عين وعدسة

في متحف التصميم، لندن

دانيال وايل وآلات الزمن

IMG_1582سمع الكثيرون سابقاً بـ «بنتاغرام» وتراث التصميم الذي راكمته عبر السنين. لكن أحداً لم يتوقع يوماً أن يخصص واحد من شركاء بنتاغرام الجهد الكبير لمفهوم الوقت المألوف عندنا جميعاً، ليقدمه لنا في صيغة غير مألوفة، كما فعل دانيال وايل الذي جمع إبداعاته في فن تصميم الساعات ضمن معرض خاص سمَّاه «آلات الزمن».

Des-015في هذا المعرض، الذي أقيم في «متحف التصميم» في لندن، يفكِّك وايل الزمن ويعيد تصميمه من جديد، في آلات ووحدات فنية غير مألوفة سابقاً. فالزمن في كل مكان، وعلى كل جهاز نمسك به أو نراه أو نستعمله، وهو «يتكتك» دائماً في زاوية ما. ولسنا بحاجة إلى ساعة إضافية لنتذكر ما هو الوقت. لكن ما يقدِّمه هذا المعرض لنا، هو نظرة إلى الوقت مضادة لما نراه كل يوم. وها هو دانيال وايل يحوّل الأشياء التي نصادفها في حياتنا اليومية، إلى قطع فنية توحي إلينا بذلك.

على السلم المؤدي إلى الدور الثاني من المتحف، يرى الزائر كلمات سوداء كبيرة تزيّن الدرج فالوقت لا يتوقف، ولا يبدأ. هذا هو الإيحاء المنشود من هذه الكلمات، ولا يبدأ الزمن «يتكتك» إلا عند الاقتراب من أول قطعة فنية في المعرض: شكلان خشبيان كبيران، مشدودان أحدهما إلى الآخر، يُعلنان بداية المعرض.

IMG_1579-وما أن يستدير المرء ويدخل في القاعة، حتى يرى مجموعة كبيرة من رسوم وايل وأفكاره وأشيائه الغريبة والعادية في آن. أشياء جمعها عبر السنين، وها هي موضوعة على منضدة طويلة، تجمع أطراف المعرض بعضها إلى بعض، من أول القاعة إلى آخرها.

IMG_1584استعمل وايل طول حياته نوعاً واحداً من دفاتر الرسم، وأبدع عليها 309 تصاميم، منها 65 تصميماً مفتوحاً أمام أعين الجمهور. وتمثِّل هذه المجموعة فلسفته الفنية وأسلوبه، وهي عبارة عن نوع من تسجيل اليوميات التي تضم أفكاره، وتحثك، لمتعتك الشخصية، على أن تعيد تلمّس أفكار المصمِّم، ومصادر وحيه، وسير الأمور داخل تفكيره.

يؤمن وايل، بأن الرسم هو التفكير التصميمي لدى التظهير، وليس كما يراه كثيرون، مسألة محاولة إعادة إنتاج ما نراه.

وسرعان ما نجد أن هذا المعرض الصغير نسبياً، يضم كثيراً من المواد المكثّفة، التي يكاد الفكر يعجز عن استيعابها كلها، وهي تراوح بين الساعات والأشياء الأخرى التي طوّرها المصمم.

IMG_1577-فالوقت يظهر لدى وايل متمثّلاً في شكل ساعات مفككة، تظهر أجزاءها الميكانيكية. ومن أشهر التصاميم، تصميم «راديو حقيبة اليد» الذي يعود إلى سنة 1982م، وقد صُنعت منه 2000 قطعة بترخيص من «أبيكس».. وفي بعض أعماله الأخرى تظهر أجزاء الساعة وقطعها وكأنها معلقة في الفراغ.

IMG_1581-في هذه القطع الفنية يتداخل الفن بالعلم، لصنع قطع مثل «ساعة خطوط الطاقة»، و«ساعة المعمار». فالبطاريات معلّقة ومتداخلة بواسطة أسلاك من الصلب، وتعمل كموصّلات وتوحي بالحركة الدائمة، فيما يتكشف الجانب الميكانيكي الداخلي للزمن والفضاء. وخطوط الطاقة في الساعة التي أشرنا إليها مستوحاة من رحلات القطار البعيدة التي كان عليه أن يعرفها، حيث كان يشاهد خطوط الطاقة تمتد وتنشئ ثلة من الخيوط السود، في حركة دائمة.

يضم المعرض أيضاً، مشروعات تصاميم وايل الصناعية الأخرى، مثل زجاجات رضاعة الأطفال، التي صُمِّمَت لشركة «ماذركير»، وكسبت جائزة، ومجموعة السكاكين والملاعق لشركة «يونايتد إيرلاينز»، وغلاف قرص مدمج لـ «بتشوب بويز». ويرى وايل، أن دلالات شيء ما، تفرض تصميم هذا الشي في شكل «يصبح فيه الشيء ما تنتظره أن يكون».

IMG_20140804_115404-إن أكثر ما يثير الزائر في هذا المعرض، إضافة إلى الإيحاءات التي يوحي بها، وقطع الساعات المفككة، هو مجموعة الرسوم والتصاميم الغنية التي وُضعت أمامه ليفك رموزها. إن الألواح الإلكترونية والأجهزة الرقمية في أيامنا هذه، تبدّل طبيعة الرسم وعلاقتنا بالقلم تكاد تزول. ولعل التجربة تكون فريدة، حين نرى كيف أن الرسم يحتل مكانة مركزية، فيما يصنعه كل من المصممين والباحثين على السواء.

من هو دانيال وايل؟
Weil-Potraitولد دانيال وايل في بوينس أيرس، سنة 1953م، وهو مهندس معماري ومصمم صناعي. درس الهندسة المعمارية في جامعة بوينس أيرس وتخرج فيها عام 1977، ثم سافر إلى لندن حيث التحق بالمعهد الملكي للفنون وحصل على درجة الماجستير في الفنون سنة 1981م. ثم عمل أستاذاً في المعهد الملكي.
بعد مغادرته المعهد، أخذ يصمم مصنوعاته الخاصة. وفي سنة 1982م، صمّم «الراديو الخاتم»، وهو جهاز راديو موضوع في خاتم شفاف. فأخذت شهرته تتسع شيئاً فشيئاً.
انضم إلى «بنتاغرام» سنة 1992م. وعمل عن كثب مع شركة «ألدو غروب»، فصمم لها ثلاثة متاجر. ومن زبائن وايل «يونايتد إيرلاينز»، شركة الطيران المدني الأمريكية. وقد صمم لها مقصورة الركاب، وبعض التجهيزات مثل صواني الطعام وملابس الملاَّحين وكثيراً من الأمور التي تشكل هوية بصرية للشركة داخل الطائرة.

أضف تعليق

التعليقات