انتهى مهرجان سوق عكاظ في دورته الخامسة، الذي أقيم, مؤخراً, في محافظة الطائف هذا العام. وانطلاقاً من متابعته يسوق لنا أحمد البوق بعض الأفكار التي طرحت في هذه الدورة من أجل تحسين مستوى السوق، كما يقدم اقتراحات حول جائزة الشعر التي تُقدم على هامش المهرجان.
إذا ما أردنا سرد الحكاية من آخرها: فإن أبرز حدث في مهرجان سوق عكاظ في دورته الخامسة 2011م هو حجب جائزتي الشعر، شاعر عكاظ وشاعر شباب عكاظ. ومنذ إعلان الحجب وعلامة استفهام كبيرة تطوف الأوساط الأدبية والثقافية. هل عقمت أرحام قرائح الشعراء العرب أم أن العقم كامن في آليات منح الجائزة؟ والاستفهام ليس في الحجب بذاته ولكن في توقيته، فأن تحجب جائزة منحت لعشرات السنين- لعدم ارتقاء الأعمال لمستوى الجائزة- أمرٌ مقبول، أما أن تحجب جائزة للشعر في عامها الخامس في سوق قام منذ الجاهلية واكتسب شهرته التاريخية على الشعر ومن الشعر فأمرٌ يدعو للدهشة.
وأظن أن علينا أن نتحرر من مفاهيم المسابقات الشعرية المتكلسة القائمة على تحديد نوع الشعر ومحاوره وعدد الأبيات المطلوبة، فالشاعر ليس ترزياً، ولا يمكن النظر للشعر بمقاييس سباق الهجن.
فجائزة شاعر عكاظ من الأجدى أن تمنح للتجربة الشعرية. والشعراء العرب الذين أثروا الساحة الشعرية العربية والدولية عبر الترجمة بلغات عديدة لا يزال حضورهم يضفي حيوية وحراكاً على المشهد الشعري والثقافي في كل مكان يحلون فيه. ومنح الجائزة كل عام لإحدى هذه التجارب ودعوته لإحياء أمسية في سوق عكاظ والمشاركة في ندواتها ومن ثم استضافته شهراً بالتنسيق مع وزارة الثقافة والإعلام ليتنقل بين مناطق المملكة زائراً لأهم معالمها التاريخية والحضارية ودعوته لإحياء أمسيات شعرية عبر الأندية الأدبية والمراكز الثقافية والجامعات لهو أجدى لتفعيل الساحة الشعرية المحلية وإثراء البرامج الثقافية. كما أن جائزة شاعر شباب عكاظ إذا ما منحت للشعراء الشباب في المملكة الذين أصدروا دواوين خلال العامين أو الثلاثة السابقة لتاريخ منح الجائزة فإن ذلك سيفعّل حركة النشر، ويعطي فرصة لتقييم التجربة من خلال ديوان لا قصيدة. ولا شك أن سوق عكاظ قد نجح منذ إعادة إطلاقه قبل خمس سنوات في مزج الشعر بالفنون الأخرى كالمسرح والفن التشكيلي والنحت والتصوير والفنون الشعبية، كما أن هذه الدورة شهدت العديد من الإضافات كجائزة التميز العلمي، ومعارض التقنية متناهية الصغر ( النانو)، ومعرض الحياة الفطرية، والعديد من المعارض المتنوعة التي وصل عددها إلى 14 معرضاً. كما كان لمسرحية زهير بن أبي سلمى– رغم كل الملاحظات عليها- ومسرح الشارع في جادة سوق عكاظ الذي يستعيد تاريخ السوق الشعري بمشاهد مسرحية جاذبة، وعروض الفنون الشعبية اليومية دور في جذب الكثير من الزوار لموقع السوق. أما الندوات والأمسيات الشعرية المصاحبة فقد تنوعت بين جلسات صباحية لندوات نقدية أقيمت في الفندق حيث ينزل ضيوف السوق، وندوات علمية واجتماعية وأدبية، وأمسيات شعرية مسائية أقيمت في موقع السوق لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الزوار لحضورها. وكان لهذا التنويع أثر إيجابي في تفعيل أنشطة السوق. ومن المؤمل مستقبلاً أن يتم تطوير العروض المسرحية باستضافة فرق عربية للمسرح، سواء المسرح المغلق أو مسرح الشارع من دول لها تجربة طويلة في مجال المسرح كمصر ولبنان وسوريا، وأن يُنظَّم