بيئة وعلوم

التلوث الضوئي
وفقدان الظلام

  • 43_44-1
  • 43_44-2
  • 43a
  • 44a
  • 1one-index-dial-wall-clock-white
  • Europe at Night

منذ أن قام أديسون باختراع المصباح الكهربائي عام 1879، تبدَّدت ظلمة الليل وطالت فترة العمل وتذللت عقبات كانت تعترض سير الحياة. فهذا الاختراع وضع اللبنة الأولى لنمو الحضارة الإنسانية، وجعل العالم يبدو أجمل وأروع. ولكن اختراعات البشر مهما بلغت من مراتب الدقة والإتقان، فإنها لن تصل إلى حد الكمال وتظل نواقصها كثيرة واستحقاقاتها كبيرة. فهذا الضوء الذي قهر الظلام وما يرتبط به من أخطار ومخاوف، أوجد في المقابل مشكلات خطرة غير متوقعة تهدِّد حياة الإنسان وتؤذي الأنظمة البيئية والكائنات الوحشية.
الباحثان عبده عبدالله عريشي ودرويش مصطفى الشافعي يبحثان في هذا التقرير ما أحدثه الضوء من تلوث ومساوئ على الإنسان وكذلك على عالمي الحيوان والنبات.

كان البشر قبل نحو 90 عاماً، يستمتعون بمشاهدة السماء وما فيها من نجوم، ويستدلون بها لمعرفة اتجاه حركتهم. وكانوا، لقلة مصادرهم الضوئية، يخلدون إلى النوم مبكراً، فيما عاشت الكائنات الحية قبل هذه الفترة بشكل طبيعي وتمارس مهامها وتصطاد فرائسها في أوقات محددة من النهار أو من الليل بحسب تكيفها. وكذلك الحال في عالم النبات.

ولكن مع التطور المذهل والمتسارع في وقتنا الحاضر، ومع تزايد التقنيات الحديثة، استبدل الإنسان مصادره الضوئية المحددة والقليلة التوهج بمصادر ضوئية هائلة شديدة التوهج, فأضاء منزله وشوارعه وحدائقه وحتى متنزهاته، مما أدى إلى فوضى ضوئية قلبت ليله إلى نهار.

وكان لهذا الأمر عدة تأثيرات على حياة الإنسان والكائنات والنباتات، حتى السماء الجميلة لم تسلم هي الأخرى من هذا التلوث الذي صنف فيما بعد تحت مسمى «التلوث الضوئي». ويقول الحق تعالى: «والليل إذا يغشاها» (سورة الشمس، الآية 4)، أي يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق. فهذه فطرة الله وحكمته أن ينام الإنسان في الظلام الحالك وأن تبقى الظلمة لبقية كائنات الليل لتعيش وتستمر.

ولعل من أبرز مساوئ الإسراف في استعمال الضوء الصناعي ما يلي:
– 
تبدد السكينة والهدوء في الليل وشيوع الفوضى، وتناقص ساعات النوم
– ظهور عدد كبير من الأمراض الجديدة غير المسبوقة
– 
حدوث خلل في الأنظمة البيئية وسلوك الإنسان والحيوان والنبات
– 
زيادة معدل وقوع الجريمة وحوادث السير واحتدام الخلافات بين الناس وارتفاع نسبة الطلاق
– 
تدني مستوى التعليم والذكاء وتراجع القدرة على الإبداع

أثره على الإنسان
تتعدد تأثيرات «التلوث الضوئي» على صحة الإنسان وتتصدرها الأورام السرطانية إذ يؤكد الأطباء أن التعرض للضوء بشكل مستمر أثناء السهر يؤثر على تقليل إفراز الغدة الصنوبرية لهرمون الميلاتونين وهو مضاد قوي للأكسدة ولنمو الخلايا السرطانية. كما أن التعرض المستمر للضوء أثناء الليل، يعمل على حدوث استقلابات للدهون في بلازما الدم مما يزيد من معدلات السُّمنة لدى الإنسان. وكذلك ازدادت معدلات الاكتئاب للموظفين المناوبين ليلاً وغيرهم ممن يتعرضون للضوء نتيجة لتأثر ميكانيكيات الدماغ.

