حياتنا اليوم

خسائر مثيرة للإعجاب!

لم تثر أرقام الأرباح التي كان يرد ذكرها كل عام، وكذلك أرقام الميزانيات هذه الدهشة التي تثيرها أرقام الخسائر في السوق الأمريكية اليوم.

حيث كوّن الناس فكرة أفضل عما تمثله كبرى الشركات الأمريكية، وماهية السوق الأمريكية نفسها، مما يسمعونه عن حجم الخسائر التي ابتليت بها، أكثر بكثير مما تكوّن لديهم في الماضي مما سمعوه عن حجم الأرباح.

إن الأرقام التي ذكرت خاصة في باب ما اضطرت أن تضخه الحكومة الفيدرالية من مبالغ لإنقاذ المصارف الكبرى وبعض الشركات تكاد تكون أرقاماً لم يسمع أحد بمثلها في السابق. وهي بلا ريب تثير دهشة الناس من حجمها وتكاد تثير إعجابهم رغم أنها تصنف في باب الخسائر لا في باب الأرباح. ولسان حالهم يقول من ذا الذي يستطيع أن يخسر مثل هذه الخسائر، غير العمالقة.

ولا شك في أن للخسارة وقعاً درامياً أكبر من الربح. ولا شك أيضاً في أن ما نراه اليوم يمثل أكثر من مجرد خسارة ليصل إلى ما يشبه انهيار اقتصاد، واهتمام الناس وتأثرهم بأخباره يتصل بقلقهم على أنفسهم ومداخيلهم.

فمنذ ثلاثة عقود تقريباً حدث شيء مشابه من دون سابق إنذار، إذ سجَّلت إحدى الشركات العملاقة في صناعة السيارات الأمريكية خسائر بلغت بلايين الدولارات. وحينئذ لم تكن هذه الأرقام من النوع المتداول بين الناس. وذهل الناس لحجم الخسارة. خسارة تحققها شركة واحدة في عام واحد. ولكن ذهولهم تضاعف حينما وجدوا أن جُلَّ ما نتج عن هذه الخسارة هو تغيير الشركة لرئيسها، وإعادة هيكلة بنيانها محدثةً بعض التقدم في الإنتاج والتسويق، واستمرت كأن شيئاً لم يكن.

وكان هذا بالتأكيد مثيراً للاستغراب.. ومثيراً للإعجاب كذلك. أن تربح أية شركة أرباحاً بهذا الحجم محط إعجاب لاريب، لكن أن تستطيع أن تخسر مثل هذه الخسارة وتستمر فهذا محط إعجاب أكبر.

وحجم السوق الأمريكية الضخم هو من الحقائق الرئيسة في بنيان الاقتصاد العالمي. ولكنها حقيقة تغيب بشكل أو بآخر عن بال الناس وهم يتابعون الأحداث السياسية والاقتصادية.. وربما كان الفارق في الحجم بين هذه السوق وبين اقتصادات أخرى هو أكبر من أن يتقبله الإنسان برضاه، ولهذا يميل إلى تناسيه والالتفات عنه. فحتى الذين يحتفظون بهذه الحقيقة حاضرة في تفكيرهم يغيب عنهم الحجم الفعلي للفارق. لتأتي أحداث على هذه الدرجة من الفداحة لتذكرهم وتذكرنا جميعاً. وهنا أيضاً يلف الشعور بالدهشة والقلق شعورٌ بالإعجاب. وإذا كان القلق قد بدأ يطغى، جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية لترجح في الميزان بشكل أو بآخر كفة الدهشة وثم الإعجاب مرة أخرى.

إلا أن حجم الخسائر ربما يكون قد فاق الكم إلى النوع.. ويبقى أن نرى إن كان تغيير رئيس وزيادة فعالية الإنتاج والتسويق سوف تكفي.

أضف تعليق

التعليقات