الثقافة والأدب

في مقابلة مع البروفيسورة بيترا سبستين
أربعة قرون من الدراسات العربية في جامعة لايدن

  • 049_UBLOGW_876_C_13_titelpag030
  • 8558171993_3ac4237c15_o-thresh
  • book cover
  • DSC01727
  • DSC01748
  • DSC01806
  • DSC01809
  • DSC01850
  • DSC01857
  • DSC01859
  • DSC01869
  • Foto_054_Opening_wintertuin_Hortus_Botanicus_(IMG_5545)
  • Foto_086_Opening_wintertuin_Hortus_Botanicus_(IMG_5572)
  • img014
  • Saud 1
  • 027_UBLOHS_Or_8952_L_5_18_4-bit
  • 033_rap61

تحتفل جامعة لايدن الهولندية بمرور 400 عام على تأسيس كرسي الدراسات العربية، وهو احتفال لا يقتصر على نخبة من المتخصصين، بل يسعى لمخاطبة كل سكان المدينة، عن طريق إخراج العرب من المخطوطات الأثرية المحفوظة في مكتبة الجامعة، ليمشوا في طرقات المدينة، ويكتبوا الشعر على جدرانها، ويأكلوا ويشربوا مع الهولنديين، الذين بقوا عندهم كل هذه القرون. بعد زيارة لمدينة لايدن، وحديث مستفيض مع البروفيسورة بيترا سبستين، التي تشغل هذا الكرسي منذ عام 2009م، والذي سبقها عليه عباقرة الاستشراق الأوروبي، يستعرض أسامة أمين مقتطفات من تاريخ كرسي الدراسات العربية بالجامعة، وأهداف تأسيسه، وبعض جوانب الاحتفال بهذه المناسبة، كما يشير إلى بعض الشخصيات الهولندية والعربية التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ هذه العلاقة وحاضرها، قبل أن يعرض لدور كرسي الدراسات العربية في المستقبل.

يمكن أن يسير الزائر في مدينة لايدن الهولندية، فيبهره جمال الطبيعة، خضرة وزهور وجداول مياه، وجسور، ومبان تقليدية أنيقة، وأناس يبدو أنهم لا يعرفون هموم الحياة، من فرط البشر والسعادة البادية عليهم، لكن من يدقق النظر، ويفتش قليلاً، يلمس مظاهر الاحتفال بعلاقة وطيدة بين جامعة هذه المدينة وبين الدراسات العربية، بدأت قبل أكثر من 400 سنة، وجعلت من لايدن قبلة علماء الاستشراق في الغرب، وهو احتفال عربي لكن بنكهة هولندية، يستمر عاماً بأكمله بل وأكثر، ويشمل الجامعة والمدارس والأسواق والحدائق والمتاحف والمباني الحكومية والخاصة، يقدِّم المحاضرات والمعارض والكتب والحفلات والجولات، والنباتات والمأكولات، فهل يمكن أن تخطئه العين؟

قبل المقابلة
تشغل البروفيسورة بيترا سبستين حالياً كرسي الدراسات العربية في جامعة لايدن، وهو الكرسي الذي تأسس رسمياً في عام 1613م، الذي تحتفل الجامعة هذا العام بمرور أربعة قرون على إنشائه، وتدرك هذه العالِمة الهولندية عِظَم هذه المسؤولية، ولذلك فإنها سعت من خلال هذه المناسبة إلى تحقيق كثير من الأهداف، لعل من أهمها إعادة التفكير في الدور الذي يقوم به قسم الدراسات العربية في جامعة لايدن، وكذلك السعي إلى نشر المعرفة المتعمقة بالعالم العربي بين المواطنين، أما الهدف الذي تشارك فيه رأي أول من تقلَّد هذا المنصب، وهو العالِم توماس فان إربنيوس، الذي يستحق التأمل طويلاً، فهو الرغبة في التعرف إلى الذات الهولندية، من خلال الاطلاع على رؤية مختلفة تماماً للعالم، وهي الرؤية العربية.

