الرحلة معا

الصحافة الإلكترونية تهدِّد الصحافة المطبوعة

تطالعنا الصحافة بين الحين والآخر بتحول بعض الصحف والدوريات إلى صحف ودوريات إلكترونية. ومن ذلك ما أعلن في شهر مارس 2009م من تحول صحيفة «سياتل بوست انتلجنسر» إلى صحيفة إلكترونية. وبذلك يبقى في تلك المدينة صحيفة مطبوعة واحدة هي صحيفة «سياتل تايمز». وقبل ذلك أعلنت صحيفة «ذا كريستيان ساينس مونيتور»، التي تصدر من مدينة بوسطن الأمريكية، أنها تحوَّلت إلى صحيفة إلكترونية، ولم تعد تطبع من أعدادها إلا عدد يوم الأحد.

كما أننا نلاحظ أن نفس التوجه بدأ يظهر في مجتمعنا العربي، فعلى سبيل المثال أعلنت المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق تحويل مطبوعتها مجلة «المجلة» إلى مطبوعة إلكترونية، مشيرة إلى أن صناعة النشر، إقليمياً وعالمياً، مقبلة على تحولات تتطلب الاستعداد من الناشرين، حيث تتجه الصناعة للاستثمار في المحتوى عبر تحويله إلى وسائط عديدة، مثل الإنترنت والجوال والتلفزيون والإذاعة.

فالواضح هو أن الصحافة التقليدية تواجه ضغوطاً اقتصادية تجعلها مشاريع مكلفة قد لا تستطيع الاستمرار معتمدة على دخلها الذاتي فقط، الذي يأتي بشكل رئيس من الإعلان والتوزيع. فمن أين تأتي بالضبط هذه الضغوط؟

يبدو أن الصحافة التقليدية المطبوعة تواجه صعوبات في مواكبة عصر المعلومات الذي نعيشه، وما يطرأ فيه بشكل متسارع من تقنيات حديثة، وأساليب وأشكال لإيصال المعلومات للمتلقين، مما يؤثر على توزيع الصحف والمجلات وبالتالي على دخلها الإعلاني.

بدأت الضغوط على الصحافة المطبوعة بانتشار المحطات التلفزيونية عن طريق الأقمار الصناعية التي تصل إلى المنازل في كل أنحاء العالم. تلي ذلك انتشار المحطات الإخبارية المتخصِّصة التي تبث على مدار الساعة. كانت البداية عالمياً من محطة «سي إن إن» الأمريكية ثم لحقتها محطات أخرى. وفي عالمنا العربي انتشرت محطات مشابهة مثل «الجزيرة» و«العربية» وغيرهما.

يضاف إلى ذلك أن محطات التلفزيون التي تبث عبر الأقمار الصناعية أصبحت تغطي كثيراً من الموضوعات، فبعضها يتخصَّص في عرض الأفلام، وبعضها في الرياضة، وبعضها في البرامج السياسية، وما إلى ذلك. وانتشار تلك المحطات في مختلف أصقاع العالم أمرٌ مشاهد ومعروف. والكثير منها غير (مُشفَّر) وغير مكلِّف والقليل منها يتطلب رسوماً.

ومن الضغوط التي تواجهها الصحافة التقليدية انتشار الصحافة الإلكترونية بعد ظهور شبكة الإنترنت في أواخر القرن الماضي، حيث تقدَّر الإحصاءات أن هناك الآن ما يزيد على عشرة آلاف صحيفة إلكترونية في العالم. والأغلبية العظمى من تلك الصحف الإلكترونية توجَّه للمتلقين دون مقابل.

كما أن شبكة الإنترنت العالمية فتحت أبواباً وأساليب أخرى للاتصال وتبادل المعلومات والأخبار والآراء والحوار بين الناس في مختلف المجالات، مما جعل حاجتهم لشراء الصحف والمجلات أقل مما كانت عليه.

ومن المشاهد أيضاً أن المؤسسات التي تصدر الصحف التقليدية بدأت أيضاً بالضغط على تلك الصحف بإصدارها نسخاً إلكترونية منها، فأصبح البعض يستغني بالنسخة الإلكترونية عن النسخة المطبوعة. ومن الغريب هنا أن عدم إصدار الصحيفة لنسخة إلكترونية يجعلها في مؤخرة الركب ويظهرها صحيفة غير مواكبة للعصر، كما أن إصدارها لنسخة إلكترونية يؤثر سلباً على توزيع نسختها المطبوعة.

