الحياة اليومية

رمضان.. «شعيرة» واحدة و«طقوس» متعددة

  • 21806952
  • MIDEAST- PALESTINIAN-JERUSALEM-RAMADAN
  • ad6d5c4b58
  • cornes_de_gazelles_avant_cuisson_01
  • ktab-aljmhwreh-rmdan-fe-a-khal-ar_ptiff-1
  • ornament fanous
  • Ramadan-2013-in-Saudi-Arabia
  • ramadhan+3
  • shutterstock_123614257
  • shutterstock_125646479
  • 0,,16154854_303,00
  • 3s9x1
  • 21fcaa23d82666e43c5c4fae7d1f2ef2

ينتظر المسلمون حلول شهر رمضان من كل عام ليؤدوا فريضة الصوم، ولسان حالهم يقول «اللهم بلغنا رمضان». والعبادة في هذا الشهر الفضيل، تتسم بروحانية خاصة ممزوجة بعادات وتقاليد يختص بها المسلمون في كل بلدة على حدة بدءاً من رؤية الهلال مروراً بطعام الإفطار وصولاً إلى السحور والمسحراتي.
الكاتب أشرف سعد، يغوص في كتاب «رمضان فى العالم الإسلامي» للباحث خالد العزب، ويجول معه في بلدان عربية ملقياً الضوء على طقوس كل مجتمع في هذا الشهر الروحاني.

على الرغم من تأثيرات الفضائيات التي انتشرت كالنار في الهشيم خلال العقد الأخير، على التقاليد الرمضانية، إلا أن بعض العادات ظل راسخاً في الوجدان الشعبي وفي مقدمها سفر مئات الآلاف من المسلمين إلى المملكة لا سيما في العشر الأواخر، لأداء العمرة في مكة المكرمة وصلاة التراويح وإحياء الليالي الأخيرة خصوصاً ليلة القدر، إضافة إلى زيارة الحرم النبوي في المدينة المنورة.

وإذا كان الحرمان المكي والنبوي، يشهدان ازدحاماً لأداء العبادات، فإن الشوارع المحيطة بهما لا تقل زحمة خصوصاً قبيل أذان المغرب، حيث يسعى الصائمون وراء وجبة الإفطار الذي يتكون من الشوربة والسمبوسة والهريسة.

أما مدينة جدة فتشهد أسواقها ازدحاماً كبيراً، لا سيما «البلد» القديمة التي تزدهر ببيع منتجات كالهيل، والشاي، والبن، والأرز، والفول.

ويلاحظ المتجولون في وسط جدة، ازدحاماً شديداً قبيل مدفع الإفطار، أمام محلات بيع الفول وأشهرها «القرموشي» و«الغامدي». وكذلك تكتظ شوارع مكة والشرفية والملك عبدالعزيز والعلوي ومنطقة باب مكة والنورية، المعروفة ببيع أكلات «الألماظية» و«الكستر» و«قمر الدين» و«السنبوسك» واللحم والشوربة و«السوبيا».

كما تفضِّل العائلات الجداوية أن تبدأ الإفطار بـ «فك الريق» أي بحبة تمر وفنجان قهوة عربية وقليل من الشوربة، ثم يذهبون إلى صلاة المغرب، والعودة لإكمال الإفطار الذي يكون خفيفاً.

جازان
أما في مدينة جازان، جنوب المملكة، فتبدأ الحياة الرمضانية بعد صلاة العصر حينما يذهب الآباء والأبناء إلى ضفاف البحر للاستمتاع بنسماته، وعندما يقترب الغروب يتسابق الجميع لاستضافة الأهل والفقراء على مائدة الإفطار، ثم يذهبون بعد صلاة المغرب جماعة، ويعودون إلى شرب قهوة القشر، أو قهوة البن، أو الشاي المطعم بالشمطري.

في مصر
لشهر رمضان في مصر ملامح لم تتغير منذ قرون. وقد تفنن المؤرخون في وصف يوم «الركبة» أو ترقب هلال رمضان، إذ يجتمع فقهاء مصر بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان في دار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة حسنة. فإذا أتى أحد الفقهاء تلقاه النقيب ومشى بين يديه، قائلاً «بسم الله، سيدنا فلان»، فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويُجلسه النقيب في موقع يليق به. ثم يذهبون إلى موقع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفُرش المزخرفة وينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب.

