الرحلة معا

ثقافة الانتخاب

ماذا يعني صدور قرار إشراك المواطن في الانتخاب الجزئي في مجالس البلديات؟ القراءات لهذه الخطوة تناولت أبعاداً متعددة، واعتبر أغلبها القرار صائباً في طبيعته وتوقيته، وحمّل المواطن المسؤولية في التفاعل الواعي مع نتائجه.

كنت أشرت في العدد السابق من القافلة إلى ما ذكره مثقف عربي التقيته الصيف الماضي، من أن هناك حضوراً سعودياً متصاعداً، بات، إذا ما قورن بغيره، أكثر وضوحاً ونضجاً في السنوات الأخيرة، خاصة في مجال النظر إلى بعض الأمور من أجل أن تستقيم وتأخذ طريقاً أكثر اطمئناناً إلى المستقبل.

ومصداقاً لرؤية هذا المراقب وغيره من المراقبين، يأتي قرار الانتخابات البلدية ليشعل ضوءاً جديداً على طريق المستقبل السعودي، الآخذ في التبلور من خلال جملة خطوات إصلاحية في المجالين السياسي والإداري، تستجيب من جهة لآمال المواطن، وتتفاعل، من جهة أخرى، مع دور هذا المواطن وشراكته في بناء وطنه والتخطيط لمستقبل أجياله.

وإذا كان المحللون شرّقوا وغرّبوا في تفسير قرار الانتخابات البلدية، فإن أكثر هذه التفسيرات منطقية والتصاقاً بالواقع هو ذلك الذي اعتبر القرار فاتحة موفقة للمشاركة الشعبية، باعتبار أن هذه المشاركة ستتم من خلال أجهزة البلديات، التي تعد من أكثر الأجهزة التصاقاً بحياة الناس ومعيشتهم اليومية. وهو ما يعني أن الناس سيتعرضون لثقافة الانتخاب على شكل جرعات بدلاً من أن نقفز، في بدايات مشاركة المواطن، إلى جرعات أكبر قد تفوّت علينا فرصة بناء وتأصيل الوعي بأهمية المشاركة في القرار الوطني.

ناحية أخرى تدل على صواب هذا القرار ودقة توقيته، هي أن الناس الذين سينتخبون ممثليهم في مجالس البلديات، سيتمكنون من بناء خبراتهم الشخصية في كيفية اختيار مرشحيهم تحت وطأة المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وبالتالي ستنشأ لديهم الرغبة في الاختيار الموضوعي، المبني على مصالحهم كمواطنين، تلك المصالح التي تنسحب بالضرورة على مصلحة الوطن ومغانمه ككل، الأمر الذي يشكّل الهدف النهائي لأية عملية إصلاح تقرُّها الدولة.

الناس أيضاً، من خلال هذه الخطوة (الفاتحة) في المشاركة الشعبية في القرار، سيتعلمون الكثير عن مبدأ الانتخاب ويستأنسون مصطلحاته ومفاهيمه، أي أنهم سيتعرضون لتمرين جيد حيال إشاعة مفهوم الانتخاب وتعميق المسؤولية تجاه روح المشاركة، التي تعود بفائدتها على الجميع. وفي هذا الجانب لا شك في أن الجهات المعنية تلتف وتسعى لبناء الوعي بثقافة الانتخاب، لا سيما وأن هذه الجهات ستلقى حماسة ودعماً من المواطنين، الذين سيشاركون في قرارات تتعلق بمدنهم وقراهم، الأمر الذي يوفر عليها الكثير من الجهد في سعيها لبناء أسس الوعي المنتظر.

إن هذه الخطوة المهمة، وبقية الخطوات التي سبقتها، ستتميز وتنمو بمرافقتها للوعي الحقيقي بقيمتها، فالعلاقة بين الدولة والمواطن لا تنبني على علاقات متناقضة كما يريد البعض أن يصوّر لنا، بل على أساس من الشفافية والحوار والمشاركة ضمن الدائرة الوطنية الشاملة وإيمان الطرفين بأن أهم ما يمكن استثماره هو إمكانات الإنسان، المخلص لنفسه ووطنه.

وبالجملة يبقى مما يبعث على التفاؤل في الطريق إلى تطبيق هذا القرار، شجاعتنا في تقويم تجاربنا وثقتنا في قدرتنا كمواطنين، نتمتع بالمعرفة والمكتسبات الحضارية، ما يساعدنا على التعامل مع الإصلاحات باعتبارها اختيار، يتطور برقي الممارسة.

أضف تعليق

التعليقات