والميلاتونين هو هرمون تُفرزه بشكل رئيس الغدة الصنوبرية pineal gland التي توجد أسفل الدماغ بالقرب من الغدة النخامية فوق جذع الدماغ مباشرة، ويبلغ حجمها نحو 8 مليمترات ولا يزيد وزنها على 0,01 غرام. ويُصَنع الميلاتونين من حمض أميني يسمى هيدروكسيل التربتوفان Hydroxyl tryptophan بوجود ومشاركة المغنيزيوم وفيتامين البيرودوكسين ب6 والنياسين ب3.

وأطلق العلماء على الغدة الصنوبرية اسم «العين الثالثة»، لأنها تتفاعل مع الضوء القادم إليها من العينين، حيث يتوقف عملها وإفرازها بوجود الضوء، وينشط بغيابه، وبالطبع يجري ذلك تدريجياً. فالضوء الخافت يبطئ إفراز الغدة الصنوبرية للميلاتونين، وكلما اشتد الضوء تراجعت كمية الإفراز حتى بلوغها التوقف التام، ويحدث ذلك ضمن المجال (460-480) لومين Lumen. (اللومين وحدة قياس شدة الضوء).

وتتولى مستقبلات حساسة للضوء موجودة في العين، مسؤولية نقل الإشارة الضوئية تدريجياً إلى حزمة عصبية في الدماغ متموضعة في منطقة المهاد الدماغي Hypothalamus تسمى Suprachiasmatic nucleus. وتشكل هذه الحزمة العصبية ما يسمى بالساعة البيولوجية Biological Clock التي تضبط وتنظم مختلف إيقاعات الحياة مثل النوم والاستيقاظ والخمول والنشاط، والشعور بالجوع والعطش والرغبة الجنسية.

الساعة البيولوجية
ولما كان هرمون الميلاتونين يُفرز وينشط بغياب الضوء فقد سمي بهرمون الظلام. وكان يعتقد لحقبة زمنية طويلة وحتى السنوات القلية الماضية بأن دور ووظيفة الميلاتونين تتعلق بشكل رئيس بالنوم والاستيقاظ، ولكن الأبحاث العلمية الحديثة اكتشفت له أدواراً ووظائف كثيرة على درجة عالية من الأهمية تتعلق بسلوك الكائنات الحية جميعاً وبالصحة والمرض.

وكشفت الأبحاث العلمية الحديثة وظائف غير متوقعة للميلاتونين، فقد بينت آخر الأبحاث المتعلقة بتأثير الضوء الصناعي على الصحة، أن أجسامنا تعمل أفضل خلال ساعات النوم المعتمة. وأكد باحثون من جامعة بنسل في فيينيا عام 1999، أن الأطفال دون السنتين الذين ينامون بوجود الضوء القادم من الشوارع المضاءة يتعرضون لقصر النظر خلال فترة الطفولة وخلال سن المراهقة.

ويقول أستاذ علم الجهاز العصبي والدماغ من معهد جيفرسون الطبي الدكتور جورج برنيارد: ليس هناك شك في أن الضوء هو منظم قوي للعمليات الحيوية في جسم الإنسان وأن التعرض للضوء الباهر يؤثر سلباً في كثير من وظائف الجسم الفسيولوجية، وذلك من خلال التشويش على الساعة البيولوجية مما يؤدي إلى أمراض فسيولوجية وسلوكية ونفسية.

