حياتنا اليوم

سليم ناصر..
من الشلل الرباعي إلى اختراع كرسي عجلات يعمل بالتجديف

  • PAINTING 4
  • hayat-5

كثيرون هم الذين يولدون بإعاقة جسدية أو تلحق بهم بسبب مرض ألمَّ بهم أو حادث أصيبوا فيه، فتلزمهم الفراش أوتترك أثرها على حركتهم. وكثير من أولئك يتغلَّبون على إعاقتهم ويمارسون حياتهم الطبيعية وكأنهم أسوياء تماماً، لكن قلة هم الذين يجعلون من الإعاقة سبباً للنجاح والتألق، فيولد الإبداع من رحم المعاناة وتقود تالياً إلى تحقيق الإنجازات.
برايان كلارك يسلِّط الضوء على سليم ناصر*، واحد من أولئك الذين بدأوا حياتهم بشكل طبيعي، فأحالها أحد السائقين الثملين إلى جحيم من العجز والشلل الرباعي، إلا أن إرادته وتصميمه حوَّلا العجز إلى قدرة (تمثَّلت في هندسة الطيران)، والجحيم إلى إبداع (تمثَّل في اختراع كرسي عجلات) يحركه المستخدم بالتجديف وبأقل من نصف الجهد.

* 
المقالة مترجمة عن مجلة «سعودي أرامكو ورلد»، عدد مارس/أبريل 2013

سليم ناصر، مواطن كولومبي وحفيد أحد المهاجرين العرب، وهو يبلغ من العمر الآن 36 عاماً، نشأ وهو يتنقل بين كولومبيا وتكساس مع عائلته التي ترافق والده المهندس أينما ذهب. وقد أكمل دراسته الثانوية في سن 18 عاماً في موطنه الأم والتحق بالكلية هناك.

كانت حياة سليم تسير بخطى اعتيادية، غير أنه بعد سنتين، قطع سائق ثمل إشارة (قف) وارتطم بسيارته فغيَّر بذلك مجرى حياته.

يقول خلال مقابلة أجريت معه في شقته السكنية غير البعيدة من مركز كنيدي للفضاء في ولاية فلوريدا، حيث يصمم ويحلل معدات منصات إطلاق لوكالة الفضاء «ناسا»: «في بادئ الأمر، لم أكن أستطيع تحريك أي شيء»، «لقد كان التشخيص أنني أصبت بشلل رباعي».

ومن أجل العلاج ومواصلة التأهيل المتخصص، انتقل ناصر إلى ميامي للحصول على رعاية طبية أفضل من الرعاية المقدَّمة له في كولومبيا. يقول ناصر: «في غضون سنة استعدت بعضاً من قوة الكتف والذراع، لكنها كانت عملية بطيئة»، وأضاف قائلاً: «استغرق الأمر مني بعض الوقت لأدرك أنه بإمكاني العودة إلى المدرسة».

شهادات الهندسة الميكانيكية
بعد سنوات خمس من الحادثة، اكتسب سليم من الثقة ما يكفي للتسجيل في جامعة فلوريدا الدولية في ميامي وهناك ثابر ليحصل بعد خمس سنوات ونصف السنة على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الميكانيكية.

وفي مشروع للتصاميم المتطورة، اقترح ناصر أولاً نظام دفع يدوياً للكرسي المتحرك يسمح للمستخدم بسحب حواف العجلات إلى الوراء، كما لو كان يجدف في قارب، لتحريك الكرسي إلى الأمام، على العكس من الدفع المتكرر الذي يتطلبه الكرسي المتحرك التقليدي. وقد أكمل عكس الحركة الدوارة باستخدام التروس الكوكبية وهي خاصية مشتركة في ناقل الحركة الأوتوماتيكي والأدوات الكهربائية.

وفي عام 2010م، طور ناصر مفهومه في هذا المجال ودخل في مسابقة التصميم «إبداع المستقبل» تحت رعاية «TechBriefs»، نشرة ناسا. وقد فاز في هذه المسابقة.

بعدها جاءته استفسارات من عدد من المصنعين المهتمين بالأمر، واستقبل رسالة إلكترونية من ريماس بونيفيشس، وهو رجل أعمال في ماديسون في ويسكونسن، كتب فيها إنه قضى ثمانية أسابيع على كرسي متحرك يدوي بعد تعرضه لكسر في الساق وأن كتفيه وذراعيه تأذيا من دفع العجلات إلى الأمام.

