منذ بدايات القرن الماضي، وإلى يومنا هذا، كان للمشتقات النفطية دور مهم وحيوي في التطور الحضاري والتقني الذي حققه الإنسان، وهذه الثروة المهمة التي حظيت منطقتنا العربية بنصيب وافر منها، شكَّل استثمارها واستخراجها بطريقة مثلى أحد التحديات التي تواجه مستقبل صناعة النفط. ويقول الخبراء إنه تحت أفضل الظروف التشغيلية التقليدية، لا يمكن استخراج أكثر من خمسين بالمائة من النفط الموجود في أي مكمن، وهذه الكميات التي يتم استخراجها تكون موجودة في مناطق المكامن، في حين تبقى كميات هائلة من النفط ما بين الصخور، بعضها على شكل نفط ثقيل تقدَّر احتياطاتها عالمياً بحوالي ثلاثة تريليونات برميل، ويصعب استخراجها حتى باستخدام الحقن المائي أو الحقن الغازي.
من هنا تبرز أهمية استخدام طرق مبتكرة وحديثة لتعزيز إنتاجية النفط، وخصوصاً من الآبار الناضبة، ومن تلك الطرق، استخدام بعض المعالجات الحرارية والكيميائية والبيولوجية، لرفع معدلات استخراج البترول، وزيادة عمر آبار النفط لعقود قادمة قد تتجاوز القرن الحادي والعشرين.
توقعات مبالغة في التشاؤم
في عام 1899م اكتشف حقل «كيرن ريفر» في وادي كاليفورنيا بأمريكا، وقد توقَّع الخبراء في عام 1942م كمية النفط المتبقية فيه بنحو 54 مليون برميل، بعد أن تم استخراج 278 مليون برميل سابقاً، لكن في عام 1986م تبيَّن أن ما تم استخراجه من الحقل بلغ 736 مليون برميل وأن 54 مليون برميل كانت تقديرات بعيدة عن الصواب. ومن جديد، وفي عام 1995م توقَّع خبير الطاقة «أديلمان» وجود 970 مليون برميل في هذا الحقل، إلا أن الشركة الأمريكية «شيفرون» كشفت في عام 2007م عن أن الإنتاج التراكمي قد بلغ بليوني برميل، وما زالت الشركة تستخرج ثمانين ألف برميل نفط يومياً، وأن احتياطي هذا الحقل يبلغ 627 مليون برميل، وأن «شيفرون» التي استثمرت هذا الحقل النفطي في ستينيات القرن الماضي قد عزَّزت إنتاج هذا الحقل من خلال حقن البخار فيه.
إن الحدود القصوى لإنتاج النفط، قضية يصعب تحديدها، إذ يتداخل في ذلك عدة عوامل. ويُعد عالم الجيولوجيا الأمريكي «كينج هوبرت» أول من وضع تصوراً بيانياً لإنتاجية حقول النفط، حيث افترض أن عملية الإنتاج تسلك منحنى على شكل جرس مقلوب، وقد عرفت نظريته باسم «نظرية قمة هوبرت» (Hubbert Peak Theory)، وحسب هذه النظرية، فإن إنتاج البترول يأخذ في التصاعد بشكل لوغاريتمي، حيث يسجل أعلى معدلاته ويصل إلى نقطة ذروة إنتاج النفط، ثم يتناقص بمرور الوقت بشكل تدريجي. وحسبما توقعته هذه النظرية، فإن نقطة الذروة ستكون بين عامي 1965 – 1970م، وهذا لم يحدث، مما اضطر صاحب النظرية إلى أن يعدل ذروة إنتاج النفط إلى عام 1995م، ومن جديد فشلت هذه التوقعات، إذ إن أعمال استكشاف مزيد من آبار النفط مستمرة، والتكنولوجيا الحديثة ما زالت تقدِّم تقنيات إبداعية لاستخراج مزيد من النفط، حتى بات لدى الخبراء اعتقاد بأن نقطة ذروة الإنتاج، هي مشكلة هلامية لا يمكن التنبؤ بها. فحسب توقعات شركة Cambridge Energy Research Associates في عام 2005م، فإن إنتاج النفط في العالم سيشهد تصاعداً لعقود قادمة، ثم يقل بعدها بشكل بطيء جداً، وهذا مطابق لتوقعات صحيفة «وول ستريت جورنال» الشهيرة التي بينت في عام 2007م تزايد إنتاج النفط ليصل إلى مستوى ثابت لوقت طويل دون تناقص.