الكلمة التي ألقتها سبستين في حفل افتتاح برنامج هذه المناسبة، في شهر فبراير 2013م، التي كانت تحمل عنوان: (الحكمة عند العرب – 400 عام من التفاعل الثقافي المشترك)، تفيض عمقاً وتأملاً، والبرنامج الذي تشرف على تنفيذه يحتاج إلى جهد كبير، وميزانية أكبر، لذلك كان من الضروري الجلوس معها، ومناقشتها في كل ذلك.

وكعادتي وصلت قبل الموعد بساعة، وقررت أن أبقى قريباً من الجامعة، فعبرت الجسر، لأجد حديقة نباتات (هورتوس)، ولوحات تشير إلى وجود معرض للنباتات التي تنمو في العالم العربي داخل الحديقة، وهو المعرض الذي يستمر من السادس والعشرين من مايو وحتى أول أكتوبر 2013م، فاعتبرتها بداية رائعة للتعرف إلى ملامح احتفال المدينة باللغة العربية، بطريقة ربما تكون مبتكرة.

أرامكو في حديقة (هورتوس)
بعد دفع رسم الدخول يحصل الزائر على كتيب أنيق فيه صور المخطوطات العربية عن النخيل والرمان والياسمين والبرتقال والتين والسفرجل وغيرها كثير، مع شرح باللغة الإنجليزية أو الهولندية، ومكان وجود هذه النباتات داخل الحديقة، وعلى الغلاف الخلفي للكتيب، تظهر شارة جامعة لايدن وعلامة شركة أرامكو، لتوثيق التعاون بين الجانبين في إقامة هذا المعرض.

ويبدو أن الغربيين لا يستطيعون التفكير في الشرق، دون أن يستحضروا عالم ألف ليلة وليلة، ولكن لا بأس، مادام الأمر يقتصر على الألوان الزاهية، ونافورة المياه الرخامية، والفوانيس، والرسوم الهندسية المميزة للعمارة العربية، ثم زهر الياسمين الذي يستقبل الزائر بعبيره الساحر.

من يتأمل صور حفل افتتاح هذا المعرض، يشاهد مزيجا من الشرق والغرب، ممثلو أرامكو بملامحهم السعودية، وبشرتهم القمحية وشعرهم الأسود، إلى جانب الهولنديين بشعرهم الأشقر وبشرتهم التي لا تترك عليها أشعة الشمس أي أثر، فواكه الشرق في أيدي الغربيين، ولكن ما يجعلها ألف ليلة وليلة هولندية بحق، أن تصاحب هذه اللوحة الشرقية، موسيقى غربية تعزفها فتاة على جيتار.

بعد مغادرة قاعة الاستقبال المغطاة، أو ما يعرف باسم (الحديقة الشتوية)، يخرج الزائر إلى الحديقة المفتوحة، ليشاهد مختلف النباتات والأشجار ذات العلاقة بالعالم العربي، وبجانب كل واحدة منها لوحة على شكل كف فيها اسم النبات بأكثر من لغة، وأحياناً تكون هناك لوحة فيها صور من مخطوطة، تذكر معلومات عن هذا النبات.

الزوار من مختلف الأعمار والجنسيات ينظرون ويقرأون ويلتقطون الصور، وآخرون فضلوا الجلوس أو الاضطجاع بجانب بعض هذه النباتات والأشجار، ولكن الغريب أن الجميع يفضل الصمت والتأمل، وإذا تحدثوا كان همساً، حتى الأطفال الصغار، يفتحون الكتيب المخصص لهم، ويسيرون حسب الخريطة المرسومة، لأنهم إذا انتبهوا، وأجابوا عن الأسئلة الواردة في الصفحة الأخيرة، يحصلون على (دبلوم) شرفي في علم النباتات العربية، تمنحه إدارة الحديقة بالتعاون مع جامعة لايدن، وهي فكرة طريفة، تسهم في أن يبقى هذا المعرض عالقاً في ذهن الطفل طول العمر.

