تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بميزة ديموغرافية (سكانية)، وتحظى بفرصة سانحة للاستفادة من إمكانات العدد الكبير والمتنامي من السكان الشباب. ولكن من أجل الاستفادة من هذا المصدر الإنتاجي والاستهلاكي في آن، يجب التصدي للبطالة التي تهدد هذه الشريحة السكانية وتوجيه الإمكانات الضخمة لهؤلاء الشباب.
في شتى أنحاء العالم يتوق الناس للحفاظ على شبابهم– ومرحلة الشباب حقبة من العمر يربطها معظمنا بالإمكانات والطاقة والنشاط والحيوية- ويمثل الجيل الشاب (ما بين 15- 24 سنة حسب تعريف الأمم المتحدة)، واحداً من أكبر مصادر قوة أي بلد، فهم الوعد المأمول بالإنتاجية، والاستهلاك الطويل الأجل، كما يمثِّلون العاملَ الداعم للبرامج والخطط التقاعدية، والدينامية الإبداعية والاجتماعية.
لكن العدد الكبير من السكان الشباب يمثل أيضاً تحديات لواضعي الاستراتيجيات، فهناك حاجة إلى الاستثمار في التعليم، والتدريب المهني، وتنمية المهارات، والفرص التجارية المبادرة، وإيجاد فرص العمل، ودعم البحث عن وظائف للشباب. وهذا يعني في دلالته أيضاً العمل على ضم أولئك القادمين من خلفيات– اقتصادية واجتماعية– فقيرة، والاستفادة من الإمكانية الإنتاجية للشابات إلى جانب الشبان. وهذه أمور جوهرية لضمان أن يحصل هؤلاء على ما يحتاجون إليه ليصبحوا أعضاء فاعلين ومشاركين في الأسرة، والمجتمع، والاقتصاد عموماً. ويُعَدُّ ذلك تحدياً يواجه جميع البلدان التي ترتفع فيها نسبة البطالة بين الشباب، لكنه يُعَدُّ تحدياً حاسمَ الأهمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهو تحدٍّ ملِحٌّ أيضاً يجب مواجهته دون إبطاء.
ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، فقد فاقمت الأزمةُ الاقتصادية تحدي البطالة بين الشباب، إذ بلغ عدد العاطلين منهم 81 مليوناً بنهاية عام م2009، أي بزيادة قدرها 8.7 مليون عاطل مقارنةً بعام 2007م. وتعاني منطقتا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم. فواحدٌ من بين كلِّ خمسة شبان من القوة العاملة في المنطقة عجز عن العثور على عمل عام2008 م. في حين ستبدأ نسبةُ البطالة بين الشباب في الانخفاض في مناطق العالم الأخرى كلِّها في العام الحالي2011 م. ومن المتوقع أن تستمر النسبة في الارتفاع.
من المؤكد أن التعافي من الأزمة الاقتصادية سيتطلب وقتاً أطول بالنسبة للشباب مقارنةً بالبالغين. ومع محاولة الشباب عبور المرحلة الانتقالية بين الدراسة والعمل، لا سيما في البلدان النامية، يخضعُ كثيرٌ منهم لشروطِ عملٍ سيئة وعقود غير مستقرة بأجور متدنية. وعندما تقلُّ الفرص وتندر يرتبط عددٌ متعاظم من الشباب الساخطين بارتفاع معدلات الجريمة، وأعمال العنف، والاضطراب السياسي. ومع استمرار أعداد السكان الشباب في الارتفاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن الضروري تيقن حصول المنضمين الجدد إلى سوق العمل على الفرص المناسبة للعمل في وظائف لائقة.
ويجب أن تضع الدول خطط عمل محددة لإيجاد فرص عمل للشباب، وتسهيل المرحلة الانتقالية من الدراسة إلى العمل. ويشمل ذلك تنفيذ برامج تركِّز على التعليم، والتدريب المهني، وتحسين المهارات، فضلاً عن التدريب المهني والحِرَفي للشباب، مع توجيه اهتمام خاص بضمِّ الشباب من الطبقات المحرومة والشابات. يمكن للتقنية أيضاً أن تمثل مصدراً قوياً ومؤثراً في هذا الجهد. فمع قليل من الإبداع والعزم، يمكن استخدام الهواتف الخلوية مثلاً وسائل، وأدوات، للجمع بين الشبابِ العاطلين وفرصِ العمل المتوافرة المناسبة لهم. كما يمكن للتقنية أن تساعد في جمع البيانات والمعطيات وتوسيع قاعدة المعلومات المتعلقة بالسكان الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبينما تعاني بلدانٌ مثل: الولايات المتحدة وألمانيا والصين مشكلةَ شيخوخةِ السكان، يتمتع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بميزة وفرصة للاستفادة من إمكانيات العدد الكبير والمتنامي من السكان الشباب. إذ يُمثِّل الشبابُ الوعدَ المأمول بدفع عجلة الاقتصاد قدماً، أو تحدي خسارة هذه الإمكانيات والقدرات. لكن مفتاحَ تحويل تحدي البطالة بين الشباب إلى وعدٍ مأمول هو: صياغةُ سياسات رشيدة وتوظيف الاستثمارات الضرورية في الشباب.
سابينا ديوان
مديرة مساعدة للسياسة الاقتصادية الدولية في مؤسسة أمريكان بروغرس.