تخيل.. لو استيقظت صباحاً لتجد أن الشاشات بجميع أنواعها وأحجامها قد اختفت من حياتنا.. يا ترى ماذا سيحل بالعالم؟!
هذه ليست فكرة لفلم سينمائي، إنما رحلة مع فريق القافلة للتخيل والتعرف على أثر هذه الشاشات في حياتنا اليومية.

مع مرور الزمن تطورت الشاشات، وتعدد استخدامها فلم تعد حكراً على أجهزة التلفاز، بل أصبحت جزءاً أساسياً في أجهزة عديدة نستخدمها يومياً.
هل نستطيع أن نتخلص من هيمنتها الطاغية علينا؟ وهل هذه الهيمنة مشروعة، أم تحتاج منا إلى انتفاضة وإعادة ترتيب لحياتنا؟! هل الخوف من الشاشة وأضرارها مبرر، أم هو خوف لا داعي له؟ دعونا نجوب بكم في عالم الشاشات السحري لنتعرف على مدى هيمنة ذلك الناقل للصور والحديث المكتوب على حياتنا اليومية.
لم تعد الشاشة حكراً على جهاز التلفاز الذي أبهر العالم في بدايات القرن العشرين، بل أصبحت جزءاً من الهاتف النقال، وجهاز الحاسب، والآي باد، وأجهزة كاميرات المراقبة بأنواعها، وشاشات البورصة، وشاشات المطارات. فهي جميعها نوافذ تنقل إلينا الصور والحدث، وتحاصر حياتنا اليومية، سواء في العمل، أو الترفيه، أو التواصل الاجتماعي.

ماذا لو اختفت جميع هذه الشاشات من حياتنا بدءاً من شاشة التلفاز المثيرة، فلم يعد باستطاعتنا أن نرى تلك الصور الحية، أو نتابع بالصورة مسلسلاتنا المفضلة..؟! ماذا لو اختفت شاشة الهاتف النقال فلم يعد يظهر أمامنا رقم المتصل، ولا الرسائل النصية؟! حتى لوحة المفاتيح «الكيبورد» لم يعد لها قيمة مع غياب شاشة جهاز الحاسب التي من خلالها نتواصل عملاً وترفيهاً ومعرفةً. ماذا لو لم يعد للآي باد شاشة؟! حتماً، سيتحول إلى مجرد لوح أسود. حتى الشاشات في صالات البورصة ستتحول إلى صناديق فارغة! وفي المطارات ستحل الفوضى والأسئلة عن تلك الرحلات القادمة والرحلات المغادرة. حتى كاميرات المراقبة المعلقة على أبواب البيوت لن تجدي نفعاً، ففي ظل غياب الشاشة لن تستطيع أن تنقل صورة من يقف أمام باب بيتك والتعرف على هويته.

عندما تختفي الشاشة بحلوها ومُرِّها، حتماً، ستختفي أشياء كثيرة من حياتنا. وسنصاب بالعمى الجزئي! فجزء كبير من الرؤية في حياتنا يعتمد على الشاشات التي هي المعبر إلى هذه الرؤية التي اختفت، وحل محلها الفراغ. فلم نعد نستطيع أن نرى إلاّ ما يواجهنا حقيقة.

ماذا تعني الشاشة؟!
من خلال نظرة سريعة وفاحصة على محتويات بيتك تكتشف أن هناك أجهزة كثيرة مزودة بشاشات لإظهار الصورة أو الأرقام والحروف. تُعد بمنزلة نافذة سحرية عجيبة تنقل لنا ما يجعل حياتنا، أحياناً، أكثر سهولة وراحة. فجهاز الميكرويف ماذا يعني لو لم يكن مزوداً بشاشة مؤقِّتة! فالشاشة تبين أنه ربما كان للثانية فيه فعل الاحتراق. إننا في حياتنا محكومون بمتابعة الشاشة، سواء كانت شاشة تلفاز ينقل الأخبار المروعة، أو شاشة ميكرويف يسخن لنا طبقاً بارداً، أو في انتظار مكالمة مهمة تضيء شاشة الهاتف بالرقم. لقد باتت الشاشة صديقنا اللصيق، سواء كنا في المكتب، أو في المنزل.. في السيارة، أو في أكثر الأماكن حميمية.

كما أن الشاشات فرضت علينا نوعاً من السلوك ونحن نواجهها يومياً، كالصمت والتركيز، والتأمل. وأصبح لشاشات الهاتف النقال استخدامات كإضاءة الطريق في العتمة! كما أنها قد ملأت أوقات الفراغ لدى بعضنا. لكنها، ربما، أضاعت أوقاتاً مهمة في حياة بعضنا الآخر. إن الشاشة تعني شيئاً كبيراً في حياتنا. فهي الصديق عندما يعز الأصدقاء، وهي النافذة التي تفتح مصراعيها لتسعدنا وتبهرنا بالرؤية.

