الثقافة والأدب

مسرح البولشوي..

يُبعث من جديد

  • SONY DSC
  • bolshoireconstructionphotos-75
  • Performance_in_the_Bolshoi_Theatre
  • RUSSIA- BOLSHOI-THEATRE
  • RUSSIA-BOLSHOI-THEATRE

حرائق، وقصف، وفيضان مياه.. كل هذه الكوارث لم تستطع أن تنهي رمزاً تاريخياً من رموز الثقافة والفن في روسيا. إن سيرة مسرح البولشوي الروسي الذي تأسس كمكان عام 1835م آيلة اليوم للنهوض، وكأنه بُعث من جديد. لقد تعثر المسرح لعقود وتمت محاولات خجولة لترميمه وإعادة الحيوية له، إلا أن عام 2011م حمل في نهايته مفاجأة انتظرها الكثيرون. جاء اليوم الذي انتظره الشعب الروسي، وفنانو الأوبرا وراقصو الباليه وعشاق المسارح. سارة بدير تجول بنا بين أروقة هذا المسرح.

البولشوي الكبير
تأسّست فرقة مسرح البولشوي عام 1776م بأمر من إمبراطورة روسيا كاثرين العظيمة ليعنى بفنون الأوبرا ورقص الباليه، وتولى الاهتمام بها الأمير بيتر أوروسوف وميخائيل مدوكس وكانت تقام عروض هذه الفرقة في أماكن خاصة إلى أن تم تدشين المسرح الكبير في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، وكان تحت سلطة الأمير أوروسوف. انتقل بعد ذلك إلى سلطة الكنيسة لفترة من الزمان قبل أن تنتقل إدارته إلى يوري غريغوروفيش الذي قاد بحنكته الفنية المسرح إلى الريادة بين ساحات الباليه في العالم.

عندما تأسس مسرح البولشوي كان لا يوجد في روسيا آنذاك سوى أربعة مسارح، اثنان للأوبرا واثنان للمسرحيات. ولأن فن الأوبرا يحوز اهتمام طبقة النبلاء فقد سميت دور الأوبرا بالبولشيه أي الكبير، بينما مسارح الدراما سميت بمالي أي الصغير.
مآسي المسرح الكبير
تعرّض المقر الأول للمسرح الذي أسسته الشركة لفرقة البولشوي للحريق وهو مسرح بتروفسكي، فأعيد بناؤه، ولكن في مكان آخر هو مكان المسرح البولشوي الحالي الذي حرق بدوره مرتين. كما تعرّض المسرح لقنبلتين في أثناء الحرب العالمية الثانية وفي زمن الاحتلال السوفيتي، استخدمت صالات المسرح لأغراض مختلفة وتعرض للنهب والخراب، وأصبح شبه مهجور. مرّ البولشوي بإصلاحات عدة وتمكن من الاستمرار لكن بجناح كسيرة.

لقد أقيمت على هذا المسرح أكبر العروض العالمية كبحيرة البجع، والأميرة النائمة لمؤلف الموسيقى الروسي تشايكوفسكي، وأخرى للموسيقار بروكوفييف كروميو وجولييت وسبارتاكيوس. كما ضم ألمع الموسيقيين الأوروبيين، وبخاصة من إيطاليا مثل روسّيني وفيردي وبوتشيني. إلى منتصف التسعينيات، ومعظم عروض الأوبرا الأجنبية تقام على خشبات هذا المسرح بلهجات مختلفة وبجمهور متجدد في كل مرة. بالرغم من النجاح والقبول الذي لاقاه البولشوي إلا أنه عانى لمرات عدة انسحاب بعض الراقصين من العمل مثل الكسندر جودنوف وليونيد كوزلوف وفالنتينا كوزلوف.

الترميم وعهد جديد
في عام 2005م، أوقفت جميع العروض وأغلق المسرح أبوابه ليخضع لعملية ترميم شاملة ونوعية. أرادت الحكومة الروسية أن تعيد له وهج القرن التاسع عشر وروح مصممه الأول جوزيف بوف، حيث كانت الهندسة المعمارية للمكان تعكس واجهة حضارية للفن الروسي، بدءاً من الأعمدة الرخامية المحفورة بعناية والتماثيل المتقنة الصنع التي عمل عليها كبار النحاتين طيلة ست سنوات من العمل الدؤوب وبتكلفة بلغت 680 مليون دولار. تمت إعادة نسج المفروشات، وإعادة تصميم الثريات الكريستالية التي تحمل طابع القرن التاسع عشر، واستخدم ما يقارب 10 كيلو غرامات من أوراق الذهب في التصميم الداخلي لطلي جميع الشرفات. وذلك لإعادة ما تم تجريده من مظاهر البذخ المبالغ فيه بالحقبة السوفياتية. وكان التغير الكبير جلياً في ما وراء الكواليس من صوت وإنارة وتقنية.

قبلة للسياح
في 28 من أكتوبر 2011م، جاء افتتاح المسرح كعيد وطني لسكان مدينة موسكو وللشعب الروسي. تم نقل الافتتاح على الشاشات الروسية والأوروبية والأمريكية ليتسنى للجميع متابعة هذا الحدث الفريد. رفع الستار في قاعة اكتست لون الذهب الأصفر ولون الأحمر المخمل، تبرق بها الثريات وتلمع الجدران حديثة الطلاء. لم يكن من المتاح توسيع مساحته كونه جزءاً من التراث فتمت إضافة طابق تحت الأرض وبهذا أصبح البولشوي يحتوي على أربع خشبات مسرحية أحدها تعد الأكبر في أوروبا.

ضم حفل الافتتاح حضور كبار الشخصيات وعلى رأسهم الرئيس الروسي، دميتري مدفيديف، ورئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين. كما حضرت شخصيات كثيرة ليعيدوا شريط ذكريات عاشوها في جنبات هذا المسرح مع أحبة لهم، واشتمل حفل الافتتاح على أداء مقطوعات اشتهر بها المسرح قديماً كباليه الحسناء النائمة، وعرض بحيرة البجع.

لم تقتصر العروض على المسرح الداخلي فقط، فقد استقبلت واجهة المسرح الحضور وودعتهم بفقرة من الأضواء المتراقصة بخفة على الواجهة الأمامية لترسم صوراً وأبعاداً مختلفة. أبهرت الواجهة الزوار بتمثال النسر ذي الرأسين الذي يرمز لروسيا في المكان ذاته الذي علق به الاتحاد السوفييتي المطرقة والمنجل لعقود طويلة. من الجدير بالذكر أن رسم الواجهة الأمامية للمسرح مطبوع على الأوراق النقدية فئة مئة روبل روسي.

يعد البولشوي اليوم من أقدم المسارح التي أعيد تجديدها، كما تعد عملية الترميم هذه هي الأكبر خلال 150 سنة من عمره. إن البولشوي يعكس الثقافة الإمبراطورية الروسية وهو اليوم،بحق، من أكبر معالم روسيا الثقافية والسياحية التي لا بد للسائح أن يعرج إليه مستمتعاً بالعروض التي يقدمها هذا المسرح، أو لمشاهدة ذلك المبنى الفاخر الذي شهد قياصرة وأميرات طواهم الزمن، وبقيت ذكرياتهم تحت ورق الذهب.

أضف تعليق

التعليقات