آخر صيحة في عالم الموضة والتجميل جاءت من مصمم مبتكر جداً إنه «النانو»، هذا ليس اسماً لأحد الأشخاص، بل هو مقياس جديد في الصناعة وعالم المال والتكنولوجيا، قرر أن يقدم عروضه المبهرة في عالم الجمال والأناقة من خلال مواد يتم تصنيعها بحجم دقيق لدرجة أنها تصل إلى واحد من المليار من المتر، وسرعان ما ستصبح «حمى النانو» آخر صيحة في عالم الأناقة، فهل تنوون التسوق معنا؟ روناء المصري تصحبنا في جولة تسوق، ولكنها جولة من نوع آخر، فهيا بنا.
بإمكانك الآن الحصول على معجون أسنان من الفضة النانوية بالطبع سيعمل على التوغل في الفراغات الدقيقة التي تعجز عنها أفضل أنواع فرش تنظيف الأسنان
مع النانو سنحصل على ملابس مضادة لسرطان الجلد، وملابس جيدة التهوية تعمل كعازل حراري من الطقس الخارجي
«ميجا ماركت» و«نانو ماركت»
ربما تغيرت مفاهيم التسوق مع مرور الزمن، إلا أنها ستتغير خلال السنوات القليلة المقبلة، كيف؟ إليكم الإجابة: نعرف جميعنا معنى الأسواق الضخمة والملقبة بـ«ميجا ماركت»، حيث تجد كل ما تشاء من مواد وسلع استهلاكية وخدمات متكاملة وترفيهية، لكن في المستقبل ستصبح الصورة مختلفة تماماً عندما يتبدل الحال من الحجم «ميجا» إلى الحجم «نانو»، حيث أصبح ذلك المجال الحديث من العلوم بمنزلة العصا السحرية التي يمكنها تحقيق الأمنيات بأقل الأسعار والتكاليف والإمكانات، لأنك أولاً وقبل كل شيء ترشد استخدامك للمواد الخام من خلال الجزيئات النانوية المتناهية في الصغر، والعجيب أن كفاءة تلك الأحجام الدقيقة قد تزيد مئات المرات عن كفاءة الأحجام الكبيرة، وتتفوق عليها بسبب حقيقة علمية اكتشفها العلماء حول طبيعة تلك الأحجام الصغيرة، تتلخص في أن المواد والعناصر نفسها تختلف في خواصها الكيميائية والفيزيائية تمامًا عندما تكون في حجم النانو، فيصبح ما كان مستحيلاً في حجم الجزيء العادي متاحاً في حجم النانو.
يبدو أن الحكمة التي تقول: «إن الله تعالى يضع سره في أضعف خلقه» تتحقق على أرض الواقع في دنيا النانو، فلقد قدمت لنا متاجر النانو العالمية ابتكارات قد تشكل أهمية خاصة بالنسبة لحواء وجمالها لتمنحها مثلث الصحة والجمال والصبا، وقدمت للرجال الملابس النانوية بما هو معروف عن فوائدها في التوفير والمحافظة على ما في الجيب، ومن ثم فالمتسوقون من الجنسين لن يكونوا بحاجة إلى تغيير تلك الملابس أو حتى القلق بخصوص اتساخها أو تمزقها! لكن ما السرُّ الحقيقي وراء تلك العصا السحرية؟
السرُّ في السطور التالية:
تجملي بالنانو!
يا لدهشتي الكبيرة عند إجرائي لهذا البحث فقد اكتشفت أن تكنولوجيا النانو كانت مستخدمة في تصنيع مواد التجميل منذ أكثر من أربعين عاماً مضت. في البدايات كانت باستخدام مواد تسمى «ليبوزومات»، وهي جزيئات دقيقة موجودة في الطبيعة داخل خلية كل واحد منا، وتحتوي على مواد دهنية تسمى «الليبيدات» Lipids، وكانت لها وظيفة تجميلية محددة وهي إضافة اللمعان والعمل على تحسين امتصاص مواد التجميل وامتزاجها في الجلد تماماً، وعادة ما كانت تلك المواد موجودة في الخلية على الغشاء الخلوي حتى تسمح بمرور بعض المركبات خلالها، ولم يختلف استخدامها في التجميل عن ذلك، فأحياناً نجد بعض مرطبات البشرة من الكريمات وهي مزودة بفيتامينات مهمة مثل فيتامين E، فتعمل تلك الجزيئات الدقيقة على توصيله بسلام إلى الجلد. وكانت تؤدي تلك الوظيفة من خلال الإمساك بالمواد المراد توصيلها للخلية، تماماً مثلما نضع الزيت على الخل في أثناء إعدادنا لطبق السلطة في المنزل، فنجد أن إحداها قد تخلل إلى الآخر ليصنع ما يشبه المعلق، وربما هذا الوصف مجرد أمر تشبيهي قد يقوم العلماء بتصويبه بدقة أكبر، لكنه يسهم في نقل الصورة إلى أذهاننا، لأن هذا ما يحدث عندما تم تغيير «الليبوزومات» بالجسيمات النانوية والتي كانت على هيئة معلق.