مكامن النفط في باطن الأرض
يسود اعتقاد خطأ لدى عدد كبير من الناس، أن النفط يوجد في باطن الأرض على شكل بحيرات أو أنهار أو في كهوف كبيرة، إلا أنَّ النفط الذي تشكل من مواد عضوية تم احتجازها في باطن الأرض وتعرض لضغط كبير وحرارة عالية تحولت خلاله تلك المواد العضوية من مركبات معقَّدة التركيب، إلى مواد أبسط هي الهيدروكربونات التي تشبه الإسفلت وتسمَّى «الكيروجين». توجد هذه المواد على شكل قطرات بين المسامات والشقوق الدقيقة وحبيبات الرمل، تماماً كما يتسلل الماء في حجر الخفان. وعند استمرار التفاعلات البيولوجية، فإن مادة الكيروجين تتحوَّل إلى مواد بسيطة التركيب، هي البترول السائل الخفيف.
إن التفاعلات البيولوجية التي تعرَّضت لها المواد العضوية خلال آلاف السنوات، قد حددت جودة النفط. إذ تؤثر الحرارة والضغط العاليان على التحولات الكيميائية التي تتعرَّض لها المواد الهيدروكربونية، فمادة الكيروجين تتغير على مر العصور، فيتحوَّل البترول الثقيل إلى نفط أخف أو إلى غاز طبيعي، كما قد تهاجر تلك المواد البترولية من مكان إلى آخر.
وفي العادة، يوجد النفط في أحواض ترسيبية، تتكوَّن في الحجر الرملي على شكل قبة، وتدعى بـ «المصائد البترولية» (Oil Traps) حيث يوجد النفط الذي يطفو على الماء، ويعلوه الغاز الطبيعي. وهذه المكونات تكون تحت ضغط مرتفع، وعند تحرير النفط من محبسه بسبب عملية الحفر، يندفع النفط بفعل الضغط الداخلي المرتفع إلى سطح الأرض مترافقاً مع الحجارة والطين والماء، ويستمر هذا الاندفاع حتى يتلاشى هذا الضغط، وبذلك يتم الحصول على نحو %20 من النفط الموجود في الحقل، وتسمَّى هذه الطريقة بالطريقة الأولية لاستخراج النفط، أو الطريقة الذاتية. حيث يكون تدفق النفط طبيعياً بفعل ضغط الغاز الذي يدفع الزيت من البئر. كما تلعب لُزُوجَة النفط دوراً مهماً في كمية الزيت الذي يمكن استخراجه، إذ كلما قلَّت اللزوجة زاد معدل الاستخراج.
تقنيات تقليدية لاستخراج النفط
بعد أن تقل كمية النفط المستخرجة من البئر، يتم اللجوء إلى «الطريقة الثانوية» (Secondary Oil Extraction Methods) التي تهدف إلى زيادة الضغط داخل البئر، حيث يتم حقن الماء أو الغاز الطبيعي أو بعض الغازات الثانوية الناتجة من البئر خلال عملية الحفر، أو يتم حقن غاز ثاني أكسيد الكربون أو الهواء داخل البئر، مما يؤدي إلى دفع مزيد من الزيت إلى الأعلى.
لقد استخدمت طريقة الحقن المائي منذ زمن بعيد، من أجل زيادة الضغط داخل البئر. وتؤدي عملية الحقن إلى تدفق النفط من البئر محتوياً على مياه الحقن، وكذلك المياه المصاحبة للنفط، حيث يتم فصل تلك المياه عن الزيت بواسطة مرشحات خاصة. كما يتم التخلص من حبيبات الرمل والرواسب المختلفة. كما يتم تخليص المياه من الأوكسجين من أجل منع نمو بعض الميكروبات داخل البئر التي ينجم عنها تكوُّن غاز كبريتيد الهيدروجين السام الذي يغلق مسامات الصخور. كما يعمل الأوكسجين في المياه على زيادة تآكل المعدات المعدنية المستخدمة في عملية الإنتاج.
من جهة أخرى، قد يلجأ الخبراء في مجال استخراج النفط إلى استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون في آبار النفط من أجل استعادة الضغط في داخل الحوض، حيث يضخ هذا الغاز بضغط عالٍ جداً، ويتم الحصول عليه من محطات توليد الطاقة الكهربائية أو من محطات معالجة الغاز الطبيعي، وهذه الطريقة متبعة على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالإضافة إلى فائدتها في تعزيز الضغط الداخلي في البئر، فإنها أيضاً تساعد على التخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون الملوث للبيئة والمتهم الرئيس بظاهرة الاحتباس الحراري.
