أدب وفنون

مسرح الطفل العربي

illustation1-qعلى عكس حال المسرح الجاد الموجَّه للكبار، والذي هو غربي المنشأ ولم يدخل ثقافتنا العربية إلا في العصر الحديث، فإن العروض الإبداعية الموجهة للأطفال هي ذات تاريخ عريق في ثقافتنا، ليس ∩خيال الظل∪ و∩مسرح العرائس∪ إلا بعض تجلياتها. ومع ذلك، يبقى مسرح الطفل العربي عموماً دون مستوى الطموحات التي تعبِّر عنها كثرة المهرجانات والمساعي المختلفة الهادفة إلى النهوض به.

لا أحد ينكر أن أوبريت «الليلة الكبيرة» للشاعر الراحل صلاح جاهين يمثل نقلة نوعية لمسرح الطفل في الوطن العربى، وأننا كباراً وصغاراً كنا وما زلنا شغوفين بالأبيض والأسود.

1-Qيندرج هذا الفن تحت اسم «مسرح العرائس» الذي ظهر قديماً عند الفراعنة، وأيضاً الإغريق الذين كانوا يلقِّنون الجند فن المحاكاة، وتمثيل أدوار درامية تتعلق بالمروءة والفضيلة والدفاع عن الوطن. ولا ننسى الصينيين الذين تفننوا فى تمثيليات خيال الظل، ونقلها عنهم المغول وحملوها إلى العراق التي احتلوها، ثم ظهر هذا الفن على يد الحكيم شمس الدين بن الخزاعي الموصلي الذي نزح إلى القاهرة، ثم وصل هذا الفن إلى تركيا عام 1517م في عهد السلطان سليم الأول، لينتشر لاحقاً في أوروبا. رفض المفكر الفرنسي جان جاك روسو مبدأ التعليم والتلقين عن طريق الكتب وشجع التعلم عن طريق اللعب والحركة واستخدام الحواس، ودعا إلى استخدام تلك الأساليب فى كتابه «إميل». واستفاد منه المسؤولون عن التربية، فتعلم الأطفال وقتذاك وشجع على تأسيس مسرح للطفل للتعلم والإبداع وللتربية التي تربي جيلاً يعتمد على الابتكار والتنوير دون الحفظ والتلقين المباشر.

جدير بالذكر أن اليابانيين تلقفوا هذا الفن باهتمام شديد، وأعادوا اكتشافه على طريقتهم، وعملوا على تطوير أدواته ومعطياته وأفكاره حتى أصبح له كيان مستقل. ولعل بيتر شومان في مسرحه الذي يسمى بمسرح «الدمى والخبز» هو أشهر المخرجين المعاصرين الذي يعتمد على مسرح العرائس / الدمى.

الطريق إلى المسرح المعاصر
هناك من يؤكد أن المغرب عرف مسرح الطفل منذ عام 1860م، عندما استولى الإسبان على مدينة تطوان، حيث مثلت فرقة بروتون مسرحية بعنوان: «الطفل المغربي»، وذلك على خشبة مسرح إيزابيل الثانية بتطوان، وهي أول خشبة في العالم العربي وفي إفريقيا. وظهرت بعدها قاعة مسرح الأزبكية عام 1868م، والأوبرا بالقاهرة سنة 1869م بمناسبة افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل.

ولا يفوتنا ذكر دور الرائد السوري أبو خليل القباني في تأسيس مفهوم مسرح غنائي عربي مستقل في القرن التاسع عشر في كل من سوريا ومصر، وقد تتلمذ على فنه وتجاربه المسرحية أعلام المسرح العربي إلى يومنا هذا.

big nightلم يؤسس لمسرح الطفل في البلاد العربية إلا في أواسط القرن الماضي. ولعل فن الأراجوز كان محاولة لتقديم مسرح يخص الطفل بإمكانات متواضعة. وقد اختلف الباحثون حول معنى كلمة «أراجوز». فهناك رأي يُرجعها إلى اللغة الفرعونية «أورو جوز» أي راوي الحكايات، وآخر ينسبها إلى «القرة قوز» باللغة التركية، التي تعني العين السوداء، وآخرون يقولون إنها تحريف لقراقوش نسبة إلى بهاء الدين قراقوش أحد حكام مصر في العهد العثماني، وأيضاً مسرحيات خيال الظل الذي عرفته مصر في عصر الفاطميين، حتى يقال إن صلاح الدين الأيوبي حضر عرضاً لخيال الظل مع وزيره القاضي الفاضل عام 567هـ. اشتهر في هذه اللعبة ابن دنيال الموصلي والشيخ مسعود… وهذا الفن هو عبارة عن دمى ملونة ورقية أو جلدية، تقوم بتمثيل مسرحية تصاحبها موسيقى. ويستعمل ممثلو خيال الظل عصِيّ خشبية في تحريك الدمى من وراء الستار، ومن خلال عكس الضوء على الستار شبه الشفاف. ويفترض بالممثلين أن يتمتعوا بمواهب عديدة، بحيث يمكنهم الغناء وتقليد الأصوات.

وعلى الرغم من التقدم العظيم في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، إلا أن الطفل ما زال يرغب برؤية مسرح يخصه، يعبِّر عن أحلامه وطموحاته والتحديات التي تواجهه في الحياة. فما زال الاعتماد قائماً على مسرح الوعظ والإرشاد وإعلاء القيم الهادفة دون توفير أساليب ممتعة جذابة. أو ينزع القائمون على مسرح الطفل إلى الابتذال في تقديم أعمال تخلو من المتعة والرسالة الهادفة، وتقوم على المبالغة فى انتزاع الضحكات من خلال الإتيان ببعض الحركات العصبية التي يطلقون عليها «كوميديا»، ويتناسى معظمهم أن الطفل كائن ذكي يُميز جيداً بين الغث والمفيد.

مسرح الطفل اليوم
tumblr_mtowhg1umD1rp7x9io1_1280المهرجانات التي تُروج لمفهوم المسرح لدى الطفل باتت كثيرة، ونذكر منها على سبيل المثال مهرجان الأردن لمسرح الطفل العربي، ومهرجان الإمارات لمسرح الطفل، ومهرجان أصيلة بالمغرب، وهناك أيضاً المهرجان الدولي لمسرح الطفل الذى يُعقد بالغردقة في مصر بالتعاون مع مؤسسة «مانيتون» لمسرح الطفل. وأيضاً لا يفوتنا أن نذكر المهرجان العربي لمسرح الطفل الأول برعاية المجلس الوطني الكويتي للآداب والفنون في مارس، العام الماضي، الذي قدَّم تجارب مسرحية عديدة من بلدان عربية مختلفة نذكر أبرزها مسرحية «مريوم والسنافر» من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومسرحية «التعاون» من سلطنة عُمان، ومسرحية «أشعل شمعة» من مملكة البحرين، ومسرحية «همام في رحلة بلاد الشام» من المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ثلاثة عروض من الكويت، ومشاركات أخرى من بعض الدول العربية.

ولكن، على الرغم من كل تلك المهرجانات في الوطن العربي ما زال مسرح الطفل يحتاج إلى وقفة حاسمة للترويج له وتوفير كافة الإمكانات المادية والتقنية والفنية والإبداعية حتى يظهر بما يليق وعقلية الطفل الذي يتربَّى اليوم على الكمبيوتر والآي باد، وأيضاً وسائل التواصل الاجتماعي التي يزخر بها المجتمع. لا ننكر أن هناك مبدعين ومهتمين بهذا الشأن ومخلصين له، لكن تبقى الإمكانات المادية التي يحتاجها مسرح الطفل الذي يعتمد جزء كبير منه على الإبهار البصري والسمعي وأداء الممثلين، بحاجة إلى تدفق مادي منتظم، لا يقتصر على أيام المهرجانات فقط، وإنما يكون إبداعاً منتظماً وله مواسمه المعلومة خلال العام، بما يتناسب مع إجازات الأطفال بالمدراس. وحبذا لو تم تعزيز عروض الصيف التي يجب أن تكثف، لشغل أوقات الفراغ عند الصغار، وإكسابهم مزيداً من المتعة والتعلم غير المباشر من خلال مسرح متخصص في أهدافه وأدواته، وموجه خصيصاً للطفل العربي مع مراعاة كل الظروف البيئية واستغلال تراثنا العربي للتعريف به وتقديمه بأسلوب عصرى يتناغم مع متطلبات طفل اليوم.

أضف تعليق

التعليقات