قول في مقال

فيس بوك
نهاية زمن الخصوصية الفردية

تزامن تعريب الموقع الإلكتروني «فيس بوك» قبل أسابيع قليلة، مع إعلان القيمين على الموقع عن إجراء بعض التعديلات على نظامه لجهة تأمين مزيد من الحماية لخصوصيات المشتركين، الأمر الذي يتضمن اعترافاً غير مباشر بأن هذه الخصوصيات هي في الواقع مهددة.
سكينة المشيخص تعرض وجهة نظرها في البعد الاجتماعي لهذا الموقع، وترى أنه يمثل نهاية زمن الخصوصية الفردية.

لاتبدو في الأفق نهاية للتاريخ الإلكتروني كما هو للسياسة على سبيل المثال. فالاكتشافات العلمية المثيرة لم تعد قاصرة على العلماء وبحوث المعامل، وإنما هناك أجيال بشرية في مختلف أنحاء العالم تنتج المثير والجديد من الإبداعات والمبتكرات التقنية والعلمية، وأصبحت للكثير من الاختراعات اشتقاقات تلبي طموحات الكثيرين من غير المصنفين كعلماء أو مخترعين. ولعل الكمبيوتر من أكثر المخترعات التي تم اشتقاق كثير من الابتكارات والوظائف التقنية منها، لتسهم بدور فاعل في خدمة العولمة ومبدأ القرية الكونية لخدمتها الحيوية للتواصل بين البشرية. فظهرت محركات البحث كمراكز متجددة وثرية بكل المعلومات والمستجدات، وظهرت خدمات البريد الإلكتروني التي عززت التواصل بين الأفراد والجماعات، كما ظهرت المواقع المتخصصة التي دعمت أفكار التواصل بين شعوب العالم، وأخيراً وليس آخراً، ظهر موقع التواصل الشخصي (فيس بوك) الذي يتيح ميزات اتصالية هائلة لمستخدميه بعدد من اللغات وأصبح أحد أكبر مواقع الشبكة العنكبوتية شعبية وانتشاراً حول العالم.

تطور سريع
بدأ «فيس بوك» كفكرة متواضعة لأحد طلاب جامعة هارفارد الأمريكية في العام 2004م، أراد من خلالها تصميم موقع يتيح له التواصل بين زملائه وتبادل الأخبار والصور فيما بينهم. ولم يكن هذا الطالب الذي يدعى مارك جوكربيرج (23 عاماً) يتوقع أن يحقق موقعه الشعبية الكبيرة بمجرد تدشينه، وهو رغم ولعه بالإنترنت، إلا أنه لم يكن يقصد في الأساس ابتكار موقع يحمل صفة العالمية، وبالتالي الدخول في مشروع استثماري يمكن أن يدر عليه مليارات الدولارات بفضل الإعلانات التجارية والاشتراكات التي هطلت على موقعه ودعمت تمويله وتطويره لاحقاً، بعد أن كان في إطار طلابي يخدم طلاب الجامعة والمدارس الثانوية الراغبين في معرفة الواقع الجامعي والحياة الجامعية.

استمر الوضع على ذلك لمدة سنتين، إلى أن خطا جوكربيرج خطوته الواسعة بفتح الموقع للراغبين، وفور ذلك ارتفع عدد المشتركين من 12 مليون مستخدم في خلال عام إلى أكثر من 40 مليون مستخدم، وبلغ العدد 50 مليون مستخدم بنهاية عام 2007م، وارتفع العام الجاري إلى 60 مليوناً، إذ يدخله يومياً 150 ألف مشترك. وأشارت إحصائية إلى زيادة نسبة استخدام الإناث للموقع عن الذكور بنسبة %69. وصاحبت ذلك تطويرات جوهرية في شكل الموقع ووظائفه وخدماته الاتصالية، حيث فتح الباب أمام المبرمجين لتقديم خدمات مبتكرة لزواره في مجال صناعة المعلومات. وكانت نتيجة ذلك أن حصل على عرض لشرائه بمبلغ مليار دولار العام الماضي، ولكنه رفض بيعه.

الثمن الغالي
رفْض جوكربيرج مبَرَّر بالاستناد إلى تقييمه لمنجزه واعتزازه به. وكان لبقاً في الدفاع عن رفضه لعرض المليار دولار بقوله في تصريحات صحافية «ربما لم يقدِّر كثيرون قيمة الشبكة التي بنيناها بما تستحق»، وأضاف: «إن عملية الاتصال بين الناس ذات أهمية بالغة، واذا استطعنا أن نحسنها قليلاً لعدد كبير من الناس فإن هذا سيكون له أثر اقتصادي هائل على العالم كله». وكان محقاً في ذلك.

