قصة مبتكر
قصة ابتكار
هنري وينســتانلي
الفقاعات البلاستيكية
لا يمكن تعداد الأعمال التي مارسها والمجالات التي شُغف بها هنري وينستانلي، ولكن من ضمنها يحفظ المؤرخون ابتكاره للعروض المائية، وقصة موته، للمفارقة، في عاصفة هوجاء ضربت المنارة التي كان بناها بنفسه. ولد هنري في مقاطعة إيسيكس البريطانية في 31 مارس من العام 1644م، لأب كان يعمل في أراضي اللورد سوفولك. وكان في الثامنة من عمره عندما بدأ يعمل بواباً في قصر «أودلي إند»، ومن ثم سكرتيراً في القصر نفسه، إلى أن خسر وظيفته عندما اشترى الملك شارلز الثاني القصر وحوله إلى أحد القصور الملكية. ما بين العامين 1669 و1674م، قام وينستانلي بجولة أوروبية، فُتن خلالها بفن العمارة التي شاهدها، وبشكل خاص فن الرسم بواسطة الحفر الذي يصورها في الكتب. ويقال إنه درس هذا الفن بعد عودته إلى بريطانيا، حيث أعيد توظيفه في قصر «أودلي إند» كمساعد للمشرف على الأعمال. وراح يرسم بالتفاصيل كل القصر، الأمر الذي استغرق سنوات عشر. وفي العام 1679م أصبح مسؤولاً عن كل أعمال القصر وبقي في وظيفته هذه لسنتين. غير أن شهرة وينستانلي في إيسيكس بنيت على ولعه بالأدوات الميكانيكية والهيدروليكية، وبنائه لـ «بيت إيسيكس للعجائب» الذي كان أول مسرح من نوعه في العالم للعروض المائية، كتلك التي تُقام اليوم في المراكز التجارية الحديثة. وفي العام 1690م أنشأ وينستانلي مسرحاً خاصاً للعروض المائية وفق قواعد علم الرياضيات، فتحول بسرعة إلى أشهر وجهة سياحية في بريطانيا آنذاك. استغل وينستانلي المال الذي جمعه في تأسيس تجارة، ومن ثم شراء خمس سفن للنقل. غير أن اثنتين منها غرقتا نتيجة الاصطدام بالصخور في المياه الضحلة قبال شاطئ إيديستون. الأمر الذي شاء وينستانلي تحديه من خلال بناء منارة إرشاد للسفن. وبالفعل صمم هذا المبتكر منارته الضخمة، وبناها. ويروى أن الجيش الفرنسي أسره خلال غزوه للموقع، ولكن الملك الفرنسي لويس الرابع عشر أمر بإطلاق سراحه فوراً قائلاً: «أنا في حرب ضد إنجلترا، وليس ضد الإنسانية». وفي شتاء العام 1699م، وفيما كان وينستانلي يعمل على إصلاح بعض الأضرار في منارته هبت عاصفة هوجاء لم تكن بريطانيا قد شهدت لها مثيلاً من قبل، فتهدمت المنارة على رأس بانيها وقتلت الرجل الذي سيطر على الماء لبعض الوقت.
بتطور وسائل النقل وانتعاش الحركة التجارية غداة الحرب العالمية الثانية، أصبح توضيب البضائع والأشياء فناً قائماً بحد ذاته لحماية البضائع من الأضرار خلال عمليات نقلها وشحنها. ولم يُعدم المضطلعون بهذه المسؤولية الوسائل اللازمة لذلك، فكانوا يستخدمون الإسفنج والقطن والقماش والورق وغير ذلك. ولكن مهندسين، هما ألفريد فيدلنغ ومارك شافان، لاحظا أن الورق والبلاستيك يصبحان أقدر على حماية البضائع من الصدمات، إذا تم دعكهما بشكل يحفظ بعض الجيوب الهوائية في الداخل. فراحا يبحثان عن وسيلة لأسر الهواء، وبسرعة خرجا بابتكار «الفقاعات البلاستيكية»، وسجلاه باسميهما في العام 1957م، ثم أسسا عام 1960م «شركة الهواء المقفل» لإنتاج هذه السلعة الجديدة. اشتهر الابتكار الجديد عالمياً باسم «فقاعات التغليف» وراج على نطاق واسع بعدما أثبت جدواه في حماية البضائع والأشياء سريعة العطب. إذ تكفي طبقة واحدة من هذه الفقاعات لحماية الأسطح من الخدوش، وبضع طبقات لحماية المحتوى من الصدمات. وراج استخدامها في صناعة الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، والمنتجات الزجاجية وكل السلع سريعة العطب. ومن جهة أخرى، ظهر لهذا الابتكار أثر، أو استخدام جانبي، لم يكن يخطر على بال مبتكريه. ألا وهو جاذبيتها لمن يمسك بها كي يبدأ بتفجير هذه الفقاعات بأصابعه، بحيث ينجرف في هذا العمل حتى الفقاعة الأخيرة بين يديه. وقد شكَّلت هذه الملاحظة مادة لدراسات نفسية عديدة ذهب بعضها إلى حد القول بجدوى هذه الفقاعات في التنفيس عن الاحتقان الداخلي. حتى أنها باتت تشكِّل مادة اختبار في بعض عيادات الطب النفسي. في العام 2006م، أطلقت «شركة الهواء المقفل» مسابقة لطلاب المراحل المتوسطة في المدارس، وموضوعها أفضل استخدام جانبي لفقاعات التغليف. وفي يناير من العام 2007م، منحت الشركة جائزتها الكبرى والأولى لفتى في الخامسة عشرة من عمره يُدعى غرايسون روزنبرغ، استخدم هذه الفقاعات لتغليف أجهزة الأطراف الصناعية بحيث تبدو أقرب ما يمكن إلى الأطراف البشرية الطبيعية. وذلك عن طريق لف الأسياخ بواسطة هذه الفقاعات والأصماغ، ومن ثم تغليفها بطبقة رقيقة بلون البشرة، بحيث يمكن لمستخدمي هذه الأطراف في مختلف أنحاء العالم الحصول على لون البشرة الملائم لهم. وفي حين أن تجميل الأطراف الصناعية يكلِّف في أمريكا نحو ألف دولار للقطعة الواحدة، فإن ابتكار هذا الفتى خفَّض هذه التكلفة إلى عشرين دولاراً فقط.