ذاكرة القافلة

الحج كان سبباً في ظهور رحَّالة مسلمين

تصفح المقال كاملاً

في عدد القافلة لشهر ذي الحجة 1381هـ (مايو / يونيو 1962م)، كتب الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين مقالة ردَّ فيها ظهور الرحَّالة المسلمين وأدبهم إلى فريضة الحج. وفيما يأتي أبرز ما جاء فيها:

بدأت الرحلات تأخذ طابعها الرسمي عند المسلمين، بتكليف من السلطات المركزية الإسلامية في بغداد، حينما كانت المركز الأول للخلافة الإسلامية في العهد العباسي. وذلك لمعرفة الطرق والممالك التي تربط العاصمة بالبلاد التابعة لها.. ثم شملت هذه الرحلات طائفة من الحجاج إلى بيت الله الحرام. فكان الحج سبباً في ظهور رحَّالة مسلمين، أشهرهم أبو الحسين محمد بن جبير الأندلسي، وقد بدأ رحلته من غرناطة في المغرب الأقصى، في شهر شوال من السنة الثمانية والسبعين بعد المائة الخامسة هجرية.

ثم كان أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد ابن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي، المشهور بابن بطوطة. وفي العصر الحديث، عُرف الأستاذ إبراهيم المازني في كتابه الذي سماه «رحلة الحجاز»، والدكتور محمد حسين هيكل الذي ألَّف كتاباً سماه «في منزل الوحي»، رحمهم الله جميعاً.

كان الحج من أغنى الينابيع التي زوَّدت الحجاج بألوان المعرفة، وقد صحب الحجاج القصص والأخبار التي سمعوها في طريقهم. وقد وصفوا ما وقفوا عليه في سبيلهم، ودوَّن بعضهم من واسعي الثقافة مشاهداتهم بعد عودتهم.. فكانت حافزاً لطالبي المعرفة، للسعي إلى الحج.

رقعة البلاد الإسلامية واسعة.. وسبل المواصلات لم تكن سوى وسائل البحر البدائية والدواب، لذلك فإن أخبار البلاد الإسلامية.. بل الأمم الأخرى، كانت أو تكاد تكون منقطعة عن بعضها بعضاً. إذن فإن الفضل الأول لوجود هذه الثروة من قصص وغرائب الرحلات الإسلامية وغيرها، كان مصدرها الحج وحده، الذي أتاح ونمَّى حب الاستطلاع.

رحل ابن جبير ثلاثاً من الأندلس إلى المشرق وحجَّ في كل واحدة منهم.. على أن رحلات ابن جبير الثلاث، لم تزد على تسع سنين. وقد توفاه الله في مدينة الإسكندرية. أما رحلة ابن بطوطة فقد استغرقت ربع قرن من الزمن، بدأها شاباً، لم يتجاوز الثانية والعشرين.. وألقى عصا التسيار في بلده وقد بلغ الخمسين.

وابن بطوطة رجل عالم اختير قاضياً في مصر والهند، أما ابن جبير فهو شاعر مجيد، وقد اهتما بحياة الشعوب التي مرَّا بها وعاشا معها، وصوَّرا ذلك في كتابيهما أصدق تصوير وأدقه. والكتابان ثروة تجاريب وأسفار طويلة شاقة، وهما جديران بالمطالعة والدرس، كما أن كتابي الأستاذين المازني وهيكل الحديثين يُعدان من كتب الرحلات الحديثة، وإن كان مداهما غير بعيد.. وغير طويل.. إلا أن الرجلين يجيدان تصوير الوقائع وخلجات النفس.. لخصب خيالهما.. وسعة ثقافتهما، وكثرة اطلاعهما، ومهما يكن من أمر فكتابا هيكل والمازني صورة انطباعات ودراسة.. تصل الماضي بالحاضر بأسلوب الرجلين المجيدين.

أضف تعليق

التعليقات