وما أن تقرر بداية الشهر الفضيل، حتى تنشط المدنية ليلاً وتُشعل الشموع والفوانيس في الشوارع والأسواق والطرقات.

وقد وصف الرحالة المغربي ابن بطوطة، وسجل ذلك الوصف الكاتب الإنجليزي إدوار لين بول سنة 1240هـ، ويقول: إن العادة جرت في مصر ليلة الرؤية بأن يسير موكب المحتسب ومعه مشايخ كثر من الحرف كالطحانين والخبازين والجزارين والزياتين وباعة الفاكهة، وتصطحبهم الموسيقى وجماعة من جند القلعة، إلى بيت القاضي وينتظرون من يشاهدون الهلال فإذا لم تثبت الرؤية ولم يظهر الهلال قالوا: فطار فطار.

وشهر رمضان له مذاق خاص لدى المصريين، وله عادات ارتبطت به وعاشت وقاومت الزمن وحافظت على نفسها من الاندثار مثل حرص الناس على التجمع حول موائد الإفطار والسحور وقضاء الوقت بينهما فى السمر والعبادة والحرص على تلاوة القرآن الكريم كاملاً أثناء الشهر وأداء صلاة التراويح.

وكذلك يرتبط شهر رمضان في مصر، ببعض أنواع المأكولات والحلوى مثل الكنافة والقطايف ولقمة القاضي، إضافة إلى مد المقتدرين «موائد الرحمن» في الشوارع والطرقات وأمام المنازل لإطعام أي فقير أو غريب أو عابر سبيل. وارتبط وجدان الشعب المصري، في هذا الشهر الفضيل، بصوت الشيخ محمد رفعت وهو يرفع أذان المغرب، وصوت النقشبندى وهو يُنشد التواشيح والأدعية الدينية، وكذلك المسحراتى الذي يُنشد فيقول:
يا غفلان وحد ربك / وبالتقى عمر قلبك
ما يوم تقلق على رزقك / دا ربنا عالم بالحال
يا رب قدرنا على الصوم / واحفظ إيماننا بين القوم
وارزقنا يا رب باللحم المفروم / أحسن يا رب ماليش أسنان

السودان
يحتفى السودانيون بشهر رمضان الذي يسمونه «شهر الخير» احتفاءً كبيراً، إذ تبدأ الاستعدادات قبل شهرين كاملين. فمع بداية شهر رجب يبدأ بعضهم في الصيام، ومنهم من يصوم شهر رجب وشعبان كاملين. ومعظم الناس يصومون أغلب شهر شعبان الذي يسمونه «قصيراً» اعتقاداً منهم أنه يمر سريعاً. وأغلب الذين يكثرون من الصوم قبل رمضان، هم الذين اعتادوا على شرب الشاي والقهوة والسجائر إذ يجدون في الصيام فرصة للتغلب على عادات الطعام والشراب حتى إذا حل رمضان صاموه دون مشقة أو عناء.

ويُطلق السودانيون على كل الأطعمة التي يصنعونها في شهر رمضان اسم «مويه رمضان»، وموية تعني الماء. وهذا الاسم يدل على المأكولات والمشروبات معاً، ومن أهم المشروبات «الأبرى»، وكذلك «الحلومر» الذي تمر عملية إعداده بمراحل عدة تبدأ منذ شهر «قصير» أو شعبان. وتبدأ بعمل الزريعة التي ينظفون الذرة (الصغيرة الحمراء) ويخففونها، ثم تفرش الجوالات وتوضع عليها لمدة عشرة أيام إلى أن تنبت ويتفتق عن نبت صغير ثم يجفَّف ويُطحن وتصنع منه عجينة يضاف إليها كثير من التوابل، ثم توضع على صاج من الحديد على النار لتتم عملية «العواسة» او الطهو الذي يسمى «طهو الحلو مر». بعدها يصبح شكله كلفائف مربعة يمكن أن تعيش طويلاً. وعندما يراد صنع مشروب منها، تنقع فى الماء لعدة ساعات ثم تصفى ليكون الناتج مشروباً أحمر لذيذ الطعم هو «الحلو مر». وسمي بهذا الاسم لأنه شاق ومرهق في صنعه، ولكنه حلو الطعم ويقضي على العطش ويعطي إحساساً بالارتواء لفترة طويلة.