معرض للكتاب بالتزامن مع موعد السوق تدعى له مئات شركات النشر العربية وغير العربية لعرض مطبوعاتها، وربما إتاحة الفرصة لها لا لبيع الكتب فقط ولكن لعقد صفقات مع المكتبات المحلية وتلقي عروض النشر. ومن الأفكار التي طرحت لهذه الدورة أن يقام معرض تجاري لمختلف المنتجات الوطنية وغير الوطنية على موقع السوق، إذ التجارة جزء من فكرة السوق الأساسية، كما طرحت فكرة الوقف والاستثمار لضمان استمرار فعاليات السوق. وبالرغم من أن السوق يشهد في كل دورة تطوراً ملحوظاً على صعيد البنى التحتية والتنظيم وبعض الإضافات المثمرة، إلا أن بالإمكان أفضل مما كان. فللسوق مخطط عام لمدينة ثقافية متكاملة قدمه صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس اللجنة الإشرافية العليا للسوق، الأمير خالد الفيصل لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ووجه يحفظه الله بتنفيذه، وسلمت بالفعل ما يوازي عشرة ملايين متر مربع من موقع السوق للهيئة العامة للسياحة والآثار للبدء بتنفيذه. ولا بد للسوق من هيئة دائمة في موقعه التاريخي تشرف على تنفيذ مخططه العام وتؤسس لقاعدة بيانات شعرية وثقافية، وتوثق لفعالياته وتشارك باسم السوق في المهرجانات الشعرية العربية والعالمية. كما أن الطموح أن يكون للسوق قناة فضائية خاصة به وإن بدأت موسمية إلى اكتمال المخطط العام، وإثراء أرشفتها بالمواد الشعرية والثقافية ومشاركاتها الإقليمية والدولية.
ومن الأفكار التي طرحت خلال فعاليات السوق الأخيرة دعوة بعض المستعربين– دارسي اللغة العربية وآدابها من غير العرب- لفعاليات السوق وإتاحة الفرصة لهم لتقديم مشاركاتهم. كما أن الترجمة ودعوة شعراء من حضارات وثقافات مختلفة سينعكس على إثراء الساحة الثقافية. كذلك طرحت فكرة إنشاء دار نشر باسم السوق للإبداع عموماً، والتركيز على الشعر والحديث عن تفعيل المسرح الشعري والموسيقا المرتبطة بالشعر.
وإذا ما كان لحكايتنا مع السوق أن تصل إلى نهايتها فلا بد من عود على بدء من الإشارة إلى أن سوق عكاظ هو أشهر أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، وأنه استمر قرابة 250 عاماً منها 129 عاماً في الإسلام، ثم توقف بعد هجمات القرامطة عليه وتدميره، لثلاثة عشر قرناً إلى أن أعيد إحياؤه قبل خمسة أعوام. وقد شهد الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، السوق صغيراً وكان يستمع إلى الخطب الشهيرة لقُس بن ساعدة فيه، وشهده بعد البعثة للدعوة للإسلام. ويقع السوق على بعد 40كيلاً شمال شرق الطائف. ولقربه من مكة المكرمة كان ينعقد قديماً من 1-20 من ذي القعدة الشهر السابق للحج، ثم ينتقل العرب لأسواق مجنة وذي المجاز إلى الوقوف بعرفات. هذا البعد التاريخي لتوقيت انعقاد السوق يطرح ضرورة تحديد موعد ثابت له يضمن الإعداد المسبق لبرامجه وفعالياته، وجدولة المشاركات فيه قبل موعد السوق بوقت كاف. وبخلاف ما قال زهير بن أبي سُلمى الشاعر المحتفى به في الدورة الأخيرة للسوق:
وأعلمُ علمَ اليومِ والأمس قبلهُ
ولكنني عن علم ما في غدٍ عَمِ
فإن مستقبل سوق عكاظ واضح في أذهان المثقفين وموثق على الورق، ولا يحتاج سوى لعزائم الرجال المخلصين لتحقيق هذا الحلم الثقافي. ولا يغيب عن أبصارنا وكل من يسهم في تحقيق وتطوير سوق عكاظ بالأفكار الجديدة والإضافات الفاعلة أن الشعر في سوق عكاظ يأتي أولاً وآخراً.