قصة مبتكر
قصة ابتكار
ماريــون دونوفان
الترموس
في السابعة من عمرها لم يكن اللعب هاجس ماريون كما باقي أترابها. في أوقات فراغها، وكانت قد أصبحت يتيمة الأم، كانت تؤثر الذهاب إلى مصنع والدها «ميل أوبراين» وأخيه التوأم «جون». الابتكار، هو الجو السائد في المكان وبين الأشخاص. أبوها هو مبتكر المخرطة التي كانت تُعرف في ذلك الوقت بـ «مخرطة ويست بند» التي كانت تصنع سبطانات البنادق والمسدسات. كانت على الدوام تفكر فيما ستخترعه وتطرح ذلك على والدها الذي، بشخصيته الفذة، كان يشجعها. لقد طرحت عليه صناعة مسحوق للأسنان. وعلى الرغم من اعتبار ذلك فكرة غريبة كان يدفعها للبحث عن كيفية ذلك. لم تتحقق فكرتها، لكن ما تحقق أهم منها وهي روح التمكن من صناعة أي شيء، إنها روح المبادرة. كانت تحلم بأن تصبح مبتكرة لأشياء كبيرة، لكن أقدار الحياة دفعتها إلى أن تصبح مبتكرة لأشياء صغيرة نستعملها في حياتنا اليومية. تخرجت ماريون في الجامعة سنة 1939م بشهادة في الأدب الإنجليزي، وعملت مساعدة محرر الشوؤن التجميلية في مجلة «فوغ» الشهيرة. هناك تعرفت إلى «جيمس دونوفان» وتزوجت منه. وعندما أنجبت أول أطفالها بدأت تعاني الأمرين من استعمال حفاظات القماش. فما أن يستيقظ الطفل من غفوة حتى يكون عليها أن تغيِّر ليس فقط الحفاظ بل شراشف الفراش وبعض ثياب الطفل. لم يعد هناك وقت لغير ذلك. فشعرت أن أحلامها الكبيرة بدأت تذوي. لكن ذهنها المتوقد دفعها لاكتشاف حل لذلك. فالتمع في ذهنها فكرة حفاظ مانع للتسرب. جاءت بستارة للدوش مصنوعة من النايلون وماكينة خياطة. وهكذا بدأت سنة 1949م بصناعة وتسويق هذا الحفاظ الجديد. ونالت سنة 1951م أربع براءات اختراع هي الأولى لها. في السنة نفسها باعت ماريون دونوفان حقوق الاختراع، وكذلك شركتها الخاصة بها بمليون دولار لشركة «كيكو» المتخصصة في ملابس الأطفال. فكرتها الثانية كانت لماذا لا يكون هناك حفاظ يستعمل لمرة واحدة يوفر عملية الغسل وإعادة استعماله. لتحقيق ذلك صممت دونوفان ورقاً قوياً وماصاً للرطوبة في الوقت نفسه ويجعل تكلفة الحفاظ أقل مما هو بكثير. وراحت تزور شركات الورق لصناعة هذا النوع. لكن معظم الذين استشارتهم كانوا يتهكمون عليها محاولين إقناعها بألاَّ لزوم لذلك. خمدت فكرتها هذه لمدة غير قصيرة. ربما دفعها ذلك للتفكير بإحداث تغيير كبير في حياتها فقررت دراسة الهندسة المعمارية في جامعة يال ونالت شهادة الماجستير، وكانت في صفها امرأتان فقط. بعد عشر سنوات على فكرة الورق المقوى، التقطها «فيكتور ميلز» الذي أسس شركة «بامبرز» العالمية الشهيرة التي لاقت نجاحاً باهراً حتى يومنا هذا. وأكملت دونوفان ابتكاراتها المتعلقة بأشياء منزلية بسيطة منها: وعاء للصابون يمتص الرطوبة إلى البالوعة؛ وتر مطاطي يمكن وصله بسحاب الفسطان من الخلف بحيث إن المرأة تستطيع تسكيره من فوق كتفيها ثم نزعه بسهولة لاستعماله ثانية؛ خيط الأسنان، اسمه التجاري «دانتالوب»، مصنوع بشكل دائري يستطيع الذي يستعمله لتنظيف أسنانه من رؤية أفضل لما يقوم به؛ شماعة ملابس تستطيع أن تستوعب حوالي 30 قطعة بطريقة نظيفة ومناسبة. كانت دونوفان تقوم بتسويق ابتكاراتها بنفسها. وقد قامت بزيارة مصانع ألمانية لترى الأنواع المختلفة من أدوات معالجة الأسنان. كما زارت بمعية ابنتها «كريستين» معظم عيادات الأسنان والصيدليات للترويج لـ «دانتالوب». ولدت دونوفان سنة 1917م وتوفيت سنة 1998م وبحوزتها 20 براءة اختراع. ولو علمت نساء اليوم كم عانت جداتهن قبل ابتكار ماريون دونوفان لقدَّمن الشكر لها باستمرار.