شعار الإسلام على مبنى البلدية
تسألني البروفيسورة سبستين عما إذا كنت قد زرت مبنى البلدية في وسط لايدن، وتنبهني إلى أن هناك قباباً صغيرة تعلو هذا المبنى، وتشرح لي أن هولندا كانت خاضعة لحكم آل هابسبورج في إسبانيا في القرن السادس عشر، وتعرض سكان هولندا البروتستانت للظلم والاضطهاد من الإسبان الكاثوليك، وكان معروفاً أن الأقليات المسيحية واليهودية تلقى معاملة طيبة من الحكام المسلمين، باعتبارهم من أهل الذمة، لذلك تمنى سكان لايدن آنذاك أن يكون من يحكمهم مسلماً، بدلاً من المحتل المسيحي الكاثوليكي، ورفعت المدينة شعار الإسلام على مبنى البلدية، تعبيراً عن ذلك، وبقي هذا الشعار حتى اليوم.

في الحقيقة لا يبدأ تاريخ اللغة العربية في جامعة لايدن في عام 1613م، بل قبل ذلك، وتحديداً في عام 1599م، حين صدر قرار الجامعة بالموافقة على تأسيس كرسي الدراسات العربية، وتشير سبستين إلى أن اللافت للنظر في هذا القرار أنه صدر بعد 24 عاماً من نشأة الجامعة، في وقت كانت المدينة تعاني من الجوع والفقر والأمراض، التي قضت على ثلث سكانها، وكانت الجامعة نفسها تكافح من أجل البقاء، وشاءت الأقدار أن يلقى أول مرشح لشغل هذه الوظيفة حتفه، قبل أن يبدأ في عمله.

وتوضح الأستاذة الهولندية أن دراسة اللغة العربية آنذاك كانت أمراً عسيراً، وكان عدد العارفين بها في القارة الأوروبية بأكملها قليل، فاضطر توماس إربنيوس إلى السفر إلى إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، بناءً على نصيحة يوزيف يوستوس سخاليجر، أستاذ الدراسات اللغوية الكلاسيكية في جامعة لايدن منذ عام 1593م، بحثاً عن العارفين بالعلوم العربية، واستغرق الأمر عشر سنوات، قبل أن يعود إربنيوس إلى جامعة لايدن، ويتولى في 9 فبراير 1613م، كرسي الدراسات العربية.

لماذا اللغة العربية؟
قبل الرد على هذا السؤال، لابد من الإشارة إلى أن البروفيسورة سبستين ليست عالمة في اللغة العربية فحسب، بل هي عالمة تاريخ أيضاً، ولعل من الدقة أكثر أن أشير إلى أن علم التاريخ هو الذي قادها للدراسات العربية، وقد شددت أكثر من مرة في حديثها على أنها تعتقد بأن فهمنا للتاريخ ينطلق من رؤيتنا للعالم، وأن (التاريخ سياسة).

وانطلاقاً من هذه النظرة يمكن أن نسوق المبررات المختلفة لإنشاء كرسي الدراسات العربية، حسب رؤيتنا للعالم، ومن يطَّلع على محاضرة البروفيسورة سبستين في افتتاح برنامج الاحتفال، يرى أنها عرضت كثيراً من الاحتمالات التي تتوافق مع مختلف الرؤى، فذكرت الفوائد التجارية المرجوة من وراء ذلك، باعتبار أن الدراسات العربية أسهمت في فهم الهولنديين للإسلام والمسلمين، وخاصة في الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا).