ويقول الدكتور روبرت هان من مركز السيطرة على الأمراض في أمريكا، إن النوم في غرفة معرضة لأضواء الشوارع يؤدي إلى أمراض سرطانية متعلقة بالخلل الهرموني من بينها سرطان الثدي، فالضوء يؤثر بفعالية على إفراز الميلاتونين وهو هرمون يتعلق بوظيفة النوم والاستيقاظ وتعديل حرارة الجسم، وبالتالي فإن الذين يتعرضون للضوء الصناعي يصابون بمرض الحرمان من النوم المزمن.

خدمة المجرمين
إلى ذلك، أثبتت دراسة بريطانية حديثة، أن معدلات الإجرام تزداد ليلاً بالأحياء التي تكون الإنارة بها كبيرة حيث يعمد المجرم إلى استغلال إضاءة المنازل الخارجية لمعرفة أماكن الدخول للمنزل بعكس الأمر عندما يستخدم مصباحه الشخصي حيث يكون من السهل كشف أمره. ولا ننسى أن جدران المباني المحيطة بمصابيح الشوارع تكون أكثر عرضة للكتابة من قبل المراهقين من تلك التي تكون في حالة الإظلام.

اقتصاد وبيئة
ولـ «التلوث الضوئي» أيضاً تأثير سلبي على البيئة والاقتصاد، إذ عندما يعمل مصباح واحد قدرته 100 واط على الدوام، فإنه يستهلك طاقة تبعث 360 كيلوجراماً من ثاني أكسيد الكربون في الهواء سنوياً, وبالتالي فإن كل مصباح من هذه المصابيح يحتاج إلى 17 شجرة لامتصاص الغازات التي تنتج عن تشغيله. وإذا كانت لدينا ملايين من هذه المصابيح، فكم سيكون حجم ثاني أكسيد الكربون المنبعث، وكم سنحتاج حينئذ من شجر لامتصاصه؟

هدر الإنارة
وإذا نظرنا إلى مقدار الطاقة التي تهدرها المصابيح التي يتم تركيبها بشكل خاطئ في شوارعنا، فنجد أنها تهدر %60 تقريباً من طاقتها في السماء من دون الاستفادة منها على الأرض, والسبب في ذلك هو أن بعضاً من هذه المصابيح يوجه إلى ناحية السماء، وكثير منها يشع في كل الاتجاهات من دون أن يتم تركيزه على نقطة معينة من الشارع, لذا لو تم توفير حجم هذه الطاقة المهدرة بالمعالجة الصحيحة لهذه المصابيح، فسيقلل حجم الإنبعاثات الصادرة وتوفير احتياط هائل من الطاقة النفطية.

تضرر الكائنات الحية
أما فيما يتعلق بالكائنات الحية، فيظهر تأثير الضوء عليها في فترة المساء على الوجه الأخص، وذلك حينما تخلد بعض الكائنات إلى الراحة وتستعد أخرى لممارسة نشاطها ليلاً. فمثلاً نجد أن صغار السلاحف التي تفقس بيوضها على سواحل البحار، تتجه إلى المدن حيث مصادر الضوء الصناعي بدلاً من أن تتجه إلى مياه البحر حيث مكانها الطبيعي، وهذا بلا شك يؤدي إلى هلاك عدد كبير منها. وكذلك يمتد تأثيره إلى الطيور خصوصاً التي تهاجر عبر الدول، إذ تتسبب باختلال في البوصلة المغناطيسية لهذه الطيور، مما يتسبب في اصطدامها بالمباني وأعمدة الكهرباء. وفي عام 1954 قتل نحو 50 ألف طائر بواسطة أجهزة ceilometers ذات الإضاءة القوية بقاعدة الدفاع الجوي بولاية جورجيا الأميركية.

السماء تتأثر أيضاً
لم يشهد التاريخ أن اختفت عن الرؤية أجرام سماوية من صفحة السماء، إلا أنه في وقتنا الحاضر لم نعد نشاهد النجم القطبي الشمالي وهو دليل المسافر لمعرفة الاتجاهات، كما اختفى كثير من كوكبات السماء التي تظهر في فصول السنة، وأصبحت من الصعوبة البالغة مشاهدة درب مجرة درب التبانة حتى من خارج المدن نتيجة لامتداد تأثيره إلى خارجها.