وكما يصنع السودانيون في رمضان، البليلة وتُعد من الذرة والكبيبة (الحمص) أو اللوبياء، وتؤكل عند الإفطار، وأحياناً تؤكل مع التمر. ومن أشهر أطعمة رمضان التي لا تخلو منها مائدة سودانية، «العصيدة» وتسمى «اللقمة»، وهي عجينة من الذرة تترك حتى تتجمد ويصب عليها الملح، وتؤكل ساخنة عند الإفطار.

في تونس
يحس التونسيون بمقدم شهر رمضان قبل أن يهل هلاله بشهر على الأقل، وهذا يظهر جلياً من حركة الشراء التي تشهدها المتاجر والحوانيت، فيما يعمد كثير من ربات البيوت إلى توفير احتياجاتهن قبل حلول الشهر بفترة. وهذه العادة التي تسمى «عولة رمضان»، تختص بها التونسيات دون غيرهن، فيخزّن سلعاً لا تتلف قبل أن ترتفع أسعارها خلال الشهر الفضيل.

أما الأكلات التي تشتهر بها الأحياء الشعبية، «المسفوف» وهي نوع من «الكسكسي» الحلو وهو خليط السكر والحليب ويتم تناوله في السحور.

أما مائدة الإفطار، فتزخر بأطايب الطعام من تمر وحليب وشوربة ومرق ومكرونة، كما يقدَّم خلال السهرة مشروب «البوظة» الذي يصنع من دقيق الذرة وحب السمسم وبعض الفواكه ويشكل بالكريمة، ويقدم مع الكنافة و«القطايف المخارة».

في المغرب
وفي المغرب تتحوَّل شوارع المدن وأزقة الأحياء الشعبية، إلى أسواق تطرح معروضاتها على قارعة الطريق لتزويد المستهلك بالمواد الأولية من مأكولات ومشروبات، بدءاً من منتصف شهر شعبان حتى نهاية شهر رمضان.

ومن المنتجات التي يبيعونها، الترمس والحمص والجوز واللوز والزبيب والعدس والفول السوادني والبهارات. ويقاسم هؤلاء الباعة، قارعة الطريق مجموعات من الطبَّالين والمدَّاحين والمقرئين لبعض ما تيسر من آيات الذكر الحكيم، إلى جانب مروضي القرود والثعابين.

وتبدأ السهرات الرمضانية بين الأهل والأصدقاء، على إيقاع كؤوس الشاي الأخضر بالنعناع وقطع الحلوى والأطباق المتنوعة، ويتم ذلك أثناء متابعة الإرسال التلفزيوني.

ويوم الأحد فإن «الحوش» الواسع المطل على المحيط الأطلنطي في قلب مدينة الرباط، يتحول إلى سوق تجتذب آلاف الرواد ويطلقون عليه «سوق الغزال».

أما أنواع الحلوى الرمضانية فهي كثيرة جداً منها «السلود» وهو معجون من الدقيق والزبدة والمكسرات ويؤكل ساخناً. وهناك «الشبيكة» وهي حلوى من الدقيق والعسل والسمسم وماء الورد، و«كعب الغزال» وهو مثل القطايف أي دوائر من العجين تحشى بالمكسرات ويرش عليها السكر المطحون.

لبنان
وعرف المجتمع اللبناني شهر رمضان كمحطة روحية للعودة إلى الذات ومحاسبة النفس على ما قامت به من خير وشر، والسعي إلى رضا المولى عز وجل.

والناس في بيروت يصرون وقت الإفطار على دعوة الفقراء والمساكين والعابدين قرب دورهم إلى الدخول وتناول طعام الإفطار معهم، أو يقومون بإرسال بعض المآكل والحلويات الرمضانية إلى الجيران من ذوي الدخل البسيط ليتأكدوا أن ما يأكلونه ذهب منه شيء لله.

ومن المظاهر الرمضانية في بيروت القديمة، عملية إثبات اليوم الأول من شهر رمضان. ففي تلك الأيام لم تكن وسائل الاتصال موجودة وكانت عملية الإثبات فى كل مدينة على حدة عبر إنسان موثوق فيه يسمى «الميقاتي» وتقتصر مسؤوليته على تحديد ميقات أو ميعاد بداية صوم شهر رمضان، ومواقيت الإفطار كل يوم من أيام الشهر.