كما تشير البروفيسورة سبستين في محاضرتها إلى أن سخاليجر، هو من يعود إليه الفضل في تأسيس قسم الدراسات العربية بها، الذي قدم كثيراً من المخطوطات الشرقية إلى مكتبة الجامعة، كان يكن احتراماً وتقديراً كبيرين للأدب العربي، ويرى أنه من غير الممكن فهم الميراث البشري، بدون هذا الأدب العربي، وهي نظرة فيها كثير من رحابة الأفق، وإيمان بشمولية الفكر الإنساني.

كذلك تتفق مع إربنيوس في أن هذه الدراسات تساعد على الاطلاع على المصادر العربية، ولعل من الفوائد المباشرة لذلك، أنه كان يقوم بترجمة المراسلات الدبلوماسية والتجارية الواردة إلى الدولة الهولندية، وإرسال الترجمة الهولندية فقط للدوائر الحكومية، مع الاحتفاظ بالرسائل الأصلية في مكتبة الجامعة، حيث مازالت موجودة حتى اليوم.

وهناك دافع آخر لابد من ذكره وهو ما أشار إليه إربنيوس قبل أربعة قرون، وهو أن كثيرين ممن ينتقدون الإسلام ومن الذين لا يتورعون عن تأليف الكتب للنيل من رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يفعلون ذلك دون معرفة بهذا الدين، وهي المعرفة التي لا تتحقق بدون الدراسات العربية.

أما الفائدة الحقة التي ذكرها إربنيوس –حسب سبستين-، فهي أن تعلم اللغة العربية يتيح للطلاب أن ينهلوا من الحكمة العربية، التي لا تقتصر على علوم الطب والفلسفة والرياضيات والجغرافيا والتاريخ والشعر، بل أن يمتلكوا الرؤية المتعمقة لسبر أغوار حضارة، تمثل نموذجاً ناجحاً لا يمكن تجاهله، ويوضح العالم الهولندي أنها (حضارة تدمن الحروف والدراسة)، مضيفاً بقوله إن (اللغة العربية تمتلك من الكتب المهمة في مختلف فروع المعرفة، أكثر من غيرها على الإطلاق).

علماء وإنجازات
على الرغم من أن إربنيوس لم يبق في وظيفته إلا أحد عشر عاماً، ومات وهو في الأربعين من عمره، إلا أنه استطاع أن يرسِّخ مكانة الدراسات العربية في جامعة لايدن، فقد نشر كتاباً عن قواعد اللغة العربية، بقي مرجعاً مهماً حتى القرن التاسع عشر، كما أصدر كتباً تحتوي على المادة العلمية التي كان يستخدمها في تدريس طلابه، وكان من بين هؤلاء الطلاب ياكوب خوليوس، الذي خلف إربنيوس في كرسي الدراسات العربية، الذي حرص على إكمال ما بدأه أستاذه، وجعل جامعة لايدن مركزاً مهماً لدراسات الشرق الأوسط في أوروبا.

قدَّم خوليوس 300 مخطوطة جديدة إلى مكتبة الجامعة، منها مخطوطات مهمة للغاية في الرياضيات، حصل عليها في إسطنبول بعد انهيار الدولة العثمانية، وأصبح الطلاب يأتون من كافة أنحاء أوروبا لدراسة هذه المخطوطات، كما ألَّف خوليوس قاموساً للغة العربية، ظل مرجعاً أساسياً لقرنين من الزمان. وتعاقب على هذا الكرسي أساتذة كبار، أسهم كل واحد منهم في استمرار المكانة المميزة لجامعة لايدن، ومن بين هؤلاء راينهارد دوزي، وتيودور يونبول، وميشائيل يان دو خويه.

وتوضح سبستين أن بعض المخطوطات العربية ليس لها وجود إلا في مكتبة لايدن، وأن بعض أمهات الكتب العربية خرجت إلى النور من هنا، مثل (تاريخ الطبري)، وكذلك (فتوح البلدان) للبلاذري، الأمر الذي يبرر توافد كبار علماء الاستشراق على جامعة لايدن.