يقول بونيفيشس الذي يدير شركة «Madcelerator» وهي شركة تساعد الشركات الجديدة في جلب الأفكار إلى السوق «كنت أعرف من تجربتي الخاصة أن هناك حاجة للحصول على تصميم أفضل لعجلات الكرسي المتحرك». وأضاف: «إن ناصر شخص ذكي جداً، وفكرة تصميم التروس الكوكبية بدت فكرة ذكية وبارعة. ومع وجود حوالي 1.8 مليون شخص يستخدمون الكرسي المتحرك اليدوي في الولايات المتحدة، فإن هذا يعني وجود سوق كبيرة لهذه العجلات».

أما ناصر فبعد حديثه مع بونيفيشس قام بإعادة تصميم العجلة من أجل تخفيض مخاطر متلازمة الإجهاد المتكرر. ويقول في هذا الصدد: «إذا كان المستخدم العادي يدفع العجلة، في المتوسط، 2000 إلى 3000 مرة في اليوم، فإن تصميمي قلل عدد الدفع بمقدار 330,050 في السنة».

وفي شهر يونيو اشترك ناصر، وهو الآن رئيس قسم التكنولوجيا، مع بونيفيشس، الرئيس التنفيذي في «Rowheels»، في مسابقة خطة الأعمال السنوية لحاكم ولاية ويسكونسن وفازا بالجائزة الكبرى.

يقول ناصر إن الخطوة التالية ستكون تجربة النموذج المبدئي من قبل المستخدمين الذي أعده الثنائي مع مركز شيفرد وهو مستشفى في أتلانتا متخصص في البحوث والعلاج وإعادة تأهيل المصابين في الحبل الشوكي والدماغ. ويأمل ناصر إذا سارت الأمور بصورة جيدة أن ينطلق «Rowheels» في الأسواق مع نهاية هذا العام.

التجديف بدلاً من الدفع
سيكون لاختراع سليم ناصر أثر إيجابي وكبير في حياة مستخدمي كراسي العجلات، فعلى الرغم من أن الكراسي المتحركة أصبحت أخف وزناً وأكثر راحة، وحتى متخصصة، خصوصاً للرياضيين، إلا أن تقنية العجلات لم تتغير كثيراً خلال قرن من الزمن.

لقد أمضت جاكي جوستوس، وهي مثقفة تمريض في مجال الحبل الشوكي، في المركز الطبي في ميلاواكي «زابلوكي فترانس»، سنتين وهي تعمل بشكل مستقل مع فريق هندسي من أجل إعادة تصميم الكرسي المتحرك.

تقول جاكي إن السعادة غمرتها عندما علمت أن شخصاً اخترع كرسياً متحركاً يسمح بالتجديف بدلاً من الدفع، لأن مرضى الحبل الشوكي على الكراسي المتحركة يعانون من مشكلات كبيرة في العضلات والمفاصل.

وتشرح قائلة إن عملية السحب تستخدم مجموعة عضلات أكبر وأقوى مثل عضلة الدالية الخلفية والعضلات ثلاثية الرؤوس وثنائية الرؤوس وغيرها، بينما عملية الدفع تستخدم عضلات صغيرة في مقدمة الجسم التي يصيبها تمزقات صغيرة وتتعرض للتلف بصورة متواصلة مع مرور السنين.

وتقول إن التجديف يعمل أيضاً على تحسين عملية التنفس، وينظم الحجاب الحاجز 75 في المئة من قدرة الرئة. وعندما يضطر المريض على كرسي متحرك الدفع إلى الأمام آلاف المرات، فإن جسمه ينحني. وفي النهاية تصاب القامة بالتقوس، ويندفع الحجاب الحاجز إلى الأعلى باتجاه الرئتين مما يفقدهما بعض قدرتهما على التنفس.

وتعمل آلية التجديف على تحريك الجزء العلوي من الجسم في الاتجاه المعاكس ما يجعل قامة مستخدم الكرسي المتحرك في وضع استقامة. وفي هذه الوضعية، يعمل الحجاب الحاجز بصورة طبيعية.

وتقول جاكي إن هناك كثيراً من الأمور التي يمكن تحسينها في الكراسي المتحركة، أما التحول إلى التجديف بدلاً من الدفع فتعدّ خطوة كبيرة إلى الأمام».

أضف تعليق

التعليقات