عمر المضواحي / صحافي سعودي عندما يخطر الشهر الفضيل في ذهني، أو يذكر، تقفز على الفور في مخيلتي صورة جميلة وملوَّنة لساعة العصر في الأحياء الشعبية، والحركة التي تدب في أحياء جدة القديمة بدءاً من هذا الوقت تحديداً. فمع انتهاء فرض صلاة العصر يخرج الجميع إلى الشوارع للمشي، وأحياناً للتسوق. يتجولون بين الباعة ويتنشقون روائح العطور، والفواكه التي تبدو للصائم شهية ومكتملة النضج، وما لذّ وطاب من الأطعمة الرمضانية كالسمبوسة، وحلوى اللقيمات، وغيرها. تتجلى لي فلسفة الصوم التي تتعلق بتحكم الإنسان بنفسه، واتخاذه للقرار، وإمساكه بزمام الأمور. فهو يشتري ما طاب له ساخناً شهياً. الحياة الاجتماعية أيضاً في رمضان هي قصة أخرى. كنا صغاراً نسكن الحارات الشعبية، ونتبادل الأطباق الرمضانية مع الجيرة. كانت كل عائلة تتذوق على مائدة إفطارها ما تأكله العائلة الأخرى. وكان مسجد الحي عامراً بكل ذلك، حيث كانت الموائد الرمضانية تفرش وتمد، وتُملأ بما لذّ وطاب، وبكل ما تتضمنه مائدة الإفطار في المنزل، لتسد جوع العابر، وابن السبيل، والعمَّال الذين يقصدون المسجد للإفطار. واليوم نقصد الحارات الشعبية في الجنوب بعد أن انتقلنا منها وتوسعنا شمالاً وشرقاً وغرباً لنستعيد أجواء الألفة، ولنستمتع بسرّ الحارة ودفء الأجواء الرمضانية فيها، وإن كان ذلك بحجة التسوق، وتزجية الوقت. الوقت الآخر الذي تتركز فيه الأجواء الرمضانية بالنسبة لي، هو بعد الإمساك وصلاة الفجر. حين يذهب كثيرون وأنا منهم للتنزه على شاطئ البحر قليلاً قبل أن تشرق الشمس تماماً وتنفث حرارتها في الأجواء.
ذاكرة تلفزيونية
حسام السيد / مخرج .. تلفاز 11
عشت رمضانيات طفولتي في ينبع. بدأت الصيام في سن صغيرة لا أتذكرها. وأبرز ما ميَّز شهر رمضان وقتها كان عرض التلفزيون المصري لفوازير ألف ليلة وليلة.. بعضها كان يبدأ برسوم متحركة، أذكر أنها كانت غريبة. وكانت لحظات الإفطار مميزة بحضور أطباق رمضانية خاصة كالسمبوسة وشوربة العدس. الأجواء الروحانية كانت حاضرة أيضاً من خلال ما أذكره عن صلاة التراويح. كان وقتها شتاءً والنسمات الباردة تلفح صفوف المصلين خارج المسجد. وكثيراً ما كانت تتبعها ساعات من السهر حتى منتصف الليل أو الواحدة بعده. كانت تلك حدود السهر وقتها! أذكر أننا كنا نبكر بالخروج إلى الصلاة حتى يتسنى لنا المرور بسوق حي الشفا الشعبي. وكان للاجتماعات والزيارات العائلية نصيب حظيت به لدى زيارتنا المدينة المنورة، حيث اجتمعت العائلة الكبيرة هناك وسط الأقارب وأصدقاء العائلة الصغار.
مهرجان من الروائح الزكية وازدحام المتسوقين
سري شعبان / مدير اتصالات
اللحظة الرمضانية المميزة التي ترتسم في مخيلتي وذاكرتي، ترتبط بازدحام الأسواق والمحال التجارية لحظة الإعلان عن دخول الشهر الفضيل وثبوت رؤية هلاله. كنت ما أزال صغيراً عندما كان والدي يذهب كغيره للتزود بالمؤونة لشهر رمضان. وانطبعت في ذاكرتي وجوه المتسوقين الذين يذهبون جماعاتٍ بصحبة عائلاتهم وأطفالهم إلى المحال الصغيرة: بقال الحي واللحام وبائع الحلوى وغيرهم. وبعد أن كبرت، ظلت الذاكرة تحتفظ بهذا المشهد المختزل، والذي يعني بالنسبة لي حلول شهر الصيام، وإن كانت فكرة التسوق بحد ذاتها اختلفت بعض الشيء. فاليوم، عوضاً عن الذهاب إلى بقَّال الحي، يذهب الناس جماعاتٍ وأفواجاً إلى «الهايبرماركت الكبرى»، التي تكتظ بالمتسوقين. وتبدأ رفوف بضائعها بالاختفاء في ساعات قليلة. وتكاد ترى المنتجات بعينها في كل عربة إذ لا تخلو أيٌ منها من اللبن، وشراب «الفيمتو» ولفائف السمبوسة. وعلى الرغم من هذا، لا يمكنني الخلاص من الحنين إلى طعم التسوق الرمضاني كما عرفته صغيراً. لذا أحرص كما يحرص كثيرون على زيارة المحال الصغيرة التي تبيع الأطعمة الشعبية المعتادة مثل الفول والفلافل، والحمص، والخبز الساخن «التميس»، ولأن لا غنى عن الكنافة للإفطار، أذهب لإحضارها يومياً من المحل نفسه قبل موعد الإفطار بدقائق. أما بعد صلاة «التراويح» فزيارة جدة القديمة ومنطقة البلد أمرٌ واجب لشراء حاجيات العيد والهدايا لأفراد العائلة. رمضان هو شهر روائح الأطعمة الزكية، والمحال التجارية الصغيرة والشعبية، ممزوجة بوجوه آلاف الناس، تختلط مع بعضها ببساطة وتسامح.