وترى أن الأساتذة الذين شغلوا كرسي الدراسات العربية منذ إربنيوس، لم يقتصر دورهم أبداً على العمل الأكاديمي فحسب، بل كانوا دوماً مشاركين بنشاط في النقاشات الدائرة حول المسلمين وحول العالم العربي، بل إن بعضهم كان منغمساً بشدة في السياسة الاستعمارية لهولندا، كما فعل المستشرق الشهير كرستيان سنوك هورخرونيه، الذي أعلن إسلامه، وأقام في مكة ستة أشهر.

وترى أنه آن الأوان لإعادة النظر في أولويات الكرسي، بحيث تصبح متوافقة مع المتغيرات التي جرت خلال هذه القرون الأربعة الماضية، وترى أن القضية لا تقتصر على تعليم اللغة العربية للطلاب، لأن الجامعة ليست معهدا لتعليم اللغات الأجنبية، بل ينبغي أن تسعى لفهم العالم العربي وثقافته، وتنشر المعرفة عنهما.

صعوبة اللغة العربية على الهولنديين
تتفهم سبستين شعور الدارس الهولندي بصعوبة اللغة العربية، وتُعد أن فهم أبسط الجمل العربية يحتاج إلى معرفة كثير من الخلفيات، من التاريخ والعادات والتقاليد والشعائر الدينية والنظرة الشاملة للعالم وتُعَدِّد صعوبات أخرى من بينها أنه لا توجد أي علاقة بين أصول اللغتين العربية والهولندية، ولذلك فإن الدارس مضطر إلى حفظ كل كلمة جديدة، ولا يستطيع أن يستنتج معناها، كما هو الحال بين بعض اللغات الأوروبية، حيث يوجد كثير من المفردات المتشابهة، علاوة على مشكلة اللهجات العربية الكثيرة والمتباينة، التي يجد العرب أنفسهم مشكلات في فهمها، فما بالك بغير العربي.

وقالت إن جامعة لايدن قررت قبل عدة سنوات إجراء تعديلات على برنامج الدراسة لطلاب العربية، بحيث يشمل ساعات للمحادثة باللغة العربية، علاوة على إلزام الدارس بتعلم لهجة عربية على الأقل، ولذلك يتعلم البعض اللهجة المصرية والآخرون اللهجة المغربية، نظراً لكثرة عدد أفراد الجالية المغربية في هولندا.

لكن الطريف أن واحداً من أهم الأدباء الهولنديين هو حافظ بوعزة، وهو مغربي جاء إلى هولندا وهو صغير السن، وأبدع في اللغة الهولندية، وذكرت سبستين أنه قام بترجمة مسرحية (عطيل) لشكسبير إلى اللغة الهولندية، وحظيت ترجمته بالإعجاب الشديد لدى الجمهور الهولندي، لقدرته على إضفاء روح الشرق على النص بصورة لم يقدر عليها أحد قبله، كما أشارت إلى أن الأديب رمزي ناصر، وهو من أب فلسطيني وأم هولندية، قد حصل على لقب (شاعر الوطن) في العام الماضي، ولم يشعر أي هولندي بغرابة من أن يتمتع شاعر من أصول مهاجرة بهذه المكانة المرموقة.

وتوضح أن الوجود العربي في هولندا أخذ يتغلغل في بعض الجوانب، حتى لم يعد الهولنديون يشعرون بغرابته، فاسم (نادية) أصبح منتشراً، ولا يخطر ببال كثيرين أنه اسم عربي، وتناول الشاي مع النعناع أصبح تقليداً هولندياً، لا يعرف كثيرون أصله المغربي، كما أن أحمد أبو طالب، وهو سياسي مغربي الأصل، استطاع أن يحتل منصب عمدة مدينة روتردام الهولندية، منذ عام 2009م وحتى الآن.

