي كانت تمر بها سورية في ظل الانتداب الفرنسي.

وكان جمهور مسرح خيال الظل من عامة الشعب كما كان محترفوه منهم. ولم يعترف الأدب العربي به ولم يحفظ شيئاً من نصوصه لسبب شكلي، وهو اعتماد الكراكوز على اللغة العامية لأنه كان موجهاً للعامة فلم يتح أديب أو شاعر يكتب له نصاً أقرب إلى الفصحى, كما لم يتح له ناقد أو مؤرخ يحفظ له قيمته ويرصد دوره.

وقد بدأ الاهتمام بخيال الظل في أواسط القرن التاسع عشر وكان اهتماماً محصوراً في دائرة المهتمين بالمسرح والتراث الشعبي. فكان من الطبيعي أن ينقرض خيال الظل وتغيب عروضه عن المجتمع العربي ولا سيما بعد انتشار السينما والاهتمام بالمسرح ودخول التلفزيون كل بيت. ولا تزال الشعوب تحتفل بخيال الظل وتعتني به بوصفه جزءاً من تراثها. فمنذ 1975م, يقام مهرجان الفنون التقليدية في مدينة رين بفرنسا, وتشترك فيه فرق من دول كثيرة، ولكن وللأسف لا تشترك أية دولة عربية فيه.

أضف تعليق

التعليقات

emo

الموضوع شديد الثراء ، شكرا جزيلا لمن قاموا عليه