لذا واجه كثير من هواة الفلك، صعوبة في رصد السماء إلا بالابتعاد مسافة لا تقل عن 65 كيلومتراً عن المدن، مستخدمين فلاتر كثيرة عند تصوير الأجرام السماوية بغية الحصول على صور خالية من التلوث الضوئي. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل لجأ عديد من علماء الفلك إلى نقل مراصدهم مرات عدة إلى أماكن أكثر ظلاماً، كما أطلقوا مراصد إلى خارج غلافنا الجوي للتغلب على هذه المشكلة المتزايدة ومنها «هابل»، و«جمس ويب» الذي سيطلق خلال عام 2018.

مصادر التلوث
وللتلوث الضوئي مصادر متعددة تتمثل في إضاءة المنازل والشوارع وغيرها. وهذه المصادر يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
– 
الضوء المتعدي: وهو أن يتعدى الضوء الغرض المقصود إلى إنارة ما في جواره، كإضاءة الطريق التي تنير المباني والمنازل المجاورة.
– 
الضوء الوهج: وهو ذلك الضوء الذي يسبب صعوبة في الرؤية المباشرة بسبب وهجه المبهر والقوي.
– 
الضوء الصاعد للسماء: وهو ذلك الضوء الذي يكون موجهاً إلى السماء بشكل مباشر، ولا يمكن ملاحظة أثره إلا بوجود سحب أو غبار، وهو يعد أخطر أنواع التلوث الضوئي الخادعة.
ومصادر «التلوث الضوئي» هذه، نتجت عن عدد المصابيح الكهربائية التي نستخدمها في حياتنا اليومية. وهذه المصابيح تم تطويرها وزيادة كفاءتها مع مرور السنوات بسبب الطلب المتزايد عليها لاستخدامها في تزيين المباني من الداخل والخارج، إضافة إلى طلب أصحاب المتاجر والمؤسسات الإعلانية لجذب الزبائن. وهذه المصابيح يمكن تفصيلها حسب نوعيتها إلى ما يلي:

1 – مصابيح الهالوجين halogen lamp: هذه المصابيح إضاءتها بيضاء وأكثر فاعلية من إضاءة المصابيح التي تعتمد على تسخين الفتيلة, وعمرها الافتراضي قصير نسبياً. أما قدرتها فتتفاوت بين 300 و500 واط وتبعث أشعة فوق بنفسجية.
2 – مصابيح التنجستن الحرارية tungsten lamp: وتتحول الطاقة الكهربائية في هذه المصابيح إلى إشعاع حراري عن طريق تسخين سليكات التنجستن, وهي قليلة الفاعلية، كما أنها من أخطر الأنواع التي تسبب تلوثا ضوئياً بسبب عدم تغطيتها، واستهلاكها للكهرباء بشكل مفرط.
3 – مصابيح ميتال هالايد metal-halide: هذه المصابيح مصدر لضوء أبيض مزرق، ولها تأثيرات بيئية أكثر من غيرها إذ تستخدم قدرة واطية عالية، لذا لا يجب الإكثار من استخدامها.
4 – المصابيح الفلورسنتيه fluorescent lamp: وهي من الأنواع المشهورة في المباني الداخلية وتتميز بقلة ضغطها، ولكن من الصعب التحكم في شدتها، وهي من المصابيح التي تؤثر في مشاهدة أجرام السماء بشكل مزعج.