كثيرة هي الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية التي توجد بالصدفة. البنسيلين هو مثال واضح على ذلك. لكن ابتكار الترموس، أو «وعاء الفراغ» كما سمَّاه صانعه «جيمس ديوير»، إنما جاء بطريقة واعية وهادفة معتمدة بشكل صارم على تطبيق قوانين الفيزياء العلمية. سنة 1892م كان جيمس ديوير الأسكتلندي، أستاذ الكيمياء والفيزياء بجامعة كمبريدج والمعهد الملكي البريطاني، منغمساً في أبحاثه المتعلقة بإسالة الغازات؛ وكان بحاجة ماسة لحفظها في درجة الانخفاض التي هي عليه لمدة كافية لدراستها. كان الجواب سهلاً بالنسبة لعالم مثله. تتغيَّر الحرارة بفعل عوامل ثلاثة: التوصيل، الانتقال والإشعاع. إذا تمكنا من عزلها سنصل إلى المبتغى. والحرارة هي حركة وسرعة الذرات في درجة حرارة الصفر، ليس هناك من حركة. وكلما زادت الحرارة زادت السرعة كما أن هناك مواد محفزة لهذه الحركة كالحديد، وأخرى غير محفزة كالبلاستيك مثلاً. لجعل الحرارة ثابتة لسائل معيَّن على ما هي عليه لأطول فترة ممكنة، وجب عزلها في وعاء عن محيطها. فبينما كان ديوير يقوم باختبار على تحديد حرارة معيَّنة لمادة «البلاديوم»، وضع هذه المادة في وعاء نحاسي داخل وعاء آخر تاركاً مسافة بين الإثنين بحيث أفرغها من الهواء ووصلها في الأعلى. إن عملية التفريغ لا يمكن أن تكون كاملة، فهذا متعذر، لهذا ما يتبقى من الهواء يوصل الحرارة ببطء. لذلك بعد فترة تأخذ الحرارة بالتساوي مع حرارة المحيط. لكن ديوير كان بحاجة إلى فترة غير طويلة. والحال إن وضع وعاء داخل وعاء آخر يمنع عملية التوصيل الحراري. أما الفراغ فيمنع عملية الانتقال. يبقى عامل الإشعاع، خصوصاً الأشعة ما تحت الحمراء وهي بالتعريف العلمي إحدى ظواهر الاهتزاز والارتجاج الناتج عن الاتحاد الكيميائي للذرات. وهذه الأشعة تصدر عن معظم المواد. لدرء هذا الإشعاع، استعمل ديوير طلاء الفضة على الوعاء الداخلي ليعكس هذه الإشعاعات خارجاً. بهذه البساطة ابتُكر الترموس. بعد ثلاث عشرة سنة، تنبه ألمانيان يعملان في حقل نفخ الزجاج، من بينهما «رينهولد بيرغر» إلى أن وعاء ديوير يمكنه أن يحافظ على حرارة السوائل المرتفعة مرتفعة والمنخفضة منخفضة. فقررا تسويقها وطلبا براءة اختراع لهما دون الرجوع إلى ديوير. وأطلقا على اسم الشركة «ترموس» وهي من أصل يوناني وتعني الحرارة. لاحقاً في الولايات المتحدة تم التخلي عن هذا الاسم كماركة تجارية وأصبحت إحدى مفردات اللغة نتيجة لانتشارها الواسع جداً. ويقول الدكتور «أندي الكسندر» الأستاذ في جامعة «أدينبرغ» إن كثيراً من مختبرات العالم لا تزال تطلق على الترموس اسم وعاء ديوير. بعد ذلك أدخلت تعديلات تقنية ومواد جديدة في صناعة الترموس. منها الزجاج والألمنيوم. وعند استعماله بأحجام كبيرة في بعض الصناعات لاحتواء بعض الغازات، أدخل عليه صمام لتخفيف الضغط منعاً للإنفجار. يستعمل الترموس في المنازل لحفظ المشروبات، لكنه يستعمل على نطاق أوسع في كثير من الصناعات والمختبرات؛ وقلَّما يخلو مختبر كيميائي منه. وقد استعملت وكالة الفضاء الأمريكية أوعية فراغ بكثافة لتخزين وقود الصواريخ في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. كما يستعمل في تصوير الرنين المغناطيسي، والرنين النووي المغناطيسي من خلال تهدئة المغناطيس فائق التوصيل في المختبرات والمعدات الطبية. ويستعمل أيضاً لحفظ بعض العينات البيولوجية من أنسجة الخلايا. إنه جزء أساسي من أي مختبر.