مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر - أكتوبر | 2018

مدرسة في صندوق


غالباً ما يأخذ الأطفال التعليم كأمر مسلّم به، وسواء أكانوا يلتحقون بمدارس عامة أو خاصة فإن فرصة التعلّم متوفّرة لهم بكل سهولة. ولكنَّ هناك كثيراً من الأطفال في مختلف أنحاء العالم لا يملكون سوى الحلم بهذه النعمة التي لا تقدّر بثمن. وشاءت الظروف أن يقرأ المهندس المعماري الأسترالي ستيفن كولير رواية الكاتبة دروزيللا مودجيسكا “الجبل”، التي تحكي قصة قبائل في جزيرة بابوا غينيا الجديدة تحكمها ثقافات معيَّنة، ولكنها تكافح لتتبنى الأعراف المعاصرة وتسعى لتعليم أطفالها من دون أن تتوفر لها الفرصة إلى ذلك. ففي القرى التي تقع في المناطق النائية من تلك البلاد، حيث تقطن قبائل لا تتعدَّى فيها نسبة معرفة القراءة والكتابة بين البالغين نسبة 15 في المئة فقط، يرغب الآباء في تعليم أطفالهم، إلا أنهم لا يريدون إرسال أطفالهم إلى مناطق حضرية بعيدة، حيث تتوفر المدارس.
وبما أن كولير كان قد ولد في بابوا غينيا الجديدة نفسها، أثار هذا الموضوع اهتمامه. فاتصل بالكاتبة مودجيسكا وطلب منها مساعدته في إيجاد وسيلة لتوصيل التعليم إلى أبناء تلك القبائل بأسهل طريقة ممكنة. وبعد عصف ذهني طرحت فيه أفكار عديدة، بدأ مفهوم “مدرسة في صندوق” في التبلور أمامهما.

مواصفات هذه المدرسة
ذهب تفكيرهما إلى الصناديق المصنوعة من البولي كربونات المستخدمة في بعض الجيوش لنقل الأسلحة، وأرادا استعمال مثل هذه المادة في تصنيع صندوق يكون بمثابة مدرسة متنقلة، ويكون خفيفاً بما فيه الكفاية ليتم نقله بسهولة من قرية إلى أخرى وكبيراً بما فيه الكفاية ليضم جميع مستلزمات المدرسة العملية، وقوياً بما يكفي لضمان دوامه وقدرته على حماية حمولته.
وبالفعل صمما صندوقاً يضم خزانتين من الخشب وخيمة كبيرة مع كابلات وأعمدة وحبال وروابط ولوحين للطاقة الشمسية وبطاريات ولوحة كهربائية وجهازي كمبيوتر محمول وطابعة ورق وكتب وأوراق وأقلام وطباشير ملونة ودهانات وفراشي وخزان مياه ومرشح مياه بسيط يمكنه العمل بدون كهرباء أو مواد كيميائية.
كان من أهداف كولير ومودجيسكا من ابتكار “مدرسة في صندوق” أن تركز محتوياته ليس فقط على تعليم الأطفال، ولكن أيضاً على الكتابة الإبداعية والرسم في فصول لمحو الأمية للبالغين، ومشاركة القصص المحلية للتشجيع على تنشيط الخيال بدلاً من التعليم النمطي الذي يعتمد على التكرار، بالإضافة إلى جعل التعليم أسهل على الفتيات.
ومنذ قيامه في عام 2014م، لاقى هذا المشروع دعم عديد من الجمعيات الخيرية، وفاز بجائزة “المؤسسة الأسترالية للمهندسين المعماريين” للمشاريع المعمارية الصغيرة لعام 2018م. الأمر الذي حفّز كولير على البحث في كيفية تقديم مزيد من هذه الصناديق التي تُعد أفضل هدية يمكن تقديمها لكل من يسعى إلى التعليم في العالم ولا يمكنه الحصول عليه.


مقالات ذات صلة

على الرغم من وجود العديد من التساؤلات حول مستقبل الكتب المادية، فقد أطلقت الفنانة الإسكتلندية المفاهيمية “كاتي باترسون” في عام 2014م فكرة إنشاء “مكتبة المستقبل” كمشروع فني تطلعي يجمع بين كونه كبسولة زمنية أدبية ومشروعًا بيئيًا. كرّست “باترسون” جلّ اهتمامها بما ستتركه البشرية للأجيال القادمة؛ لذلك ابتكرت فكرة إنشاء هذه المكتبة في مدينة أوسلو النرويجية. […]

استطاعت الدول الناطقة باللغة الألمانية (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا) أن تخلق نموذجاً في النهضة والتفوّق بالاعتماد على الأيدي العاملة المؤهلة مهنياً، وقد حقَّق هذا النموذج نجاحاً باهراً على مستوى العالم، فيما تسعى دول كثيرة داخل أوروبا وخارجها للاستفادة منه، ففي هذا البلد المزدهر اقتصادياً، يُعدُّ التدريب المهنيّ سرّاً من أسرار نجاحه، بل وربما ريادته عالمياً، فبفضله […]

من المؤكد أن للعلوم والتكنولوجيا تأثيراً عميقاً على المجتمع، لكن العكس صحيحٌ أيضاً، بحيث يشكِّل المجتمع، بصورة كبيرة، الطرق التي تتطوَّر بها العلوم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه لا يمكن دائماً للعلماء، من ناحية، وعامة الناس والحكومات والشركات، من ناحية أخرى، فهم بعضهم بعضاً بوضوح، لهذا السبب كان لا بدَّ من وجود خبراء ذوي […]


0 تعليقات على “مدرسة في صندوق”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *