قصة مبتكر
قصة ابتكار
إيرل توبر
قلم الرصاص بالممحاة
بدأ إيرل سيلاس توبر حياته المهنية بستانياً ومخططاً للأراضي، وكان من الممكن أن يقضي بقية حياته كما بدأها، إلا أنه بعد سنوات عشر من البستنة وقف أمام مدخل شركة دوبون الأمريكية للبلاستيك في لحظة قرار مصيرية، لم يدرك أهميتها إلا بعد سنوات. ولد توبر في نيوهامشير عام 1907م، ابناً لمزارع كان يتسلى في وقت فراغه بابتكار أجهزة زراعية لتخفيف اعتماد مزرعته على الأيدي العاملة. وفي العام 1927م درس البستنة لشهور، وأنهى دراسته لينشئ شركته الخاصة في هذا المجال. قاده عمله في البستنة إلى الاهتمام بالكيمياء، فالتحق بشركة دوبون للبلاستيك كيميائياً مبتدئاً. غير أنه لم يستمر كثيراً فيها، بل استقال لينشئ عمله الخاص بأبحاث البلاستيك، محافظاً في الوقت نفسه على علاقته الطيبة بشركته الأم، ومتعاقداً معها على القيام بأبحاث محدودة. طلب توبر من دوبون أن تهبه نفايات البلاستيك كي يستخدمها في أبحاثه. وبالفعل، منحته الشركة كمية كبيرة من بلاستيك أسود صلب يسمى "بولي إيثيلين". ومن هذه "النفاية" استطاع توبر أن يصنع بلاستيك صالح للقولبة، وصلب رغم مرونته. وبقي بعد ذلك الهم الأكبر: كيف يمكن أن يحوِّل هذه المادة بإمكاناتها الواسعة إلى منتج يمكن الاستفادة منه وبيعه؟ الغريب، أن فكرته الأولى كانت تتركَّز على صناعة «نعال» للأحذية، ولكنه سرعان ما تخلى عن الفكرة لصالح فكرة أخرى: أوعية بلاستيكية لحفظ الطعام، خفيفة الحمل، غير قابلة للكسر، والأهم أنها بأغطيتها المحكمة يمكنها أن تمنع الهواء من التسرب للطعام وتحفظه من الفساد. وبالفعل، استقبلت الأسواق هذه الأوعية عام 1945م، ثم حصل توبر على براءة الاختراع عام 1949م. لم يكن هذا كافياً. فقد كان توبر مدركاً لأهمية ابتكاره وعمليته، إلا أن المستهلكين بدوا وقتها غافلين عن هذه النتيجة. ومن الأسباب التي دفعت المستهلكين إلى تجاهل ابتكار توبر نظرتهم الدونية إلى البلاستيك. وأدرك توبر مع بقية فريق العمل في شركته أن النجاح التسويقي لهذه السلعة الجديدة يحتاج إلى تغيير فكرة الجمهور عن منتجه. وعثر على منجم الذهب حينما اقترحت إحدى الموظفات وتُدعى براوني وايز منهجاً غريباً يتمثل في زيارة مندوبة الشركة لمنازل المستهلكات المحتملات، وشرح طريقة عمل هذه الحافظات بشكل شخصي. هذا النوع من التسويق لا يبدو جديداً لنا، ولكنه كان يتبع لأول مرة. وما أن طبق، حتى ارتفعت مبيعات الحافظات واحتلت مكاناً عزيزاً على رفوف الثلاجات المنزلية. تقاعد توبر عام 1958م بعد أن باع شركته بملايين الدولارات، وتوفي في أكتوبر عام 1983م عن عمر يناهز السادسة والسبعين، إلا أن اسمه لا يزال حياً على أوعيته: التوبر-وير.
عرفت بريطانيا قلم الرصاص في منتصف القرن السادس عشر، ومعه عرفت الممحاة. إلا أن الاثنين بقيا منفصلين حتى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، حينما بدأت شركة فيبر الألمانية بإنتاج أقلام رصاص تلصق في نهاياتها قطع صغيرة من المطاط تستخدم كممحاة لما يكتبه قلم الرصاص. ولكن بينما كان ابرهارد فيبر صاحب الشركة مستمتعاً بالنجاح المحدود الذي حققه ابتكاره آنذاك، وصله في العام 1862م استدعاء قضائي لأن المبتكر الأمريكي جوزف ريكيندورفر أقام دعوى عليه بتهمة الترويج لمنتج ببراءة اختراع باطلة، ذلك أن براءة الاختراع التي يمتلكها فيبر يعود تاريخها إلى بداية الستينيات من القرن التاسع عشر بينما يمتلك ريكيندورفر براءة اختراع أخرى للابتكار نفسه، سجلت في مارس عام 1858م. لم يكن ريكيندورفر هو صاحب براءة الاختراع الأولى التي أقام على أساسها الدعوى، وإنما كان مبتكراً أمريكياً آخر لم يصلنا عنه سوى القليل. كان هايمان ليبمان يعيش في فيلادلفيا عندما سجل باسمه براءة اختراع لقلم رصاص تدرج فيه ممحاة. وفي براءة اختراعه، يذكر ليبمان أن هذا الابتكار ليس فقط ليسهل مسح الأخطاء على مستخدم قلم الرصاص، وإنما أيضاً عندما تدرج الممحاة في قلم الرصاص، يمكن بريها بحيث يصبح طرفها رفيعاً جداً يمكننا من أن نمحي الخطوط الدقيقة دون أن نضر بالرسم أو الكتابة. بعد سنوات قليلة، أقنع ليبمان ريكيندورفر بشراء براءة الاختراع بمبلغ ضخم في ذلك الوقت، هو مئة ألف دولار أمريكي. وبالطبع أقدم ريكيندورفر على هذه الخطوة كجزء من سعيه إلى الحصول على أضعاف هذا المبلغ عن طريق مقاضاة أكبر شركة لإنتاج أقلام الرصاص حينئذ.. شركة فيبر. ولكن من سوء حظه، ومن حسن حظ فيبر، قضت المحكمة الأمريكية العليا أن البراءتين باطلتين، وأن ابتكار جمع شمل قلم الرصاص بالممحاة هو في الحقيقة ليس ابتكاراً، وإنما مجرد تجميع لابتكارين معروفين سلفاً، دون أن يتأتى لهذا الجمع أن ينتج وظيفةً جديدة. في عام 1872م دخلت شركة إيجل لأقلام الرصاص ساحة تطوير الفكرة، فحصلت على براءة اختراع لقلم رصاص تُدرج فيه الممحاة بدلاً من التصاقه بها بواسطة الغراء كتلك الأقلام التي تنتجها شركة فيبر والشركات الشبيهة. وحذت بقية الشركات المنتجة لأقلام الرصاص حذو إيجل، وبقي هذا القلم من أرخص الأدوات الكتابية إذ كان المستهلكون يستطيعون شراءه بأقل من قرش واحد. وارتفعت نسبة استخدامه في القرن العشرين إلى %90 من جملة أقلام الرصاص المستخدمة في العالم.