قامت حملات الترويج لمستحضرات النانو على أساس تغلغل تلك المواد الدقيقة بما تحمله من مواد مفيدة إلى مسام الجلد وعلى أعماق أكبر بكثير نظراً لصغر حجمها من المواد المعتادة في الأسواق، الأمر الذي يتيح لها النفاذ عبر أضيق المسام والفراغات البينية، ومن ثمَّ أمكن صناعة مستحضرات تجميل تعمل على ترطيب البشرة لعدد ساعات أطول، وبطريقة تعالج بعض العيوب مثل القضاء على البكتيريا أو الميكروبات الضارة التي قد تؤدي إلى ظهور الحبوب في مناطق بالجسم مثل الوجه، أو حتى في منع ظهور الشيخوخة من خلال تحسين خواص الجلد، أو حتى من خلال مستحضرات تجميل تحمي البشرة من الأشعة الضارة للشمس، أو حتى من الأتربة وعوامل الجو المتغيرة من رطوبة وحرارة، ما يمنع جفاف البشرة، أو اختلاف خواصها، ومن ثمَّ يؤخر ظهور أعراض التقدم في العمر، والسبب يكمن في نجاح تلك المواد الدقيقة في غلق
المسام والاتحاد بسهولة مع الجزيئات الأخرى، ويمكن تشبيه الأمر بأحجار الطوب المتراصة دون أي تجاويف بسبب مواد البطانة التي توضع بينها، ولكن، هل هذا كل شيء؟ بالطبع لا، هناك المزيد.
النانو لشعر أفضل!
كيف ستختار الشامبو يا سيدي؟ بالنانو أم لا؟
هكذا سيصبح السؤال الذي سيطرحه الباعة عند شرائك شامبو أو منظف الشعر، ومنعم الشعر كذلك «بلسم»، فلقد احتلت تقنية النانو منزلة كبيرة وشهرة واسعة في هذا المجال عندما قدمت الحلول السحرية للشعر، فمن يرغب في شعر أملس فعليه استخدام جسيمات نانوية معينة من خواصها ترك الشعر أملس، وبالطبع الفارق بينها وبين مثيلاتها في السوق، هو أن مفعولها أطول بكثير، ونتائجها سريعة وفورية، كما أن لها فوائد جانبية أخرى مثل حماية الشعر من التعرض لأشعة الشمس الضارة أو تغليف كل بصيلة من الشعر بحيث تحميها من عوامل الرطوبة والجفاف والتقصف!
الجديد أن جسيمات النانو، أيضاً، تستطيع إعطاء الشعر مظهرًا مموجاً خلاباً، فبإمكان السيدات التحكم في حجم التموجات المرغوبة ونوعها، هل تريد التموج من الأطراف فقط؟ أم بطول الشعر؟ والسر في حجم النانو مع التمتع بجميع المزايا السابقة.
ولكن ما الجسيمات المستخدمة في تلك التقنية الحديثة لتصفيف الشعر، لا تتعجبي يا حواء كثيراً، فأنت تضعين بمحض إرادتك وباختيارك السيراميك والفضة في خصلات شعرك! بينما تتجملين بكريمات مصنوعة من الذهب، وثاني أكسيد التيتانيوم، والألومنيوم، وأكسيد الخارصين، والفضة أيضاً!
المستحضرات لم تنته بعد، ولكن يبدو أن الفضة تلعب دوراً كبيراً في عالم التجميل، فبإمكانك الآن الحصول على معجون أسنان من الفضة النانوية، بالطبع سيعمل على التوغل في الفراغات الدقيقة التي تعجز عنها أعتى أنواع فرش تنظيف الأسنان، وكذلك الحال بالنسبة لصناعة فرشاة التنظيف، ولا تنسوا حديثنا عن العناية بالشعر، لذا أصبح من الممكن أن تحصلوا على فرشاة وأمشاط نانوية من الفضة أو الجسيمات النانوية الأخرى، وهناك بعض المستحضرات المهمة مثل منظفات البشرة، لأن جسيمات النانو تعمل كمضادات ميكروبية، ومن ثمَّ يمكنها تنظيف البشرة.
