علوم

العُملة الحيوية

كم تكلّف رمشة العين؟

الطاقة هي أهم عملة متداولة في عالمنا الصناعي. فالنفط هو من أهم المصادر الأولية لإنتاج الطاقة. ومنه يُشتق الغازولين الذي يشكِّل العملة الرئيسة لتحريك المركبات. فالسيارة لن تتحرك متراً واحداً دون غازولين. فما هو حال ومصدر الطاقة لعالمنا الحيوي الدقيق على مستوى الخلية؟
shutterstock_4019848
«ثلاثيُّ فوسفات الأدينوسين» هو اسم العملة الحيوية المشتركة لتحريك جميع الوظائف الحيوية عند الكائنات الحية، سواء أكانتَ نبتةً تمتص أشعة الشمس، أم كائناً بكتيرياً يعتاش على ثاني أكسيد الكربون الموجود في أمعاء كائنات أكبر منه، أم إنساناً يتناول فطوره. ومصادر هذه العملية الحيوية متعددة ومختلفة الأشكال.

مادتها
تُصنع هذه المادة في البلاستيدات الخضراء بالخلايا النباتية التي تستمد طاقتها من أشعة الشمس. أما في الخلايا الحيوانية، فإنها تصنع فيما يُعرف بـ «الميتوكوندريا»، أو «بيت الطاقة» بالخلية، الذي ينتج ثلاثي فوسفات الأدينوسين من المركّبات العضوية الناتجة عن تفكيك المواد الغذائية. لذلك نحس بالخمول والتعب عندما نمتنع عن الأكل لفترة طويلة حتى لو لم نتحرك. إذ إن تشغيل أجسامنا وإن كانت ساكنة يحتاج إلى طاقة كبيرة. وهكذا يقوم الجسم باستغلال السكر والدهون المخزّنة لإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل الوظائف العضوية مثل نبض القلب وتحريك العضلات وإرسال الإشارات العصبية، إضافة إلى الوظائف الخلوية مثل تصنيع البروتينات وتشكيل الدهون ونسخ الحمض النووي والانقسام. ونستطيع أن نغش أجسامنا لتزويدنا بالنشاط عن طريق مشروبات الطاقة التي سيتركز عملها الوحيد على تسريع عملية إنتاج «ثلاثي فوسفات الأدينوسين، في الميتوكوندريا».

Printيوجد في جسم الإنسان كمية محدودة من جزيئات ثلاثي فوسفات الأدينوسين، تبلغ حوالي 300 جرام تقريباً. ويحتوي هذا المركب الكيميائي على ثلاثة جزيئات من الفوسفات المتصارعة الغنية بالطاقة. هذه الجزيئات الثلاثة المتزاحمة تسبب إزعاجاً كبيراً للمركّب وتشحنه بطاقة كيميائية. وعندما ينفصل جزيء الفوسفات، يطلق المركّب بعضاً من الطاقة المشحونة. وهكذا تستغل هذه الطاقة في الوظائف الحيوية المختلفة. ولتقريب مفهوم عملية إنتاج الطاقة من مركب ثلاثي فوسفات الأدينوسين، نضرب مثلاً، هو: تخيل أب (مركب الأدينوسين) يقود السيارة وثلاثة من أطفاله (جزيئات الفوسفات) تربطهم علاقة قوية جداً ويصرون على الجلوس جميعاً في المقعد الأمامي بجانب الأب السائق. إن انحصار ثلاثة من الأطفال في مقعد واحد سيجعلهم يتصارعون على الحيز المتاح مما سيسبب الإزعاج وسيشحن الأب السائق بطاقة وتوتر. وكلما انفصل ورجع واحد من الأطفال إلى المقعد الخلفي يقل التوتر والإزعاج ويتحرر جزء من طاقة الأب المتراكمة. عليه يمكننا أن نفهم كيف أن طاقة ثلاثي فوسفات الأدينوسين هي أعلى من الطاقة المخزنة في مركَّب آخر اسمه «ثنائي فوسفات الأدينوسين» لوجود عدد أكبر من جزيئات الفوسفات (أو الأطفال المزعجين كما في المثال) المتصارعة في حيّز صغير.

من جهة أخرى، يمكن أيضاً تخزين الطاقة عن طريق إضافة جزيء فوسفات إلى أدينوسين ثنائي أو أحادي الفوسفات. فمثلاً جزيء سكر الجلوكوز الواحد ينتج ثمانية وثلاثين مركّباً من «أدينوسين ثلاثي الفوسفات» في الخلية. وهكذا يعمل هذا المركَّب الرائع كالبطارية عن طريق شحنه بجزيئات الفوسفات. ولتشغيل جميع وظائف أجسامنا بشكل طبيعي، فإننا نحتاج إلى تحويل كل مركّب أدينوسين من ثلاثي إلى ثنائي الفوسفات 300 مرة في اليوم.

قياسها بالسعرات الحرارية
Printإذا كان الأدينوسين ثلاثي الفوسفات هو المعيار الرئيس لإنتاج أو تخزين الطاقة، فلماذا نستخدم مصطلح السعرة الحرارية أو «الكالوري» لقياس استهلاكنا للأغذية؟ إذ من الدارج أن نجد كمية السعرة الحرارية لكل جرام مطبوعة على عبوات كثير من المنتجات الغذائية. لكن لِم نربط نشاطنا الرياضي بإنقاص عدد معين من السعرات الحرارية؟ السبب الرئيس هو أنه من الصعب جداً قياس شحن أو استهلاك جزيئات الأدينوسين ثلاثي أو ثنائي الفوسفات في الجسم. ولكن يمكن ربط استهلاك وتخزين الطاقة بوحدة فيزيائية شبه ملموسة. فالتعريف الفيزيائي البحت للسعرة الحرارية أو الكالوري متعلق بكونها وحدة لقياس الطاقة الحرارية، وتحديداً: وحدة قياس كمية الطاقة اللازمة لرفع حرارة جرام واحد من الماء بمقدار درجة مئوية واحدة. فعند تحرير ذرة فوسفات من مول واحد من أدينوسين ثلاثي الفوسفات ليصبح أدينوسين ثنائي الفوسفات، تنتج طاقة حرارية بمعدل 7000 كالوري لكل مول. أما كلمة «مول» هذه فهي وحدة للتعبير عن كمية كبيرة جداً جداً من الجزيئات يعبر عنها بالرقم 6.022 × 10²³. ولكي نريح أنفسنا من هذه المعمعمة الفيزيائية استعضنا عن ذلك كله بمفهوم «الكالوري».

في المعدل، يحتاج الفرد إلى 2000 كيلو كالوري (أي 167 مول من أدينوسين ثلاثي الفوسفات) يومياً لإنجاز الوظائف البيولوجية للجسم. ويختلف هذا الرقم اعتماداً على عمر الإنسان وجيناته التي تتحكم بالوزن والطول والجنس.

إن المحرك الرئيس لكل نشاطات الكائنات الحية هو هذا المركب العظيم. ونحن نشارك الأدينوسين ثلاثي الفوسفات مع أقدم شجرة وأسرع نمر وأطول دودة شريطية وأصغر بكتيريا. جميعنا لا نستطيع البقاء على قيد الحياة جزءاً من الثانية دون تفكيك الملايين من روابط الفوسفات

أضف تعليق

التعليقات

نعيمة قاري

احسنت الوصف والمثال مقال اكثر من رائع

عرب

وما اوتيتم من العلم الا قليلا

هيثم

مقال جميل جدا.. شكرا