وعلى الرغم من الصعوبات التي تحدثت عنها في البداية، فإن هناك حوالي 100 طالب حالياً في تخصص الدراسات العربية بجامعة لايدن، في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، علاوة على أن هناك طلاباً في مرحلة الدكتوراة، يأتي بعضهم من الدول العربية لإكمال دراساته العليا هنا، وهو الأمر الذي تشجع عليه الجامعة وتدعمه سبستين.

برنامج الاحتفال بالمناسبة
بدأ برنامج الاحتفال بمرور 400 سنة على تأسيس كرسي الدراسات العربية بالمحاضرة التي ألقتها البروفيسورة سبستين في فبراير من هذا العام، والتي سبق الإشارة إليها، ويبدو أنها تركت أثراً إيجابياً كبيراً، ظهر في تقارير الإعلام الهولندي، وفي اهتمام كبار الشخصيات من رئيس الجامعة إلى عمدة المدينة وغيرهما بالحضور، وحرصهم على متابعة أوجه النشاط المختلفة لهذا الاحتفال.

ويستمر البرنامج من شهر فبراير 2013م وحتى شهر مارس 2014م، بل إن هناك مشروعات من المقرر أن تبدأ في العام المقبل، وتستمر لسنوات. علماً بأن هناك جهات عديدة تسهم في تمويل البرنامج منها جامعة لايدن، وإدارة المدينة، ودار نشر بريل الهولندية الشهيرة بإصداراتها ذات العلاقة بالدراسات العربية.

من بين الفقرات الكثيرة لبرنامج الاحتفال هناك مؤتمر متخصص عن بدايات اللغة العربية، في إطار اللغات السامية، وندوة عن شخصيات عربية كانت مثيرة للجدل، ويعقب الندوة عرض كتاب عن ابن حزم الأندلسي، وهناك أيضاً مجموعة من المحاضرات تتناول موضوعات ذات علاقة بالدراسات العربية، مثل الفلسفة الإسلامية، والاحتفاء بإصدارات جديدة لصور من المخطوطات الموجودة بمكتبة جامعة لايدن.

كما يشمل الاحتفال إقامة عدد من المعارض في هذه الفترة، يتناول أحدها تاريخ الدراسات العربية بالجامعة طوال القرون الماضية، ويقدِّم متحف علم الشعوب معرضاً عن الحج، وذلك في الفترة من 10 سبتمبر 2013م، وحتى 31 مارس 2014م، وهناك جولات في المدينة للتعرف إلى آثار الوجود العربي في لايدن.

وإلى جانب معرض النباتات العربية، الذي سبق الإشارة إليه، تخطط الجامعة لإقامة نشاطات كثيرة، مثل إقامة سوق ثقافي عربي على هامش السوق الأسبوعي للخضراوات والفواكه في المدينة، بحيث يتضمن هذا السوق الثقافي إلقاء القصائد العربية مع ترجمتها، وعزف موسيقي، وسرد بعض الحكايات العربية التقليدية، مع إتاحة الفرصة لزوار السوق لتذوق الأطعمة، والحصول على وصفات إعداد الطعام العربي.

كما تخطط جامعة لايدن أيضاً أن تشمل الاحتفالات كتابة قصيدة باللغة العربية على حائط عام في المدينة، لجذب انتباه السكان الهولنديين إلى التنوع الثقافي بين سكانها، وإلى جمال الخط العربي، وكذلك إلى اجتذاب وسائل الإعلام أيضا إلى هذا الحدث، الذي سيجري افتتاحه في حضور لفيف من كبار الشخصيات، على أن يتم إدراج هذا المَعلَم الجديد في دليل المدينة، الذي ستطبعه دار نشر بريل.