أما مزايا الجسيمات النانوية في التجميل فيمكن تلخيصها في الخواص التالية:
• مضادات ميكروبية وبكتيرية.
• مضادات للشيخوخة.
• مصدات للأشعة الضارة والأتربة والغبار.
• طبقات واقية من الرطوبة والحرارة أو الجفاف.
• أغلفة ضد التقصف والخشونة والمواد الضارة.
• متجانسات للبشرة والمسام تتخلل الجلد على أعماق كبيرة.
• ذات مفعول يدوم مدة أطول.
تبدو تلك المزايا مثالية، أليس كذلك؟ وإن كانت هذه هي الحال بالنسبة لمساحيق التجميل ومستحضراته، ماذا إذاً عن الملابس؟ ترى كيف تبدو صورتها بالنانو هي الأخرى؟
صيحة نانوية
إليكم أحدث صيحات الموضة في عالم الملابس والأناقة، تألقوا بملابس تعمل على أداء وظيفة أو أكثر، بإمكانك الآن أن ترتدي سترة أو معطفاً أو قميصاً مضاداً للبكتيريا والميكروبات ولا يلتصق بالأوساخ والملوثات، كما أن البقع ليس لديها أية فرصة في الالتصاق بالنسيج، والأهم أنه أصبح باستطاعتك أن تسير تحت المطر والرياح من دون أن تعلق قطرة ماء واحدة أو ذرة غبار واحدة بملابسك، ولن تحتاج للمكواة أو حتى للتجفيف أو حتى لتنظيف البخار، ولن تحتاج إلى كل هذا العناء وملابسك لا يلتصق بها أي شيء ولا تبتل ولا تتسخ!
وإليكم الصيحة الأخيرة، ملابس تمنع وصول أشعة الشمس فوق البنفسجية إلى جلدك أي أنها مضادة لسرطان الجلد، وملابس جيدة التهوية تعمل كعازل حراري من الطقس الخارجي. إذاً وداعاً لملابس الفصول «الشتوية والصيفية»، فلن تحتاج إلا لطقم أو اثنين على الأكثر لترتديه طوال العام مهما كانت الأجواء، هذه هي مفاهيم الأناقة في عصر النانو، لكن كيف توصل العلم إلى تلك القفزات الهائلة في عالم الأناقة والملابس؟
الإجابة ببساطة هي سلسلة من الأبحاث الجادة حول طبيعة المنسوجات وخصائصها وطرق معالجتها في أثناء عمليات التصنيع، وخاصةً في مرحلة التشطيب، حيث تتم إضافة معلقات النانو الخاصة جداً، وعادة ما تكون من ثاني أكسيد التيتانيوم الذي يمكن أن يكون في حالة «جلّ» أو حالة «سائل» وهو ما يعرف علمياً باسم Sol- Gel، وهناك مواد كربونية خاصة يمكن إضافتها إلى المراحل النهائية من تصنيع الملابس والمنسوجات، وطبقاً للباحث حسام أبو الفتوح، الباحث بإحدى شركات القطاع الخاص في مصر والمنتجة لهذا النوع من التقنيات والتي تعمل على تقديمها للأسواق التجارية، فإن مدة تصل إلى 24 ساعة يجب أن تلي المعالجة النهائية بالجسيمات النانوية لكي يتم الحصول على المزايا العديدة لتلك التقنية، كما أن استخدام النانو ليس فقط في المرحلة النهائية من التصنيع، بل يمكن أن تتم جميع المراحل من خلال مواد نانوية أو بمجرد دخول مادة أو أكثر من المواد النانوية في مرحلة أو أكثر من مراحل التصنيع، ويمكن الحصول على تلك المواد في صورة بخاخات يتم رش الملابس بها حتى نحصل على منتج ذي مواصفات عالية وجودة خاصة جداً.