أطباق متنقلة
فدوى التلباني / أم – ربة منزل
الحارة والجيران والتقارب الحميم بينهم هو ما يميِّز شهر رمضان. وكانت هذه اللحمة الاجتماعية أقوى وأوثق مما تبدو عليه اليوم. كانت المشاركة أكبر، كنا نتداول فيما بيننا الأطباق والأطعمة الرمضانية بشكل لا يتوقف حتى يصل إلى خامس أو سابع منزل. وكانت الموائد تمتلئ بطعام الجيران أكثر من صنع أهل البيت. وكان تذوق تلك الأصناف المتنوعة يقرِّبنا أكثر. أذكر انتظارنا على الأبواب حتى انطلاق المدفع. فكل طفل أو طفلة من كل بيت يقف عند باب بيته بانتظار سماع صوته ليجري مسرعاً نحو أهله معلناً بذلك حلول موعد الإفطار. ولطعم الاجتماعات العائلية مع الإخوة والزيارات الرمضانية حلاوة مثل أطباق الماسية والحلويات المتبادلة في تلك الزيارات الدافئة. وكان التجهيز للعيد في وقتٍ مبكر جزءاً لا يتجزء من رمضان أيضاً، الأمر الذي كان يقتضي الذهاب لمرات عديدة إلى بعض الأسواق، لشراء فساتين العيد لدى الخياطين، وتزيين الكلونيا وضيافات العيد.
شهر رمضان خارج المملكة
شهد سمان / محامية
بالنسبة لي، شهر رمضان كان ولا يزال شهراً عائلياً بالدرجة الأولى. ويرتبط كثيراً بالجلوس لتناول الحلوى التي تعدّها والدتي بشكل خاص لما بعد الإفطار. فوالدتي معروفة في أوساطنا العائلية بخبرة استثنائية في مجال الطهو وإعداد الحلوى بشكل خاص. وفي شهر رمضان يبدو أنها تتلذَّذ وتستمتع بنجومية خاصة من خلال صنع الحلوى بشكل يومي، وتقديمها لكل أفراد العائلة الكبيرة. اللقيمات، وكعك الجزر هي المفضلة. وثمة ذكرى أخرى ترتبط بشهر رمضان في ذاكرتي هي الازدحام في الأسواق، والبازارات النسائية التي تقام بشكل يومي تقريباً، وقد ازدادت هذه الظاهرة مع مضي الوقت، حيث تجد السيدات فرصة ممتازة للتسوق، وشراء وبيع نوع خاص يرتبط بمظهر السيدة السعودية في رمضان وهو الثوب الرمضاني والعباءات. وإن كان الازدحام المروري كارثياً في ساعات ما بعد صلاة العشاء، وهو الوقت الذي تنشط فيه هذه الأسواق لكننا نحرص على ارتيادها. وأيضاً أشعر أن الشهر الفضيل دخل حين أستمع إلى الموسيقى المميزة للدعايات الرمضانية. فكلها تتخذ من عبارة «رمضان كريم» شعاراً، وتكثف دعايتها والموسيقى المصاحبة لتمنح جواً رمضانياً لا يمكنني الفكاك منه أو فصله عن ذاكرتي. قبل أعوام قليلة قضيت شهر رمضان لأول مرة خارج المملكة، بعيداً عن أطباق الحلوى التي تعدّها أمي والبازارات والأسواق النسائية التي أقصدها والجو العائلي. كان ذلك حين صمت الشهر الفضيل في دبي، وكنت أظن أنني لن أسعد به كثيراً وأنه سيكون مختلفاً بشكل سلبي. لكن المفاجأة أن أجواء الخيم الرمضانية والاحتفاء بالشهر التي كانت في كل مكان وليس فقط داخل المنازل، أشعرتني بالسعادة.