كما هو معلوم، شهدت السنوات القليلة الماضية نمواً كبيراً ومتواصلاً لشبكة المعلومات الدولية، وزيادة كبيرة في عدد مستخدمي الإنترنت. وتدل الإحصاءات الصادرة عن عدد من الجهات المتابعة لتطور الشبكة العنكبوتية، على أن عدد الأشخاص الذين أتيحت لهم الفرصة لدخول هذه الشبكة في عام 1995م كان 16 مليون شخص فقط، وقد تضاعف هذا الرقم بشكل مذهل في مطلع عام 2008م ليصل إلى حوالي مليار و463 مليون إنسان، بواقع 431 مليون متصفح بالإنجليزية، و276 مليون متصفح بالصينية، و125 مليون متصفح بالإسبانية، و60 مليون متصفح بالعربية التي احتلت المركز السابع بنسبة بلغت %4.1 من مجمل مستخدمي الإنترنت عالمياً.
وتظهر الدراسات أيضاً أنه منذ مطلع الألفية الجديدة، شهدت خدمات الإنترنت نمواً كبيراً وانتشاراً في الوطن العربي. وطبقاً لإحصاءات موقع “Internet world stats” فإن انتشار وتطور شبكة المعلومات الدولية في الدول العربية يُعد الأعلى عالمياً. وقد احتلت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المركزين الأولين بين الدول العربية.
وبالرغم من هذا النمو المتسارع لاستخدام شبكة الإنترنت في الوطن العربي، والذي قدرته بعض الدراسات بنسبة %2063.7 خلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى 2008م، إلا أن هذه النسبة من عدد المستخدمين لا تتجاوز %16.7 من إجمالي سكان الوطن العربي الذي يغيب بذلك عن المراكز العشرة الأولى في العالم المستخدمة للإنترنت.
تحمل هذه الأرقام دلالات مهمة للغاية. فبالرغم من أن اللغة العربية تُعد إحدى اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة كلغة عالمية معترف بها، إلا أنها مغيبة بصورة كبيرة عن الشبكة العالمية للمعلومات.
فطبقاً للدراسات والإحصاءات التي أجرتها منظمة “الإسكوا” التابعة للأمم المتحدة، تبيَّن أن نسبة الصفحات العربية على شبكة المعلومات الدولية لا تتجاوز %1 من إجمالي الصفحات العالمية. حيث بلغ عدد الصفحات العربية حوالي 40 مليون صفحة، في حين أن العدد الكلي العالمي يتجاوز أربعين مليار صفحة.
هذه الفجوة الرقمية الهائلة، صاحبها ضعف شديد في محتوى الصفحات العربية، وغياب الرؤية الشاملة والواقعية في الكثير من المواقع العربية. بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من تلك الصفحات حُرِّر بلغات غير عربية، مما أفقدها بُعدها الوطني والعربي الأصيل.
إن إمكانات الشبكة العالمية للمعلومات، وسهولة التعامل معها، وقدرتها على الوصول إلى كافة بقاع العالم، وأهميتها لكل ثقافة وأمة، دفعت عدداً من دول العالم إلى الإسراع في استغلالها والتوسع في استخدامها.
فمنذ إطلاق هذه الشبكة، قامت فرنسا بنشر ثقافتها وكافة المخطوطات الوطنية والكتب التراثية المهمة لديها، كما نشرت النصوص الأساسية للأدب الفرنسي وأرشفت كل ما له علاقة بالتراث العلمي والثقافي والحضاري لديها. كذلك قامت كبريات المؤسسات الوطنية والمكتبات ومراكز المعلومات في أمريكا بأرشفة كافة الوثائق المهمة على شبكة الإنترنت لتجعلها متاحة لعامة الناس. الأمر نفسه ينطبق على باقي الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، بينما بقي المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت يعاني من ضعف شديد وندرة وعشوائية.
إن التركيز على زيادة الوعي بالثقافة الرقمية، أصبح حاجة ملحة في مطلع القرن الحادي والعشرين، وأصبح من الأهمية بمكان تعزيز صناعة المحتوى الرقمي العربي، مع إيجاد مشاريع عربية جادة، كمشروع موقع إلكتروني لكل أستاذ جامعي، ومشروع موقع متخصص لكل مؤسسة إعلامية، ومدونة لكل كاتب في أية صحيفة أو مجلة، وغيرها من المشاريع التي تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي، يدعم مكانة وحضور اللغة العربية على الشبكة العنكبوتية.