وشهدت صناعة استخراج النفط تطورات كبيرة في الآونة الأخيرة، ومنها اعتماد طريقة حفر الآبار بشكل أفقي لإنتاج كميات أكبر من النفط تفوق ما تنتجه طريقة الحفر الشاقولي التقليدية. إذ إنَّ الآبار الأفقية تمكِّن القائمين على استخراج النفط من النفاذ إلى قطاعات في الحوض لا يمكن الوصول إليها بالطريقة التقليدية. كذلك تطورت أعمال تصوير باطن الأرض ثلاثية الأبعاد التي تبيِّن بشكل دقيق البنية الداخلية للحقل وأفضل أماكن الحفر.
تقنيات المرحلة الثالثة ومزيد
من الذهب الأسود
تبيِّن الدراسات الجيولوجية أن مرحلة الاستخراج الأولى والثانية مجتمعتين، تؤديان إلى استخراج نحو %50 من النفط في الحقل، ومن هنا فقد طوَّر الخبراء تقنيات خاصة تعرف باسم طرق المرحلة الثالثة (Tertiary Oil Recovery Methods) وذلك لاستخراج أكبر قدر ممكن من النفط من الآبار، بالاعتماد على تقليل لزوجة النفط المتبقي في باطن الأرض.
ومن تلك الطرق، استخدام الحرارة لتسخين الزيت وجعله قليل اللزوجة، بواسطة حقن بخار ساخن في البئر. وهذه العملية مطبَّقة بشكل واسع في حقل «كيرن ريفر» النفطي في كاليفورنيا. كما يمكن أن يتم التسخين عن طريق حرق جزء من الزيت المستخرج لتسخين الزيت الموجود في البئر. ويرافق هذه العملية ضخ للهواء من أجل تغذية الاحتراق، وتعمل النيران على تكوين غاز ثاني أكسيد الكربون وحرارة عالية، وهذا يؤدي إلى تقليل لزوجة النفط وتحطيم الجزيئات الكبيرة والثقيلة. بالإضافة إلى أن غاز ثاني أكسيد الكربون يعمل على دفع النفط من مكمنه، ويمكن السيطرة على عملية الاحتراق من خلال التحكم بالهواء الذي يتم ضخه في البئر.
إن استخدام البخار لتعزيز إنتاج النفط من الآبار، يتطلَّب استهلاك كميات كبيرة من الطاقة، وفي كثير من الأحيان، يتم حرق الغاز الطبيعي لتوليد البخار من أجل ضخه في البئر لاستخلاص النفط الثقيل. وتؤدي عملية استخدام الغاز الطبيعي إلى رفع تكلفة استخراج النفط الثقيل إلى نحو %60 من تكلفة العملية الإنتاجية. وثمة اقتراح بأن يتم استغلال الطاقة الشمسية لتوليد البخار، وخصوصاً أن كثيراً من مكامن النفط الثقيل موجودة في أماكن ذات سطوع شمسي مرتفع، كما في منطقة الخليج العربي وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية وحزام «أورينوكو» في فنزويلا.
لقد طبقت تقنية التركيز الحراري للطاقة الشمسية لتعزيز إنتاج النفط أول مرة في ولاية كاليفورنيا التي تتميز بمستوى سطوع شمسي جيد. وقد بلغت تكلفة توليد البخار بواسطة الطاقة الشمسية 2.8 دولار لكل مليون قدم مكعبة بوجود حوافز ضريبية اتحادية. أما في منطقة الخليج العربي، فتشير الدراسات إلى أن هذه المنطقة التي تتميز بشدة أشعة الشمس فيها، ستبلغ تكلفة إنتاج مليون قدم مكعبة من البخار نحو دولارين، وعلى الرغم من أهمية استغلال الطاقة الشمسية لتوليد البخار اللازم لتعزيز إنتاج النفط، إلا أنَّ ذلك لن يكون كافياً بشكل كامل للاستغناء عن الغاز الطبيعي أو أي مصدر حراري آخر. وذلك بسبب وجود فترات متقطعة للسطوع الشمسي خلال بعض الأيام، كما أن ضوء الشمس -بطبيعة الحال- يختفي في الليل.