وهناك أيضاً جولة مدرسية لحوالي 100 طالب وطالبة من لايدن والمنطقة المحيطة بها، لزيارة معالم الوجود العربي في المدينة منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم، وتكون البداية من منزل أول شخص عربي سكن في المدينة، في عام 1596م، وتصل إلى المسجد الجديد في لايدن، ثم تنتهي بمحاضرة في الجامعة أو بزيارة لمكتبة الجامعة، لتفقد المخطوطات العربية النادرة، كما سيصدر كتيب يحمل تفاصيل محطات هذه الجولة.

مستقبل العلاقة
من المؤكد أن هذه الاحتفالات لن تمر دون أن تترك تأثيرها على المواطنين، وعلى العلاقة بين الجانبين الهولندي والعربي، ولذلك فإن البروفيسورة سبستين قد وضعت الخطط من الآن لأهداف طويلة الأجل، تبدأ من العام القادم، مثل السعي لزيادة الاهتمام بتاريخ العلوم الإسلامية، وتعزيز التعاون الأكاديمي بين جامعة لايدن والجامعات العربية، على مستوى أعضاء هيئة التدريس، وعلى مستوى الدارسين أيضاً.

وتشدد الأستاذة الهولندية على أن العرب هم جيران أوروبا، وأن كل التغيرات التي تحدث عندهم، يصل صداها إلى الغرب، وأن الجامعة هي الجهة الأقدر على تحليل التطورات والأحداث، انطلاقاً من المعارف المتراكمة على مر القرون، ومن خلال الفهم المتعمق للتاريخ والثقافة، وهو دور لا يمكن أن يقوم به شخص بمفرده، ولا يمكن الاستعاضة عنه بقراءة كتاب، بل هي عملية ضخمة يشارك فيها أساتذة وباحثون وطلاب، مستمرون في دراسة الماضي، ومتابعة كل تطورات الحاضر، واستشراف المستجدات المتوقعة في المستقبل.

في كل كلمة تنطق بها سبستين يظهر حماس شديد للغة العربية، وإدراك عميق بأنها لغة القرآن، الأمر الذي يجعلها تحظى بمكانة لا تضاهيها أي لغة أخرى، وأنها كانت لغة العلم والمعرفة والحكمة لقرون طويلة، ولعل هذا الحماس الشديد لهذه اللغة، عند كل من تولى كرسي الدراسات العربية، هو الذي أسهم في تمتع جامعة لايدن بهذه السمعة والمكانة عن جدارة، منذ أربعة قرون وحتى اليوم.

الاهتمام الرسمي السعودي
بدأ الاهتمام السعودي الرسمي بمدينة لايدن منذ قرابة ثمانين عاماً، فقد زارها الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل لاحقاً) في 14 أكتوبر 1926م، وهي الزيارة التي شملت جامعة لايدن، ومبنى البلدية، ومعهد الطب الاستوائي، ومعامل مستشفى الجامعة، علماً بأن هولندا كانت ضمن الدول التي شملتها أول جولة أوروبية يقوم بها مسؤول سعودي بهذا المستوى الرفيع.

أما ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز (الملك سعود لاحقاً) فقد زارها بتاريخ 13 يونيو 1935م، ويبدو أن الاحتفال الحالي بمرور 400 عام على تأسيس الدراسات العربية في جامعة لايدن، يقتفي آثار هذه الزيارة، فقد زار حديقة هورتوس، التي يقام فيها اليوم معرض النباتات العربية، أو (نباتات من ليالي ألف ليلة وليلة) كما يطلقون عليه، وزار مكتبة الجامعة، التي تحوي كنوزاً من المخطوطات العربية، علماً بأنه يقام حالياً بهذه المناسبة معرض متنقل في مختلف دول العالم يضم صورا لهذه المخطوطات، كما زار الأمير سعود المستشرق الهولندي الشهير سنوك هورخرونيه في بيته، وتناول معه الشاي، علما بأن اسم هذا المستشرق هو القاسم المشترك بين كثير من أوجه النشاط المقامة بهذه المناسبة.

أضف تعليق

التعليقات