يوم دون شاشة
لو قررنا يوماً أن نعيش دون شاشات نواجهها..يا ترى ماذا ستكون البدائل؟! في بعض الحالات ستكون البدائل مفيدة للصحة والتواصل الاجتماعي كبديل التلفاز، مثلاً. بينما ستكون بدائل شاشة جهاز الحاسب فادحة على صعيد العمل. أما بدائل شاشات الهاتف وكاميرات المراقبة والبورصة وشاشات المطارات فستكون، حتماً، مربكة. هل نستطيع أن نعيش دون شاشة؟! سؤال يثيره ما يقال عن الشاشات وضررها الصحي والاجتماعي.
إن يوماً واحداً دون شاشة سيغير حياة الأطباء والمهندسين والمديرين والطلاب حتى ربات البيوت. ربما اختفت البهجة من يومهن في يوم اختفاء الشاشة. ستكثر الأخطاء وستؤجل الأعمال.. سينزل مؤشر البورصة، وتغادر الرحلات الجوية بأقل من المطلوب هذا إن غادرت في غياب شاشات كبينة القيادة في الطائرة.

أنواع الشاشات وتاريخها
الأسكتلندي جون لوجي بيرد(1888-1946م) والذي كان يعمل مهندساً كهربائياً استطاع أن يغيّر حياة الناس ونمطها، وذلك باختراعه جهاز التلفاز، إذ يبث صوراً متعددة من خلال شاشة فضية. لقد كانت الشاشة الفضية هي نقطة الانطلاق نحو الشاشات المختلفة الأنواع والأحجام والأغراض. فالشاشة تختصر السؤال والجمل، إذ تنقل الصورة فتغني عن مئات الكلمات. كما تختصر لنا الوقت الذي نقضيه في الوصول إلى المعرفة.

مع مرور الزمن تطورت الشاشات، وتعددت استخدامها فلم تعد حكراً على أجهزة التلفاز. بل أصبحت جزءاً أساسياً في أجهزة عديدة نستخدمها يومياً. لذا تتسابق شركات الصناعة الدقيقة في تصنيعها واستحداث الجديد منها ملغيَةً ما قبلها بمميزات أشمل وأكثر جدة. تتنوع شاشات ما بين شاشات «إل سي دي» و«أو إل اي دي» في حين أن الأولى تعتمد على اثنين من الفلاتر من مادة مستقطبة بينهما محلول من الكريستال السائل. وعندما يمر التيار الكهربائي خلال السائل الكريستالي يتحول الضوء لصورة أو رمز أو إشارة. وتتكون الشاشة من بكسل عبارة عن نقاط من الألوان أو الضوء. يستعمل هذا النوع من الشاشات في جهاز التلفاز والهواتف النقالة والساعات المؤقِّتة وشاشات الحاسب. وشاشات الكريستال الملونة تنقسم إلى قسمين: الأول: نسيج خامل إس تي إن وهي أقل كلفة، ونسيج فعال تي إف تي، وهذا النوع يظهر الصورة بشكل أكثر جودة.

أما النوع الثاني فهو شاشات أو إل اي دي المضيئة بذاتها ولا تحتاج إلى إضاءة خلفية، وزاوية الرؤية فيها كبيرة تصل إلى 160 درجة، وتتميز عن شاشات الكريستال بأنها ذات سطوع أكبر، وأخف وزناً، وأكثر متانة. كما أن زمن الاستجابة فيها قصير جداً. وتتفوق على الشاشات الكريستالية بسرعة الاستجابة والألوان الأقرب إلى الواقع. وربما سيطر هذا النوع على سوق الشاشات في المستقبل القريب. ولقد ظهرت تباشير هذه السيطرة في نهاية عام 2010 المنصرم عندما أعلنت شركة سوني اليابانية المصنعة لشاشات الكريستال السائل أن مبيعاتها بلغت أقل من 25 مليون وحدة خلال السنة الماضية. وهذا يعد رقماً لا يبشر بالنمو المرتجى في عالم صناعات الشاشات، ما جعل شركة سوني تخسر أكثر من نقطة في تداولات البورصة.

حتى وإن كان المخترع الأول إسكتلندياً، فإن الشركات اليابانية والتايوانية، الآن، تتربع على عرش الصناعات الدقيقة، ما جعل اليابان وتايوان تتنافسان في صناعة الشاشات. فلقد ضخت مؤخراً شركة الصناعات الدقيقة التايوانية هون هاي مبلغ مليار ومئتي دولار أمريكي لوحدة الشاشات إل سي دي التابعة لشركة هيتاشي اليابانية. ما جعل تايوان هي الصانع الأكبر في العالم لشاشات إل سي دي الكريستالية، وخلافاً للأنواع الأخرى من الشاشات التي تسيطر عليها شركات يابانية وتايوانية. كما تُعد شركة هون هاي التايوانية من كبرى الشركات التي تزود شركة أبل الأميركية بشاشات الآي فون، والآي باد.