قياس «التلوث الضوئي»
ربما يصبح من الأهمية في وقتنا الحاضر، الاستعانة بوسائل وتقنيات عدة لندرك من خلالها مدى إسرافنا في استخدام المصادر الضوئية, لذا فقد تنوعت هذه الوسائل بحسبما وضعت لأجله. فمنها ما يستخدم لمعرفة مقدار لمعان السماء وتقدير إظلامها، ومنها ما وضع لقياس كثافة الإضاءة.
• مقياس بورتل للمعان السماء:
وضع العالم جون بورتل هذا المقياس ليستعين به الفلكيون هواة أو متخصصين، من أجل معرفة نسبة الإضاءة في السماء ليلاً, وذلك وفق جدول يوضح الفرق بين المناطق المظلمة والمنيرة وقسمها إلى 9 أقسام بحسب التباين في شدة الضوء لكل منطقة.
• مقياس كثافة الضوء:
وهو جهاز حساس جداً للضوء خصص لقياس كثافة الإضاءة الصادرة عن المصدر الضوئي. وتختلف كثافة الضوء التي يقيسها بناء على بعد الجهاز عن مصدر الضوء ويقاس بوحدة اللوكس lux.

تنظيم المدنية
ولا شك في أن التلوث الضوئي مشكلة عالمية، لكن كثيراً من الدول تقوم بتصميم المدن في مركز يضم ناطحات سحاب بمساحة لا تتجاوز 7 كيلومترات مربعة، ثم تأتي الضواحي وتمتد إلى عشرات الكيلومترات حيث تقل بها الإضاءة بنسبة %70 عن مركز المدينة. ولكن في الدول التي تعاني من سوء هذا التنظيم، تنتشر الكثافة الضوئية في كثير من الضواحي ومن دون تقنين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– إنارة التزيين التي تزين بها الحدائق والطرقات.
– مآذن المساجد التي تبقى مضاءة طوال الليل.
– الإنارة الجانبية للشوارع.
– قاعات المناسبات الخاصة والاستراحات.

الحلول المقترحة
وبعد أن تنبه العالم إلى مشكلة هذا التلوث، تم إنشاء جمعيات متخصصة في إظلام السماء، وأخرى متخصصة في إظلام المستوطنات البرية. واتفقت هذه الجمعيات مع كثير من المنظمات البيئية، على اتخاذ توصيات كفيلة بالتقليل من هذا الخطر الذي يحدق بنا في كل مكان وهي:
– 
إعادة تصميم المصابيح الكهربائية بحيث تكون إنارتها لنقطة محدد في الشارع دون التعدي على المباني أو الأشجار المجاورة.
– 
تركيب مفاتيح ضوئية تمكننا من التحكم في استخدام المصابيح بشكل موفر.
– 
التقليل من إضاءة الحدائق من أجل ممارسة الكائنات لنشاطها بعيداً عن التوهج.
– 
التوقف عن إضاءة المنتزهات البرية والبحرية البعيدة عن المدن.
– 
القيام بحملات توعية للناس بأهمية الاقتصاد في استخدام مصابيح المنزل والتي لا تدعو الحاجة إليها.
– 
استبدال المصابيح ذات القدرة العالية بأخرى تكون ذات قدرة منخفضة.
– 
إنشاء أماكن بعيدة نوعا ما عن المدن، تحظر إقامة المشاريع بها أو بالقرب منها وتكون مخصصة للرصد الفلكي ولمحبي الرحلات البرية.

———-

”الميلاتونين” هرمون الشباب.. الضوء عدوه

أكدت مئات الأبحاث العلمية التي أجريت في المختبرات في أنابيب اختبار In Vitro وعلى المرضى، أهمية الميلاتونين في حفظ الصحة وعلاج الأمراض أو الوقاية منها، ومن بين أهم نتائج هذه الدراسات والأبحاث ما يلي.

– 
يعمل الميلاتونين على استنهاض الخلايا المناعية المقاتلة للسرطان التي تسمى الخلايا القاتلة Suppresser t –cells والخلايا اللاهمة Macrophages.