فلنتحدث عن كل خاصية من تلك الخواص، وكيفية الحصول عليها، في البداية خاصية سريان الماء من دون أن يبتل النسيج، هي إحدى الحيل القديمة التي يعرفها صناع النسيج وتتم بإحدى طريقتين: إما عن طريق تكوين طبقة خشنة السطح ذات طبيعة كارهة للماء Hydrophobic، وإما عن طريق معالجة سطح خشن بمواد خاصة تمتاز بانخفاض في مقدار الطاقة الحرة الموجودة على سطحها وهو الأمر المتوافر في جسيمات الفلوروكربون النانوية والتي عادة ما تمتزج بالمنسوجات القطنية من دون أن تتسبب في حدوث أي تأثير في الأقطان وخواصها. أما عن خاصية منع وصول الأشعة الضارة من الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي، فيمكن تبسيط ذلك على النحو التالي:
عادة ما تكون المواد والمركبات المانعة للأشعة فوق البنفسجية من أشباه الموصلات مثل ثاني أكسيد التيتانيوم، وأكسيد الخارصين، وأكسيد الألومنيوم، وأكسيد السيلكيون وغيرها، على الرغم من أن مفعول تلك المعالجات لا يدوم، ولكن في الحجم النانوي فإن أكثر تلك المواد شيوعاً في الاستخدام هي مركبات ثاني أكسيد التيتانيوم وأكسيد الخارصين، ومن العجيب أن اختلاف الحجم أحدث فرقاً كبيراً في قدرة تلك المواد على منع الأشعة في منطقة الضوء فوق البنفسجي الأكثر تشتتاً وهي الأكثر ضرراً بالجسم من اختراق النسيج، ويعود ذلك لمساحة السطح الكبيرة التي تتيحها تلك الجسيمات النانوية لصد الأشعة ومنع وصولها، وبالطبع تحتاج تلك الكفاءة العالية إلى تصميم خاص لأبعاد تلك الجسيمات في الصناعة.
أسرار الأناقة في النظافة
من المعروف أن النظافة مرادفة للأناقة والتميز، وإليكم طريقة الحصول على ملابس ضد الاتساخ والأتربة والقاذورات وضد البقع أيضاً، والسرُّ يكمن في المراقبة الدقيقة لأسطح النباتات التي تتخلص من المواد العالقة بها وتعمل على تنظيف نفسها ذاتياً، وبمجرد دراسة طبيعة أسطح أكثر من 350 نباتاً وخواصها، استطعنا أن نقوم بعمل محاكيات لتلك الأسطح من خلال المواد النانوية، الأمر الذي يحافظ على النظافة ويقلل من عملية الاتساخ، ويعلق على ذلك الباحث حسام أبو الفتوح، بقوله: «إن الأوساخ تبدو وكأنها سيل منهمر من الكريات الصغيرة التي تتدحرج فوق مواد النانو التي تمت معالجة النسيج بها».
وتتبقى لنا خاصية أخيرة وهي خاصية التعقيم، حيث تمنع ملابس النانو الإصابة بالميكروبات من خلال منع امتصاصها على سطح النسيج، وعادة ما يكون المركب الأكثر شهرة واستخداماً في هذا المجال هو مركبات الفضة وأكاسيد الفضة، لما هو معروف عن خواصها بأنها تعمل كمضادات للبكتيريا والميكروبات.
الصورة في النهاية تبدو مثالية أليس كذلك؟
لا تنجرف وراء الموضة
في الحقيقة يكثر الحديث في الأوساط العلمية عن مخاطر استخدام النانو بشكل مباشر على الجلد، مثلما هو الحال في مساحيق التجميل ومستحضراته، بالرغم من أن غسيل الوجه والبشرة بالماء يخلص الجلد والمسام من قدر كبير من تلك المستحضرات، إلا أن حجمها الدقيق الذي يتوغل بشكل أكثر عمقاً في البشرة قد لا يجعل الوصول إليها ممكناً بوساطة عمليات التنظيف المتبعة عادة، ومن ثمَّ تراكمها في البشرة قد يؤدي إلى حدوث مضاعفات غير محسوبة نتيجة عدم كفاية الدراسات العلمية حول طرق تفاعلها مع الجسم أو الخلايا الحية بشكل دقيق، وبالرغم من أن المعلومات الواردة بهذا المقال مستقاة من مصادر بحثية لدوريات علمية بريطانية، وأمريكية وأوروبية، وصينية، حيث تقدمت وتطورت صناعة النانو في الصين كثيراً، إلا أن الدراسات حول تأثيرها البيئي والصحي لا تزال غير كافية.
ورغم ذلك فالاختيار بين أيديكم.. أي سوق تفضلون؟
ميجا ماركت.. أم نانو ماركت؟