فقد سعت شركة مايكروسوفت إلى شراء %5 من قيمة «فيس بوك» بمبلغ يتراوح بين 300 و500 مليون دولار، ما يعني أن قيمته الإجمالية تصل إلى ما بين ستة وعشرة مليارات، خاصة وأن شركة مايكروسوفت تحتكر إعلانات الإنترنت على موقع «فيس بوك» في الوقت الحالي.

ويسعى مؤسس الموقع إلى تحقيق كثير من التطوير في موقعه الذي اكتسب شهرة عالمية وانتشاراً غير متوقع. وإزاء ذلك فإنه يطمح إلى زيادة عدد مستخدمي الموقع بحيث يتضاعف هذا العدد كل ستة أشهر، إلى جانب تقديم المزيد من الخدمات التفاعلية في الموقع، كما يسعى إلى تطوير نظام يسمح للمعلنين باستخدام المعلومات التي يقدمها مستخدمو الموقع عن أنفسهم، ولكنه ينفي ذلك باعتبار أن مثل هذا النظام يثير تساؤلات عن مدى الخصوصية التي يتمتع بها مستخدمو الموقع.

انتقادات عالمية
رغم المزايا المتعددة لهذا الموقع واسع الانتشار إلا أن هناك عيوباً خطرة تشوب خصوصية المستخدمين وحقوقهم فيها. ومن ذلك توجيه المدعي العام في نيويورك مذكرة استدعاء لمسؤولين في «فيس بوك»، وقال في خطاب للموقع إن فحصاً أولياً أوضح وجود أوجه قصور في الحماية التي يتمتع بها مستخدمو الموقع، خاصة صغار السن، وقام أحد المحققين بالتظاهر بأنه شاب صغير السن ودخل على الموقع فتعرض لملاحقة جنسية من قبل بعض المستخدمين.

ومن جانب آخر قال المدعي العام لولاية كونيكتيكت ريتشارد بلومينثال إن مكتبه وجد ثلاثة من المدانين بجرائم جنسية ضمن شبكة مستخدمي «فيس بوك»، وأن على الشبكة القيام بالكثير من الخطوات قبل أن يشعر بالرضا الكامل تجاهها.

وقد وجدت اشتراطات الخصوصية بالموقع (Privacy policy) انتقادات عالمية بسبب تجاهل خصوصية الأعضاء واستغلال صورهم وبياناتهم ونشاطهم الاجتماعي والمتاجرة بها، وحق الموقع في بيعها لشركات تسويق عالمية أو لجهات غير معلنة، وكذلك حقه في تتبع نشاط الأعضاء في المجلات والمدونات والمجموعات.

ونتيجة لذلك، خاصة مع الاشتباه باستغلال استخبارات دولية لمعلومات الأفراد فيه، فقد قام عدد من الشركات العالمية والعربية، وكذلك الحكومات، بحظر استخدام موقع «فيس بوك»، كما أن وزارات الدفاع في بعض البلدان حظرت على جنودها وضع صورهم أو بياناتهم أو تفاصيل حياتهم عليه. إذ ترى أن هذه الصور قد تكون حساسة وتشكِّل خطراً أمنياً عليها. كما أن الموقع أفرز عدداً من المظاهر السلبية مثل إدمان الإنترنت، والكذب، والتباهي.

منافسة شرسة
وفي الواقع أثبت «فيس بوك» قدرات خارقة في كسر الحواجز وتحطيم المتاريس التي تقف بين بني الإنسان، فهذا الموقع أصبح ملاذاً للكثيرين، ويستضيف قطاعات واسعة من شعوب العالم من طلاب وجماعات سياسية ودينية واجتماعية. إلا أن قضية الخصوصية تظل أكثر القضايا حساسية في استخدام هذا الموقع لأن كل مستخدميه عبارة عن كتب مفتوحة للجميع، ولذلك فمن الضروري الانتباه لشروط الاستخدام واشتراطات الخصوصية، وقراءتها بدقة قبل الاشتراك في الموقع.

ورغم معدلات الانتشار العالية للموقع، إلا أنه ليس متفرداً بحظوة الاشتراك فيه دون غيره من المواقع المشابهة. فهناك منافسة شرسة من عدة مواقع للعلاقات الاجتماعية، في مقدمتها موقع «ماي سبيس» الذي يتوقع أن يصل عدد مستخدميه إلى أكثر من 200 مليون شخص. مما يجعله أكبر شبكة للعلاقات الاجتماعية في العالم، ويبقى الوضع على ما هو عليه إلى حين ظهور اشتقاق جديد لاستخدامات الكمبيوتر أكثر سهولة في الاستخدام ومرونة في التعامل وأكثر خصوصية وأمان.

أضف تعليق

التعليقات