– 
يمنع الميلاتونين ارتباط هرمون الإستروجين بالخلايا التي تتدخل الهرمونات الجنسية في عملها مثل خلايا البروستات والثدي والمبيضين، وقد بينت تجارب عملية أن السيدات المصابات بسرطان الثدي ويُعالجن بالدواء المسمى الثاموكسيفين، قد تراجع حجم السرطان عندهن بنسبة %28 بعد تناول الميلاتونين بشكله الدوائي. وفي تجربة أخرى جرت في أنبوب اختبار In vitro أظهرت قدرة الميلاتونين على خفض نمو الخلايا السرطانية المأخوذة من الثدي بمقدار %75، وخلايا سرطان البروستات بنسبة %50. ومن خلال المشاهدات والإحصاءات تبين وجود علاقة بين انخفاض مستوى الميلاتونين وبين الإصابة بسرطان الثدي والبروستات، أي أنه عندما يهبط مستوى الميلاتونين في الدم تتهيأ الظروف المواتية لنمو وتكاثر الخلايا السرطانية.

– 
يعمل الميلاتونين على حماية المادة الوراثية الـ DNA الموجودة في نواة الخلية وتلك الموجودة في الميتاكوندريا من تأثير المواد السامة والشوارد أو الشقوق الحرة free radicals.
وقد وجد أن قوة الميلاتونين المضادة للأكسدة تتفوق على قوة الإنزيم المشهور المسمى سوبر أكسيد الديزموتيز superoxide dismutase بخمس مرات، كما تتفوق بمرتين على قوة فيتامين (هـ) المضاد للأكسدة. وقد بينت إحدى الدراسات أن جسم الإنسان يتخلص من %80 من السموم والشوارد الحرة إذا ما ذهب إلى النوم قبل منتصف الليل، حيث يكون الميلاتونين في الجسم قد بلغ ذروته، ولكن بعد ذلك لا يتخلص الجسم إلا من %20 فقط من هذه السموم، وذلك لارتباط إفراز الميلاتونين بمدة الظلام من ناحية، وبالساعة البيولوجية من ناحية أخرى، فإذا ما قلَّت ساعات التعرض للظلام لفترة زمنية طويلة فإن كثيراً من السموم والشوارد الحرة ستتراكم في الجسم لتعيث فيه فساداً.

– 
يستطيع الميلاتونين اختراق الأغشية الخلوية الدماغية وجدران الأوعية الدموي فيصل إلى عمق الخلايا وينظفها تماماً من الشوارد الحرة الخطرة مثل أول أكسيد النيتروجين (NO2)، الأكسجين (O2−) والهيدروكسيد (OH)، وبهذه الطريقة يعمل الميلاتونين على حماية الخلايا الدماغية من عوامل الأكسدة، مما يمنع الإصابة بالخرف أو تأخير ظهوره على الأقل، وقد بينت تجربة على الفئران بأن إضافة الميلاتونين إلى الماء الذي تشرب منه، قد أطال مدة حياتها Life Span وزاد في حيويتها ونشاطها حتى المراحل الأخيرة من عمرها. وبسبب ارتباط هرمون الميلاتونين بالمظاهر الحيوية والنشاط فقد سُمِي بهرمون الشباب.

– 
يعمل الميلاتونين على تنظيم الدورة الشهرية من حيث موعد قدومها، غزارتها، مدتها وتوقفها، ويساعد على تخفيف الألم الذي يسبق مجيء الدورة الشهرية، وقد لوحظ أن الفتيات اللواتي يعشن في سكن جماعي له خصائص ضوئية محددة وثابتة يتأثرن فسيولوجياً بعد مرور فترة زمنية بالضوء، فتأتيهن الدورة الشهرية معاً في نفس الموعد وتنتهي في اليوم نفسه تقريباً مع عدم تجاهل العوامل الأخرى مثل الرائحة الخاصة التي تصدر عن الحائض، العوامل الوراثية والحالة الصحية.

