قول آخر

وأضحت الساحة خالية

تختخ ونوسة ولوزة ومحب وعاطف من سلسلة المغامرين الخمسة، التي أصدرتها دار المعارف قديماً. هي أسماء شكَّلت طفولتنا، وأحلامنا، وشقاوتنا، وكان الشغف بأصحابها وحكاياتهم يجعلنا ندخر من مصروفنا اليومي لنشتري آخر الأسبوع ألغازاً جديدة، تجعلنا نعيش عالماً من الخيال القريب إلى الواقع حتى الملامسة.

أحببنا المعادي ببيوتها المحاطة بالحدائق الصغيرة، وكنَّا نسأل على مر السنين كل من قدم من مصر كيف هي المعادي الآن؟

قصص رغم بساطتها شكَّلت في وجداننا ليس فقط حب العدالة، وفضيلة السعي إلى تحقيقها مهما كانت الصعوبات، في قيم متوازنة، تحفظ للوالدين حقهما، وللأخوَّة جمالها، لكنها أيضاً صاغت في ركن قصي من دواخلنا إيماناً بالعروبة وقومية لم تكن لتنتحي أبداً مهما طغت دعوات أخرى.

ولست أنسى يوم رقصت في الشارع فرحاً، وقد حصلت على لغز هو لغز الألغاز تحديداً، هذا الاسم الذي بهرني يومها، كنت أنتظر أن يصل إلى مدينتي، إذ إنه موجود ضمن قائمة الألغاز التي سبق نشرها، وكانت تلك الرقصة وأنا في الصف الثالث الابتدائي فعلاً غريباً في حارتنا المحافظة ، لكنه طبيعي تماماً بالنسبة لطفلة تجاوز عالمها تلك الحارة الصغيرة بقوانينها الصارمة إلى عالم أرحب يحتفي بالطفولة، ويشجعها لتنتزع حقها في الشقاوة انتزاعاً ما دامت تلوِّن حياتها بالفرح دون أن تعكر حياة الآخرين.

لم تأخذ هذه المغامرات البوليسية حقها من الاحتفاء، بل ربما نالها الكثير من النقد إذ صنفت كنسخ مقلدة من الأدب الغربي، لكن ماذا يعنينا هذا الكلام النقدي الجاف نحن الذين عايشنا القرب الحميم من تختخ ورفقائه الذين لم يكونوا غريبين عنا في أصول الثقافة التي تربينا عليها، فلا نفهم كيف يكون هؤلاء الأصدقاء الخمسة ليسوا حقيقيين أو غرباء عنا؟ أطفال الأمس، وجدوا في المغامرين الخمسة وغيرها من السلاسل التي تصدرها دار المعارف ملاذاً ومتنفساً لهم، وأشبعت حاجة في ساحة الكتاب العربي، وهي الحاجة إلى كتب طويلة نسبياً، تعبِّر عن محتوى كل فصل فيها برسمة، وإن كانت الوسيلة الأساسية للتعبير هي الكلمات، ويسميها الناشرون (Chapter Books) للأطفال من سن الثامنة وحتى الثانية عشرة. هذه الكتب، بصفحاتها التي قد تقل أو تتجاوز المئة صفحة بقليل، تجد شعبية كبيرة بين الأطفال الذين لا يهتمون بقراءة روايات الكبار، ويترفعون عن قراءة قصص الصغار!

لكن السؤال هو هل تشبع هذه الألغاز أطفال اليوم كما كانت تشبعنا بالأمس؟ جربت أن أعطي بعضاً منها لصغار من أقربائي، لكنها لم تثر اهتمامهم إلا بقدر بسيط، وفي المكتبة العربية اليوم، أبحث لأطفالنا المحبين للقراءة عن قصص متوسطة الحجم أو حتى طويلة، فلا أجد من استطاع أن يحل بالنسبة لهم مكان المغامرين الخمسة بالنسبة لنا. ورغم كل الاهتمام (النسبي) الذي تلقاه صناعة كتاب الطفل اليوم، لا تزال هذه الزاوية (أو هذه الساحة الاستثمارية إن نظرنا إليها من منطلق الربح والخسارة) بعيدة عن اهتمام الناشرين والكتَّاب. وكما لقي هاري بوتر رغم طول رواياته المفرط نجاحاً هائلاً بين الأطفال في الغرب وأعادهم إلى طريق القراءة، ربما نجد في إحدى هذه السلاسل، إن قوبلت بالاهتمام الكافي والاحترام، ما يعيد إلى أطفالنا ولعهم بالقراءة، وينسج في داخلهم نسيجاً محكماً من القيم المتجددة التي توائم طبيعة عصرهم واهتماماتهم وإيقاع حياتهم المتسارع ليعبر بهم إلى مراهقة متداخلة مع مرحلة الطفولة المتأخرة .

أضف تعليق

التعليقات