إلا أن الأمر تغير لاحقاً وأصبحت دار الفتوى تتولى مسؤولية تحديد يوم الصوم ومواعيد الإفطار والإمساك والصلوات الخمس عبر نشرة يومية تذيعها المديرية العامة للأوقاف الإسلامية. وتنسق دار الفتوى حالياً أمر تلمس هلال رمضان مع دول العالم الإسلامي وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.

وكانت العادة منذ قديم الزمان، تقتضي إطلاق المدفع باتجاه البحر للإعلان عن موعد الإفطار يومياً في بيروت، وطيلة شهر رمضان كان المدفع موجوداً في محلة «تلة الخياط».

ومن العادات التي اشتهر بها اللبنانيون قبل حلول الشهر، «سيبانة رمضان» إذ يلتقي جميع أفراد الأسرة والأقارب يخرجون جميعاً فى آخر يوم عطلة قبل رمضان، إلى البساتين والأحراج خارج بيروت مزودين باللحم الجاهز للشواء و«النراجيل» والفحم ومختلف أنواع الأشربة، ويقضون اليوم بكامله في أحضان الطبيعة.

أما المسحراتي فيسمى في لبنان «الطبَّال»، إلا أن هذه المهنة تكاد تنقرض في بيروت مع اتساع أحيائها، إلا أنه
لا يزال موجوداً في القرى والبلدات.

و«الطبال» يجول في الليلة كل الأزقة قرعاً طبلته ذات الوجه الواحد بعصا رفيعة، وهاتفاً «اصحى يا نايم، وحِّد الدايم»، كما يردد مدائح يغلب عليها التطريب منها: أحمد يا حبيبي/ سلام عليك/ يا عون الغريب/ سلام عليك. أو: رمضان كريم/ رمضان كريم/ شهر المحبة والإيمان/ من قال: رب العالمين/ شارك صيام المؤمنين. أو ينشد قائلاً: قم
يا نايم / يلا تسحر/ وسبح المولى الجبار/ رمضان كريم على منور/ يا ميت (مئة) هلا بشهر الأنوار.

فلسطين
ولرمضان مكانة عظيمة في قلوب أهل فلسطين، والاحتفالات ممنوعة بأمر الحاكم العسكري الإسرائيلي، لكن نداء «الله أكبر» سرعان ما يدوي مع الإفطار أو السحور.

إلا أن الصيام في الأرض المحتلة، ارتبط تاريخياً بانتفاضات على المحتلّ ما جعل لشهر رمضان مكانة خاصة لدى الفلسطينيين. فالناصر صلاح الدين الأيوبي طرد الصليبيين من مدينة صفد في رمضان عام 584هـ، وقام في الشهر نفسه بتحصين بيت المقدس عام 588هـ، وشيد الأسوار حوله. ومنذ ثلاثين عاماً وفي العاشر من رمضان، انتصر الجيش المصري واقتحم خط بارليف بصوت «الله أكبر».

ويذكر الشيوخ اليوم إذ كانوا أطفالاً قبل النكبة أي احتلال فلسطين عام 1948م، ذكريات عديدة عن المسجد الأقصى وزينته ودروسه وصلاة التراويح فيه، وكذلك مسجد الجزار في عكا والحرم الإبراهيمي في الخليل. أما الجيل الثاني الذي ولد في المخيمات أو المدن التي لم تُحتل، فذكرياتهم عن رمضان تختلف قليلاً إذ يذكرون الموائد الرمضانية في فلسطين والأكلات الشعبية التي يشتهر بها السكان مثل «المقلوبة» و«المسنق» وأنواع الحلوى مثل «الكنافة» و«القطايف».

والجيل الثالث، جيل الانتفاضة، فيحفظ القرآن الكريم ودروس الفقه ويحمل الحجارة ليرشق بها دورية عسكرية ويرجمونها مرددين «الله أكبر». وعلى الرغم من حرمانهم من التمتع بذكريات رمضان، فالمسحراتي لم يَعد يتجول ليوقظ الناس بسبب منع التجوال، حتى أصوات مدافع رمضان منعت مراعاة لشعور المستوطنين، لكن الشباب عرفوا معنى رمضان ومعنى الصبر في انتظار النصر القادم بإذن الله.

أضف تعليق

التعليقات