– 
وللميلاتونين سيطرة على عمل الغدد الأخرى وإفرازاتها من الهرمونات مثل الغدة الدرقية التي تسهم إفرازاتها في ترسيب الكالسيوم والعناصر المعدنية الأخرى (معدنة العظام)، وبالتالي منع الإصابة بهشاشة العظام، ولهذا لم تسجل حالات هشاشة عظام كثيرة عند الأجيال السالفة، وذلك بسبب عدم تعرضهم للإضاءة الصناعية لمدة طويلة وذهاب الناس للنوم في وقت مبكر من الليل، بيد أن للظروف الغذائية الحالية دوراً أيضاً في الإصابة بهشاشة العظام، فالمشروبات الغازية المحتوية على حمض الفسفور والكافئين، وأقراص مقاومة الحموضة الزائدة في المعدة تسهم في هجرة الكالسيوم من العظام وتقلل مستوى ترسبه فيها.

– 
يسهم الميلاتونين في تعزيز الأداء الجنسي عند الرجل من حيث إثارة الرغبة الجنسية، زيادة قوة الانتصاب والخصوبة، كما يحسن وينظم إفراز المبيضين للهرمونات الجنسية. وفي حالة اضطراب هرمون الميلاتونين في الجسم يختل نظام إفراز الغدد الصماء بالكامل ونتيجة لذلك يظهر عدد من الأمراض من بينها، أمراض غير محددة السبب (المتلازمات)، فعند الأطفال على سبيل المثال، يؤدي تدني نسبة الميلاتونين إلى نقصان الوزن وضمور الكتلة العضلية وبطء النمو العقلي وتزيد لديهم أعراض انفصام الشخصية والصرع.

– 
يؤخر الميلاتونين ظهور أعراض الشيخوخة، مثل اضطرابات النوم، الخَرف، الالتهابات، تصلب الشرايين atherosclerosis، تجاعيد الوجه، الكآبة، وغيرها.

– 
يساعد الميلاتونين الإنسان على التكيف مع فرق التوقيت الناتج عن السفر من منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى بعيدة، مثل السفر من بلدان الشرق الأوسط إلى أمريكا أو البلدان الإسكندنافية.

– 
يعمل الميلاتونين على تهدئة الأعصاب وتخفيف التوتر والنرفزة وسرعة الانفعال، ويقوِّي الذاكرة ويزيد في القدرة على الحفظ والتركيز والإحساس بالمحيط والتفاعل معه، ونقصه يعطي نتائج عكسية، وهذا ما يفسر كثرة حدوث المشاجرات، حوادث السير، جرائم القتل، حالات الطلاق خاصة إذا ما وصل تأثير نقص الميلاتونين إلى إضعاف القدرة الجنسية عند الرجل. ولعل تردي مستوى تحصيل الطلاب في دروسهم وعدم ظهور مبدعين بينهم مع توافر جميع الوسائل التعليمية والمراجع وتطور أساليب التعليم، هو بسبب طول مدة الإضاءة التي يتعرض لها هؤلاء الطلاب بسبب السهر المفرط الذي يسبب نقص مستوى الميلاتونين لديهم.
ومن فضل الله ورحمته تعالى، أن جعل لهرمون الميلاتونين مصادر أخرى غير الغدة الصنوبرية، فهو موجود بكميات قليلة في عدد من الأغذية مثل الجوز، القمح، الأرز، الشعير، الأسماك، البندورة، الحليب ومشتقاته، الموز، الكرز، زيت الزيتون، العنب، التمر، الفطر، الخمائر وغيرها، كما يُنتج بكميات ضئيلة في المعدة والأمعاء، وربما يكون ذلك من أسباب عدم حدوث اضطرابات صحية كثيرة عند سكان المناطق الشمالية من الكرة الأرضية بسبب تعرضهم لفترات زمنية متواصلة من الإضاءة وأخرى من لظلام المتواصل، علاوة على قيامهم بتعتيم بيوتهم عند الخلود إلى النوم.

أضف تعليق

التعليقات