ولاشك أن من العوامل المؤثِّرة هنا اتجاه الشباب إلى الصحافة الإلكترونية والتقنيات الحديثة الأخرى للحصول على المعلومات، مثل الهواتف المتنقلة وما تعج به شبكة الإنترنت العالمية من وسائط. وإذا افترضنا صحة ذلك، فإننا لا بد أن نتوقع أن تتزايد الضغوط على الصحافة التقليدية، مع تزايد عدد الشباب وتناقص عدد كبار السن.

كما أن من المُشاهد أيضاً أن تأثير الضغوط الاقتصادية الناشئة عن ثورة الاتصالات، التي أشرت إلى بعض تداعياتها، يختلف من مجتمع إلى آخر، ومن صحيفة إلى أخرى. ولكن الحقيقة هي أن الصحافة الإلكترونية تتوسع وتنتشر على حساب الصحافة التقليدية. فما هو الفرق بين الصحافتين، وماذا يكسب القراء ويخسرون من تحول صحيفة تقليدية إلى إلكترونية؟

ذلك الموضوع يحتاج إلى بحث مستفيض، ولكن من الملاحظ، على سبيل المثال، أن الصحافة الإلكترونية أسرع في نشر الأخبار، وأقدر على تحديثها، وتصحيح أي أخطاء فيها. كما أن تلك الصحافة تتيح للقرَّاء فرصة أكبر للتواصل مع الصحيفة وبشكل أسرع من التواصل مع الصحافة المطبوعة. كما أن تلك الصحافة تتيح للقرَّاء إرسال بعض ما يقرأونه، أحياناً مع آرائهم، إلى الغير بسهولة ويسر.

كما أن من مزايا الصحافة الإلكترونية أنها تساعد على المحافظة على البيئة، فكل المواد التي تدخل في العملية الطباعية، وخاصة الورق، تستنزف البيئة، وتؤثر سلباً عليها.
ولكن الصحافة التقليدية المطبوعة لها مزاياها هي الأخرى، بالإضافة إلى ارتباطنا التاريخي بها منذ أن نشأت الصحافة الدورية في العالم الصناعي، وارتباطنا العاطفي بالورق منذ بدأ استخدامه في الكتابة.

فمن تلك المزايا أن النسخة المطبوعة تحتوي على مواد أكثر مما تحتويه النسخة الإلكترونية، رغم أن البعض يظن غير ذلك. والحال قد تختلف من مطبوعة إلى أخرى.

كما أن بعض المواد، وخاصة الإعلانية (في بعض المجتمعات كالمجتمع السعودي) توجَّه إلى قرَّاء النسخة المطبوعة وليس الإلكترونية. ويدخل في ذلك بعض الإعلانات، مثل إعلانات العزاء، والتهاني، والإسهامات العقارية، وما إلى ذلك.

والنسخة المطبوعة أكثر مرونة في يد القارئ، فهو يستطيع أن يقرأها في الحل والترحال، في البيت والمكتب، في السيارة والقطار والطائرة. فما يحتاجه القارئ ليقرأ صحيفة مطبوعة هو الصحيفة نفسها والإضاءة إذا حل الظلام. بينما يحتاج قارئ الصحيفة الإلكترونية إلى جهاز كمبيوتر، واشتراك في شبكة الإنترنت، ومصدر طاقة كهربائي أو بالبطارية، وهذا ما لا يتوافر دائماً وفي كل مكان.

ومن أهم مزايا الصحافة التقليدية المطبوعة، التي يمكن أن تضاف إلى ارتباطنا التاريخي بها، تميزها الإخراجي، الذي يصعب على النسخة الإلكترونية أن ترقى إليه، وتعبير إخراجها عن أهمية الأخبار والمقالات المنشورة فيها بشكل أفضل.

يضاف إلى ذلك أن الصحافة التقليدية تتميز بسهولة تناولها وتقليب صفحاتها في وقت قصير، بينما تعتمد سرعة تقليب الصحيفة الإلكترونية على مواصفات موقع الصحيفة، وهي في كل الأحوال لا تصل إلى سرعة تقليب الصحيفة التقليدية.

وعلى أية حال فهذه مقارنة غير مستفيضة بين الصحافتين، وتقنيات عصر المعلومات ستستمر في الضغط على الصحافة التقليدية، التي لا يتوقع أن تختفي، ولكن أعدادها ستتناقص بناءً على عوامل اقتصادية لا يمكن تجاهلها لوقت طويل.

أضف تعليق

التعليقات