الشاشة ذات الشعور
هل يكفي أن تنقل لنا الشاشة صوراً بألوان أقرب إلى الواقع، أو بأبعاد ثلاثية لا تستدعي المشاهد أن يرتدي نظارة ليشاهد الصور، كما فعلت توشيبا الرائدة في صناعة التقنية اليابانية، والتي بدأ بيعها في اليابان هذا العام، لتفرض هذه الهيمنة الطاغية، ونستبدلها بالأصدقاء ومجلس الأقارب؟! هل يكفي ذلك لتكون الشاشة الرقم الأول في حياتنا؟

لقد طور فريق من الباحثين اليابانيين ومنهم المهندس نوريو ماكامورا، أحد علماء فريق البحث والمتخصص في صناعة الألعاب، جهازاً تلفازياً بأبعاد ثلاثية يمكن المشاهد من لمس ونقر وتكبير الصور على الشاشة، كما يمكن للمشاهد أن يختار ما بين خمسة أحاسيس وهي الشعور بنعومة الشيء أو خشونته، وإثارة الإحساس بدفع جسد أو سحبه من على الشاشة.

عادات سيئة أمام الشاشة
بما أن هذا الكائن المدعو شاشة جزء من حياتنا اليومية فإنه لزاماً علينا أن نتعاطى معه بما يتيح لنا من خدمات وترفيه دون أن نلحق الضرر بأنفسنا أو بالآخرين، وأن نتوخى الحذر عندما نقضي معظم وقتنا أمامه. لذا، فالنصائح الطبية والاجتماعية التي تلاحقنا يجب أن ننظر إليها بعين الاعتبار. فالشاشة صديق لصيق بنا، لكنها ربما جلبت الضرر النفسي لنا ولأطفالنا الذين يواجهون الشاشات ساعات طويلة من اليوم. ولقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن الطفل الذي يجلس ساعات طويلة، سواء أمام شاشة التلفاز، أو الحاسب، أو ألعاب «البلاي ستيشن» تجعله عرضة للانطواء أكثر من غيره، حيث يمتنع عن المشاركة الاجتماعية والتواصل الحقيقي مع الآخرين. كما أن الجلوس غير المقنن أمام الشاشات، سواء بهدف التسلية، أو العمل يلحق ضرراً صحياً بالعين وبالجهاز العصبي والعمود الفقري، ويضر بالبشرة. كما يلحق ضرراً بالعلاقات الأسرية حيث ينشغل الزوجان عن بعضهما أمام الشاشة، والأم عن أطفالها، والأبناء عن والديهم، ما يجعل الشاشة هادمة للذات الحقيقية، ومفرقة للجماعات.. كما أن بعض العادات السيئة التي تصاحب الجلوس أمام الشاشة كالأكل، والجلوس بطريقة غير صحية، وعدم الالتزام بالوقت المقنن تحتاج منّا إلى انتفاضة حقيقية.. فالتقنية بجميع أوجهها وجدت لتضيف إلى حياتنا الراحة والبهجة لا السمنة والاكتئاب. لذا يجب أن نعرف كيف نتكيف مع هذة الشاشة، فهي ليست ضيفاً مؤقتاً في حياتنا، بل هي كائن متطور ينمو معنا، ويدخل في تفاصيل حياتنا شئنا أم أبينا. الشاشة العملاقة..
قلب أعمال أرامكو النابض
لعل شاشة مركز تنسيق الأعمال التابع لشركة أرامكو السعودية في الظهران من أكبر شاشات المتابعة اليومية التي لا غنى عنها في حياة شركة نفطية عملاقة، إذ تمثل العصب الرئيس في التحكم بأعمال الزيت والغاز، كما تعرض هذه الشاشة خمسة جوانب حيوية مهمة، وهي: شبكة الزيت الخام، شبكة الغاز وسوائل الغاز الطبيعي، تخطيط أعمال الفرض وجدولتها، شبكة المنتجات المكررة، وشبكة الطاقة الكهربائية.

تم إنجاز هذه الشاشة في عام 2005م بحجم عملاق، إذ بلغ طولها 67 متراً وعرضها ثلاثة أمتار. كما تتكون من 150 شاشة عرض، ويتم التحكم في كل شاشة من هذه الشاشات الجدارية بشكل منفرد بوساطة الكومبيوتر الشخصي. ولقد صُمِّمت هذه الشاشة معتمدة على تقنية معالجة ضوئية رقمية، فالصور فيها تتشكل عن طريق عكس الضوء من خلال مرايا صغيرة، يخترقها الضوء المعكوس، وهذه الشاشات المئة والخمسون متصلة ببعضها مُكونة شاشة أعمال عملاقة ضخمة.

الجدير بالذكر أن هذه الشاشة تعمل طوال اليوم دون توقف، وذلك باستعمال أجهزة كومبيوتر وبرامج مراقبة مختارة بعناية.