كذلك تم استخدام بعض المواد الكيميائية لتقليل لزوجة النفط الثقيل، وهذه المواد تعمل بطريقة تشبه طريقة عمل الصابون ومواد التنظيف، حيث تقلل من لزوجة النفط وتدفعه باتجاه بئر الحفر، وقد طبقت هذه الطريقة بنجاح في حوض حقل «داكينك» في الصين منذ تسعينيات القرن الماضي.
كائنات دقيقة تُحسِّن استخراج النفط الخام
وللتقنية الحيوية الميكروبية تطبيقات مهمة في مجال صناعة النفط. ومنها تحسين وزيادة استخراج البترول باستخدام النشاطات الميكروبية. وتستخدم في هذه التكنولوجيا بعض أنواع البكتيريا التي يتم عزلها من الأوحال البترولية المترسبة في الآبار، حيث يتم حقنها في داخل البئر مع بعض العناصر الغذائية الضرورية لها، ثم تُغلق بعدها البئر لفترة زمنية قد تصل إلى عدة أسابيع، لكي يتم إعطاء فرصة لتلك البكتيريا لتنمو وتنتج بعض الأحماض العضوية والغازات ومخفضات التوتر السطحي وبعض المذيبات العضوية. وهذه المركبات تعمل على تقليل لزوجة النفط الثقيل وتزيد من سرعة تدفقه، وبالتالي يرتفع إنتاج البئر النفطي.
إن فعالية هذه التقنية الحيوية، هي في قدرتها على تقليل اللزوجة العالية لبعض أنواع النفط، وهي أيضاً فعالة في تحرير كميات الزيت الملتصق بأسطح الصخور، حيث تفشل الطرق الأولية والثانوية في استخلاصها.
لقد أسهمت أبحاث التعديل الوراثي، في استخدام سلالات من البكتيريا من الأوحال النفطية المترسبة في المكامن العميقة في باطن الأرض، وتعديلها وراثياً، لتحسين استخراج النفط من الآبار التي توقف إنتاجها. حيث يتم إكثارها خارج البئر في بيئة خاصة، ثم يتم حقنها مع المغذيات اللازمة لنموها، كما يتم توجيهها إلى الصخور قليلة المسامية والمحتوية على كميات كبيرة من النفط الملتصق بالصخور الذي ينبغي تحريره. وتدل التجارب على أن تلك البكتيريا قد استطاعت تخفيض لزوجة النفط عدة مرات.
وتتميز طريقة MEOR بفاعليتها العالية، كما أنها بسيطة وآمنة بيئياً وتنافس الطريقة الكيميائية لتعزيز استخراج النفط، إذ إنَّ الأخيرة تستلزم استخدام بعض المواد الكيميائية التي قد تكون ذات تأثيرات سُمية، أو أنها تتسبب في تآكل معدات الحفر والتنقيب وأنابيب نقل النفط الخام.
كذلك تعمل بعض سلالات البكتيريا على إنتاج مواد استحلاب بيولوجية ومخفضات توتر سطحي ما بين الماء والزيت، وتساعد على استخلاص النفط المحجوز بين حبيبات الصخور الرملية.
يشار هنا إلى أن التقنية الحيوية الميكروبية لها كثير من التطبيقات في المجال البترولي. فبالإضافة إلى دورها المهم والفعال في تحسين وزيادة كفاءة استخراج النفط من باطن الأرض، فإنها ذات أهمية في الكشف عن النفط والغاز الطبيعي، والتخلص من المواد النفطية التي قد تلوث البيئة جراء حوادث ناقلات البترول وانسكاب محتوياتها أو بسبب حدوث تسرب للنفط الخام من أنابيب نقله. وقد استغلت بعض أنواع البكتيريا أيضاً في أعمال تفكيك السلاسل الهيدروكربونية المرتبطة بالكبريت. كما أن من تطبيقاتها المهمة استخدام بعض أنواع الكائنات الدقيقة في تنظيف أنابيب نقل النفط، حيث يمكن أن تتراكم مواد إسفلتية وشحوم ومركبات بارافينية تعمل على إغلاقها وإعاقة مرور النفط فيها.
لقد أصبح تطبيق هذه التقنيات أمراً ممكناً ومجدياً اقتصادياً بعد القفزة الكبيرة في أسعار النفط الخام عالمياً. فعندما تعجز الطرق التقليدية عن استخراج مزيد من النفط من باطن الأرض، يكون للتقنيات غير التقليدية دور مهم في توفير المزيد منه.