منتج

السحابة

shutterstock_108857858السحابة التي نحن بصددها ليست «مُنتجاً» بقدر ما هي «خدمة»، أو منصة لتقديم الخدمات. لكن هذه المنصة تعيد تعريف الكيفية التي تسوّق وتروّج بها منتجات أخرى لا حصر لها.

السحابة التي نتكلم عنها هنا هي سحابة حاسوبية، فيما يعرف بتقنية «الحوسبة السحابية» (Cloud Computing) التي تستخدم هذا الوصف المجازي الفوقي «السحابة» لتختزل عالماً من الخدمة الكمبيوترية الموجود «هناك».. طافياً في «مكان ما». لا تعرفه أنت كمستخدم ولا يعنيك أن تعرفه طالما يوفر ما تطلبه.. سواء أكان طلبك متعلقاً بالاتصال السريع بالإنترنت، أم الحصول على مساحات تخزين مضاعفة، أم قدرة معالجة خارقة لا يقدر عليها حاسوبك الشخصي وتتجاوز قدرتك المادية.

هذه السحابة المحملة بالغيث الحاسوبي، باتت معروفة بالنسبة لكثير من مستخدمي أجهزة وبرمجيات أبل وأمازون ومايكروسوفت ودروب-بوكس.. وصار اللفظ الإنجليزي (كلاود) دارجاً، ويكاد يعرّب لفرط اعتماد عشرات ملايين المستخدمين على هذه التقنية في تخزين المواد البرمجية واستعادتها، على الرغم من أن أياً من تلك الشركات الكبرى لا يدعي سبق الاعتماد على السحابة ذات التاريخ القديم والآفاق الواعدة.

الغيمة الأولى
الفكرة الأساس للحوسبة السحابية ظهرت، قبل التسمية، أيام ما يعرف بـ «الإطارات الرئيسة» أو الحواسيب المركزية الكبرى التي وُجدت قبل أكثر من نصف قرن. وقتها، كان المستخدم يتعامل -بواسطة لوحة مفاتيح وشاشة- مع «عقل إلكتروني» موجود في مكان آخر. هذه الصيغة من الشبكات المحدودة المدى، ومن مشاركة الموارد الخاصة بالمعالجة والتخزين، اختفت مع ازدهار «الحواسيب الشخصية» حيث بات لكل مستخدم حاسوبه الخاص بقرصه الصلب الخاص بمعالجه الخاص والمستقل عن أي حاسوب أو أي مستخدم آخر. لكن مع انتعاش الشبكات مجدداً وتمددها بفضل الإنترنت وبفضل وتطور تقنيات الاتصال الحاسوبي في التسعينيات، عادت الحاجة لاستعارة مفهوم السحابة بكل ما يرمز له من مرونة وعلو. بكلام آخر، صارت هناك حاجة متزايدة لأساليب مبتكرة وسريعة لاستغلال أمثل للموارد الحاسوبية عبر الشبكات العابرة للقارات، خاصة مع نمو الحاجة لمزيد من مساحات التخزين، ومزيد من سرعات الاتصال والمعالجة. وهذه كلها أهداف لتقنيات الحوسبة السحابية.

تقوم فكرة الحوسبة السحابية على مشاركة الموارد لأجل تحقيق استغلال أفضل اقتصادياً، أو لتفادي هدرها بكلام آخر. وهو نمط مشابه لما يحصل مع شبكات الربط الكهربائي، حيث يتم توليد كمية من الكهرباء في محطات مركزية معيَّنة ومن ثم توزيعها واستغلال تفاوت ساعات الذروة بين مناطق الاستهلاك لأجل توفير خدمة كهربية أفضل.

بالمثل، يتم توجيه خدمات السحابة الحاسوبية على نحو ديناميكي لخدمة المستفيدين عبر ضفتي الأطلسي -مثلاً- خلال ساعات عمل الشرق فيما الغرب نائم، والعكس بالعكس صحيح.

أثقل من أن تطير
ثمة من يعتقد بأن مفهوم السحابة قد ينوء بحمل الكميات المهولة من البيانات التي ننتجها اليوم. فكلّ إنتاج البشرية الرقمي يُنسخ بشكل أو بآخر داخل الخوادم والحواسيب المكونة لجسد السحابة، التي يصل تعدادها للملايين وتملكها شركات بعضها معروف لنا جيداً، مثل أبل وغوغل وأمازون، وبعضها مجهول لكنه يعمل وراء الكواليس شئنا أم أبينا.

ولو فكرنا على نطاق محصور للغاية، فإننا كأفراد، ومن خلال هواتفنا الذكية فقط، نتداول كمية مذهلة من البيانات في كل دقيقة. أين تخزن هذه البيانات؟ وكيف تستعاد؟ وما القوة الحاسبية اللازمة لتحليلها والإفادة منها واستغلال ذلك في التسويق والدعاية وتطوير مزيد من المنتجات؟ كل هذه أسئلة إجاباتها مكنونة بين حنايا السحابة وما تخفيه.

حتى الشركات ومؤسسات الأعمال غير المختصة بالتقنية باتت تفضل حل السحابة لأنه يكفيها مؤونة شراء أجهزة جديدة وصيانتها وحمايتها من الاختراق. ومؤونة إدارة نظم البريد الإلكتروني، ونظم الموارد البشرية، ونظم خزن ومشاركة الوثائق. السحابة باتت بمنزلة تفويض آخرين ليكونوا هم بنيتك الحاسوبية التحتية.

لكن ماذا عن الخصوصية؟ وماذا سيحل بذكرياتنا الحميمة لو أفلس مشغل السحابة، أو انهارت سحابته لسبب تقني ما؟ ماذا عن المعلومات الحساسة الخاصة بالمستشفيات والمصارف وأجهزة الدولة؟ هل يكفي أن نعرف أن هناك سحابات عمومية وأخرى خصوصية كي نطمئن ونتعذر بوجود حلول تقنية وهيكلية تتناسب وحساسية المعلومات المحلقة في السحاب؟

اليوم يُقدّر سوق الحوسبة السحابية بحوالي 200 مليار دولار. وهو رقم كفيل بحجب كثير من تلك التساؤلات القلقة إلى حين. لكن المطمئن -نوعاً ما- في الشأن السحابي هو كون تلك التساؤلات ثابتة وباقية مهما اختلفت التقنية التي نتعامل مع القيمة الرقمية من خلالها. تبقى السحابة اليوم استراتيجية إدارية وتسويقية فاعلة ومُنتجاً مواكباً تماماً لهذا الانفجار العظيم الذي تعيشه مجرة الإنترنت

أضف تعليق

التعليقات

عبدالله محمد الغامدي

التخزين السحابي من الخدمات المفيدة في مجالات متعددة ، لكن أرى أنها تستخدم – وأنا أحد من يستخدمها بهذا الاتجاه – أنها تسهل استخدام الملفات المتنوعة بين الأجهزة المختلفة.